لم يكن فوز «بوريس جونسون» بمنصب رئيس وزراء بريطانيا مصادفة أو مفاجأة.. بل هو نتاج مجهود متواصل من جانب أقطاب اليمين فى أوروبا وأمريكا من أجل سيطرة هذا التيار العنصرى على أوروبا.ويعد «ستيف بانون» المستشار السابق للرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» واحدًا من أهم داعمى اليمين المتطرف فى العالم، خاصة بعد وصول الأخير للحكم فى عام 2016. واليوم يظهر «ترامب» جديد فى بريطانيا ويبدو أنها مجرد بداية وسوف يستمر صعود اليمين المتطرف إلى الحكم فى أوروبا دولة تلو الأخرى كما يخطط رجل «ترامب» العنصرى الذى استغنى عنه الرئيس الأمريكى واعتقد الكثيرون أنهما على خلاف و أنه خرج من البيت الأبيض مطرودًا لتظهر بعدها المهمة السرية التى كلفه بها «ترامب» وهى التواصل مع زعماء أحزاب اليمين فى أوروبا وتوحيد صفهم ودعمهم بكل الوسائل الممكنة لكى تقع أوروبا فى قبضة التيار الشعبوى. حكومة «جونسون»..اليمين يحكم وبالطبع ستكون اختيارت «جونسون» لأعضاء حكومته منتقاه بشدة من بين شخصيات تتفق معه فكريًا وتنفذ سياساته التى بالطبع ستكون عنصرية وسنواجه قريبًا تصريحات وإجراءات مشددة ضد كل من هو ليس «غربى» سواء شرق أوسطيين أو «عرب» بمختلف دياناتهم وغيرهم ممن يعتبرونهم دخلاء يرغبون فى القضاء على الجنس الأبيض.والبداية كانت باختيار وزيرة الداخلية البريطانية الجديدة التى تم الإعلان عن اسمها الأربعاء الماضى وهى «بريتى باتل»..والتى اشتُهرت بعنصريتها الشديدة. وكانت «باتل» قد أجبرت على تقديم استقالتها من حكومة «تريزا ماى» بسبب رغبتها فى تنفيذ سياستها الخاصة تجاه الشرق الأوسط دون الرجوع إلى حكومة «ماى» وذلك بعد أن اكتشف أعضاء الحكومة قيامها بزيارات ولقاءات سرية مع أعضاء الحكومة الإسرائيلية. واليوم يعيد رئيس الوزراء البريطانى اليمينى «باتل» إلى الحكومة مجددًا ورغم أزمتها السابقة التى لم يمر عليها سوى عامين حين اكتشفت حكومة «ماى» فى نوفمبر 2017 أن «باتل» التى كانت تشغل وقتها منصب وزيرة التنمية الدولية تخطط لتمويل الجيش الإسرائيلى من ميزانية الخارجية البريطانية! الغريب أن مؤيدى «جونسون» كانوا يتشدقون بأن حكومته سوف تضم أكبر عدد من الأقليات وسيعمل بهل بها عدد كبيرمن النساء..ففاجأهم رئيس الوزراء باختيار مخيب للآمال. ف«باتل»، ذات الأصول الهندية والمؤيدة بشدة لرئيس الوزراء الهندى اليمينى «نارندرا مودى»،هى ضيف دائم على اجتماعات الهنود المقيمين ب«بريطانيا» وصاحبة آراء مثيرة للجدل لكنها فى الوقت نفسه أول وزيرة بريطانية من أصول هندية وهو ما ركزت عليه الصحف البريطانية مشيدة باختيارات رئيس الوزراء الجديد. كما اختار رئيس الوزراء البريطانى الجديد «دومينيك راب» ذى الأصول اليهودية لمنصب وزير الخارجية وهو اختيار يمينى أيضًا. و«راب» الداعم بشدة للخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى شغل منصب وزير البريكزيت فى حكومة «تريزا ماى» لكنه استقال من منصبه اعتراضًا على الاتفاق الذى وصلت له حكومة «ماى» متهمها بتقديم تنازلات ضخمة للاتحاد الأوروبى فى صفقة الخروج وبدأ بعدها حملة قوية ضد رئيسة الوزراء السابقة ودعم ترشيح «جونسون» رئيسًا للوزراء. جدير بالذكر أن منصب «راب» الحالى يجعله بالتبعية نائبًا لرئيس الوزراء. أما وزير الدفاع بالحكومة البريطانية الجديدة فهو «بن والاس» الذى شغل منصب وزير الدولة للأمن منذ يوليو 2016 وحتى يوليو 2019، أى أنه كان مسئولًا عن الأمن خلال الهجوم الإرهابى عام 2017 ومحاولة اغتيال الجاسوس الروسى الجنسية «سيرجى سكريبال».