ارتفاع درجات الحرارة الحالى (غير المسبوق)، كان ضمن أولويات قائمة أغلب الحكومات خلال السنوات السابقة حتى الآن، فقد أجرى العديد منها مؤتمرات عالمية، كما نشرت وسائل الإعلام المتنوعة تقارير، تتناول فيها زوايا مختلفة لهذه القضية، موضحة مدى تأثيرها على شتى المجالات، مما أجبر عددًا من دول العالم، خاصة الكبرى منها على الاستعداد لها عسكريًا فى المقام الأول، ثم اقتصاديًا، واجتماعيًا، لاكتشافها أن خريطة الموارد الأساسية هى أيضًا فى خطر. السبب الرئيسى لارتفاع الحرارة: المناخ الحار الذى يتعرض له العديد من السكان حول العالم الآن، ليس ناتجًا عن الطاقة الشمسية المرتفعة فحسب، بل نتيجة للاحتباس الحرارى الذى صنعه الإنسان، لأنها ناجمة عن حرق أنواع الوقود الأحفورى، مثل: «الغاز، والفحم، والنفط»، والتى تنبعث منها الغازات الدفيئة، مثل: «ثانى أكسيد الكربون»، و«الميثان» فى الغلاف الجوى، وتعد سببًا رئيسيًا فى تغيُّر المناخ حاليًا. وفى الوقت الذى يُحمِّل الإعلام الغربى مسئولية ما يحدث للمدنيين بأن سوء استخدامهم للتطور التكنولوجى هو السبب، كشفت دراسة جديدة ل«الجمعية الجغرافية الملكية» البريطانية، أن «الجيش الأمريكى» أحد أقوى المسببات الرئيسية للتلوث البيئى، وتغيُّر المناخ، نتيجة لنفاياته، والكربون الناتج عن معداته، عبر شبكة عالمية واسعة من السفن، الحاويات، والشاحنات، والطائرات، وطائرات الشحن الأمريكية، التى تقوم بتزويد مناطق العمليات بالأسلحة والذخيرة، والقنابل، ووقود الهيدروكربون، وغيرها، مع وجود القوات الأمريكية فى حوالى 140 دولة حول العالم. وكتبت الدراسة: «الجيش الأمريكى، هو أحد أكبر الملوثين للبيئة فى التاريخ..حيث يستهلك نسبة كبيرة من الوقود السائل. وتنبعث عنه نسبة كبيرة جدًا من الغازات المغيرة للمناخ، بصورة أكثر مما ينبعث عن معظم البلدان متوسطة الحجم، وإذا اعتبر الجيش الأمريكى بلدًا، فإن استخدامه للوقود وحده، يجعله ضمن أكبر 47 دولة تنبعث منها الغازات الدفيئة فى العالم». كما أوضحت أنه فى عام 2017 وحده، اشترى الجيش الأمريكى حوالى 269 ألف و230 برميلًا من النفط يوميًا، وانبعث عنه أكثر من 25 ألف كيلو طن من «ثانى أكسيد الكربون» عن طريق حرق هذا الوقود. كما قام سلاح الجو الأمريكى بشراء وقود بقيمة 4.9 مليار دولار، والبحرية بقيمة 2.8 مليار دولار، يليهما الجيش الأمريكى بمبلغ 947 مليون دولار، وقوات البحرية «مارينز» بمبلغ 36 مليون دولار أمريكى. يذكر، أن هذه الدراسة استندت إلى بيانات القيادة الرئيسية لوكالة الدفاع اللوجستية، التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، وهى نقطة الشراء الرئيسية، ومنفذ توزيع الوقود الذى يعتمد على ال«هيدروكربون» للجيش الأمريكى فى البر، والبحر، والجو، فضلًا عن كونها ممثلة قوية فى سوق النفط العالمية. ومن جانبها، أكدت دراسة «مجلس السياسة الخارجية الأمريكية»، أن وزارة الدفاع هى بالفعل