بعد مرور أيام من بداية العام الدراسى الحالى (2019-2020)، أكدت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى، فى بيان لها على ضرورة تفعيل دور الإخصائى الاجتماعى فى المدارس؛ للحد من ظاهرة العنف والمشكلات بين الطلبة وأيضًا لتحقيق الانضباط المطلوب داخل الفصول. إذ يتضمن دور الإخصائى الاجتماعى معالجة القضايا والمشكلات الاجتماعية والنفسية وغيرها للتلاميذ داخل المدرسة وخارجها، إضافة للعمل على رفع مستوى الوعى الفكرى والثقافى للطلاب، وتشخيص الحالات الفردية لكل تلميذ، المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والتأخر الدراسى والسلوكيات المرتبطة بالحالة النفسية والاجتماعية. الآن فى نهاية الفصل الدراسى الأول نسأل: هل يقوم الإخصائى الاجتماعى بدوره؟ خاصة أنه أحد العوامل الأساسية فى تطوير المنظومة التعليمية.. ذهبنا إلى عدد من المدارس بحثًا عن إجابة للسؤال من أرض الواقع. فى مدرسة «السعيدية بنين» بالجيزة، والتى تعد من أقدم المدارس بمصر، وقبل السؤال عن الإخصائيين الاجتماعيين، قال أحد الأخصائيين بالمدرسة، إن دور الإخصائى لم يتراجع، كل ما فى الأمر أن هناك إخصائيًا يرغب فى أداء عمله وآخر لا، لافتًا إلى أن عدد الإخصائيين يصل إلى 9 ما بين أخصائى علم اجتماع ونفس. وعن الدور المنوط بالإخصائى القيام به، قال إن دور الإخصائى الاجتماعى والنفسى يتمثل فى الجلوس مع الطلاب المشاغبين والمخربين لتشخيص حالتهم وممارسة أنشطة تقويم السلوك، وفى حالة تكرار الواقعة يحول الطالب إلى لجنة الحماية المدرسية للنظر فى فصله لمدة أسبوع. وأضاف أن الإخصائى الاجتماعى يتدخل أيضًا فى حال تأخر الطالب عن الطابور، أو الغياب من دون عذر مقبول والتقصير فى الواجبات المدرسية، كما يجمع كلً من الطالب والمعلم وولى الأمر لبحث أسباب كل حالة؛ وتقديم معالجة نفسية للطالب، لافتًا إلى أن العنف هو أكثر مشكلة تواجه الإخصائيين، لهذا نحاول علاج الأمر عبر الندوات والأنشطة المدرسية. فى المقابل، أكد «عصام سعيد»، طالب بالمدرسة، أن دور الإخصائى الاجتماعى يقتصر على كتابة التقارير ضد الطلاب من دون محاولة لمعالجة الأمر. لافتًا إلى أن الأمر لا يتجاوز مجرد إجراءات على ورق وغياب الدور الفعلى على أرض الواقع. وفى مدرسة الشهيد «هشام شتا الإعدادية بنات» بالهرم، الطالبات لا يعرفن مكان غرفة الإخصائى الاجتماعى من الأساس، فقط يعرفون «أبلة عبير» التى تنظم طابور الصباح، وتعاقب الطالبات عند مخالفة الزى المدرسي! بالحديث مع «عبير سالم» الإخصائية الاجتماعية بالمدرسة، قالت إن انتشار السرقة والعنف هى أكثر المشاكل المنتشرة بين الطالبات، لافتة إلى أن السرقة تتم بشكل يومى، ويصعب عليها تفتيش 4 آلاف طالبة بالمدرسة. وأضافت: إن الطالبات يعتبرن السرقة شطارة، إذ إن «الحرمان والفقر»، هما الدافع وراء تدنى سلوكيات الطالبات، خاصة فى غياب دور الأسرة وانشغال الآباء. مؤكدة أن نسبة انفصال أولياء أمور طالبات المدرسة تتعدى 50%. وعن محاولات الانتحار أشارت لزيادة نسبة محاولة انتحار الطالبات وقطع الشرايين، ويرجع السبب لمعظم تلك الحالات إلى فشل علاقات عاطفية فى سن المراهقة أو ما يسمى «الانتحار العاطفى». بينما وصلت الأمور لأسوأ حال فى مدرسة «الشهيد محمد محمود عبدالعزيز الإعدادية للغات» بشارع الهرم، رغم أنها مدرسة حاصلة على «الجودة» من وزارة التربية والتعليم، لكن