الثقافة اليابانية من الثقافات الزاخرة بالأعياد والمناسبات، سواء كانت دينية أو اجتماعية التى يشارك بها أغلب محبى اليابان من كل أنحاء العالم، كما يحتفل اليابانيون بعشرات المناسبات والأعياد الغريبة على مدار العام، وفى مقدمة هذه الأعياد مهرجان ال«أوبون»، أو مهرجان الموتى. مهرجان «أوبون» أو «بون» الذى يسمى أيضًا «مهرجان القناديل» بدأ الاحتفال به فى اليابان منذ 500 عام أى فى نحو عام 1500م وغالبًا ما ترقص فيه رقصة خاصة اسمها رقصة الأوبون، ويعد تقليدًا يابانيا بوذيًا يتم الاحتفال به سنويًا لمدة 3 أيام لتمجيد وتكريم أرواح الأموات الأسلاف. يستمر مهرجان الأوبون لمدة ثلاثة أيام، لكن تختلف فترة المهرجان فى مناطق اليابان المختلفة، لأسباب تاريخية تعود إلى تغيير استخدام التقويم القمرى بالتقويم الميلادى، حيث يحتفل به فى شهر يوليو فى مناطق طوكيو، يوكوهاما، ومنطقة توهوكو، أما المهرجان الشائع فهو الذى يكون فى شهر أغسطس ويحتفل به على التقويم القمرى القديم، وهو الذى انطلقت فعالياته الاثنين الماضى 13 أغسطس فى مدينة غوجو بوسط اليابان، بمشاركة 65 ألف شخص، قضوا ليلتهم فى الرقص من غروب الشمس إلى شروقها، وسط توقعات بمشاركة نحو 200 ألف شخص فى المهرجان الذى اختتم فعالياته صباح أمس الجمعة. وتهدف المناسبة فى إعادة تجميع الأسرة حيث يعود جميع أفراد الأسرة إلى مكان ولادتهم ويزورون المقابر لتنظيف القبور وتزيينها، ووضع الزهور على المقابر وتقديم الصلاة لهم، معتقدين أنه خلال تلك الفترة تعود أرواح الأموات لزيارة مزاراتها فى بيوتها، وعلى الرغم من أن عيد «الأوبون» لا يعد عطلة رسمية على مستوى البلاد، فإن العديد من الشركات والأعمال تغلق أبوابها، ليتمكن جميع العاملين بالاستمتاع بالاحتفالات مع أصدقائهم وعائلاتهم. ورغم الحالة المزاجية السيئة لعدد من الأسر، فإن الاحتفالات تنطلق فى العديد من شوارع اليابان والأماكن المفتوحة، وتنتشر أكشاك لبيع البيتزا اليابانية، الأوكونومياكى مع الياكيتورى والتاكوياكى، ويعلو صوت الموسيقى الشعبية، ويرقص المشاركون فى المهرجان، وتمتلئ شوارع اليابان بالبهجة. يعتبر عيد «أوبون» نموذجًا مختصرًا من مهرجان «الشبح الجائع» الذى يتم الاحتفال به فى هونج كونج وبحسب المعتقد الصيني، يعد الشهر السابع من التقويم القمرى هو الوقت الذى تجوب فيه الأرواح القلقة الأرض، ويبذل الكثير من الصينيين الجهود لاسترضاء الأشباح العابرة وتقديم الطعام للأسلاف. ترجع أصول الاحتفال بعيد «الأوبون» إلى أسطورة «مامودجالايانا»، أحد تلاميذ «بوذا» المقربين، الذى اسخدم سلطاته وقوته الخارقة للطبيعة من أجل الاطمئنان ورؤية روح والدته المتوفاة واكتشف أنها كانت تعانى بسبب سقوطها فى عالم الأشباح الجياع، حيث نصح بوذا الراهب «مامودجالايانا» أن يقدم قرابين وتضحيات لجماعة المتدينين والنسّاك البوذيين «السانجا» كما يطلق عليها وبالفعل نفذ الراهب نصيحة بوذا وهو ما مكنه من تحرير والدته من معاناتها مما جعله يرقص فرحًا وكان هذا أصل رقصة «أوبون». وتعد رقصة «بون أودورى» أهم وأبرز أحداث المهرجان، فأثناء الرقص الشعبى التقليدى، يتجمع المشاركون فى حلقة كبيرة حول منصة مرتفعة يطلق عليها اسم «yagura» ويبدأون الرقص على