ربما كان من سخرية القدر أن تتلقى الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان موجة انتقادات عاتية بسبب انقلاب أتوبيس يقلّ مجموعة من الأطباء حديثى التخرج أثناء انتقالهم من المنيا إلى القاهرة للمشاركة فى دورة تدريبية تنظمها الوزارة رغم أنها وزيرة الصحة وليست مسئولة عن الطرق والنقل، فى الوقت الذى تفلت الوزيرة نفسها بأعجوبة من بين أيدى نواب البرلمان فى الاستجواب المقدم ضدها بسبب تراجع مستوى الخدمات المقدمة فى المستشفيات الحكومية عموما ومستشفى بولاق الدكرور بصفة خاصة..الاستجواب «اليتيم» الذى شهده البرلمان بعد مرور 4 سنوات من عمر دورته الحالية تقدم به النائب محمد الحسينى نائب بولاق الدكرور ضد الوزيرة هالة زايد بسبب الإهمال الذى تعانيه المستشفى وانتشار القطط والكلاب بداخلها، وبعد استيفاء إجراءات مناقشة الاستجواب فى الجلسة العامة يوم الثلاثاء الماضى إذا به يسقط نتيجة مجموعة كبيرة من العوامل بعضها مثير للدهشة بل للضحك أحيانًا. تمخض البرلمان فولد استجوابا مبسترا، ولم يجد له أهلا فأصبح يتيما، ولم يجد من يرعاه فمات.. هكذا كان حال أول استجواب فى عمر البرلمان الحالى، وفى السطور التالية نعرض ظروف وملابسات السقوط المفاجئ. لخمس ساعات كاملة امتدت المناقشات تحت قبة البرلمان، وأمطر النواب خلالها وزيرة الصحة بوابل من الانتقادات، وهاجموا أداءها بشدة، واتهموها بالتقصير بسبب حالة الإهمال والتردى التى تعانيها جميع المستشفيات الحكومية على مستوى الجمهورية، حتى أصبح هناك اقتناع لدى النواب بضرورة سحب الثقة من وزيرة الصحة، فقام النائب محمد الحسينى مقدم الاستجواب بجمع توقيعات النواب على طلب سحب الثقة، وبالفعل استطاع الحصول على توقيع 61 نائبا على طلب سحب الثقة من الوزيرة، وبذلك أصبح الطلب مستوفيا للشروط اللائحية وصحيحا وتم قبوله من رئيس المجلس. المفاجأة وقعت حين أعلن الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب إغلاق باب المناقشة فى الاستجواب، والانتقال إلى جدول الأعمال، مما يعنى أن الاستجواب قد سقط، وذلك لأنه عندما تم تلاوة أسماء الموقعين على الطلب تم التحقق من عدم وجود عدد ممن وقعوا، وهذا يعتبر تنازلا منهم عن الطلب، وبذلك يصبح غير صحيح لائحيا. فى محاولة لتفسير أسباب ما جرى استطلعت «روزاليوسف» آراء مقدم الاستجواب والموقعين على طلب سحب الثقة سواء من ظلوا بداخل القاعة بالجلسة العامة حتى انتهاء الجلسة، أو من غادروا القاعة وبسببهم تم رفض طلب سحب الثقة وبالتالى سقط الاستجواب. أكد النائب محمد الحسينى مقدم الاستجواب ضد وزيرة الصحة أن الاستجواب وإن كان قد سقط داخل البرلمان لكنه حقق المراد منه حين حصل مستشفى بولاق الدكرور العام على مبلغ 150 مليون جنيه لتطويره، بالإضافة إلى تزويده خلال الشهرين القادمين بوحدة رعاية قلب والسكتة الدماغية وأجهزة الرنين المغناطيسى، وهذه الأجهزة والوحدات لم تكن موجودة من قبل فى المستشفى، كما تم رفع إجمالى عدد الأسرة فى المستشفى من 119 إلى 219 بزيادة 100 سرير.. قائلا: أنا أعتبره إنجازًا، فقد حصلت على كل ما سبق وطلبته لتطوير المستشفى ومعالجة أوجه القصور بها بعد تقديمى للاستجواب مباشرة وقبل أن يتم مناقشته أساسا داخل البرلمان، وبذلك أرى أن الاستجواب حقق هدفه وهو الخدمة على الأرض. فى المقابل استنكر النائب محمد عطية الفيومى تخصيص الوزيرة مبلغ 150 مليون جنيه لتطوير المستشفى فور تقديم الاستجواب وقبل مناقشته داخل البرلمان، بهدف تهدئة الضغط عليها أثناء المناقشة معتبرا ما جرى «عذر أقبح من ذنب» فهذا يعنى إما