لم يكن قد مضى أسبوع على خطبتها منه حتى بدأت فى الشكوى.. ولم يكن قد مر أسبوعان إلا وفكرت فى فسخ الخطبة.. لقد اكتشفت أن خطيبها الوسيم الأنيق بلا شخصية أو رأى أمام والده.. وأن والده هو من يفعل له كل شىء فى حياته وكأنه مازال طفلا صغيرًا.. كما أنه يعطيه مصروفًا يوميًا حتى المال الذى يُفسح خطيبته به يأخذه من أبيه قبل الخروج معها.. وحين شرعا فى تجهيز شقة الزوجية كان أبوه هو من يختار لهما الأثاث دون أن يأخذ رأى عروس ابنه فيما ستضعه فى بيتها. كان كل شيء على ذوق والده ومن اختياره حتى إنها حين أصرت أن تكون غرفة النوم على ذوقها وافق حماها أمامها ثم فوجئت بأَنه أحضر الغرفة التى اختارها هو.. مما جعلها تشعر بالسخط أكثر على خطيبها الذى سلب والده شخصيته تمامًا وحوله إلى إنسان ضعيف بلا رأى أو معنى.. والأم تثنيها عن فسخ خطبتها وتؤكد لها أنه وضع مؤقت.. لن يستمر طويلا وأنه بَمجرد أن يجد الابن عملًا مناسبًا ويبدأ أن ينفق من حر ماله سيرفع الأب وصايته عنه. وتستسلم الابنة لرأى والدتها وخاصة أن الابن كان قد استلم وظيفته قبل موعد زفافهما بأيام قليلة.. وفرحت كثيرًا وظنت أنه فى طريقه للاستقلال من قيد والده المسيطر.. وربما يستطيع بعد ذلك أن يشعرها بقوة شخصيته.. وتتزوجه على أمل التغيير.. ولكن الأحوال تزداد سوءًا حيث أن راتب زوجها صغير ولا يكفى احتياجات البيت بل ينفقه زوجها على احتياجاته الشخصية ويضطر والده أن يمده بمصروف أسبوعى للإنفاق على بيته وزوجته. كما أن والده هو من يقوم بشراء الطعام والخزين الشهرى لبيت ابنه حتى أن حماها قال لها بشكل مباشر لو أردت أى شيء للبيت اطلبيه منى أنا!. إن ما تسمعه يزعجها ويُشعرها كأنها متزوجة منه وليس من ابنه.. إنها تسمع مناقشاته الحادة معه على مصروف البيت ويتهمه هو وهى بالتبذير.. بل أحيانا يقوم حماها بنفسه ليفتح الثلاجة والفريزر ليرى ما ينقصهما ويحضره لهما.. مما يُشعرها بالضيق وعدم الخصوصية فى بيتها.. وأحيانا يهدده أنه سيمنع عنه المصروف إن لم يحاول أن يقتصد فى المصاريف. وفى أحد هذه الخلافات صفع الأب ابنه على خده أمامها.. مما جعلها تشعر بأنها متزوجة من طفل صغير بلا شخصية.. وصرخت فى وجه زوجها أنها ترفض سيطرة الحما وترفض أن يأخذ زوجها مصروفًا من أبيه وترفض تدخله فى حياتهما.. كما أنها لا تشعر بأنها متزوجة من رجل.. لأن والده يحقّر منه ويُهينه بما ينفقه عليه.. كما أن حماتها أيضًا تتدخل فى حياتها وتأتيها من حين لآخر لتؤكد لها أن تعيش من خير حماها ولولا حماها لتسولت هى وزوجها فى الشوارع، إن الوضع صار مؤلمًا، كما أن الزوج لا يريد أن يبحث عن عمل إضافى يزيد به دخله، فهو ينفق راتبه على السجائر والمقاهى بينما يقوم الأب بالإنفاق على متطلبات بيت ابنه. وقد أوشكت على الولادة ولا تدرى من أين تأتى بمصاريف