فى انعكاس واضح لسياسات «الهيمنة» لاحظ خبراء غربيون أن فرض العقوبات الأمريكية على بعض الدول، والشركات الأجنبية، والمنظمات، والشخصيات، وغير ذلك من كيانات، صار ظاهرة ملحوظة خلال الفترة الأخيرة، إذ لا يكاد يمر أسبوع من دون سماع كلمة (فرض عقوبات أمريكية) على طرف ما، وإن كان على سبيل التهديد! كانت أحدث واقعة، هى ما نشره موقع «مشروع الإبلاغ عن الجريمة والفساد المنظم» (OCCRP)، يوم الأربعاء الماضى حول أن وزارة الخزانة الأمريكية فرضت عقوبات على العديد من الأشخاص والكيانات القانونية فى «أوروبا»، و«آسيا» و«أمريكا الجنوبية» بموجب قانون (ماجنيتسكي)، بما فى ذلك عمدة مدينة «فينتسبيلس» فى «لاتفيا» ومنظماته الأربع سواء التابعة له، أو المسيطر عليها، وفقًا ل«مكتب مراقبة الأصول الأجنبية» (OFAC)، التابع لوزارة الخزانة الأمريكية. كذلك حظرت «واشنطن» العمل مع هذه المنظمات لمدة 30 يومًا، وأذنت بمصادرة أى ممتلكات أو حسابات لديه فى «الولايات المتحدة». كان قانون (ماجنيتسكي) ينص فى البداية على معاقبة الشخصيات الروسية المسئولة عن وفاة محاسب الضرائب الروسى «سيرجى ماجنيتسكي». ولكن منذ عام 2016، أصبح القانون مُفعلا على مستوى كل دول العالم، مما يخول ، للحكومة الأمريكية فرض عقوبات على منتهكى حقوق الإنسان –من وجهة نظرها- فى كل أنحاء العالم. وذلك، عبر تجميد أصولهم، وحظرهم من دخول «الولايات المتحدة»، وغير ذلك من عقوبات. بدأ عدد من الباحثين الغربيين يرون أن العقوبات الأمريكية تعد ضمن أكثر أشكال الحرب الحديثة غموضًا وانتشارًا من جانب «وول ستريت»، ووزارة الدفاع الأمريكية (بنتاجون). وصارت تنفذ من دون أن يدرى بها أحد، إذ حولت الإمبريالية الأمريكية الخنق الإقتصادى إلى سلاح مدمر، كما صار فرض العقوبات العسكرية، والاقتصادية أدوات بديلة للحرب. وفى الواقع، تعد تلك الأدوات هى أكثر أشكال الحرب وحشية، لأنها تستهدف -عن عمد- المدنيين العزل بما يشمل الأطفال، والمسنين، والمرضى، وذوى الاحتياجات الخاصة. وقد تتسبب أحيانا فى عمليات قتل كتلك التى تسببها الأسلحة العسكرية. ناهيك عن أنه يؤثر بالسلب على مجالات البنية التحتية الأساسية، والرعاية الصحية، والتنمية الصناعية فى جميع أنحاء العالم. كما يوقف حياة ملايين الشباب، ويقود إلى عمليات هجرة كبيرة. الكاتبة السياسية الأمريكية، «سارة فلاوندرز»، أوضحت فى تقرير لها على موقع «Workers World Party»، أو «حزب العمال العالمي» -وهو حزب ماركسى لينينى أنشئ عام 1959، من أجل تنظيم الثورة الاشتراكية داخل «الولايات المتحدة»، وحول العالم- إن العقوبات الأمريكية استهدفت أكثر من 39 دولة حول العالم، وتؤثر بصورة سلبية على ثلث البشرية، منتهكة القانون الدولي. مؤكدة أن العقوبات تعد جزءًا أساسيًا من خطة «واشنطن» لتغيير الأنظمة داخل البلاد المستهدفة. ومن الجدير بالذكر، أن الموقع الرسمى ل«مكتب مراقبة الأصول الأجنبية» الأمريكي، أوضح أن الدول الأجنبية التى تفرض عليها العقوبات الأمريكية الآن، 19 دولة فقط، من بينها سبع دول تمت معاقبتها هذا العام ! إلا أن «فلاوندرز»، أكدت أنه فى الوقت الذى يتناول فيه الإعلام العالمى أخباراً عن العقوبات والحصار الاقتصادى المفروض على دول، مثل: «فنزويلا، كوبا، إيران، روسيا، والصين»..وغيرها، لا يلقى الضوء –فى المقابل- على الآثار المدمرة للعقوبات الأمريكية على البلدان النامية، مثل: «مالي، زيمبابوي، جمهورية إفريقيا الوسطى، غينيا-بيساو، قيرغيزستان، فيجي، نيكاراجوا، ولاوس»..وغيرهما، إذ يتم إخفاء معظم العقوبات عن قصد، كما يتم عرض بعضها سريعاً بعد مقال إخبارى مفاجئ. كما أنها لا تُرى على رادارات جماعات حقوق الإنسان المختلفة. ومن جانبه، كان السفير الفنزويلى لدى «الأممالمتحدة»، «صمويل مونكادا»، أثناء القمة الثامنة عشرة لحركة عدم الانحياز، التى عقدت فى مدينة «باكو»، بدولة «أذربيجان»، فى 26 أكتوبر الماضي،قد ندد أمام 120 دولة ممثلة بفرض إجراءات تعسفية، و«عقوبات» من قبل «الولايات المتحدة»، باعتبارها (إرهابًا اقتصاديًا) يؤثر على ثلث البشرية فى 39 دولة. وقال، إن هذا الإرهاب: «يشكل تهديدًا لنظام العلاقات الدولية بأكمله، وهو أكبر انتهاك لحقوق الإنسان فى العالم». كما دعت مجموعة ال77 والصين، - وهى هيئة دولية مقرها «الأممالمتحدة»، وتمثل الآن 134 دولة نامية- المجتمع الدولى إلى إدانة ورفض فرض استخدام مثل هذه التدابير كوسيلة للإكراه السياسى والاقتصادى ضد البلدان النامية».