أن الوزيرة لديها أموال ولم تخرجها للمستشفيات التى تعانى من نقص الخدمات للمواطنين، وإما أنها أخذت من اعتمادات مرصودة بالفعل من قبل لمستشفيات أخرى فى حاجة للتطوير، وقامت الوزيرة بتحويلها إلى مستشفى بولاق الدكرور العام محل الاستجواب، لتنجو من سحب الثقة، وفى جميع الحالات تعتبر مقصرة وتستحق المحاسبة وسحب الثقة. واعتبر الفيومى أنه لولا وجود عوار فى لائحة مجلس النواب ما أفلتت الوزيرة من سحب الثقة، بمعنى أن المادة 222 من لائحة مجلس النواب تنص أنه «تقدم إلى رئيس المجلس أثناء المناقشة الاقتراحات المتعلقة بالاستجواب كتابة، ويعرض الرئيس هذه الاقتراحات عقب انتهاء المناقشة، وتكون الأولوية للاقتراح بسحب الثقة متى قدم من عشر عدد الأعضاء على الأقل»، وقد قام النائب محمد الحسينى مقدم الاستجواب خلال مناقشته بعد أن اتضح أن الملامح تشير فى اتجاه سحب الثقة فعلا من وزيرة الصحة، قام بأخذ توقيعات النواب على طلب سحب الثقة، واستطاع الحصول على توقيع 61 نائبا، وبذلك يكون قد وصل إلى عشر عدد الأعضاء طبقا للائحة، فقام بتقديمه إلى رئيس المجلس وتم قبول تقديمه، ولكن المادة 227 من لائحة المجلس تنص على «أنه يعرض الرئيس الطلب باقتراح سحب الثقة على المجلس عقب مناقشة استجواب موجه إلى من قدم طلب سحب الثقة منه، وبعد أن يتحقق من وجود مقدمى الطلب بالجلسة، ويعتبر عدم وجود أحدهم بالجلسة تنازلا منه عن طلب سحب الثقة»، وهذا نص معيب، لأنه لو نائب واحد فقط ممن وقعوا على طلب سحب الثقة من ال61 نائبا كان غير موجود فى القاعة ساعة التصويت على طلب سحب الثقة فإنه يسقط الاستجواب ولا يتم التصويت على سحب الثقة، وهذا ما تم خلال مناقشة الاستجواب. الفيومى أكد أنه سيتقدم بطلب لتعديل هذه المادة المعيبة لأنها تحرم البرلمان من استخدام أداة هامة من الأدوات الرقابية، ويجعل هناك استحالة فى سحب الثقة من الحكومة. اللافت هنا هو أن النواب الذين غادروا المجلس قبل التصويت كانوا يصرون على سحب الثقة من الوزيرة ولكنهم يجهلون نص المادة «227»، وقالوا إنهم غادروا لظروف خاصة أو لسفرهم لمحافظاتهم، خاصة أن الجلسة امتدت حتى دخول الليل، وعدم وجودهم حتى نهاية الجلسة ليس معناه أنهم يتنازلون عن سحب الثقة. أكد النائب ضياء الدين داوود أن الاستجواب اليتيم فى عمر البرلمان الحالى سقط لعدم وجود إرادة حقيقية لإسقاط الوزيرة لدى نواب الأغلبية. مشيرا إلى أن مناقشة الاستجواب كانت فى آخر يوم لانعقاد الجلسات العامة هذا الأسبوع، واستمرت حتى دخول الليل، وغالبية النواب يسافرون إلى محافظاتهم فى آخر يوم لانعقاد الجلسات العامة، وكان من هؤلاء النواب الذين غادروا قاعة الجلسة وسافروا لمحافظاتهم ومنهم نواب وقعوا على طلب سحب الثقة، مستنكرا إفلات وزيرة الصحة من سحب الثقة فى آخر خمس دقائق بعد مناقشة استمرت خمس ساعات ثبت خلالها فشلها. النائب طلعت خليل كان ممن وقعوا على طلب سحب الثقة وبعدها غادر القاعة ولكنه كان داخل المجلس أثناء الجلسة العامة إذ تلقى اتصالا من النائب ياسر عمر شيبة وكيل لجنة الخطة والموازنة يطالبه بحضور اجتماع اللجنة لمناقشة المادة التى كان قد طلب مناقشتها فى قانون الجمارك وكنت معترضا عليها، خاصة أن ممثلى الحكومة من مصلحة الجمارك كانوا موجودين باللجنة وقتها، وكان توقيت اجتماع اللجنة فى ذات توقيت الجلسة العامة التى تناقش الاستجواب، وتابع: وقعت للنائب محمد الحسينى على طلب سحب الثقة، ثم غادرت القاعة وذهبت لحضور اجتماع لجنة الخطة والموازنة.. معترفًا أنه لم يكن ملما بنص المادة الخاصة بسحب الثقة، ولم يكن يعرف أن عدم