الألوان الزاهية تكسو الشوارع.. الفرق الشعبية تتبارى فى تقديم أفضل الرقصات والعروض.. العازفون يقرعون الطبول، معلنين انطلاق أكبر كرنفال سنوى فى العالم بمدينة مونتيفيديو فى أوروجواى، ويشارك فيه الآلاف من العازفين والراقصين بثياب ملونة خلال موكب تقليدى يجوب شوارع المدينة بمشاركة واسعة من المواطنين. أهالى المدينة وزوارها يتناسون كل ما يثار فى العالم من مخاوف الإرهاب ويطلقون لأنفسهم العنان لمدة لمدة 40 يومًا هى عمر المهرجان الذى انطلق منتصف الشهر الجارى ويستمر حتى نهاية فبراير، للاستمتاع بالحياة والرقص على الأنغام التقليدية، والاستمتاع بالألوان المبهجة للعازفين والراقصات، فلا يكاد يخلو شارع أو حى فى المدينة من الاحتفال الذى يعبر عن الثقافة الحقيقية لهذا البلد، ويتم فيه استحضار روح العبيد الأفارقة الذين تجمعوا خارج مدينة مونتيفيديو فى القرن 19. يعتبر الاحتفال أو الكرنفال سمة من سمات الهوية التى تميز الشعب فى أوروجواى، حيث تتزين البلاد بأزهى الألوان، ويتسم المحتفلون بروح الدعابة وتصدح الموسيقى فى أنحاء البلاد ويشارك خلال الكرنفال مختلف الجنسيات من أمريكا اللاتينية ليس فقط مواطنو أوروجواى، ولكن من بعض البلاد الأوروبية وآلاف المواطنين من الأرجنتين المحبين لموسيقى «المورجا». حكاية الكرنفال ترجع أصول الكرنفال إلى عام 1750، عندما بدأت أعداد كبيرة من الأفارقة فى التدفق من أفريقيا على ظهر سفن إنجليزية وإسبانية إلى أوروجواى والعاصمة الأرجنتينية بوينوس آيرس، ورغم أن هؤلاء الأفارقة أتوا من قارة واحدة، فإنهم عانوا أنواعًا مختلفة من الاضطهاد العرقى، ومنذ ذلك الحين أصبح الرجال ذوو البشرة السوداء يعملون كخدم وعبيد لدى العائلات الكبيرة فى أوروجواى وبوينوس آيرس فى الأرجنتين. وعانى العبيد الأفارقة فى أمريكا اللاتينية - القارة الجديدة - بالإضافة إلى الذل والمهانة، من افتقارهم لهوية تميزهم، حيث كانت كل الأعمال الشاقة من نصيب العبيد فقط، واتسموا بالحزن والوحدة، بسبب افتقادهم لموسيقاهم، دينهم، عاداتهم، أما الأسياد فى القارة الجديدة فكانوا يتفضلون على الأفارقة بإبقائهم فى خدمة عائلاتهم، مما يؤثر على حنينهم أو ذكرياتهم من الماضى. وكان الكرنفال الوسيلة الوحيدة للتخفيف عنهم وأداة لمقاومة حياتهم الشاقة، حيث سمح الأغنياء للأفارقة الاحتفال بهويتهم الثقافية عن طريق استخدامهم دقات الطبول، والتى كان يطلق عليها آنذاك «كاندومب» هو إيقاع قائم على الرقص والطبل. واستخدم الأفارقة هذا الإيقاع أثناء عمليات الصيد والطقوس الاجتماعية والدينية، حيث كان يجتمع السيدات والرجال من الأفارقة فى منازل خارج مدينة مونتيفيديو، لاستعادة ذكرياتهم والحنين إلى وطنهم وجذورهم. بعد إلغاء الرقيق وحصول الأفارقة على حريتهم اندمجت إيقاعات ال«كاندومب» مع موسيقى أصحاب الأرض التقليدية فخلقوا مزيجًا فريدًا من إيقاعات أوروجواى وأفريقيا، وأخذ الأفارقة فى التجاور والعيش معًا فى أفقر أحياء أوروجواى مثل بالريمو وصور، وبدأوا فى الانتشار وبحثوا عن طريقة تؤدى لاجتماعهم وتلاقيهم، وهو ما عرف ب«النداءات» عبارة عن الصراخ أو التصفيق باليد وتكون فى كثير من الأحيان بقرع الطبول، كتراث أفريقى يعبر عن الأفارقة الأوائل الذين قدموا إلى أوروجواى. النداءات الأفريقية يبدأ الكرنفال فى عاصمة أوروجواى «مونتيفيديو» بموكب افتتاحى، تشارك فيه جميع المجموعات مصحوبة بعربات ذات منصة، بالإضافة لعروض «النداءات» الشهيرة التى تحتوى على تأثير أفريقى قوى، وينقسم الكرنفال لمواكب عدة تتفرع لمجموعات أو فرق تتضمن العديد من المشاركين فى مجال الموسيقى والعروض الراقصة تتقدمها «المورجا» التى تقدم شكلاً من أشكال الموسيقى المسرحية الشعبية. يتكون عرض «المورجا» من 