وتعرض لهجوم شرس عندما شارك فى حملة تشويه زعيم حزب العمل البريطانى «جيرمى كوربن» الذى كان اليمين يخشى من صعوده لرفضه لأفكار اليمين العنصرية. مشاركة «والاس» كانت من خلال تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر». فبينما اتهمت حملة اليمين «كوربن» بأنه تعاون مع جاسوس شيوعى فى الثمانينيات كتب «والاس» على تويتر «جيرمى كوربن كان مهتمًا بالسياسة الخارجية على مدار مشواره السياسى»..فى محاولة لتأكيد الشائعات والاتهامات الكاذبة التى طالت «كوربن» لإضعاف شعبيته وإبعاده عن كرسى رئاسة الوزراء. «ليز تروس» هى وزيرة التجارة الدولية بحكومة «جونسون» وقد تلقت انتقادات حادة أبريل 2017 بسبب عدم دفاعها عن قضاة المحكمة العليا البريطانية بعد أن شنت الصحف اليمينية حملة ضدهم فى الوقت الذى كانت فيه تروس تتولى منصب وزير العدل. وكانت صحف اليمين قد هاجمت القضاه بعد إصدارهم حكمًا يقضى بضرورة أخذ رأى البرلمان حول الخروج من الاتحاد الأوروبى. «تروس» دعمت جونسون فى مشواره للوصول الى منصبه الحالى وهى من الداعمين للخروج من الاتحاد الأوروبى. واختار «جونسون» وزيرة التعليم السابقة «نيكى مورجان» لتتولى وزارة الثقافة.والغريب أن الوزيرة الجديدة كان لها موقف عنصرى صريح عام 2015 عندما رفضت فيه حكمًا قضائيًا أكد على ضرورة توفير مناهج خاصة بكل الديانات والمذاهب لأن «بريطانيا» دولة تعددية ويعتنق سكانها ديانات مختلفة ولذلك لا يمكن استبعاد الملحد أو غيره بينما علقت «مورجان» حينها بأنه يجب تجاهل هذا الحكم، لأن الديانة التقليدية ل«بريطانيا» هى المسيحية..وهنا تظهر عنصرية وزيرة الثقافة التى يفترض أن تكون ذات عقلية واعية تستوعب كل الثقافات والديانات بل وتحترمها دون تمييز خاصة أن «بريطانيا»، كما أكدت الصحف البريطانية وقتها، لم تعد دولة بأغلبية مسيحية كما كانت سابقًا وهو ما أكده تقرير صدر عن «لجنة الدين والعقيدة فى الحياه العامة البريطانية». صدقت توقعات مؤيدى «جونسون» الخاصة بإعطاء الكثير من الحقائب الوزارية للنساء وكذك منح الأقليات فرصة فى الحكومة لكن المؤكد أيضًا أن الرجل لا يختار فقط مؤيدى الخروج من الاتحاد الأوروبى بشكل قاطع لكى يضمن اتفاقهم معه وعدم وجود شخص متشكك فى جدوى ال«البريكزيت» بأى شكل. أول أزمة فى مشوار رئيس الوزراء الجديد انتقادات حادة تعرض لها رئيس الوزراء البريطانى الجديد «بوريس جونسون» على مدار الأيام القليلة الماضية بعد الكشف عن علاقة وثيقة وترتيبات دقيقة سبقت توليه منصبه مع «ستيف بانون» المستشارالسابق للرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» ومؤسس مجموعة «الحركة» لتوحيد اليمين الأوروبى والدفع بالرموز السياسية لأحزاب اليمين هناك إلى سُدة الحكم وهو ما تحدثنا عنه تفصيليًا فى عدد سابق على صفحات «سرى للغاية» فى