المستشفى.. ولكن حماها يرفض أن تلد زوجة ابنه فى مستشفى خاص ويطلب منها أن تلد فى البيت مثل حماتها.. لكنها خائفة وترفض أن تلد فى البيت.. والأب يُصرّ ألا يدفع لزوجة ابنه مصاريف أى مستشفى خاص.. وترفض الزوجة الوضع بأكمله وتترك بيت زوجها وتصر على الطلاق.. حيث إنها لن تظل تحت رحمة حماها طوال العمر ولا الاستمرار مع زوج يحصل على مصروف من أبيه يسلب به شخصيته ويتدخل فى شئونهما الخاصة.. فمنذ تزوجته لم تشعر لحظة بأنها تزوجت من رجل وأن لها بيتًا مستقلًا.. وتصر الزوجة على الطلاق وبأمر من حماها يُطلقها الزوج قبل ولادتها بشهر فقط. الصعلوك أخبرتنى الزوجة بلهجة منكسرة أن زوجها الذى تجاوز الأربعين من العمر وتسلل الشيب لرأسه ما زال يحصل على المصروف من والدته حتى الآن.. وأن أمه هى من تقوم بالإنفاق على البيت.. والمدهش أن الزوج مهندس وكان يعمل من قبل ولكنه بعد أن تزوج وأنجب بدأ يهمل شئون بيته ولا يهتم إلا بنفسه فقط.. حتى إنه ترك عمله بالشركة الكبيرة التى كان يعمل بها لعدم التزامه..واعتمد على إيرادات العمارات والأراضى التى تركها له والده وتجلب عليهم دخلا كبيرًا.. فهو من عائلة كبيرة وغنية. كما أنه بدأ ينفق ببذخ على السهر فى الكازينوهات ولعب القمار حتى إنه صار مصدر إزعاج لعائلته وساءت علاقته بزوجته وأبنائه ووالدته وأشقائه.. فاضطرت العائلة للتدخل وأعطت تعليماتها لسكان العمارات ومستأجرى الأراضى ألا يدفعوا لهذا الابن السفيه شيئًا من الإيجارات.. وتعاملوا معه على أنه فاقد الأهلية.. لأنه لا يفعل أى شىء سوى الجلوس على المقاهى وسماع أصدقائه من الموسيقيين وعازفى العود والكمان والإنفاق عليهم.. بينما يترك أبناءه وزوجته فى البيت بلا رعاية بلا مصروف بلا اهتمام بلا متابعة.. إنه يعيش حياة الأعزب الصعلوك وكأنه لم يتزوج ولم ينجب!!.. وتجتمع الأسرة من أجل إيجاد حل لحالة الابن الذى يزداد أنانية واستهتارًا يومًا بعد الآخر.. ويقررون تحديد مصروف شخصى له لا يزيد على مائة جنيه يوميًا مصاريف القهوة والسجائر وبنزين سيارته فقط.. بينما تقوم الأم بالإنفاق على بيته وأبنائه الثلاثة.. ودفع مصاريف المدارس لهم والدروس الخصوصية. ورغم معاناة الزوجة وشعورها بالمهانة لأن المهندس الذى تزوجته صار عاطلا ويحصل على مصروف يومى من أمه ويترك بيته وأبناءه كى تنفق عليهم والدته.. إلا أنها اضطرت أن تستسلم للأمر.. فهى لا تعمل وليس لديها دخل ولا بيت آخر تذهب إليه خاصة بعد وفاة والديها.. أما زوجها فلا زال يمد يده كل صباح لوالدته كالتلميذ كى يحصل على المصروف..وأحيانًا يضطر للاقتراض من أصدقائه كى يدفع حساب المقهى الذى يجلس عليه طوال الوقت بلا هدف بلا ملل بلا انقطاع، يلعب الطاولة ويطلب المشاريب وذلك بعد أن يخسر فى لعب القمار المائة جنيه التى أخذها مصروفًا من والدته.