قاسية هى الحياة على أولئك الصغار المحرومين من أمهاتهم.. لكنها ليست قسوة مطلقة.. بل تحمل معها قدرًا من الرحمة والعطف على قلوب ضعيفة صغيرة وملامح وجوه بريئة، فجادت عليهم بمصدر جديد ل«الحب والحنان والعطف» عبر «أم بديلة» تحمل مشاعر الأمومة وقدرة على احتواء الأبناء ليعيشوا فى كنفها داخل «دار الأيتام».. وقد ظهر مسمى «الأم البديلة» كوظيفة اجتماعية جديدة احتلت مكانها داخل بعض دور رعاية الأيتام فى مصر، لتكون بديلًا عن الأم الحقيقية التى حُرم منها بعض الأطفال الصغار ولتخفيف وطأة فقدان الأم الحقيقية. «أم محمد» كما أطلقت على نفسها رغم أنها لم تُرزق بالأطفال، كانت «الأم البديلة» ل20 ولدًا وبنتًا أعمارهم متفاوتة ما بين الرُّضع والمراهقين والرجال أيضًا، كانت رغبتها الدفينة أنها تقوم بتربيتهم كأم حقيقية والجميع ينادونها ب«ماما»، استطاعت أم محمد أن تعلم أبناءها وتزوج بناتها وتشجع صغارها على النجاح والاستقلال والاستقرار. قصة «أم محمد» سلطت الضوء على أن هناك وظيفة وفطرة معروفة فى مجتمع الأيتام الهادئ بعيدًا عن الأضواء تدعى «الأم البديلة» تقوم بدور الأم بجدارة ونجاح فلا ينقصها أى تفاصيل تجاه أبنائها عن الأم الحقيقية كما أنها أم للعشرات وليست لطفل أو طفلين أو ثلاثة، ومع عيد الأم نحتفل بهم أيضًا كأمهات من خلال قصصهن فى حب أبناء لم تنجبهن أرحامهن. فقالت «أم محمد» من سكان محافظة الجيزة، وتعمل أمًا بديلة فى دار أيتام بمدينة 6 أكتوبر، قصتى بدأت منذ ما يقرب من 40 عامًا، عندما تزوجت وعلمت بعد سنوات قليلة أننى لن أنجب أطفالًا، وكانت صدمة كبيرة فى داخلى، فمعظم النساء ينتظرن تلك اللحظة بشدة، ومن هنا لم تتوقف الصدمات فى حياتى، فقد حصلت على ورقة الطلاق من زوجى الذى رفض أن أكون زوجة بدون أطفال ليتزوج بأخرى فى أقرب وقت، وأصبحت وحيدة فى منزل والدى وحاصلة على لقبين؛ الأول مطلقة والثانى لن أكون أمًا مدى الحياة، وتقدم لى العديد من الرجال للزواج لكن أعمارهم فى سن الخمسين والفرق بينى وبينهم يتجاوز ال 20 عامًا، وكان الهدف الحصول على زوجة لخدمة الزوج فقط، فهو لديه أطفال ويحتاج إلى ونيس. تابعت أم محمد: لم أنس لحظة فى حياتى منذ طلاقى فكانت محطات قاسية جدًا، فبعد وفاة والدى ووالدتى وأصبحت وحيدة فى المنزل كنت أشعر بالوحدة، وخاصة أن أشقائى متزوجون ولهم حياتهم الخاصة، وظهر أمامى بريق أمل أننى سوف أكون أمًا لكن لست لأولاد من فلذة كبدى، كان الأمر بالنسبة لى فى البداية أننى أبحث عن وظيفة فقط، لكن بعد أن حزمت أمتعتى وجلست فى دار الأيتام لم أستطع أن أكون أمًا حقيقة لهؤلاء الأطفال. من هنا تبدلت حياتى بثوب الأمومة بشكل مختلف، فأنا لم أكن أمًا لطفل أو طفلين بل ل20 طفلًا على مدار40 عامًا من عمرى، وتحولت حياتى لحياة سعيدة، فأعمل فى المهنة وفى نفس الوقت أم لهؤلاء الأبرياء نجحوا على يدى عاشوا وفرحوا وحزنوا على يدى، ومن الأشياء التى عشت بها أسعد لحظات حياتى أننى قمت بتزويج 5 بنات، وأشرفت على تفاصيل زيجاتهن كأم، وقمت بشراء أجهزة زواجهن وفستان الزفاف كأم طبيعية، وقمت بمساعدة الأولاد منهم بعد سن ال18 