إذا كانت «الولاياتالمتحدة» هى الطرف المسيطر فى تحالف «العيون الخمس»، فإن «المملكة المتحدة» تُعد الرجل الثانى فى المجموعة.. حيث أظهر جهاز الاستخبارات البريطانى قدرًا كبيرًا من الابتكار فى جمع وتحليل المعلومات، منذ اليوم الأول لدخوله التحالف، وقبلها مع الإدارة الأمريكية بشكل خاص. تاريخها التجسسى الطويل، الذى فرض نفسه، وقوته جعل من بريطانيا أداة استخباراتية، لا يمكن الاستغناء عنها فى المجتمع الاستخباراتى المصغر، خصوصًا عملياتها بعد الألفية الثانية. وبصورة أدق، فقد زادت الهجمات الإرهابية المنسقة ضد «بريطانيا،» التى نُفذت فى 7 يوليو 2005، والتى كانت بمثابة صدمة كبيرة لهم، من قوتها. لم ينسَ أحد سلسلة الانفجارات التى تسببت فى توقف شبكة النقل البريطانية، واشتبهت السُّلطات هناك فى البداية بحدوث عطل كهربائى..ولكن سرعان ما ظهر أن أربعة مهاجمين انتحاريين، قاموا بتفجير قنابل فى ثلاثة قطارات أنفاق، وحافلة، أدت إلى مقتل 56 شخصًا وإصابة 784 آخرين. وانتهى التحقيق الذى خلصت إليه اللجنة فى تقريرها لعام 2009 بفضيحة، أن الشرطة، وجهاز الأمن البريطانى، لم يكن بوسعهما بأى شكل من الأشكال منع التفجيرات. وثائق جهازىّ الاستخبارات الأمريكى (NSA)، والبريطانى (GCHQ)، أوضحت فى المقابل، كيفية استجابة «المملكة المتحدة»، ووكالات الاستخبارات الأمريكية فى أعقاب تفجيرات «لندن».. حيث وضعت (GCHQ) استراتيجية، ركزت فيها على توفير الدعم للشرطة، وأجهزة الأمن، وتقسيم أعمالهم، واستحداث أقسام استخباراتية بعينها. كما عملت على اكتشاف الهدف من خلال تفحص قواعد البيانات الخاصة بمنفذى العمليات فى محاولة للعثور على معلومات حولهم أو حول المتصلين بهم.. ثم شكلت مركزًا للأبحاث، يسمى «بلو سكايز تيم»، الذى طور أدوات وتقنيات جديدة يمكن استخدامها لتحديد الأشخاص المرتبطين بالمهاجمين. ومن جانبها، لعبت قاعدة المراقبة فى شمال إنجلترا دورًا رئيسيّا.. فبدأت قاعدة «Menwith Hill» التجسسية، بالاستماع إلى المكالمات، التى كانت تتم بين «المملكة المتحدة»، والدول الأجنبية. وتعد هذه القاعدة محطة أرضية تشغل عبر أقمار صناعية تجسسية، تستخدم تكنولوجيا المراقبة الخاصة على المكالمات المرتبطة بالهواتف، وسنتحدث عنها بالتفصيل فى سياق الملف. وشارك رجال ال«NSA» حلفاءهم فى ال«GCHQ» خلال التحقيق، وفقًا لبنود التعاون الموقعة بينهم منذ عقود، بجانب اتفاقية «Alice Springs Resolution»، التى وقّعت فى العام الذى سبق الحادث بين «العيون الخمس». ففى شهر يونيو 2004 وقّع مدير كل وكالة استخباراتية من الخمسة على تلك المعاهدة السّرية، ووضعوا فيها الترتيبات المطلوبة، من أجل تكوين نظام موحد للمراقبة، يمكن لكل جواسيس البلدان الخمسة الوصول إليه ثم يتشاركون فى البيانات، التى تكشف أى معلومات حول عمليات