مؤسسة ويلى الإنجليزية لصاحبها الناشر البريطانى جون ويلى وأولاده والتى تعد المكتبة المصرية الأكاديمية وكيلها فى مصر والمنطقة لصاحبها أحمد أمين وأولاده، والتى تساهم فى مسألة تبسيط العلوم وتقييم الكتب العلمية للقارئ العربى، عقدت على هامش معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته هذا العام اتفاق تعاون (بروتوكول مشترك) لتطوير النشر الإليكترونى، وقد أسعدنى أمين الابن فى كلمته بحفل إطلاق التعاون بقاعة عايدة بماريوت القاهرة بكلمته حول العلاقة المستقبلية بين النشر الإليكترونى والوسائط المتعددة القادرة على مزج النص بالصورة والصوت ومقاطع الفيديو المتحركة. وهو المدى القريب الذى يمثل أفقا مفتوحا فى تقديرى للفنون التعبيرية فى مصر وعلاقتها بالنشر الإليكترونى.
وإن كانت المكتبة الأكاديمية تستهدف بالأساس النشر العلمى الإليكترونى فى إطار ما جاء فى كلمة د.أحمد شوقى المستشار العلمى للمكتبة حول ضرورة الانتقال من مرحلة التعليم لمرحلة التعلم، وهى مسألة يمارسها الفرد بذاته دون حاجة لوسيط بينه وبين المادة العلمية.
هذا وقد توسعت المكتبة الأكاديمية فى السنوات الماضية فى نشر العلوم الاجتماعية والأدبية والفنية فى إطار فهم معاصر لمسألة وحدة المعرفة العلوم التطبيقية والعلوم النظرية والفنون مما ذكرنى بمحاولة الناشر المصرى إبراهيم المعلم منذ سنوات قريبة تطوير فرع لشركة الشروق للنشر لإنتاج الدراما والفنون التعبيرية والأفلام الوثائقية، لكنها تجربة لم تكتمل فى سعيها نحو الدمج الإليكترونى بين النشر وإنتاج الفنون.
وهكذا يطل أمين فى الأكاديمية والمعلم فى الشروق وهما شركتان برأس مال مصرى خالص، وتعملان فى أرقى التخصصات، الأولى فى العلوم والثانية فى الآداب والثقافة نحو تطلع معرفى فى اتجاه وحدة العلوم والثقافة والفنون.
ولعل الفنون والفنون التعبيرية على الأخص تنتظر فى مصر والعالم العربى هذا الدمج مع النشر الإليكترونى، ولعل منصة (wathch it) المحمية بحقوق قانون الملكية الفكرية، هى منصة ملهمة لنشر الفنون مدفوعة الأجر مسبقا قبل المشاهدة تعد هى الباب المفتوح على عالم لا محدود لنشر وترويج الفنون إليكترونيا.
ولكنها مخصصة فقط للأنواع الجماهيرية ذات الطابع التجارى، فهى تقدم أقوى المسلسلات الدرامية وأفلام الحركة دون الاعتناء بمسألة الفنون الرفيعة والمختلفة جماليا ومعرفيا.
ودون الاقتراب من العالم الثرى المتنوع الذى تعد به الإمكانيات اللامحدودة للوسائط المتعددة (Multimedia) بمعنى أن المنصة لا تزال مجرد حامل أو عارض للفنون التقليدية، بينما هى أمل ممكن لأنواع متعددة من الفنون الرقمية التى ظهرت مع الحداثة وما بعدها وتطور العقول الاصطناعية واستخدام أجهزة الكمبيوتر بل والتليفون المحمول فى نقل وتداول ونشر المعلومات والمعرفة والفنون.