بالنصائح بعد الاستقلال وأزورهم بشكل دائم وأطمئن عليهم كأم وهم أيضًا وأحتفل بأعياد ميلاد الصغار منهم والناجحين فى الدراسة، ومن اللحظات السعيدة أيضًا أننى حضرت حفل تخرج أحد الشباب فى الدار، والذى ينادينى بأمى فقد تفوق والتحق بالجامعة وحصل على لقب محاسب وآخر حصل على لقب مرشد سياحى. وفى النهاية أنا أم وقمت بدور الأم كما ينبغى وهم يعاملوننى كأم حقيقية ويحرصون على مشاعرى وقلقى على حياتهم. وأضافت أم آية سيدة ثلاثينية، وتعمل أمًا بديلة، أنا من سكان منطقة إمبابة وإحساس الأمومة يراودنى منذ طفولتى، فكنت أرى جارتى تحضر أطفال الشوارع الصغار لتربيتهم حتى يتموا سن ال15 عامًا ولهم مطلق الحرية فى حياتهم بالاستقرار معها أو الرحيل، وكانت المفارقة أن هؤلاء الأبناء يرفضون ترك والدتهم التى قامت بتربيتهم على مدار سنوات وهم ليسوا أبناءها، وكانت أسرتى تساندها فى تربيتهم وعندما كبرت كنت أساعدها أيضًا، وكانوا يعيشون معنا فى دفء وحالة من الرضا مثل حياة الأسرة الطبيعية، وبعد أن تزوجت رزقنى الله ب8 أطفال فعاطفة الأمومة بداخلى ليس لها نظير، وكنت أبحث عن مهنة لمساندة زوجى فى الحياة المعيشية وظهرت أمامى مهنة الأم البديلة للأطفال الأيتام الرُّضع فقط، ولم أفكر فى الأمر بل استجبت على الفور وحاليًا أرعى 5 أطفال وأعتبر نفسى أمًا ل13 طفلًا على أرض الواقع فهم أيضًا أبنائى، وأعيش معهم حياة كاملة وأستمع إليهم وأنصحهم، أجلس بجوارهم فى مرضهم، فالأم البديلة رحمة من الله لهؤلاء ونهر جارف من الحب لا يتوقف. وأشارت فاطمة عمرى 35 عامًًا ولم يرزقنى الله بالأطفال، وعندما علمت بمهنة الأم البديلة فى دار أيتام الصحوة بالجيزة، سارعت أن أقوم بدور الأم الحقيقى ورزقنى الله ب5 أطفال أقوم برعايتهم على مدار اليوم، وقد عوضنى الله بما أريده من إحساس الأمومة ولم أحرم منه، لكن للأمومة أصول، وليس أى سيدة يمكن أن تعمل أمًا بديلة، فأصحاب دور الأيتام يختبرون شخصيتها ويرقبونها عن بعد، فالأمر ليس سيدة تنظف وتهتم بنظافة وشكل الأطفال، بل هى أم تقوم بدور الأم كما ينبغى، وفى الأغلب يختارون النساء اللاتى لم يرزقهن الله بأطفال فيكون لديهن حب كبير يخرجنه لهؤلاء الأطفال. وقالت حنان: أنا عمرى 50 عامًا وجدة فأنا كبيرة فى العمر لكن عاطفة الأمومة لم تتوقف فى داخلى فكنت أطالب أبنائى بعد زواجهم أن يحضروا أطفالهم إلى منزلى لتربيتهم بنفسى والجلوس معهم، وعندما علمت بأن مهنة فى دور الأيتام تسمى الأم البديلة سارعت للمشاركة فيها على مدار 12 ساعة يوميًا كعمل تطوعى وأرعى 10 أطفال صغار، وأحلم بأن أراهم كبارًا مثل أبنائى وأقوم بتزويجهم وأقف بجوارهم فى كل كبيرة وصغيرة، فالأمومة نعمة وهؤلاء الأطفال فى حاجة لعاطفة الأمومة، ولن أتركهم فقد أتممت عامى الرابع معهم منذ يومين فقط، وسوف أكمل حياتى معهم حتى النهاية ولن يتوقف عطائى معهم، ورغم أننى من سكان الفيوم فقد قمت بالاستقرار من دار الأيتام التى أعمل بها متطوعة وأتردد على بلدى ومعى زوجى مرة واحدة فى الشهر وأصبح زوجى يعمل فى نفس المنطقة التى بها دار الأيتام من أجل راحتى ومساعدتى فى مهمتى الخيرية.