استقبل المصريون خبر إعلان قائمة ترشيحات مهرجان «كان» السينمائى فى دورته ال71، بحفاوة شديدة، إذ شهدوا للمرة الأولى منذ عام 1997 فيلمًا مصريًا فى المسابقة الرسمية ومرشح للفوز بالسعفة الذهبية، فيلم «يوم الدين» للمخرج المصرى «أبو بكر شوقى»، الذى اقتحم للمرة الأولى عالم الأفلام الروائية بفيلمه هذا، الذى يعكف على صناعته منذ عشر سنوات ليكتب بذلك اسمه تحت اسم «يوسف شاهين» فى قائمة المخرجين المصريين الذين تنافس أفلامهم فى أهم ماراثون سينمائى فى العالم. وبنظرة أكثر عمقًا على قوائم مسابقات المهرجان، تلوح لنا مفاجآت عديدة تستحق أن نقف عندها، فبجانب عودة الفيلم المصرى للمسابقة الرسمية، نرى أنه، وللمرة الأولى فى تاريخ «كان»، تشارك 4 أفلام عربية اثنان منها فى المسابقة الرسمية، وهما: «يوم الدين»، و«كفر نعوم» للمخرجة اللبنانية «نادين لبكى» وهى أول عودة للسينما اللبنانية بعد غياب نحو 30 عاما، ثم فيلمان يشاركان فى مسابقة «نظرة ما»، وهما: «قماشتى المفضلة» للمخرجة السورية «جايا جيجى»، و«صوفيا» للمغربية «مريم بن مبارك». وفى سابقة فريدة من نوعها، أطلت المملكة العربية السعودية على المهرجان ب9 أفلام لمخرجين سعوديين ناشئين، فى فقرة الأفلام القصيرة للمهرجان، وأنها ستدخل فى الدورة المقبلة بأول فيلم سعودى روائى طويل بعنوان «جود» من إخراج الاسترالى «أندرو لانكاستر»، وتأليف السعوديان «حسام الحلوة»، و«صافية المرى». لكن ما استرعى الانتباه حقًا، هو أن السياسة خيمت على المهرجان فهناك الكثير من الأفلام التى تحمل «تيمة» سياسية صريحة، وأسماء المخرجين أيضًا مثل العملاق «جان لوك جودار»، الذى يشارك بفيلم «كتاب الصور»، و«سبايك لى» بفيلم «BlacKkKlansman»، واليابانى «هيروكازو كورى» بفيلم «السارقون»، والبولندى البريطانى «باول باوليكوسكى» بفيلم «الحرب الباردة»، والإيرانى «أصغر فرهادى» الذى سيعرض فيلمه «الجميع يعرف» فى افتتاح المهرجان، فى ثانى مشاركة إيرانية فى هذه الدورة، التى ستقام فى الفترة ما بين 8 و19 مايو المقبل، وتشهد عودة مفاجئة وغير متوقعة للمخرج الإيرانى المخضرم «جعفر بناهى»، الذى يعتبر أحد رواد الموجة السينمائية الجديدة وهى المدرسة التى ينتمى لها كبار المخرجين الإيرانيين على رأسهم صديقيه المقربين الراحل «عباس كيارستمى»، و«فرهادى»، وهو أول مخرج إيرانى يحصل على جائزة دولية-بمهرجان «برلين» السينمائى-دون أن يعرض فيلمه داخل بلده، يواجه «بناهى» قرارًا من السلطات الإيرانية بمنعه لمدة 20 عامًا من الإخراج السينمائى والسفر حتى لا يقوم بتصوير أفلام خارج بلاده، ومنعه كذلك من ممارسة أى نشاط سياسى وذلك بعد مشاركته فى الانتفاضة الخضراء فى إيران 2009، ليصدر فى حقه حكم قضائى بالسجن 6 أعوام، قضى منها شهورًا قليلة، بعد إضرابٍ طويلٍ عن الطعام، لينتهى به الأمر قيد الإقامة الجبرية. تحدى «بناهى» الإقامة الجبرية وعكف على صناعة الأفلام من داخل منزله بتكاليف تكاد تكون محدودة، ليخرج بعدها من تحت يديه 6 أفلام منها الروائى الطويل ومنها الوثائقى، كان آخرها فيلمه الجديد، الذى حرصت إدارة «كان» على أن يكون مخرجه حاضرًا فى فعاليات المهرجان، بيد أن المندوب العام للمهرجان «تييرى فريماس» قال إن السلطات الإيرانية ستتلقى رسالة من قبل نظيرتها الفرنسية والقائمين على المهرجان للسماح له بالحضور، ليرد «بناهى» فى رسالة مفتوحة، يوم الأحد الماضى، على تلك الدعوة بالقول إن «السينما المستقلة