وقع طبول «التايكو» اليابانية الشهيرة والغناء. غالبًا ما تقام مهرجانات «أوبون» فى الأضرحة والمعابد والساحات العامة والمتنزهات والحدائق، وتعد من الاحتفالات المهمة لأنها تجمع أفراد المجتمع معًا، ففى صباح يوم المهرجان ينشغل أهالى كل بلدة بإعداد مسارح للمؤدين وأكشاك للطعام والألعاب، كما أنهم يتشاركون فى تزيين الحدائق بالفوانيس التى تحمل أسماء الأشخاص الذين ساهموا فى الحفل. تبدأ الاحتفالات الرسمية للمهرجان فى 13 أغسطس ويعمل اليابانيون على إشعال الحرائق الترحيبية الصغيرة عند مداخل المنازل لمساعدة الأرواح للدخول مرة أخرى إلى المنازل وهو ما يعرف باسم Mukaebi، بالإضافة إلى إضاءة الفوانيس الورقية داخل المنازل، ويعمل الناس على إحضارها إلى مواقع قبور عائلاتهم لدعوة أسلافهم للعودة إلى ديارهم ويطلق عليها اسم «mukae-bon»، إلى جانب تزيين مذبح المتوفى بألواح تذكارية صغيرة. ويعتبر تجهيز الفواكه، والزهور والحلويات اليابانية إحدى الممارسات المتبعة لتقديم الأشياء التى كانت تفضلها أرواح الأشخاص المتوفين أثناء حياتهم، وتقوم معظم المناطق الريفية بإعداد أحصنة مصنوعة من الخيار أو أبقار مصنوعة من الباذنجان مع استخدام العصى الخشبية كأرجل، حيث يرمز «الخيار» على شكل حصان إلى الوسيلة التى تساعد الأرواح فى العودة لمنازلهم بسرعة، أما الأبقار المصنوعة من الباذنجان فتشير إلى الوسيلة التى ستعيدهم مرة أخرى إلى السماء ببطء بمجرد انتهاء المهرجان. يبدأ معظم اليابانيين احتفالاتهم بعيد «الأوبون» بزيارة للمقابر وتنظيف قبر العائلة والصلاة لأرواح السلف، أينما وجدوا من أجل التعايش السلمى ويعرف هذا الطقس ب«ohaka-mairi»، وفى يومى ال 14 و 15 أغسطس، تقوم العائلات التى تتبع التقاليد بدعوة كاهن بوذى لمنازلهم أو زيارة المعبد أو الضريح لتلاوة السوترا وتأدية الصلوات لإحياء ذكرى المتوفين لتقديس أرواح الأسلاف، وتضاء فى المساء نحو 10 آلاف شمعة تحمل أسماء الأجداد ثم يمر الكهنة فى موكب داخل المعبد مرددين سوترا وتعرف باسم «Hoyo – Kuyo»، وبعد ذلك تتناول الأسرة طعام الغداء متذكرين القصص القديمة لأحبائهم المتوفين وتسمى هذه الوجبة ب« shojin ryori» وهى وجبة نباتية عادة ما تشتمل على الفول المطبوخ والسبانخ مع صوص الصويا والسمسم او الخيار المخلل. مع غروب شمس اليوم الثالث ، 16 أغسطس، تضاء الفوانيس ويتجمع المقيمون والزوار وتظهر عروض طبول «تايكو» اليابانية وعروض الراقصين المدربين مرتدين «yukatas» أو الكيمونو الصيفى إلى جانب الرقصات الشعبية التى يطلق عليها اسم «بون أودوري»، وعلى الرغم من اختلاف أنماط الرقصات من منطقة لأخرى، فإنها عادة ما تحافظ طبول «التايكو» على إيقاع الرقصات، وفى اليوم الأخير تساعد العائلات فى إعادة أرواح أسلافهم للقبور عن طريق تعليق الفوانيس التقليدية التى يرسم عليها الشعار الخاص بكل عائلة لتوجيه الأرواح لمكانهم الأبدى. وتختتم مراسم الاحتفالات بإضاءة أخرى تضىء السماء، فأثناء ذروة الاحتفال بمهرجان «أوبون» تضاء 5 خطوط نيران عملاقة على الجبال المحيطة بمدينة كيوتو اليابانية تسمى daimonji تشير إلى اللحظة التى يعتقد فيها أن أرواح الأموات الذين قاموا بزيارة الاحتفال عادت مرة أخرى لعالم الأرواح.