مفاجأة غير سارة فجرها الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» عندما أعلن تعيين «جينا هاسبل» مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية CIA لتكون أول سيدة تتولى هذا المنصب الخطير. وعلى الرغم من أنها بالفعل أول سيدة يتم تعيينها فى هذا المنصب إلا أن الأهم هنا هو تاريخ هاسبل الأسود داخل جهاز الاستخبارات الأقوى فى الولاياتالمتحدة. جاء تعيين هاسبل فى منصبها الجديد بعد قرار ترامب عزل وزير الخارجية الأمريكى «ريكس تيلرسون»، واستبداله بمدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) «مايك بومبيو». وهنا جاء القرار الرئاسى بترقية هاسبل من نائب مدير الوكالة إلى مدير الوكالة خلفًا لبومبيو. أدت «جينا هاسبل» التى ولدت فى أكتوبر 1956، اليمين الدستورية كنائبة لمدير وكالة الاستخبارات المركزية فى 7 فبراير 2017 حيث كانت -حسبما ذكر الموقع الرسمى ل(CIA)- ضابطًا فعالًا فى إدارة جمع المعلومات الاستخبارية (التجسس)، والتحليل، والعمل السرى، والاستخبارات المضادة، وعلاقات الاتصال مع الخدمات الأجنبية. بدأت علاقة هاسبل بوكالة الاستخبارات المركزية عام 1985. ويشير تاريخ هاسبل الوظيفى إلى كونها موظفة نشيطة ومخلصة لعملها ولذلك فقد شغلت العديد من المناصب القيادية العليا بالوكالة. لكن المناصب الأهم فى تاريخها داخل الوكالة كانت منصب «نائب مدير الخدمة السرية الوطنية الأمريكية»، ومنصب «نائب مدير الخدمة السرية الوطنية للاستخبارات الأجنبية والعمل السرى»، إلى جانب توليها منصب «رئيس الأركان لمدير الدائرة السرية الوطنية». هاسبل كانت واحدة من كبار ضباط الاستخبارات الأمريكية، إذ شاركت فى أسوأ الانتهاكات التى شهدها «برنامج الاستجواب» فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق «جورج بوش».يذكر أن جمعية «حقوق الإنسان» وصفت هذا البرنامج بأنه يستخدم مجموعة من أساليب التعذيب أثناء الاستجواب. ففى الوقت الذى كانت واشنطن تخوض ما وصفته حينها ب «الحرب على الإرهاب»، كانت «هاسبل» تدير واحدة من أوائل مراكز الاحتجاز والاستجواب التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية والتى عرفت فيما بعد ب «المواقع السوداء». أما هاسبل فقد وقع عليها الاختيار لتكون مديرة مركز «عين القطة» أو «Cat Eye» التابع لوكالة الاستخبارات المركزية فى دولة «تايلاند». وكان المشتبه بهم التابعون لتنظيم «القاعدة» يتعرضون للتعذيب هناك باستخدام أساليب «الإيهام بالغرق»، وغيرها من طرق التعذيب الوحشية. ويعتبر «أبو زبيدة» هو أشهر المعتقلين الذين أشرفت هاسبل على تعذيبهم وذلك وفقًا لتقرير لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكى. وفى مايو 2013 نشر الصحفى «جريج ميلر» تقريرًا فى صحيفة «واشنطن بوست» ، أكد فيه قيام مدير الوكالة آنذاك «جون برينان» بعمل بعض التغييرات الإدارية والتى كان من بينها تعيين امرأة من أبناء وكالة الاستخبارات المركزية فى منصب رئيس الخدمة السرية للوكالة. «ميلر» لم يذكر اسم الرئيسة الجديدة بناء على طلب مسئولي الوكالة وقد واجهت هاسبل وقتها معارضة من بعض الأشخاص، الذين اتهموها بالتورط بشكل رئيسى فى أسوأ نظام تعذيب انتهجته وكالة الاستخبارات المركزية بهدف الحصول على معلومات من المعتقلين التابعين ل«تنظيم القاعدة» فى أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001. أما أخطر ما جاء بتقرير «ميلر» فكان تأكيده أن «جينا هاسبل» التى لم يذكر اسمها لعبت دورًا حيويًا عام 2005 فى تدمير شرائط الاستجواب، التى بلغ عددها قرابة المائة شريط. الشرائط التى أشرفت هاسبل على تدميرها والتى تسجل عمليات تعذيب المعتقلين فى «الموقع الأسود» كانت الدليل الوحيد الذى يثبت تورط الوكالة وهاسبل نفسها فى هذه العمليات القذرة. ومن جانبهم كشف بعض المسئولين الاستخباراتيين المعارضين لترقية «هاسبل» كمدير للوكالة، أن هاسبل هى بالفعل المسئولة التى لم يستطيعوا الإعلان عن اسمها فى الماضى. وأشار هؤلاء المسئولون، الذين رفضوا ذكر أسمائهم خوفًا من التهديدات التى قد يتعرضوا لها، إلى أن المدير الجديد للوكالة تولت عملية التخلص من كل ما يتعلق بالاستجواب فى المركز الذى كانت تديره، وجميع مواقع الوكالات السرية الأخرى وذلك بناء على أوامر أصدرها رئيس إدارة العمليات حينها «خوسيه أ.