الاتصال، مثل: مرسل البريد الإلكترونى ومتلقيه، أو أرقام الهاتف التى اتصل بها شخص ما، وفى أى وقت تحديدًا، وكل ما شابه من معلومات كتلك.. ولكن ليس محتوى المكتوب فى الرسالة، أو صوت المكالمات. الهدف من معاهدة «أليس سبرينجز» كان سهولة الوصول غير المقيد إلى مخزن البيانات بين الوكالات الاستخباراتية الخمس، وفقًا لوثيقة وكالة الأمن القومى.. وتم توقيع هذا الاتفاق خلال اجتماع عُقد فى مدينة «أليس سبرينجز» الأسترالية، التى تحمل الاتفاقية اسمها، والتى تضم منشأة مراقبة كبيرة. وذكر نص الاتفاقية، أن الترتيب الجديد ضرورىّ بسبب الأهمية المتزايدة لتحليل البيانات الوصفية لتقوية المعلومات الاستخبارية، خصوصًا ضد هدف الإرهاب». وقد أشارت وكالة الأمن القومى لاحقًا إلى الاتفاق على أنه «وثيقة تأسيسية». وبالعودة للمساعدة الأمريكيةلبريطانيا فى الحادث، فقد نقلت «وكالة الأمن القومى» الأمريكية 22 من موظفيها إلى وحدة بريطانية متخصصة للمساعدة فى هذا الجهد، إلى جانب إنشاء قسم عُرف ب«مركز الإنتاج الأولى لمكافحة الإرهاب». وبعد ثلاثة أشهر، انتقل عدد آخر إلى أقسام عمليات أخرى، من أجل توفير التحليل، والمشورة الفنية، بشأن عمليات وطرق المراقبة. موظف فى وكالة الأمن القومى كان يعمل فى قاعدة «منويث هيل» - لم يذكر اسمه لحساسية منصبه- قال: «لقد عملنا مع فريق الإرهاب الدولى التابع ل«GCHQ» لوضع تغطية على تسع مدن بريطانية، وجمعنا قائمة بالمدن، والمواقع الخارجية للمملكة المتحدة، بما فى ذلك «كوبنهاجن» الدنماركية، و«بروكسل» البلجيكية، ومواقع مختلفة فى «إسبانيا، وجنوب إفريقيا»، بناءً على طلب «GCHQ»..كما فحص المحللون المكالمات الواردة من هواتف «القمر الصناعى» التى كانت قد اتصلت بالعاصمة «لندن» من «العراق». وبالفعل اكتشفوا أن اهدافًا فى «باكستان، وأفغانستان، والعراق» اتصلوا بمناطق محددة فى «المملكة المتحدة»، ثم حددوا أنهم قادمون من منطقة «أزاد كشمير» المتمتعة بالحُكم الذاتى فى شمال شرق «باكستان». لكن الوثائق لا تذكر ما إذا كان هناك رابط مثبت بين هذه المكالمات وبين التفجيرات. ومع ذلك، فقد ورد فى عام 2012، أن أحد عناصر تنظيم «القاعدة» من أصل بريطانى اسمه «راشد رؤوف» - الذى كان يعيش فى «باكستان» - ساعد على توجيه عملية الهجوم فى 2005، الذى نفذه أربعة رجال، ثلاثة منهم وُلدوا وعاشوا فى «إنجلترا»، وواحدٌ فقط وُلد فى «جامايكا» لكنه عاش فى «إنجلترا» منذ الطفولة. ربما يكون المثل السابق مجرد دليل صغير، تكتمل من خلالة الرؤية عن شكل التعاون بين «العيون الخمس» بشكل عام، و«الولاياتالمتحدة، وبريطانيا» بشكل خاص، فى طريقة عمل هؤلاء لجمع معلومات عن قضية ما، فما بالك لو كان هذا التعاون يحدث ضد الشرق الأوسط على مدى تاريخهم التجسسى. وثيقة أخرى نشرت فى أكتوبر 2006، أوضحت أن قوة مشاركة