ديسمبر 2018 تحت عنوان «هل يحكم أشباه ترامب أوروبا؟» ورصدنا تحركات رجل «ترامب» المتطرف فى أفكاره والعنصرى تجاه كل من هو ليس ذا أصول أوروبية. الانتقادات ل«جونسون» بدأت بعد نشر مقطع فيديو يظهر فيه «بانون» جالسًا فى غرفته بفندق فى العاصمة البريطانية «لندن» فى يوليو 2018 ومتحدثًا عن مشاورات دارت بينه وبين رئيس الوزراء البريطانى حول محتوى خطاب استقالة «جونسون» من منصبه آنذاك كوزير خارجية. وجاء تعليق «بانون» خلال مطالعته لجريدة «ذا دايلى تليجراف» البريطانية والتى تصدرها عنوان حول خطاب استقالة «جونسون». الغريب أن الرجلين كانا قد نفيا وجود تواصل بينهما حيث أكد «بانون» فى أكتوبر الماضى أنه يعرف «جونسون» جيدًا، مشيرًا إلى أن الأخير لا يحتاج إلى نصيحة ولذلك فلم يكن هناك أية مشاورات من أى نوع. لكنه عاد للدفاع عنه مجددًا بعد موجة الانتقادات إثر واقعة تشبيه رئيس الوزراء الجديد للنساء المنتقبات بأنهن يشبهن سارقى البنوك، مؤكدًا أن «جونسون» ليس بحاجة للاعتذار وأنه سيكون رئيس وزراء عظيمًا لبلاده. وهو ما يؤكد إعجاب «بانون» برئيس الوزراء البريطانى صاحب الأفكار اليمينية. وجدير بالذكر أنه فى سبتمبر 2018 بدأ «ستيف بانون» كبير مستشارى ترامب السابق مهمة خاصة فى القارة الأوروبية وهى إقامة تحالف بين أحزاب اليمين فى مختلف دول أوروبا ليشكلوا قوة فى مواجهة التيارات الليبرالية الحالية والتى تقف فى سبيل تنفيذ مخططات الإدارة الأمريكية الحالية. الجولة الأوروبية تلك كانت للترويج للمنظمة التى قرر بانون تأسيسها فى بروكسل لتوفر مساحة لزعماء التيارات اليمينية فى أوروبا للاجتماع والتعارف وتشكيل تحالف. كان بانون قد أجبر على ترك منصبه فى البيت الأبيض، لكن يبدو أن الأمر كان مجرد تغيير للأدوار وخطة لجعل الرجل ذا الآراء العنصرية المثيرة للجدل يتفرغ لمهمته الأكبر فى أوروبا وهى استحواذ أحزاب اليمين على الانتخابات البرلمانية المقبلة خلال العام القادم لتصبح أوروبا قارة يحكمها التيار اليمينى. بدأ«بانون» الترويج لمنظمته الجديدة من «إيطاليا» التى يحظى فيها التيار اليمينى بشعبية واسعة، ويرأس حكومتها «ماتيو سالفينى» زعيم حزب «رابطة الشمال» اليمينى المتطرف بل والجانح الى العنصرية. وأعلن «بانون» فى مؤتمر صحفى عقد خلال زيارته ل«روما»، أن المنظمة ستكون الأساس القوى والصلب الذى سيساهم فى فوز أحزاب اليمين الأوروبية فى الانتخابات عام 2019، مشيرًا إلى أن المنظمة ستضم خبراء فى مجالات متعددة منها الاقتراع وتحليل البيانات وبدائل الإعلام إلى جانب خبراء فيما أسماه «غرف الحرب» الخاصة بالحملات الانتخابية والتى تتميز بسرعة الاستجابة . وخلال زيارته ل«المجر»، التى يرأس وزراءها واحد من أشد الداعمين لتيارت اليمين و هو«فيكتور أوربان»، أكد «ستيف بانون» أن هدفه الأساسى هو الوصول إلى أكبر نسبة من أصوات الناخبين الأوروبيين لمرشحى اليمين ليصبحوا قوة فاعلة يمكنها وقف الأجندة السياسية لكل من «ماكرون» و«ميركل» اللذين يقودان التيار الرافض لصعود اليمين فى أوروبا. واذا كانت جولة «بانون» بدأت فى «إيطاليا» فإن أول نجاح حقيقى لمشروع سيطرة تيارات اليمين على أوروبا كان فى «بريطانيا»..