كيف تفرض «واشنطن» العقوبات ؟ أوضحت «فلاوندرز» إن سلاح العقوبات صار سهل الاستخدام على نطاق واسع لدرجة أنه تم تشكيل مجموعة كاملة من القوانين الأمريكية، من شأنها أن تتيح للشركات والبنوك الأمريكية التحرك بسهولة فيما يخص المبيعات، والائتمانات، والقروض، بغرض أن تكون تحركاتهم غامضة وقابلة للتفسير، وسهلة الحيل.. ثم شرحت أنه نتيجة استخدام رأس المال الدولى لنظام الدولار، فإن أغلب المعاملات الدولية تمر عبر البنوك الأمريكية. وهذه البنوك فى وضع يسمح لها بمنع تحويلات الأموال، أو مصادرة مليارات الدولارات التى تحتفظ بها الحكومات والأفراد المستهدفين عندهم، كما يمكن لمسئولى البنوك تجميد جميع المعاملات الجارية، وفرض تدقيق شديد على جميع الحسابات التى تحتفظ بها أى دولة مستهدفة، وعليه يضطر هؤلاء المستهدفون بقبول القيود المفاجئة المفروضة من «واشنطن»، أو مواجهة العقوبات بأنفسهم. وقد أكدت أنه يوجد أكثر من 6300 اسم شخص فى قائمة المواطنين المرصودين، والمحظورين من الأفراد المعاقبين، من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي. طريقة أخرى تلعب بها «واشنطن» لفرض العقوبات، وهى التهديد بحرب، إذ تبدأ «الولايات المتحدة» التى تمتلك أكبر ترسانة نووية، وأكثر من 800 قاعدة عسكرية منتشرة حول العالم، أن تزعم ضد دولة ما، بأنها أكبر تهديدات للسلام العالمي، مثلما حدث من قبل فى الحروب الأمريكية ضد دول «العراق، وأفغانستان، وسوريا» ..إلخ، أو التحركات الأمريكية أمام «كوريا الشمالية، وإيران». إذ تنجح عبر تلك الوسيلة بفرض عقوبات جديدة قاسية، خاصة وإن زاد التهديد الأمريكى بأنهم سيصعدون الأعمال العدائية إلى هجوم عسكرى مفتوح، بحجة تهديد أمنها القومي. مما يجبر أعضاء مجلس الأمن على التصويت بعقوبات، باعتباره حلا تجنبيا لنشوب حرب عسكرية مباشرة.
بالإضافة إلى إعاقة برامج الدول الصاعدة، وفرض الإرادة الأمريكية على أخرى، من أجل تنفيذ سياسات معينة، أوضحت «فلاوندرز» أنه يوجد أهداف أخرى لتلك العقوبات. منها تغير النظام داخل البلد المستهدف بما يتناسب مع مصالح «الولايات المتحدة»، إذ يقوم «البيت الأبيض» بعد فرض العقوبات على بلد ما، بإلقاء اللوم على التضخم المفاجئ، والاضطراب الاقتصادي، ثم إلقاء اللوم على الحكومة التى تتولى حكم البلد المستهدف، ويتم وصف المسئولين بأنهم غير كفؤ، أو فاسدين. وفى نفس الوقت، تراقب الوكالات الأمريكية بعناية الأزمة الداخلية التى يخلقونها، من أجل تحديد الوقت الأمثل لفرض تغيير النظام، أو صنع ثورة ملونة. مضيفة أن وزارة الخارجية الأمريكية، ووكالات الاستخبارات الأمريكية تمول العديد من المنظمات غير الحكومية، والمنظمات الاجتماعية التى تحرض على المعارضة. مؤكدة أن هذه التكتيكات استخدمت فى دول عديدة، منها: «فنزويلا، ونيكاراجوا، وإيران، وسوريا، وليبيا، وزيمبابوي، والسودان»، ... والعديد من البلدان الأخرى.
هل ستنجح المواجهة ؟َ! أوضحت «فلاوندرز» أن هناك جهودا رامية إلى حشد الرأى العالمى ضد العقوبات الأمريكية والحرب الاقتصادية باعتبارها جريمة حرب، وذلك فى فترة 13 إلى 15 مارس 2020. وسيكون شعارها: «إبادة العقوبات!»، «العقوبات هى الحرب!»، «انهوا العقوبات الآن!». مضيفة أن هذه الحملة الواسعة ستضم وقفات احتجاجية، ومظاهرات، وضغطا، ونشر عرائض. ثم أشارت إلى هذه المظاهرات الدولية المنسقة باعتبارها خطوة أولى حاسمة، تدعهما البحوث والشهادات، قرارات النقابات، والمجموعات الطلابية، والعاملون فى المجال الثقافي، والمنظمات المجتمعية، وحملات وسائل التواصل الاجتماعي، وكل أشكال الحملات السياسية، من أجل فضح جريمة العقوبات الدولية. ومع ذلك، يُطرح سؤال أخير فى هذا السياق، هل هناك أى إمكانية لفرض عقوبات على «الولايات المتحدة»، بسبب حروبها التى لا تنتهي، بموجب نفس الأحكام التى تستخدمها فى إحداث الفوضى فى البلدان الأخرى؟!، وهل يمكن محاسبة عالم «وول ستريت» ؟!.