وهى تمنحنا إمكانيات لا نهائية متاحة فى فنون التجميع (الكولاج) وفنون التركيب وفنى الفيديو والمسرح وما يمكن تسميته بفنون الكمبيوتر بقدرته اللا محدودة على المزج بين النص والصوت والصورة والفنون التشكيلية وما إلى ذلك من استخدامات للممثلين والمغنين مع الصوت والصورة والرسوم المتحركة، خاصة أننا فى مصر والعالم العربى قد تمكنا من امتلاك بيئة تكنولوجية واسعة الانتشار للتقنيات التى يحتاجها النشر والإبداع الإليكترونى،
مما يشكل سوقا كبيرة مفتوحة قادرة على تحقيق الأرباح الكبيرة ماديا ومعرفيا وفنيا.
إن المكتبة الأكاديمية كشركة عاملة فى النشر العلمى على وجه التخصيص تذكرنا بهذا الأمل والباب المفتوح للنشر الإليكترونى الخالص الذى يتأسس على ذاته، دون إعادة نشر الكتاب المطبوع الورقى بما يتيحه هذا النشر من إمكانيات التواصل الضرورى مع الوسائط المتعددة.
مما يجعلنا نجدد الدعوة للمؤسسات الثقافية الرسمية والخاصة ومراكز إنتاج الفنون لضرورة تفعيل مسألة النشر الإليكترونى (electronic pullisghing)، وليس استخدامه كمجرد منصة عرض أو اختزان للمنتجات التقليدية وتجاوز مسألة مجرد تطويعها وبثها وتوصيلها وعرضها إليكترونيا أو رقميا.
والمسألة هى ليست تبادلية بين المبدع وخبير التقنية الرقمية، فهى متاحة فى إطار التعاون الخلاق بين الفنان المبدع والخبير الرقمى، بين الخيال والعلم التقنى.
إن الدوائر المتداخلة بين العلوم والفنون الآن، وازدياد دوائر المعارف المشتركة بين العلوم البحثية والعلوم التطبيقية وبين مناهج النقد الأدبى والعلمى السياسى والاجتماعى وبينها جميعها وبين الفنون، مسألة ملهمة فى عالم جديد معاصر بغض النظر عن مسألة المشاهدة المنفردة التى أتاحتها الشبكة الدولية للمعلومات للفنون التقليدية من مسرح ودراما تليفزيونية وأفلام، فوجود العروض الحية ودعم دور العرض المسرحى والسينمائى والصور الجديدة لشاشات التلفزة الرقمية أمر مهم ومواز لهذا الاهتمام الجديد ألا وهو النشر والإبداع الرقمى للفنون.
وهو أمر سبقه مفهوم مهم فى منتصف القرن التاسع عشر وتجلى بوضوح فى القرن العشرين ألا وهو مفهوم وحدة الفنون، حيث ظهرت الحساسيات المشتركة أولا بين السينما والمسرح فى القرن العشرين وسبقتها القوافل اللا محدود لفنون الشعر والموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية وفنون الضوء، ثم دخل الفيديو لتلك الوحدة، وقدمت لنا العروض الحداثية الحية مزجا مذهلا بين فنون الأداء والرقص والأدب والموسيقى والمسرح.
بينما ومع النشر الإليكترونى حدثت إتاحة مذهلة للإبداع ولوحدة الفنون بطريقة جديدة تفتح آفاقا إبداعية كبيرة فى ظل بيئة تكنولوجية مصرية وعربية قابلة لجعل مثل هذه المنتجات الجديدة واسعة الانتشار. لازال النشر العلمى الرقمى يعمل فى مصر بمفرده، والإعلام الرقمى بمفرده، والفنون التقليدية تكافح من أجل البقاء فى حماية الدفء الإنسانى للمشاهدة الجماعية، إلا أن أفقا كبيرا مفتوحا للإبداع الرقمى دخله العالم وينتظرنا، يبقى محتاجا لإرادة قادرة تجمع المعرفة مع قوة رأس المال وتجمع الفنان مع الخبير التقنى لإنتاج فنون جديدة سريعة الانتشار والتأثير الجماهيرى فى إطار عالم جديد تبقى سمته الأساسية إلغاء الحدود بين الفنون والعلوم والتكنولوجيا.