أكبر مستهلك للطاقة فى العالم. وأنها المستهلك الأول فى العالم للنفط الخام، وثانى أكبر مستخدم للكهرباء، موضحة أن 68 ٪ من الطاقة المستهلكة فى (الولاياتالمتحدة) تأتى من «الهيدروكربونات». وأن لديها ما يقرب من 40 مليار برميل من الاحتياطيات المؤكدة من النفط، و465 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى (وفقًا لقياسات 2017). كما يمثل الوقود السائل القائم على النفط، ما يقرب من ثلثى استخدام الطاقة فى وزارة الدفاع.. مؤكدة أنه لا توجد نية لاستبدال هذا النظام فى المستقبل القريب، فكتبت: «فى المستقبل المنظور، سوف تستمر «الهيدروكربونات» فى السيطرة على ملف الطاقة الأمريكى، لأن الوقود الأحفورى رخيص، وفير، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاقتصاد الأمريكى». وبالتالى، يعد انسحاب «الولاياتالمتحدة» من اتفاقية «باريس» للمناخ أمرًا طبيعيًا ومعروفة أسبابه !! النتائج المترتبة على الاحتباس الحرارى دراسة «مجلس السياسة الخارجية الأمريكية» كشفت عن زاوية جديدة من انتفاضات بعض دول الوطن العربى، بأن أحد أسبابها الرئيسية، هى «تغير المناخ». ورشحت «سوريا» تحديدًا كمثال، بأن السوابق المحتملة للحرب السورية كان الجفاف الشديد فى الفترة من 2006 حتى 2010، وسوء إدارة الموارد الطبيعية، وقد أدى هذا الجفاف إلى نقص الغذاء، والهجرة الكبيرة من الريف إلى المدن، مما ساهم فى الانهيار الاجتماعى، والحرب الأهلية فى نهاية المطاف. كما أعطت الدراسة مثالًا آخر لدولة «الهند»..حيث أكدت أنه نتج عن الجفاف الذى دام عدة سنوات هناك بانتحار المزارعين على نطاق واسع، وتحول الأمر إلى تهديد لأمنها القومى. ثم أوضحت أن الدراسات أثبتت أن حالات الانتحار لدى المزارعين ترتفع وتنخفض مع ارتفاع درجات الحرارة، واقترحت وجود صلة بين تغير المناخ، ووجود أكثر من 59 ألف حالة انتحار فى القطاع الزراعى الهندى على مدى السنوات الثلاثين الماضية. هذا بجانب استخدام الموارد الأساسية كأسلحة فى يد القوات المعادية، أو الجماعات الإرهابية، ومن الأمثلة الرئيسية على نزاع القوات المعادية، «بحر الصينالجنوبى».. حيث يساعد المحيط الدافئ فى دفع الأرصدة السمكية شمالًا إلى المياه المتنازع عليها دوليًا، مما يزيد التوترات بين «الصين»، وجيرانها، و«الولاياتالمتحدة». أما الأمثلة الرئيسية لاستغلال الجماعات الإرهابية، قضية تسليح المياه فى «الشرق الأوسط»، حيث كشفت الأبحاث الحديثة عن 44 حادثًا من هذا القبيل بين عامى 2010 و2015، وكان تنظيم «داعش» الارهابى مسئولًا عن 21 حادثًا. وتراوحت هذه الحوادث بين السيطرة على سد «الموصل» على «نهر دجلة»، والتهديد بإغراق (بغداد) فى عام 2014، لتحويل مجرى الأنهار لوقف تقدم القوات العراقية.. مؤكدة أنه يمكن لهذا التلاعب أن يؤثر بصورة شديدة على السكان المجاورين. استعدادات الدول الكبرى عسكريًا وأوضحت دراسة «مجلس السياسة الخارجية الأمريكية» أنه لا يوجد ما هو أكثر من تهديدات منطقة القطب الشمالى المتغيرة فى السنوات الأخيرة، والتى تعج الآن بالتوتر الجيوسياسى..