لا يبحث المترجم عادة فى جماليات النص الذى يترجمه، ومشاريع ترجمة الشعر العربى يخنقها الكيتش (المبتذل والرديء فى التنميط) الذى تفضحه النبذة عن الكاتب على ظهر الغلاف.. «درويش وفلسطين، أدونيس وثورة اللغة»، أو «اللحظة التاريخية» التى فرضت ظهور «قصائد شعراء الربيع العربي»، وقبل، وفوق كل هذا «صورة الكاتب خلف الأسوار» . حضرت الشاعرة والمترجمة المصرية إيمان مرسال إلى القاهرة لتناقش هذه الأفكار وأسئلة أخرى فرضها عليها تدريس الشعر العربى المترجم فى الفصل الدراسى فى جامعة أمريكية. ألقت مرسال محاضرتها عن «ترجمة الشعر العربى الحديث إلى الإنجليزية.. أسئلة عن السياق السياسى والجمالي» الأسبوع الماضى فى الجامعة الأمريكيةبالقاهرة ضمن سلسلة محاضرات شائقة يُنظّمها مركز دراسات الترجمة التابع للجامعة. مع تضفير دراستها الموجزة بخلفية أرشيفية عن مشاريع ترجمة الشعر العربى فى الوطن العربى وخارجه، من بينها مشروع بدأته الهيئة العامة للكتاب فى «الترجمة الذاتية» بكل آليات العشوائية والعدالة الغائبة وال «لا جدوى». يتحكم «الكيتش» كما ذهبت مرسال ك«نقطة انطلاق» تحكم «السياق السياسى والجمالى» فى الترجمة، وتؤثّر على اختيار النصوص وأسماء الكتّاب، وتتداخل فى «أنظمة تقييم واختيار وتقديم ونقل وتسويق وقراءة واستهلاك العمل المترجم». سواء كان هذا الكيتش «سياسيًا» أو «ثقافيًا» أو «نسويا». إذن هى لا تنظر إليه كوصف سلبى أو إيجابى فى عملية الترجمة وعبرت عن موقفها هذا بوضوح. لقد مرّرت مرسال انتقادها لخطاب الاستشراق عبر أسئلتها عن الكيتش، قالت: «الكيتش مرتبط بعلاقات القوى بين ثقافتين غير متساويتين». وفى تعبير آخر: «الكيتش ليس الوجه ما بعد الحداثى للاستشراق ولكنه نتاج علاقة غير متكافئة بين ثقافتين».. «إذا كنا ضد الاستشراق لأنه رأى الشرق كشىء واحد لا يتغيّر.. فيجب أن نفكّر فى الغرب على أنه ليس شيئاً واحداً.. كما أنه يتغيّر!». رأت أنها أخيرا أصبحت أكثر تقبّلا وفهما للكيتش بوصفه «ضرورة أخلاقية» أو «دعم أخلاقى ضرورى» فى ترجمة عمل ما بمعزل عن جمالياته، وربما من هنا أيضا تأتى «خطورته»، تقول دون ألّا تترك فرصة للمزح: «إنه أحياناً الطريقة الوحيدة لسماع صوت من لا يسمعهم أحد (أخاف الآن أن هذه الجملة كيتش أيضاً)». محاولة مرسال لفهم و«التفكير فى صناعة الكيتش ومَن المسئول عنه» فى ورقتها البحثية فى هذه المحاضرة أحد وسائل هذا التقبّل. وضربت مثالا قريبا بديوان الشاعر الفلسطينى أشرف فياض «التعليمات بالداخل»، الذى ترجمته دار نشر Operating System Press إلى الإنجليزية على إثر صدور حكم فى عام 2015، بإعدام صاحبه بتهمة الردّة بواسطة محكمة سعودية. هذه الآلية فى اختيار نصّ فيّاض على ضعفه فى وجهة نظر مرسال وغيره من «موجات ترجمة الشعر العربى» تقع تحت طائل ما أطلقت عليه مرسال تعبير «حالات طوارئ الترجمة». ففى حالة فيّاض؛ لم تُكتب على الغلاف كلمة واحدة تخص القصائد: «الترجمة هنا وظيفتها إنقاذُ حياة شخصٍ، وهذا بالطبع أهم من أى وظيفة أخرى للترجمة