البيانات بين جهازىّ الاستخبارات- الأمريكى، والبريطانى- لم يسبق لها مثيل، خصوصًا فيما يتعلق باتفاق «أليس سبرينجز».. حيث طوّرت الوكالات نظامًا أطلق عليه اسم «التعاون التحليلى للبيانات الحساسة» (SMAC)، الذى خططت من خلاله الوكالات الخمس، لكيفية تبادل قوائم سجلات البيانات المستهدفة . مستندات «GCHQ» أشارت إلى نقطة فى غاية الأهمية عندما تناولت عدم اكتشافهم عمليات 2005، عندما استخدم ثلاثة من المهاجمين على الأقل هواتف قديمة جدّا وردئية، للتحدث مع بعضهم البعض، ولم يجروا اتصالات مع أى شخص آخر، فلم يستطع جهاز المراقبة القوى التابع لوكالة التجسس اكتشافهم.. بمعنى آخر ربما تكون تلك الحادثة، وغيرها هى الدافع وراء ظهور «الهواتف الذكية»، التى يحملها أغلب سكان العالم، والمتصلة بالأقمار الصناعية على مدار الأربع والعشرون ساعة، بكل ما تحملة من تقنيات، تجعل الشخص هو جاسوس نفسه. وتركز «بريطانيا» أغلب جهودها على منطقة الشرق الأوسط فى الآونة الأخيرة، بحجة تهديد الإرهاب الناشئ، كما تواصل أيضًا جهودها ناحية «أيرلندا» لمنع هجمات الجيش الجمهورى الإيرلندى، منذ عام 2009 عندما وقع 22 هجومًا على أهداف البنية التحتية الحساسة من قبل الجيش الجمهورى الإيرلندى، وفى عام 2010 كان هناك 40 هجومًا، بينما وقع 26 هجومًا عام 2011. ومن جانبها أوضحت اللجان البريطانية المختصة، أن انخفاض عدد هجمات الجيش الجمهورى الإيرلندى، كان نتيجة للنشاط المكثف من قِبَل الشرطة فى أيرلندا الشمالية، الذى قام بأكثر من 200 عملية اعتقال، التى كشفت عنها المعلومات الاستخباراتية. ورُغم عملهم الحالى شديد السرية، فإن الخبراء يعتقدون أن جهودهم تتضافر فى مواجهة قضايا بعينها، منها: الإرهابيون، خصوصًا فى منطقة «الشرق الأوسط»، ومحاولة إتقان المجال الجديد من التهديدات السيبرانية، وجهودهم من أجل البقاء متقدمين على كل من «روسيا، والصين»، اللتين تُعدان من أشرس التحديات أمام «العيون الخمس». وهو ما أكدته العديد من تقارير الصحف الغربية.. فعلى سبيل المثال- لا الحصر- كشفت جريدة «جارديان» البريطانية عام 2014، عن وثائق سرية أكدت أن وكالة «GCHQ»، بمساعدة من «NSA»، قامت باختراق، وتخزين صور كاميرا (الويب) لملايين من مستخدمى الإنترنت، خصوصًا على موقع «Yahoo»، الذين لا يشتبه فى ارتكابهم أى نوع من المخالفات. كما كشفت جلسة استماع فى محكمة «ساوثوارك كراون» فى 17 أكتوبر الماضى، أن وكالات الاستخبارات البريطانية تحتفظ بقاعدة بيانات مجمعة تحتوى على سجلات لملايين المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعى.. وغيرها من العمليات التجسسة الإلكترونية التى اتسمت بطابع هجومى. وأخيرًا، يذكر أن كل معلومة تحصل عليها، أو تقوم بها الاستخبارات البريطانية، من الضرورى أن تتشارك فيها مع «العيون الخمسة».