حيث تقوم «روسيا» بتسليح الجزء الخاص بها من القطب الشمالى، ونشرت المزيد من القدرات العسكرية فى المنطقة فى السنوات الأخيرة للحفاظ على موارد منطقتها، مما زاد من خطر المواجهة المباشرة مع دول القطب الشمالى الأخرى. ومن جانبها تقوم «الصين» بتوسيع نطاق نفوذها وتأثيرها من خلال «طريق الحرير» القطبى، لأنها تدرك أن آثار تغير المناخ على القطب الشمالى ستفجر عندها مشاكل داخلية، نظرًا لتحليلات الباحثين الذين وجدوا أن السواحل الصينية سوف تغمر فى حالة ذوبان جليد القطب الشمالى، مما سيؤدى إلى إعادة توطين ما يصل إلى 20 مليون شخص، ناهيك عن خفض الإنتاج الزراعى. لذلك فهى تسعى أيضًا إلى الاستفادة من طرق الشحن الأقصر إلى «أوروبا»، واستغلال موارد الطاقة، والمعادن الضخمة عبر القطب الشمالى، وتوسيع نفوذها العالمى من خلال الاستثمار الأجنبى المباشر فى «أيسلندا»، و«جرين لاند»، والعديد من الدول الأخرى. كما وجدت الدراسة أن الأمر لا يقتصر على ما سبق فحسب، بل ستواجه الدول الجزرية الصغيرة حول العالم من المحيط الهادئ إلى منطقة البحر الكاريبى، مخاطر متزايدة من ارتفاع منسوب مياه البحر، وعواصف أقوى، فإذا ارتفعت درجة الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين، فسترتفع مستويات سطح البحر بنسبة تتراوح بين 25 % إلى 40 ٪، مما قد يؤثر على 10 ملايين شخص..هذا بالإضافة إلى تعرض مناطق الأراضى الجافة إلى زيادات فى درجات الحرارة القصوى فى وسط وشرق قارة (أمريكا الشمالية)، ووسط وجنوب (أوروبا)، ومنطقة البحر المتوسط، وغرب ووسط (آسيا)، و(جنوب إفريقيا)، ومن المتوقع أن تشهد المناطق المضطربة سياسيًا، وذات الأهمية الاستراتيجية، مثل: (الشرق الأوسط)، وشمال (إفريقيا) بعض الاضطرابات. أما «واشنطن»، فقد فكرت فى حماية منشآتها العسكرية، التى ستتأثر بالطبع بالفيضانات، والجفاف، والعواصف. فقد قدر تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية لعام 2018 أن حوالى 1700 قاعدة عسكرية أمريكية معرضة لخطر تغير المناخ، من ارتفاع مستوى سطح البحر، والأعاصير، وحرائق الغابات، والحرارة الشديدة. وعليه، أوصوا بتعزيز مهابط الطائرات، والموانئ، وأنظمة المياه، والطاقة، موضحين أن هذا سيكلفهم مليارات الدولارات، ومع ذلك لن يسلموا بشكل تام. ثم أوضح أن الكثافة المتزايدة للأعاصير الأطلسية، بما فى ذلك «هارفى، إيرما، وماريا» فى عام 2017 و«فلورنس، ومايكل» فى عام 2018، تسببت فى أضرار كبيرة فى قواعد أمريكية، مثل: قاعدة «تيندال» الجوية فى «فلوريدا»، ومعسكر «ليجون» بشمال «كارولينا». وبالطبع سيفرض الإجهاد المناخى مطالب متزايدة على القوات العسكرية، ناهيك عن إضعاف قدرات القوات على الاستجابة. رغم تأهب العالم للإحتباس الحرارى، الا أن رد الطبيعة قد يأتى خارج التوقعات.