استقبل أهالى غزة شهر رمضان فى أجواء حزينة، بتشييع جثامين الشهداء وانتشال الجثث من تحت أنقاض المنازل المنهارة جراء القصف الإسرائيلى الذى ضرب المدينة.. إلا أن عددا كبيرا منهم أصر على ممارسة حياته بشكل طبيعى فى تحد للاحتلال يمارسون طقوسهم الخاصة برمضان بتعليق الزينة وشراء الفوانيس وتزيين الشوارع والبيوت بالإضاءة، وشراء الأطعمة المميزة التى تزين موائدهم. رمضان هذا العام تكاد تخلو فيه الأسواق من الزبائن، على خلاف ما عهدته خلال السنوات الماضية، حيث كانت تنشط حركة الأسواق خلال هذه الأيام، جراء العدوان الإسرائيلى والحصار المستمر للقطاع، حيث بلغت حصيلة العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة 12 شهيدا و130 مصابا بجراح مختلفة. مئات العائلات الفلسطينية التى كانت تتجهز لاستقبال شهر رمضان، فقدت فى لحظات منازلها نتيجة القصف الإسرائيلى على غزة، فنحو 10 عمارات سكنية ومنازل تأوى الآلاف تم تدميرها بشكل كامل، وهو ما دفع أحد النشطاء الفلسطينيين للتغريد على مواقع التواصل قائلا: «عذرا يا رمضان فى اللحظات التى يرتقب فيها العالم بزوغ هلالك، غزة أضاءت سماء العالم بأقمار شهدائها، تاهت بين أضوائها قبسات كل الأهالى، اللهم احفظ غزة بعينك التى لا تنام، بأى حال جئت يا رمضان». محمد الحسينى، أحد أبناء قطاع غزة، أكد أن رمضان هذا العام تزداد الأوضاع سوءًا داخل القطاع، مقارنة بالعام الماضى، نظرا لتردى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، حيث تبلغ نسبة البطالة 52 %، وغالبية سكان القطاع يعتمدون على المساعدات المقدمة من وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» ومؤسسات خيرية أخرى، حيث أصبح لا يستطيع أى مواطن توفير احتياجات أسرته، حتى صلة الرحم قلت لعدم وجود أموال لدى السكان لتقدم المجاملات لبعضهم البعض؛ فضلا على الحصار الذى يفرضه العدو الإسرائيلى، الذى لا يسمح بدخول العديد من المنتجات وفى مقدمتها الألبان واللحوم. رغم ضيق الحال والقصف، فإن أهالى غزة يصرون على مواصلهم حياتهم، حيث علت الفوانيس والزينة المحلات التجارية، وعمدت المؤسسات التجارية الكبرى والمولات إلى بث أجواء رمضانية خالصة فى محاولة لإدخال البهجة على نفوس السكان. وأضاف الحسينى أن أهالى غزة يعملون على نشر قيم التكافل بينهم من خلال إقامة موائد الإفطار الجماعية داخل المساجد وبالشوارع ، وأداء صلاة التراويح داخل المساجد والساحات، حيث يخرج مواطنو غزة عن بكرة أبيهم لأداء الصلاة، ورغم عمليات القصف العدو الذى يتعمد إطلاق الصواريخ مع أذان المغرب والعشاء وفى صلاة التراويح والفجر، وبعد أداء الصلاة يحرص الأهالى على زيارة بعضهم وزيارة أهالى الشهداء والمصابين لرفع معنوياتهم والشد من أزرهم. نافذ عزام، من أهالى غزة، يقول إنه رغم البطش الإسرائيلى إلا أن أهالى غزة يحرصون عيش أجواء رمضان، لكن فرحة رمضان هذا العام غير مكتملة فى ظل وجود شهداء وجرحى وبيوت مهدمة جراء القصف. قبل شهر رمضان بأسبوع بدأ الشباب والأطفال فى كل حى تعليق الزينة والرسم على الحوائط وفى الشوارع برسومات رمضان، ورسومات أخرى مرتبطة بالشهر الكريم والمقاومة، وشراء الفوانيس، ومع بدء الشهر يحرص الجميع على أداء صلاة التراويح التى تشبه مهرجانات حيث يخرج