انفض موسم الإعلانات والذى ملأ ساحات الفضائيات والسوشيال ميديا خلال شهر رمضان المبارك، وكان للمستشفيات الخيرية نصيب الأسد منها، حيث حرصت كل منها على استخدام العديد من الوسائل لجذب أنظار وقلوب المتبرعين لها، لمساعدتهم على استكمال رسالتهم فى علاج المرضى. الابتسامة واحدة من أهم عناصر العلاج، خاصة فى مستشفيات الأطفال، البعض يرى فى إدخال البهجة على المرضى من الملائكة الصغار المحور الرئيسى فى الدعاية الترويجية للمستشفى، باعتبارها أهم وسائل العلاج الحديثة، لذا ظهر المهرج أو كروان السعادة فى العديد من إعلانات المستشفيات خلال شهر رمضان، والذين تكمن مهمتهم فى إضفاء البهجة على الأطفال، وإسعادهم، فى محاولة للاعتماد على «الضحك» كنوع من أنواع العلاج الحديث. مهندس الابتسامة مرتديًا زى البلياتشو، قاصدًا مهمة إنسانية تتمثل فى إسعاد الأطفال المرضى فى كل المستشفيات، فلديه جدول زمنى يسير عليه لزيارة مستشفيات الأطفال كافة، إنه شادى سامى مهندس معمارى تطوع لإسعاد الأطفال والمعاقين بلا مقابل مادى، فكرس يوم راحته من عمله لزيارة الأطفال بالمؤسسات والمستشفيات خاصة الأطفال غير القادرين. بدأت الفكرة فى مراودته بشكل ملح بعد مرض ابن أخيه بالسرطان، الأمر الذى جعله يبحث عن طريقة لمحاولة إسعاده وإدخال البهجة على قلبه، لم يرد أن يقف مكتوف الأيدى ويشاهد ابن أخيه يذبل داخل حجرة مستشفى 57357، ولم يجد أنسب من تعلق الأطفال بشخصية المهرج، فى محاولة منه لعلاجه بطريقة أخرى. قرر مهندس السعادة رد جميل المستشفى تجاه ابن أخيه، امتنانًا لرعايتهم له بهذه الطريقة، فكان هدفه مساعدتهم ولو بابتسامة بسيطة تخفف من آلام الأطفال، وتسعد قلوبهم الصغيرة، ومن هنا أصبح متخصصًا فى إسعاد الأطفال وفى نفس الوقت محتفظا بعمله فى الهندسة المعمارية. البلالين تعتير هى أدواته الخاصة فى إسعاد الأطفال، لا سيما بعد أن اكتشف عشق الأطفال لها ولألوانها، خاصة التى يكون منها أشكالًا، وتعلم ذلك من صديق له فى السيرك، كان ذلك إضافة إلى شرائه عروسة ماريونت، وتعلم كيفية تحريكها، فضلا على العديد من الأدوات الأخرى فى حقبيته الكبيرة تشمل سماعة وحقيبة الساحر الصغيرة. يرى شادى أن ما يفعله، هو رسالته التى لا يجب التخلى عنها؛ فهناك أطفال تنتظر من يسعدهم وتخفف عنهم معاناتهم، لدرجة أنه يذهب للسيرك للتدرب على فقرات مشوقة أكثر للأطفال كالساحر والبلياتشو، وتمكن خلال سنوات بسيطة من زيارة العديد من المستشفيات منها: مستشفى أبوالريش، معهد ناصر، مستشفى أحمد ماهر، مستشفى العباسية، مستشفى الصدر، دار القدس للأيتام المعاقين، دار الفردوس للمعاقين. وفى الإسكندرية: مستشفى الميرى، مستشفى الأنفوشى وشارك فى حفلة معاقى جمعية تنمية المواهب، فأفادته التجربة بشكل كبير، فتغيرت شخصيته إلى حب مساعدة الناس، وأصبح مشهورًا وسط أصدقائه ووسط الأطفال بمهندس السعادة، لم يكتف شادى بعمل حفلات فى مستشفى 57357 والمستشفيات الخيرية الأخرى، ولكن بهجة الأطفال جعلته ينطلق بالشارع، فى محاولة منه لإدخال البهجة على أكبر عدد ممكن من الأطفال وتوزيع الهدايا عليهم من وقت لآخر. عمو كروان رفض الإفصاح عن اسمه الحقيقى اعتزازًا بشخصية «كروان كارو.. كروان السعادة» التى نسبها لنفسه منذ بداية عمله داخل أروقة مستشفى سرطان الأطفال 57357 فعُرف بين الأطفال باسم «عمو