رودريجيز». وكان رئيس الوكالة فى ذلك الوقت الجنرال «مايكل فى. هايدن» قد أكد وقتها أن قرار تدمير الأشرطة كان يهدف إلى الحفاظ على أمن وسلامة الضباط السريين خاصة أن تلك الأشرطة لم يعد لها قيمة استخباراتية. وأضاف هايدن أن قادة لجان الرقابة فى الكونجرس، قد تم إطلاعهم بشكل كامل على وجود تلك الأشرطة بل وعلى قرار الوكالة تدمير تلك التسجيلات وهو ما نفاه أعضاء فى لجنة الاستخبارات التابعة للكونجرس. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تسببت «هاسبل» فى توجيه رئيسَى لجنة 11 سبتمبر «لى هاملتون» و«توماس كين» اتهامًا لمحامى البيت الأبيض بعرقلة التحقيقات وانتهاك أوامر المحكمة، ومطالب لجنة 11 سبتمبر. وكانت المحكمة قد طالبت بضرورة سماع تسجيلات التحقيق التى كانت هاسبل قد دمرتها سرًا. وكانت الوكالة الاستخباراتية قد أدارت ملف الأشرطة بمهارة فائقة من خلال مجموعة من المستشارين وكبار المسئولين السابقين بوكالة الاستخبارات المركزية، ومنهم: «جون ماكلولين» و«ستيفن كابس» و«مارى مارجريت جراهام». تولت هذه الأسماء التى كانت تحظى باحترام وتقدير المجتمع الاستخباراتى الرد على تقرير لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ حول برنامج الاستجواب وهو ما أدى فى النهاية إلى إغلاق القضية دون إدانة هاسبل وزملائها. ومن ناحية أخرى، أدان «المركز الأوروبى للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان» بألمانيا «هاسبل» رسميًا. المركز الألمانى أصدر مذكرة «طلب اعتقال» بحق هاسبل فى 6 يونيو العام الماضى مطالبًا بضرورة إلقاء القبض عليها إذا ما وطأت قدماها أيًا من الأراضى الأوروبية. وبرر المركز تقديمه طلب اعتقال هاسبل فى هذا الوقت تحديدًا وليس بعد الكشف عن برنامج الاستجواب مباشرة بأن عمل «هاسبل» فى وكالة الاستخبارات المركزية كان سريّا إلى أن تم تعيينها العام الماضى كنائب لمدير الوكالة. وهنا أصبحت هاسبل شخصية معروفة وبدأ الحديث عن تاريخها الوظيفى والمناصب التى تقلدتها داخل الوكالة وبالتالى أصبح من الممكن الآن تقديم تقارير تتعلق بها وربطها ببعض الحوادث المعروفة سابقًا». وأوضح التقرير الخاص بمركز حقوق الإنسان الألمانى أن «زين العابدين محمد حسين»، المعروف ب«أبو زبيدة»، تم اعتقاله وتعذيبه فى أغسطس 2002. وتعتبر قضية أبوزبيدة من أولى الحالات التى فضحت استخدام وكالة الاستخبارات المركزية لطرق التعذيب المعتمدة حديثًا. كما أوضحت الوثيقة أن مركز الاحتجاز والاستجواب الذى كانت هاسبل تديره لم يكن به سوى طبيبين نفسيين هما «جيمس إى ميتشل، وجون بروس جيسن». الطبيبان قاما على تعذيب أبوزبيدة وتواصلا مع هاسبل التى كانت حلقة الوصل بين فرق التعذيب والوكالة. الخطير فى المذكرة أنها أكدت أن هاسبل كانت الشخص الوحيد الذى يملك سلطة إنهاء تعذيب «أبوزبيدة». وكان الأمين العام للمركز الحقوقى الألمانى «فولفجانج كاليك»قد طالب المدعى العام بفتح التحقيقات وتأمين الأدلة والسعى للحصول على مذكرة توقيف، مشيرًا إلى أنه إذا سافرت «هاسبل» إلى ألمانيا، أو أوروبا، فيجب القبض عليها فورًا. والسؤال الآن هل اختيار «هاسبل» لهذا المنصب المهم يعنى عودة الوكالة لبرامج التعذيب خاصة بعد تصريحات «بومبيو» السابقة بأنه مستعد لإعادة إحياء تقنيات التعذيب، التى استخدمت فى عهد «بوش»؟.