الأهالى إلى الساحات وملاعب الكرة. وأكد عزام أن اغلب المنتجات الغذائية تدخل قطاع غزة عن طريق مصر، كمنتجات الألبان والأجبان والملابس والمنسوجات والغاز والسولار، مشيرا إلى حرص الدولة المصرية على تقديم تسهيلات لدخول المنتجات للقطاع، والتى تشهد زيادة فى شهر رمضان، كما تحرص القوات المسلحة المصرية على تقديم مساعدات للقطاع فى شهر رمضان من كل عام تزيد على نحو 200 طن من المنتجات الغذائية. ورغم الحرب، إلا أن الحصار فرض على سكان القطاع الاعتماد على بعض المنتجات الإسرائيلية، حيث يستورد القطاع من إسرائيل بعض الفواكه بسبب توقف الحياة الزراعية حيث يستهدف قصف العدو الأراضى الزراعية، واصبح المزارعون لا يعملون وتحولت الأراضى الزراعية لأراضٍ بور خاص فى المناطق الحدودية. وأرجع عزام حالة الركود فى أسواق القطاع إلى ضعف رواتب الموظفين بعد تخفيضات الحكومة الفلسطينية لرواتب موظفى القطاع، حيث يوجد فى غزة نحو 62 الف مواظف يشمل هؤلاء الموظفين أسرة شهداء ومصابين، بالإضافة إلى وقف رواتب 6 آلاف موظف آخرين. الأطفال لم يسلموا من قصف الاحتلال للقطاع، حيث تسقط عليهم الصواريخ فى المدراس والشوارع وهم يلعبون، إلا أنهم فى رمضان يخرجون للعب بالفوانيس وتبادل أطباق الحلويات مع الجيران والأقارب. ويضيف خالد عاشور، من سكان غزة ، أن شوارع القطاع يخيم عليها الحزن وتغيب عنها فرحة رمضان، ففى كل بيت هناك شهيد أوجريح، بعد أن دمرت الطائرات الإسرائيلية العديد من المبانى والعمارات المدنية وسوتها بالأرض وشردت أهلها، وطالت الأضرار أكبر مركز تسوق تجارى فى قلب المدينةغزة، إضافة إلى شبكات الكهرباء، وتسببت فى تعطل الدراسة بالجامعات والكليات والمدارس الحكومية. ورغم العدوان، يحرص أهالى قطاع غزة على القيام بالطقوس الرمضانية التى اعتادوا عليها كالمحسراتى، والخروج للأسواق لشراء البضاعة الخاصة برمضان، حيث يرى السكان أن المقاومة ضد العدو الصهيونى أعظم طقوس للشهر الكريم. أبو وليد طه، صاحب محل فى سوق الزاوية بغزة، فيرى أن حركة البيع والشراء فى شهر رمضان الحالى لا تصل 10 % مقارنة بالأعوام السابقة، ورغم وجود حركة وتجوال بالأسواق إلا ان الأهالى يحرصون على شراء المستلزمات الضرورية فقط، نظرا لصعوبة الوضع داخل غزة نتيجة الحصار والبطالة وعدم تقاضى الموظفين الرواتب فى مواعيدها، وكذلك عمليات القصف المستمرة. أما أم وسام ، من سكان القطاع وزوجة أحد الأسرى الفلسطينيين ، حيث قضى زوجها داخل سجون الاحتلال 26 عاما، فتقول إن أجواء رمضان تتلخص فى «الحزن والخوف والرعب وقصف البيوت وتشييع القتلى وانتشال الجثامين من أسفل الأنقاض»، فالأجواء الطبيعية لشهر الصيام ليست حاضرة سوى عند القليل من الفلسطينيين. وتضيف: المرأة الفلسطينية تسعى لكسر الحصار الاقتصادى بشتى الطرق، من خلال تحضير بعض مما تحتاج إليه فى منزلها كمنتجات الألبان، وزراعة بعض الخضروات والفواكه داخل البيت، فالمرأة الغزاوية تواجه أزمة انقطاع الكهرباء وعدم وجود غاز كافٍ مما سبب صعوبة فى تجهيز الطعام للأطفال، بتجميع بعض قطع الأشجار وإشعال النيران فيها لتوفير الإضاءة داخل المنازل، ونظرا لتدهور الأوضاع الاقتصادية ومع عمليات القصف، فإن مائدة الإفطار فى رمضان غالبا ما تكون من البقوليات والمعلبات فقط.