مع نهاية عام 2019 تتضح الرؤية لنتائج حصاد العام الموسيقى، فنستطيع الآن أن نشير إلى أهم ما تم إنتاجه فى هذه السنة، ومن كان الأكثر تميزًا، وأسباب هذا التميز من الناحية الفنية والجماهيرية.بلا أى شك الألبوم الغنائى الأهم هذا العام هو (كل يوم من ده) ل«محمد حماقى»، فمن حيث التنوع فهناك أشكال مختلفة ومتنوعة فى الموسيقى وموضوعات الأغانى. أما على مستوى الأغانى الفردية فبلا أى منازع أغنية (مافيا) هى أغنية العام ل«محمد رمضان» والتى صدرت مع بداية 2019 ووصل عدد مشاهداتها إلى أكثر من 167 مليون مشاهدة وهو رقم ضخم للغاية، والأغنية حققت انتشارًا رهيبًا فى المجتمع وأصبحت رقصتها متداولة بين الشباب فى الأفراح والتجمعات العامة، وعلى المستوى الجماهيرى ف«رمضان» هو واحد من أبرز نجوم السنة بفضل مشاهداته المرتفعة على يوتيوب، فمثلاً أغنية (نساى) مع «سعد لمجرد» وصلت إلى ما يقرب من 200 مليون مشاهدة، وبشكل عام استطاعت قناة «محمد رمضان» الدخول ضمن قائمة أكثر 100 قناة من حيث المشاهدة على مستوى العالم، وهذا إنجاز ضخم استطاع تحقيقه بفضل عاملين رئيسيين، أولهما اهتمامه فى إصدار كليبات غنائية فى مواعيد زمنية متقاربة، وقدرته على تحقيق عشرات الملايين من المشاهدات ولنا فى أغنية (مافيا) مثال والتى تخطت 125 مليون مشاهدة، و(نمبر وان) والتى تخطت 106 ملايين مشاهدة، والعامل الثانى يعود إلى ذكاء «رمضان» فى تعامله مع أعماله التمثيلية، حيث إنه يقوم باجتزاء بعض المشاهد المؤثرة فى أعماله الدرامية ويقوم بعرضها عبر قناته على «يوتيوب» بعناوين جذابة وساخنة، وهذا يضمن له زيادة نسب مشاهدة بشكل يومى ومستمر، ولذلك لا نستغرب عندما نعلم أن قناته وصلت إلى أكثر من 2 مليار و200 مليون مشاهدة، وهذا رقم ضخم وكبير للغاية. أما اكتشاف العام فهو «مصطفى شوقى»، حتى لو كان سبق له إصدارات قديمة قبل ذلك، ولكن تعامله مع المنتج «نصر محروس» فى أغنية (ملطشة القلوب) يعد اكتشافًا جديدًا لموهبته، وذلك لعدة أسباب أهمها الكلمات المختلفة التى صنعها الشاعر «صابر كمال»، فلم نكن استمعنا قبل ذلك فى أى أغنية عاطفية مصطلحات مثل «ملطشة القلوب وسرسوب الهوا»، كل هذه المرادفات كانت جديدة على آذان المستمعين، والحرفية هنا تأتى فى طريقة تقديم هذه المفردات بشكل متناسق على ألحان سهلة وبديعة صنعها «بلال سرور» بحرفية متقنة ساهمت فى سهولة استيعاب محتوى الأغنية، وأيضًا التوزيع الموسيقى ل«رامى سمير» على إيقاع المقسوم المحبب لذوق المستمعين المصريين والعرب. وقطعًا مغنى العام هو «عمرو دياب» بلا أى منافسة ويرجع ذلك لمجهوده الكبير والمتواصل منذ إصداره ألبوم (كل حياتي) العام الماضى، وصولاً إلى هذه اللحظة، فلم يتوقف «عمرو دياب» عن العمل والنشاط والحيوية، حيث بدأ حفلاته هذا العام منذ شهر فبراير ليقدم عشرات الحفلات داخل مصر وخارجها، ويكاد لا يمر شهر إلا وهناك جديد عند الهضبة، ولا ننسى أيضًا إصداره ل 7 أغنيات جديدة من ألبومه المنتظر (أنا غير)، وقيامه بحملتين دعائيتين لشركة من شركات الاتصالات، منهما حملة بأغنية جديدة (جمع حبايبك) استمر عرضها بشكل يومى طوال شهر رمضان وحققت نجاحًا مبهرًا على المستوى الجماهيرى، وأيضًا إعادة إحياء أغنية «أفريقيا» بالتزامن مع بطولة كأس الأمم الافريقية للكبار، وتقديم 4 «ريميكسات» لمجموعة من أغانيه التى أصدرت سابقًا مع الدى جى العالمى «ريهاب» فرغم أن «عمرو» يعتبر من أكبر المغنين سنًا على الساحة فإنه لا يتوقف عن العمل والنشاط، ولذلك هو المغنى الأبرز هذا العام. وعلى النقيض تمامًا نستطيع أن نصف الفنان «تامر حسنى» بأنه الخاسر الأكبر هذا العام، رغم أنه رفض أن ينتهى العام دون إصدار غنائى جديد، وكانت له أغنية فى قمة الجمال بما تحمله من بهجة وحالة من السرور وهى أغنية (حلو المكان) وأيضًا إطلاقه لكليب (ناسينى ليه) والذى حقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، ولكن تظل الأزمة الكبرى التى جعلت مصداقيته كفنان على المحك بسبب تضليله للرأى العام