17 إلى 14 رجلاً ذوى وجوه مصبوغة بالألوان يقدمون عروضًا مسرحية غنائية مدتها 45 دقيقة على المسارح فى جميع أنحاء مونتيفيديو، وغالبًا ما تكون محاكاة ساخرة عن الأحداث الاجتماعية أو السياسية الجارية خلال العام، بالإضافة للرقص على وقع الطبول والأصوات العالية مع الفكاهة والسخرية وتعطى جوائز لأفضل أداء. وتعد «باردوست» من الفرق التى تحرص على المشاركة فى المهرجان، وهم مجموعة من المهرجين عادة ما يقدمون عروضًا سياسية راقصة مرتجلة عن الأدب والمسرح الكلاسيكى بخفة دم، ويرقصون فى الشوارع ويمزحون مع المشاركين والزوار. منافسات رقص السامبا يتضمن الكرنفال العروض التقليدية لمدارس السامبا، حيث تشارك 10 مدارس مختلفة متخصصة فى رقص السامبا فى المهرجان، وتعود جذور هذه المدارس إلى مدينة ريو دى جانيرو بالبرازيل، حيث تتنافس راقصات بملابس عارية مليئة بالألوان الزاهية، ومن خلال العروض يتم اختيار ملكة جمال مدارس رقصات السامبا وفقا لقواعد محددة وضعتها رابطة السامبا فى أوروجواى بحيث تحصل راقصة السامبا الأولى على 100 ألف دولار، الثانية 93 ألف دولار، الثالثة 81 ألف دولار، أما الفائزة بالمركز الرابع وحتى السابع فتحصل كل منهن على 25 ألف دولار. ومع انطلاق فعاليات الكرنفال هذا العام، قررت بلدية مونتيفيديو عدم إجراء مسابقة ملكة جمال الكرنفال التقليدية، حيث سيجرى اختيار «رموز الكرنفال وعروض «النداءات» ومدارس السامبا فى عام 2018»، حيث ترى إدارة الكرنفال هذا النوع من المسابقات متحيزًا جنسيًا. الاستعدادات للمشاركة فى المهرجان تجرى خلال شهر ديسمبر، حيث يتم انتقاء المشاركين من بين مئات المتقدمين، كما ستجرى هذا العام مسابقة جديدة فى متحف الكرنفال متاح المشاركة فيها للرجال والنساء المتحولين جنسيًا والأشخاص ذوى الإعاقات بشرط أن تكون سن المشارك 18 عامًا دون وجود حد أقصى للسن، على أن يتمتع المشارك بروح التضامن والفرح والبهجة. وكشفت إدارة الكرنفال أن المسابقة الجديدة تسعى لتغيير القوالب النمطية لمسابقة ملكة جمال الكرنفال، والتى كان بها نوع من ممارسة العنف ضد المرأة، حيث تحرص على أن تكون المنافسة الجديدة احتفالاً بروح التضامن والبهجة والسعادة. رجال ال«كاندومب» وإلى جانب منافسات السامبا، يتميز الكرنفال بعروض ال«كاندومب» التى تتكون من أكثر 90 مجموعة يتنافسون خلال الكرنفال على تقديم رقصات شعبية حيوية على دق الطبول الأفريقية، حيث كان الرجال يسيطرون على عروض الكاندومب حتى عام 2005، وبدأت مشاركة النساء فى الاحتفال، حيث تشكل كل 78 سيدة مجموعة. ويعتبر عرض «الموراس» و«النداءات» من أشهر مظاهر الاحتفال بالكرنفال، فعرض «موراس» عبارة عن مشاهد كوميدية ساخرة تجرى فى الشوارع أو على مسارح محلية ويستمر وقتًا طويلاً، وعادة ما يتطرق لموضوعات سياسية أو العلاقات الحالية التى تربط بين أوروجواى والأرجنتين، وقبل نهاية الكرنفال يختار الحكام أفضل عرض «الموراس»، أما «النداءات» فهى مسيرات طبول مشهورة جدًا. ومن بين المعالم التى يحرص المشاركون على زيارتها هو «متحف الكرنفال»، الواقع فى المركز التاريخى لمدينة مونتيفيديو، وتم افتتاحه فى عام 2006 والحاصل على جائزة الملكة صوفيا لحفظ وترميم التراث الثقافى فى عام 2009، حيث يقدم فرصًا لزواره بالسفر عبر تاريخ الكرنفال فى أوروجواى، حيث يجد الزائر داخل المتحف شارعًا مرصوفًا بالحصى، فضلاً عن التسلسل الزمنى لتاريخ الكرنفال بدءًا من الحقبة الاستعمارية مرورًا بتأثير الأفارقة العبيد الذين وصلوا أوروجواى على الحياة فيها حتى الوقت الحالى. ويتألف متحف الكرنفال من مساحات مختلفة تبرز تطور أزياء العروض المشاركة فى الاحتفال وخاصة عروض «المورجا»، بالإضافة إلى الطبول المتنوعة المستخدمة فى الكرنفال.