من وإلى أية لغة.» قالت مرسال فى مُحاضرتها. شجّع تقبّل مرسال الشخصى، بوصفها أيضا تُدرّس الشعر العربى المترجم إلى الإنجليزية، وكثيرا ما تواجه الأسئلة عن الكيتش وتجد نفسها فى مواجهتها، شجّعها فهم تحكّم التدجين السياسى والهوية فى مسار ترجمة الشعر العربى؛ على التخفيف من نبرة قديمة تعترف بها، نبرة لم تخل من مصادرة وقسوة «مراهقة فكرية» كما تتندّر، لكنها على الرغم من ذلك ظلّت محتفظة بشراسة وشجاعة لا تتخلّى عنها فى الانتقاد وما يتطلبه الأمر أحيانا من سخرية، تقرأ من محاضرتها المكتوبة: «نحن «العرب» ضحايانا كثيرون.. تخيّل لو ترجمنا كتاباً لكل شاعرة عانت من المجتمع البطرياركى أو الختان أو عملت مجلة جريئة عن الجسد، سينتعش الشعر العربى كثيراً ولكن فى لغتين فقط الإنجليزية والفرنسيّة». وتنتهى إلى جملة أكثر سخرية ودلالة «الكيتش يُشعر الآمنين بأمنهم، والعاطفيين برقّتهم». «الليالى» نموذج تأسيسى ل«تعقيد صناعة الكيتش» الثقافى والسياسى فى الترجمة. هذا هو العنوان الذى يمكن أن نُدرج تحته محاولة فهم كيف تختبر إيمان مرسال وتُراجع - بحسب ما قدّمت فى محاضرتها - مقولات «ما بعد الكولونيالية» فى الحديث عن الترجمة، دون الوقوع فى خطأ الاختزال والتبسيط والقبول التام الذى تقع فيه ثقافتنا العربية لدى الحديث عن الاستشراق. فى حالة ترجمة «ألف ليلة وليلة» خرجت من مجرّد أنماط «الغرام» و«التدجين» إلى «لعب دور مهم فى بناء دولة ما قبل الحرب العالميّة الأولى»، هكذا كانت ضرورة ترجمات ألف ليلة وليلة بحسب ما استعانت مرسال بالباحث الإيرانى رسول كبيرى،ودراسته عن سياقات ترجمة الليالى إلى الإنجليزية، ترجمة ألف ليلة اختلفت فى طبعتها الإنجليزية عن الأمريكية. «ألف ليلة وليلة» استُخدمت من قبل الثقافة الإنجليزية فى «الدفاع عن الرواية الإنجليزية من انتقاد المحافظين بسبب استخدام الجنس والقبح». هنا تُعبّر مرسال بوضوح عن رفضها لمقولات شائعة ناتجة عن «تبسيط» و«اختزال» و «تلخيص» مثل: «الترجمة مؤامرة» و«الترجمة من أجل السيطرة»، وشبه الإجماع على أن ترجمات «ألف ليلة وليلة» ساهمت فى رسم الصورة الذهنية للعربى الشهوانى و«الشرق الغرائبى» فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. الطبعات الأمريكية لم تهتم بالقصص الجنسية واتّجهت إلى قصص سندباد وعلى بابا لارتباط ذلك ب «التحوّل الاجتماعى والاقتصادى السريع للبلاد وتزايد الدعوة للذاتية والمغامرة والإنجاز بحثًا عن الحلم الأمريكى». ما تُريد مرسال قوله إن الاضطهاد الذى يُعانى منه الكاتب العربى فى بلده، خلق سياقا لترجمة نصّه ومن دون ذلك تُحرم وتسقط أعمال مهمة من الترجمة، وضربت مثالا بقصائد بسام حجار وسنية صالح. تقول مرسال إنها تهتم وتتحسّس كثيرا بالبيوغرافى الذى يكتب عنها فى الأنطلوجيات المتعددة. تُمرّر هنا مرسال رأيها بخصوص تيمات الأنطلوجيات المختلفة من مختارات الشعر العربى المترجم، وانتقادها لأفكار مثل أنطلوجيا لشعراء الثورة، وللشعر الثورى. كلها تنويعات على الكيتش فى الترجمة.