فى قصة دخوله لموسوعة جينيس، فهو بالفعل سجل اسمه كأكثر حاصل على توقيعات على لوحة إعلانات بواقع ما يقرب من 12 ألف توقيع، ولكن «تامر» أصر أنه دخل الموسوعة كأكثر فنان ملهم ومؤثر فى العالم، وهو ما نفته الموسوعة فى بيان رسمى وأصبح «تامر» فى مأزق شديد بعد نشر النفى بشكل دولى وإقليمى وأصبح فى موقف لا يحسد عليه! مغنية العام هى الفنانة (أنغام) وذلك لأنها فى أغلب الأغانى كانت تتحدث بشخصية المرأة صاحبة القرار، فهى التى تحدد شكل العلاقة وهذا وضح فى أغنية (ولا دبلت)، حيث عبرت عن المرأة التى ترفض الاستمرار فى علاقة تشعر فيها بدور هامشى، والحقيقة أن الشاعر «نور الدين محمد» أبدع فى توصيف هذه الحالة، وأيضًا «أحمد العتابى» صنع لحنًا لا يقل روعة وكذلك توزيع «أحمد إبراهيم» على موسيقى «الفلامنكو» والذى يؤكد يومًا بعد يوم براعته فى تنفيذ هذا الشكل من الموسيقى. وفى أغنية (هتقول لربنا إيه) أبدع «أمير طعيمة» فى توصيف الشعور بحالة اليأس والإحساس والخيانة فلجأت للمواجهة بدلاً من شكوى ضعف الحال، كذلك فى أغنية (بقول نسياك) والتى كتبها الشاعر «أحمد المالكى» ولحنها «محمد عبية» ووزعها «وليد فايد» وعبرت فيها «أنغام» عن القوة فى أشد لحظات الضعف خاصة فى الجملة التى قالت فيها: «وراضية يقولوا أنا سايبة بدل مايقولوا متسابة، وأبان خسرانة ليك انت وأبان للدنيا كسبانة»، وفى أغنية (نزوة) تتضح ملامح الشخصية المتحدية التى تبرزها لنا «أنغام» فى ألبومها الأخير وبالتحديد فى الجزء الذى قالت فيه من كلمات «سلطان صلاح» وألحان «خالد عز» وتوزيع «نادر حمدى»: «أكيد فى يوم هاعرف عليك وآهى نزوة ليك ونزوة ليا» فتقريبًا هذه المرة الأولى التى أستمع فيها لأغنية تتحدث فيها المرأة بهذا التحدى والقوة، واستمرارًا لهذا التحدى سنجد معنى آخر عبّر عنه الشاعر المتميز «عصام حسني» على لحن «مصطفى العسال» وتوزيع «كريم أسامة» عندما قالت: «هبدأ من الآخر، مش لازم أقولك كام واحد يتمنونى، ما انت أكيد فاكر، ولحد اللحظة دى شوفت ازاى بيعاملونى»، فكل هذه الأغانى تعطى لنا انطباعًا مغايرًا عن شخصية «أنغام» فى هذا الألبوم عن شخصيتها فى الألبوم الماضى الذى ظهرت فيه فى قمة ضعفها خصوصًا فى أغنية (أكتبلك تعهد).
أما ألبومات، «هشام عباس» و«مصطفى قمر» فجاءت مخيبة للتوقعات، ويبدو أن هناك فجوة كبيرة بين متطلبات الجمهور الحالى وما يقدمه نجوم فترة التسعينيات، وأيضًا الفنان «محمد الشرنوبى» بألبومه الأول وعودة «هيثم شاكر» بألبومه (معرفة قديمة) أيضًا خيبا الآمال، فلم نر أى شخصية فنية مستقلة لهذا الثنائى، مجرد أغنيات جميلة ربما تحقق نجاحًا أكبر مع مغنين آخرين، على عكس «تامر عاشور» الذى يواصل نجاحات فى تقديم الأغانى الدرامية الحزينة وتعبيره عن احتياجات الجمهور، والدليل على ذلك أغنية (قولوله سماح). وعلى مستوى الفرق الموسيقية ففريق (واما) هو الأبرز هذا العام رغم إصدارات (بلاك تيما، شارموفرز، وسط البلد وكايروكي)، حتى لو كان ألبوم (كايروكى) هو الأبرز من حيث الجدل وعدد المشاهدات، ولكن لاتساق (واما) مع منهجهم الغنائى فى تقديم أغانى البوب فقط والغناء العاطفى يعطى لهم الأفضلية عن (كايروكى) والذى بدأ مشواره الفنى كفريق متخصص فى أغانى الروك، وتغير المنهج مع مرور الوقت لتقديم البوب والشعبى، كما أن الفريق أصبح يصف سوق الغناء والإعلام بأن بها كثيرًا من الاضطهاد والتضييق، وفى الوقت ذاته نجد صور مغنى الفرقة الرئيسى «أمير عيد» فى شوارع القاهرة ويقوم بحملات دعائية ويقدم بطولة فيلم ويقيم حفلات غنائية ضخمة، فأين الاضطهاد إذن؟ ولكن بعيدًا عن إصدارات «البوب» تظل أغانى المهرجانات هى الأكثر استماعًا والأكثر بحثًا على مواقع التواصل الاجتماعى ومحركات بحث جوجل والأكثر مشاهدة على «يوتيوب»، وتظل الأزمة قائمة قى كيفية التعامل الصحيح مع هذا الشكل من الغناء، وحتى هذه اللحظة لم نصل إلى طريقة صياغة مشتركة بيننا كمجتمع إعلامى وصحفى وفنى وبين هؤلاء الشباب الذين يحققون نجاحات جماهيرية يومًا بعد آخر.