المدرسة معروفة بزيادة حالات الانتحار من الطلاب. «أسماء» إحدى الطالبات بالمدرسة، قالت إنه لا يوجد أى نوع من الأنشطة بالمدرسة. لافتة إلى أن دور الإخصائيين ينحصر فى كتابه جواب الرفت والإنذار للطلاب، وجعل الطلبة يقومون بإزالة القمامة من الحوش. تحدثنا مع «هالة» مشرفة الدور والتى تعمل بالأساس إخصائية اجتماعية بالمدرسة، والتى أكدت أن المدرسة تهتم بالتأهيل الاجتماعى والنفسى للطالبات، ومشاركتهن فى جميع الأنشطة والمسابقات؛ سواء على مستوى المدرسة أو مدارس الأخرى. فى السياق نفسه، قالت «إيمان»، إحدى الطالبات «احنا ما بنشوفش الإخصائى إلا فى جمع التبرعات مننا أو جمع فلوس من الطالبات بهدف شراء مستلزمات كانتين المدرسة للاستثمار، يعنى بدفع 20 جنيهًا وأخدها آخر السنة 25 جنيهًا.. إنما مفيش أنشطة بنشارك فيها». وتجنبًا لكل هذه المشاكل رفضت إدارة مدرسة «أبناء الأندلس الخاصة»، تعيين إخصائيين اجتماعيين بالمدرسة لأنهم «غير مفيدين فى شىء» بحسب ما قال المدير، وتقوم المدرسة باستبدال الإخصائيين بالمشرفين على الأدور، حاصلين على مؤهلات متوسطة، لعقاب الطلبة فى حالة حدوث أى مشكلة. وفى مدرسة «دار فيصل الخاصة» ومدرسة الأورمان التجريبية، تقتصر مهمة الإخصائيين على سد عجز المدرسين والشرح داخل الفصول، حتى إن بعضهم أصبح يقوم بالتدريس فى مجموعات التقوية بالمدرسة. وتقول سارة مجدى، حاصلة على ليسانس الخدمة الاجتماعية؛ إنها انتُدبت لتدريب الخدمة العامة فى إحدى المدارس التجريبية، وفقا لجواب الشئون الاجتماعية، لكنها فوجئت باشتغالها فى أعمال إدارية، والحصص الاحتياطية لسد عجز المدرسين، مؤكدة أنه لا وجود للتأهيل النفسى ولا الاجتماعى داخل المدرسة. قررت «سارة» الاستقالة من المدرسة بعد فرض الإدارة عليها كتابة جوابات الفصل والإنذار للطلبة. لافتة إلى أن دور الأخصائى هو تعزيز الانتماء لدى الطلاب، من خلال مشاركتهم مشاكلهم والعمل على حلها. من جانبها، قالت شيماء على، مؤسسة ائتلاف «نبنى بلدنا بتعليم ولادنا» إن انشعال الإخصائيين الاجتماعيين بالأعمال الإدارية تسبب فى غياب دورهم. لافتة إلى أنهم فى السابق كانوا معنيين بتنظيم الأنشطة الاجتماعية كزيارات الهلال الأحمر، والمعسكرات وغيرها من الأنشطة التى تجعل الطلاب ينظرون للحياة بشكل إيجابى. وأضافت: إن الإخصائى الاجتماعى هو همزة الوصل بين المدرسة وولى الأمر، يقوم باكتشاف المواهب لدى الطلاب والعمل على تنميتها بالمشاركة مع أولياء الأمور، إضافة للعمل على تهيئة جو نفسى إيجابى للطلاب داخل المدرسة. الدكتورة إيمان عبدالله، استشارى علم الاجتماع؛ أكدت على أهمية دور الإخصائى الاجتماعى فى المدرسة، مشيرة إلى أن غياب ذلك الدور تسبب فى الكثير من الآثار السلبية، خاصة بالنسبة للطلبة الذين يعانون من بعض الاضطرابات السلوكية والنفسية نتيجة المشاكل الأسرية، والتى لا يقدر على اكتشافها سوى الإخصائى الاجتماعى، وقد يتسبب عدم علاج بعض الأمراض النفسية والسلوكية مبكرًا فى تدهور الحالة النفسية للطفل تستمر معه طوال العمر. وأضافت: إن دور الإخصائى يتركز فى كسر الحاجز النفسى بين الطالب والمدرسة، لافتة إلى أن قيام الإخصائى الاجتماعى بمهام إدارية، يتنافى مع مهمته كصديق للطلاب ومعالج نفسى لهم، إضافة لغياب نظرة التقدير من الطلاب بعد أن يقوم بالدخول احتياطيًا بدلا للمدرس أو بائعًا داخل الكانتين وحارسًا للمدرسة.