الإيرانية لا تزال حية وحيوية رغم المخاطر الكبيرة المتربصة بها، وأن الضغط سيتواصل، غير أن السينما المستقلة ستحاول الحفاظ على استقلاليتها مع أصوات جديدة». بالطبع لم تشفِ هذه الرسالة المبهمة صدور القائمين على مهرجان «كان»، ف«بناهى» يتحرج أن يقول إنه لن يستطيع الحضور نظرًا لما يعيشه من حصار، ومع ذلك يبقى كلامه آيةً قوية على تنكيل نظام الملالى فى إيران بمعارضيه حتى وإن انحصرت تلك المعارضة بين جدران أربعة لشقة صغيرة. شأنه شأن «بناهى»، يقبع المخرج الروسى الكبير «كيريل سيريبرينيكوف» فى بيته قيد الإقامة الجبرية منذ العام الماضى بعد تهمة سياسية وجهت له باختلاس أموال عامة، وقد وجهت إدارة «كان» للسلطات الروسية طلبًا بحضور المخرج لعرض فيلمه «الصيف» المشارك فى المسابقة الرسمية، والذى يحمل «تيمة» سياسية «معارضة» رغم أنه يروى قصة حياة نجم الروك السوفيتى الراحل «فيكتور تسوى». فيلم «بنات الشمس» ثانى الأفلام الروائية الطويلة للمخرجة الفرنسية «إيفا هاسون» يشارك أيضًا فى المسابقة الرسمية، وهو أحد أبرز الأفلام السياسية المنتظرة فى المهرجان، فجانب كونه فيلمًا حربيًا، إلا أن فكرته سياسية بحتة، إذ يروى قصة كتيبة مقاتلات كرديات، تُعرف باسم «بنات الشمس»، يقمن بمهمة انتحارية فى سبيل إنقاذ أسرة إحداهن، والتى تقوم بدورها النجمة الإيرانية «جولشفتيه فرحانى». وبحسب تقرير نشرته مجلة «سكرين ديلى» الأمريكية، فقد استلهمت «هاسون» هذا الفيلم من قصص حقيقية لفتيات كرديات فى سوريا والعراق قد أخُذن رهائن من قبل عناصر تنظيم «داعش» الإرهابى، إلا أنهن تمكن من الفرار وحملن السلاح فى وجه الإرهابيين. أما خارج إطار المسابقة الرسمية، فسنجد أحد أبرز الأسماء اللامعة فى صناعة الأفلام الوثائقية، وهو المخرج الصينى «وانج بينج»، والذى يشارك فى الدورة الحالية للمهرجان، بفيلم أثار جدلًا واسعًا داخل الصين انتهى به الأمر إلى حظره، وهو فيلم «أرواح ميتة»، مدته 8 ساعات ويتحدث عن الثورة الثقافية التى شهدتها الصين عام 1966 على يد زعيمها «ماو تسى يونج» وأراد من خلالها سحق المعارضة وجعل ملايين الطلبة من المدارس العليا والجامعات ينضمون إلى ميليشيات الحرس الحمر، ليعيثوا فى الأرض فسادًا دافعين بلادهم إلى حرب أهلية. كما أن هناك فيلمين وثائقيين كليهما يتحدثان عن شخصيات سياسية شهيرة، أولهما فيلم «البابا فرانسيس: رجل يفى بوعوده»، وكما هو مبين فى العنوان، يسلط الفيلم الضوء على حياة بابا الفاتيكان «فرانسيس الثانى» وأفكاره وأعماله الإصلاحية، وهو من إخراج «فيم فيندرز» أحد مؤسسى مدرسة «السينما الألمانية الحديثة»، ومن إنتاج مؤسسة الفاتيكان. أما الفيلم الثانى فهو «الدولة ضد مانديلا والآخرين»، والذى يروى سيرة المناضل «نيلسون مانديلا» ووقوفه فى وجه الاضطهاد العنصرى الذى تعرض له داخل بلاده جنوب إفريقيا، وهو من إخراج «نيكولاس شامبو» و«جيل بورت». بالطبع لن يفوت المهرجان فرصة استضافة فيلم أخرجه أحد رواد الأفلام السياسية والمسرح المعارض الفرنسى واليسارى العتيد «رومان جوبيل»، الذى سيشارك فى العروض الخاصة للمهرجان بفيلم «العبور» وهو فيلم وثائقى عن سيرة المناضل السياسى الألمانى الفرنسى «دانيال كوهن بنديت»، إلا أن المفاجأة كانت ظهور الرئيس الفرنسى الحالى «إيمانويل ماكرون» فى الفيلم، وذلك فى مشهد مدته 7 دقائق، يؤدى فيه «ماكرون» شخصيته الحقيقية ويحاور «بنديت» فى إحدى المقاهى الشعبية بمدينة فرانكفورت الألمانية.