كروان» العامل بقسم العلاج بالفن منذ 3 سنوات تقريبًا متطوع ولكن الآن يعمل مقابل أجر، ومن قبلها كان يعمل كفنان تعبيرى فى عدة مستشفيات، حتى استقر به الأمر للعمل داخل أروقة 57357 الآن، وظيفته فى المستشفى رسم الابتسامة على وجوه الأطفال فى وجه أنياب المرض اللعين المعبأ برائحة الآلام والموت فينزع الحياة التى طالما كان عدوًا لها، لكنه ضعيف أمام كل طفل قرر هزمه والمقاومة لكل جلسات الكيماوى بل الاستمتاع بها. فى تمام الثامنة صباح كل يوم، يخلع قميصه والبنطال داخل غرفته الخاصة، ويستبدلها ببدلته حمراء الخلفية ومنقرشة التصميم بألوان ومقصوصات مختلفة، ويبدأ فى الإمساك بسلاحه الصغير «المرآة» فيرسم الابتسامات بالألوان على بشرته البيضاء ورسم ملامح المهرج على وجهه، وخلال لحظات يتحول الشاب الثلاثينى للشكل المحبب لدى الصغار، فيمر على غرفهم لإلقاء تحية الصباح بطريقته الخاصة، ويحفزهم على الاستعداد ليوم علاج طويل لكنه مبهج وسعيد. يرى أن مستشفى الأطفال هى المكان الأنسب دون غيره لمباشرة هذا النوع من العمل، فعندما تغلب الممرضات على إطعام أى من الأطفال أو إعطائهم العلاج، يأتى دور «كروان» لبث روح الأمل فى نفوسهم والإصرار على إطعامه واللعب معه وإضحاكه حتى ينسى ألمه، فشغله الشاغل خلال اليوم هو سعادة الأطفال فحسب للتغلب على معاناته التى لا تنتهى. غرفة «الورشة الفنية» يتواجد بها صناع السعادة والأطفال بالطابق الثالث مع دقات العاشرة صباحًا، فيتسارعون على الدخول ليبدأوا فى بناء منازلهم الصغيرة واللعب بها مع صديقهم المبتسم دائمًا، رغم هلاك أجسادهم عقب جلسات الكيماوى، إلا أن وقت اللعب لا يمكن تفويته. تتجاوز أحيانًا نسبة العلاج داخل الغرفة الفنية من خلال الفن والسعادة ال70 %، فعلاج السرطان بشكل عام يعتمد على الراحة النفسية للمرض لا سيما الأطفال، الذين يحاول القسم تعديل سلوكياتهم ليكونوا مواطنين صالحين عقب الشفاء والخروج للعالم من جديد، فيحول القسم طباعه من طفل عادى، لمحب للحياة وألوانها والتأقلم على مطباتها، فيعود مرة أخرى عقب شفائه لإسعاد أقرانه فى نفس المكان على تجاوز المحنة. سر المهرجين الاستعانة بالمهرجين جاء استنادًا لدراسة حديثة أعدتها مستشفى الطب النفسى فى العاصمة التشيكية براج، كشفت عن فوائد الضحك، موضحة أنه لا يؤدى إلى التخفيف من التوتر والضيق النفسى فحسب، بل يعزز الجهاز المناعى بالجسم بشكل كبير، الأمر الذى يدعم مقدرة الجسم على إبعاد الأمراض المعدية ومواجهة الأمراض السرطانية. وبحسب معد الدراسة الطبيب كاريل نيشبور، رئيس قسم معالجة الإدمان بالمستشفى وصاحب كتاب «الضحك علاج نفسى فعال»، فإن للضحك أنواعا عدة، فمنه الصاخب والمستمر لفترة طويلة وهذا يمرن الجهاز التنفسى والقلب ويخفف التوتر بالعضلات، وتكفى مشاهدة ثلاثة إلى خمسة أفلام كوميدية أسبوعيا لتكون النتيجة تخفيفا للآلام بنسبة 70 % والتئامًا للجروح بشكل أسرع من المعتاد وحدوث نشاط بأجزاء من قشرة الدماغ المرتبطة بالجهاز الحركى، حيث تم تسجيل ذلك عبر جهاز أظهر إفراز الجسم بعد عملية الضحك مادة «أندروفيين» المسؤولة عن إحداث البهجة التى لا تقل عن تلك التى تحدث نتيجة حصول الإنسان على المكافأة أو النجاح أو تناول طعام مميز، وهو الأمر الذى يضعه فى الحسبان صناع البهجة بالمستشفيات، لعلاج المرضى على طريقتهم الخاصة.