وجوده بعد توقيعه على طلب سحب الثقة سيسقط سحب الثقة من الوزيرة، ولو كان يعلم ذلك لعاد إلى الحضور إلى قاعة الجلسة العامة وترك اجتماع لجنة الخطة والموازنة، خاصة أن المسافة بين القاعة ومكان انعقاد اللجنة لا يستغرق أكثر من دقيقتين مشيا على الأقدام! أشار النائب محمود عزت أبو عزوز إلى أنه ممن وقعوا على طلب سحب الثقة ولكنه اضطر لمغادرة القاعة بعد توقيعه لأن الجلسة استمرت حتى دخل الليل عليهم، وهو كان من الضرورى أن يعود لمحافظته بنى سويف ولم يستطع الانتظار حتى تنتهى الجلسة العامة، خاصة أنه لا يعلم متى ستنتهى المناقشات.. مضيفا أنه لم يكن يعلم بنص المادة الخاصة بسحب الثقة أنها توجب بقاءه بعد توقيعه على طلب سحب الثقة داخل القاعة حتى يتم التصويت عليها، خاصة أنه خلال إلقاء كلمته بالجلسة العامة طلب سحب الثقة من وزيرة الصحة لثبوت تقصيرها، وهذا مسجل فى مضبطة المجلس. أوضحت النائبة شيرين فراج أنها تقدمت باستجواب ضد وزيرة الصحة منذ أسبوع، بعد قبول الاستجواب الذى قدمه النائب محمد الحسينى ضد وزيرة الصحة وتم تحديد موعد لمناقشته بالجلسة العامة يوم الثلاثاء الماضى، وكان يجوز أن يتم ضم الاستجوابين وجدولتهما معا ليتم مناقشتهما فى ذات الجلسة، لأن الاستجوابين ضد ذات المسئول وفى ذات الموضوع، ولكن لم يحدث ذلك وتم مناقشة استجواب النائب محمد الحسينى فقط الخاص بالإهمال فى مستشفى بولاق الدكرور.. قائلة إن استجوابى كان أقوى من الاستجواب الذى تم مناقشته والذى يعتبر ضعيفا لأنه تحدث عن الإهمال والزبالة والقطط والكلاب داخل المستشفى وغيرها من الأمور التى لم تتطرق إلى العمل الطبى الذى يجب محاسبة الوزيرة على تقصيرها فيه، حيث قدمت فى استجوابى ضد وزيرة الصحة مستندات تثبت تقصيرها وتستوجب سحب الثقة منها، ويوجد بهذه المستندات تقارير من وزارة الصحة تثبت أن هناك 15 شخصا انتقلت إليهم العدوى بفيروس سى فى شهر يناير 2019 ومنهم حالة ماتت ويوجد عشر ممرضات انتقلت إليهن العدوى بفيروس سى، مما يثبت تقصيرها فى مكافحة العدوى، كما jوجد تقارير تثبت أنه يتم إعادة استخدام الأدوات الطبية، مما يؤثر على صحة المواطنين، وقد قدمت هذا الاستجواب إلى مجلس النواب، وطالبj بإحالة المخالفات الموجودة فيه إلى النائب العام للتحقيق فيها ومحاسبة المقصرين لأنه يوجد مواطنون ماتوا وهذه جريمة جنائية.. مضيفة أن سقوط الاستجواب ضد وزيرة الصحة بالشكل الذى حدث يوم الثلاثاء الماضى لا يعنى أنها نجحت وخرجت منتصرة ولم يتم محاسبتها، بل يثبت أنها مازالت مقصرة لأنها لم تخرج بتجديد الثقة فيها، حيث لم يعرض طلب سحب الثقة للتصويت من أساسه، إنما أفلتت من سحب الثقة لمغادرة بعض النواب بعد توقيعهم على طلب سحب الثقة، مما حال دون التصويت على سحب الثقة، خاصة أن غالبية النواب الذين غادروا القاعة لم يكونوا على علم بنص المادة الخاصة بسحب الثقة، وأنها تلزمهم بضرورة عدم مغادرتهم، وكان معظم من غادروا من النواب من خارج القاهرة واضطروا للسفر لتأخر الجلسة العامة حتى وقت متأخر. وختاما فإن الأسباب المؤدية لسقوط الاستجواب يمكن تلخيصها فى عدم إلمام النواب بنصوص اللائحة، واستمرار المناقشات حتى وقت متأخر من اليوم، علاوة على ضعف موضوع الاستجواب، ورضا مقدمه بمبلغ ال150 مليون جنيه التى تم تخصيصها للمشفى. تخصيص المبلغ للمشفى قبل المناقشة كان سببا فى تهدئة النواب الذين لم تكن لديهم رغبة حقيقية فى إسقاط الوزيرة، علاوة على ذلك فإن نصوص اللائحة تحتاج إلى إعادة نظر ومن هذه الأسباب أيضا انعقاد لجنة الخطة والموازنة فلى نفس توقيت الجلسة العامة!