والبقية ستأتى لا محالة. نظرة للمستقبل و لكن السؤال الآن كيف سيكون توجه هذه الحكومة تجاه قضايا الشرق الأوسط، روسياوالصين وغيرهما؟ من المتوقع أن ينصب تركيز الحكومة الجديدة فى البداية على قضية الخروج من الاتحاد الأوروبى إلى جانب الوصول إلى حل فى أزمة السفينة البريطانية المحتجزة لدى «إيران». 1 - الخروج من الاتحاد الأوروبى «بريكزيت» البدايات تبشر بعلاقات بريطانية-أمريكية قوية واتفاق فى الرؤى وترحيب أمريكى بالرجل؛ بل ودعم له حتى قبل أن يفوز بالمنصب حتى إن الرئيس الأمريكى صرح بأن «جونسون» هو «ترامب البريطانى» مؤكدًا أنه على الرغم من أن الاستطلاعات تؤكد إنه مكروه، فإن البريطانيين بالفعل يريدون رئيسًا للوزراء يشبهه وأشار إلى أن هذا الشخص هو بالتأكيد «جونسون». الولاياتالمتحدة بالطبع ستستفيد من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، إذ إن قوانين الاتحاد تلزم كل دولة بالالتزام بالقرارات التى توافق عليها أغلبية الدول حتى إن كان لأى دولة رأى مخالف نظرًا لاختلاف المصالح فإن الاتحاد يرفض هذا الرأى، وعلى الدولة الالتزام بقراره.ويحدث ذلك عادة فى قضايا التجارة والعلاقات الخارجية والمجالان يشغلان «واشنطن». فبعد الخروج من ال«بريكزيت» ستكون «لندن» جاهزة لإجراء اتفاقات التجارة الحرة مع «الولاياتالمتحدة».كما ستتمتع «بريطانيا» بحرية أكبر فى الحديث عن الشئون الخارجية والأمنية الأوروبية 2 - إيران يرى المحللون أن «لندن» فى عهد «جونسون» لن تتفق مع «ألمانيا»و«فرنسا» اللتين تحاولان بكل الطرق عرقلة المساعى الأمريكية لاتخاذ إجراءات قاسية ضد «طهران»، لكن «جونسون» يبدو متفقًا مع «ترامب» فى أن الوسيلة الوحيدة لردع «إيران» هى فرض المزيد من العقوبات. 3 -روسيا تتخذ «لندن» موقفًا مختلفًا عن عدد من دول أوروبا تجاه «موسكو»، إذ تؤيد فرض العقوبات عليها وهو ما يتوقع المتابعون لتصريحات «جونسون» استمراره، إذ يرى رئيس الوزراء الجديد أن الكرملين يمثل تهديدًا للاستقرار الأوروبى. 4 -الصين يعرف رئيس الوزراء البريطانى أن بلاده لا يمكن أن تقف كمشاهد لحرب التجارة التى تدور حاليًا بين «واشنطن»و«بكين» وسوف يستخدم موقعه الآن لإقناع الدول الأوروبية بالتوقف عن التعامل مع «الصين» على أنها مجرد مستثمر والبدء فى التعامل معها على أساس أنها دولة تعتمد سياسات اقتصادية ودبلوماسية تخدم مصالحها أولًا. 5 - حلم الجيش الأوروبى الموحد لا يمكن أن نتوقع أن يدافع «جونسون» عن حلم بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها «فرنسا» فى تأسيس جيش أوروبى موحد فى الوقت الذى يسعى فيه لإنهاء وجود بلاده داخل «الاتحاد الأوروبى» واستقلالها عنه. ولكن التساؤل الأهم هو من سيستفيد من اتفاق الرؤى والأفكار بين الرئيس الأمريكى ورئيس الوزراء البريطانى؟ وهل يمكن أن يصبح تحالف ترامب-جونسون شبيهًا بتحالف بوش الابن-تونى بلير سابقًا؟ أم سينجح «جونسون» فى الاستقلال بقراراته مع الاحتفاظ بعلاقات قوية مع «واشنطن»؟ فى النهاية فإن فوز «جونسون» الذى يمثل التيار اليمينى قد يكون مجردبداية لسيطرة اليمين على كامل أوروبا وستكشف الشهور القادمة تداعيات ذلك على أوروبا والعالم.