أربعة أخطاء فادحة في مواجهة ثورة الشباب ماهي حقيقة مايجري في مصر منذ الثلاثاء 52 يناير الماضي؟ هل هناك ثورة أم ثورتان؟ من رأيناهم في المسيرة السلمية التي بدأت في ميدان التحرير بعد ظهر ذلك اليوم كانوا شبابا يشرح القلب ، ذكرونا بالشبان والشابات الذين هرعوا لتشجيع المنتخب القومي في مبارياته التي فاز فيها بكأس كرة القدم الإفريقية. في وضح النهار رأينا شبانا وشابات علي أعلي مستوي من الوعي يسيرون في هدوء ويهتفون بمطالب مشروعة.. وبالليل انفلت العيار ورأينا التشابك بين الشبان ورجال الأمن ثم تواترت الأنباء عن عناصر متمردة قامت بالسلب والنهب للمستشفيات وحاولت اقتحام المتحف المصري وروعوا الأهالي داخل البيوت وفي الطرقات؟ هل هؤلاء شبان مصريون أيضا؟ هل أصبح الشعب المصري شعبين.. أولهما لا يختلف كثيرا عن أي شعب في دولة متحضرة شكلا وسلوكا وتفكيرا.. أما الثاني فأفراده كما رأيناهم علي الشاشة الصغيرة وجوههم ممصوصة وملابسهم ممزقة وعيونهم جاحظة، راكعين يتوسلون إلي ضباط الجيش المصري البواسل بعيون وقحة ودموع كاذبة..؟ تفاعل الجميع مع (الشعب) المصري الأول الذي رفع شعارات تطالب بتغيير جذري في أسلوب تعامل النظام مع المواطنين، وبارك ثورتهم وراحت الأمهات يدعين لهم بالتوفيق.. معهم كل الحق فقد فاض الكيل، ولم يعد بالإمكان المزيد من الصبر علي أسلوب الأمن المهين في التعامل مع المواطن المصري سواء في الشارع أو السجن أو داخل الأقسام.. لم يعد الصبر ممكنا مع أسلوب حكومة (نظيف) المتعالي المتجاهل لأبسط احتياجات المواطنين.. ولا مع ما يفعله أحمد عز بالحزب الوطني وبالحياة السياسية من تخريب وتجريف وادعاءات باطلة. نتيجة انتخابات مجلس الشعب الأخيرة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.. للصبر حدود.. وهذه هي الرسالة التي أرسلها شباب مصر إلي النظام وأي نظام سيأتي لمصر فيما بعد.. لا صبر علي فساد أو استبداد أو قهر بعد اليوم.. لن نقهر ولن نورث بعد اليوم.. أطلقها عرابي في وجه الخديوي توفيق، وعبد الناصر قالها (ارفع رأسك يا أخي)، واليوم يطلقها شباب العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.. (الشعب يريد) عبارة ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه.. نطق أبو الهول أخيرا وعبر عما يجيش بصدور أبناء الشعب.. فلا حزب ولا جماعة ولا حركة ولا شخصية بعينها كانت وراء تلك الثورة.. كان الشعب وحده هو الذي يعبر عن إرادته.. فرحة عارمة سرت مع موجة من التفاؤل في قلوب المصريين.. ربنا يستر علي الولاد.. العديد لديهم إحساس بأن مصرا جديدة تولد من رحم الشدة.. وهذه هي آلام المخاض .. لسنا أول ولا آخر الشعوب الثائرة. شعوب كثيرة ثارت وأخري تمردت وشتان ما بين الموقفين. الشعب الفرنسي ثار من أجل العدالة والإخاء والمساواة ونجحت ثورته وغيرت وجه العالم وشعب الجنوب الأمريكي تمرد علي قانون لينكولن الذي ساوي بين كل الأمريكيين وألغي العبودية، فانهزموا ودمرت بعض ولاياتهم تدميرا شاملا. شباب ميدان التحرير كتبوا ببسالتهم ووعيهم السياسي صفحة جديدة في تاريخ مصر ، لن تجري مياه السياسة بعدها في نفس المجري أبدا. •• أما حرافيش المساء الذين دمروا أو نهبوا وأحرقوا إنجازات مصرية هي ملك لكل مواطن فهم مصريون آخرون.. أتوا من شقوق العشوائيات ومن العشش الصفيح والمقابر والبيوت الآيلة للسقوط ليقولوا كلمتهم بطريقتهم التي لم يتعلموا غيرها.. هل أدخلوا المدارس ولقنوا آداب التعبير عن الرأي والفرق بين النظام والفوضي.. بين شعارات تطالب بما هو حق وتخريب يدمر بغير حق.. ؟ هل وصل إليهم شيوخ (الصحوة الدينية) وعلموهم آيات القرآن الكريم التي تندد بترويع الآمنين وتهدد بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ؟ هل كرر عليهم (أدعياء) الفضائيات الآيات والأحاديث والفتاوي التي توعيهم بالحقوق والواجبات وتخيفهم من التعدي علي الآمنين مثل (وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (سورة المائدة - 12(. كيف ارتكبوا جرائمهم دون خوف من عقاب الله سواء علي الأرض أو في الآخرة.. ؟! ما الذي حول شريحة كاملة من المجتمع المصري إلي أفراد يفوقون التتار همجية وعدوانية؟ إنها مسئولية حكومات الحزب الوطني المتعاقبة التي لم تتعلم أبدا من فشلها المتكرر ولم تحاول أن تصلح ما بداخلها من فساد وركود فكري وتلوث سياسي.. أربعة أخطاء فادحة ارتكبتها حكومة نظيف تسببت في إشعال الأزمة وتحول الوضع في مصر إلي ما يقرب من الكارثة: استخدام الشرطة للعنف واستعراضها لقوتها مع مسيرات سلمية كان الخطأ الفادح الأول . لم يكن المتظاهرون يحملون أية لافتات أو صور مستفزة.. لم تعلن أية مجموعة عن انتماء لحزب أو لجماعة أو حركة. لم يقف بينهم خطباء يحثونهم علي الثورة . كانوا ببساطة رجالا ونساء شبانا وشيوخا من الشعب.. وكانت ثورتهم تلقائية تنفس عن سخط عارم ملأ القلوب كان في حاجة لأن ينطلق وإلا ينفجروا، ولقد اختاروا المسيرة السلمية كما تفعل كل الشعوب المتحضرة. أما الخطأ الفادح الثاني فكان إلغاء اتصالات الإنترنت والهاتف الخلوي. ضربت الحكومة عرض الحائط بالاحتياجات الأساسية للاتصال في حالات الطوارئ وسقوط الجرحي والقتلي ، بل وحاجة عشرات الآلاف من المواطنين الذين رغبوا في العودة لبيوتهم قبل حلول موعد حظر التجول ولم يجدوا مواصلات عامة تنقلهم ، لقد تحولت تكنولوجيا الاتصالات الحديثة إلي بعبع يخيف الحكومات الاستبدادية. أما الخطأ الفادح الثالث فكان انسحاب الشرطة من الشوارع ، وترك المدينة بلا حماية.. صحيح أن عناصر الشرطة تعاملوا بوحشية مع المتظاهرين وكسبوا المزيد من العداء لهم ولجهازهم المكروه أصلا، لكن كان من الممكن تفادي تلك الحركة العبثية الطائشة غير المسئولة بالتحول إلي معاملة أفضل واستدعاء بعض من يستطيعون مخاطبة الجماهير بميكروفونات تناشدهم الهدوء والتزام النظام واحترام الشرعية.. الخ. إن انسحاب الشرطة من شوارع العاصمة جريمة يجب أن يعاقب عليها من أمر بها ، لأنه تعمد بسوء قصد أن يسلم العاصمة في المساء إلي الفوضي الشاملة وإلي عصابات السلب والنهب التي لم تتوان عن انتهاز الفرصة وسارعت تنهب وتسلب في الشوارع التي خلت من الناشطين السياسيين المحترمين.. طارد الشرطة أفواج الناشطين الذين عبروا عن مطالبهم بأسلوب سلمي راقٍ، وفرت من فلول اللصوص وقطاع الطرق!! سحلت وضربت واعتقلت الشرفاء، وتركت أصحاب السوابق والمسجلين خطرا يرتعون في شوارع العاصمة ينهبون المحلات ويحرقون السيارات والمنشآت العامة ويتهجمون علي الناس في بيوتهم..!! أما الهدف فهو الإساءة إلي متظاهري النهار وإلي الشعب المصري كله.. أرادوا أن يثبتوا للعالم أن المصري غير قابل للتطور وغير متحضر وإذا ما هب فهو فوضوي وإذا ما ثار فهو متمرد وإذا ما تحرك فهو لص ومنحرف! والخطأ الفادح الرابع أن الحكومة لم تتعلم من الدرس التونسي، فبينما استجاب الرئيس التونسي للشعب في اليوم الأول ووقف يعتذر له ويزعم أنه قد غرر به وأن بطانته كانوا يمدونه بتقارير مزيفة، فإن رئيس الوزراء المصري ظل صامتا، وكذلك التزم كل رجال الحزب الوطني الصمت حتي ظهر الرئيس مبارك في الساعات الأولي من اليوم الخامس وألقي بيانا في التليفزيون.. لم يدرك المتظاهرون حجم التنازلات التي قدمها الرئيس، لقد قرر أخيرا وبعد رفض استمر لثلاثة عقود كاملة اختيار نائب له هو السيد عمر سليمان الذي سيتولي ذلك المنصب لفترة محدودة لا تزيد علي أشهر حتي تبدأ الانتخابات الرئاسية.. كذلك طلب الرئيس من وزارة نظيف الاستقالة ثم تم تشكيل وزارة جديدة لتسيير الأعمال ولمدة محدودة أيضا حتي الانتخابات الرئاسية واختيار الرئيس الجديد لرئيس وزراء جديد سيختار بدوره وزراءه. •• كان المتظاهرون في حاجة لتوضيح تلك الأمور وكانوا سيهدأون كثيرا كان من الممكن أن ينصرف الشبان إلي بيوتهم لو خاطبهم الرئيس مبارك معلنا كما فعل فيما بعد أنه يري كل مطالبهم مشروعة وأنه سيكرس الفترة المحدودة الباقية له لإصلاح ما فسد وسيقدم استقالته من رئاسة الحزب الوطني، يعتزم محاكمة وزير الداخلية ورجاله، وحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة تحت رقابة دولية وسيصدر قرارا بقانون يمنع أي مسئول سابق من تبوؤ أية مناصب ومحاكمة كل من ثبت انحرافه من مسئولي الحكومة السابقة، لقد فشل الحزب الوطني الذي تصدي لحكم مصر لأربعة عقود كاملة، منذ أن أنشأه الرئيس السابق أنور السادات، ووضعته الجماهير الثائرة منذ يوم 25 يناير في حجمه الحقيقي ولم يعد من المشرف للرئيس أن يبقي علي رأس ذلك الحزب، وتنسب إليه أعماله المزرية.