عبدالله رامي فى عطفة متفرّعة من قصر العينى، حيث البنايات بطرازها المعمارى العريق، تشق واجهة زجاجية مدخل إحدى البنايات. يلفت النظر لافتة صغيرة تعلو الواجهة، تقول بكتابة مخطوطة فى لغتين «هن Elle» ثم تذيّلها عبارة «لأجل كتابة نسوية». على الباب تستقبلك لوحة، خُطّت عليها عبارة الترحيب الشعبية «خطوة عزيزة»، وما إن تُصبح جزءا من المكان حتى تأخذك الألفة. والدهشة أيضا. سُرعان ما تؤجّج دهشتك، مقولة ابن عربى، مطرّزٌ بها إحدى الستائر، التى تحجب نوافذ المكان وتفصل أجزاءه، بينما تنفرد بعضها زينة للجدران، «المكان إذا لم يؤنّث لا يعوّل عليه». هل هو كافيه، زاوية، مخصّصة للنساء؟! أرفف الكتب من حولك ستعلن مباشرة أنها مكتبة. يُجيب بورخيس على ستارة أخرى «الجنّة على شكل مكتبة». لن يدوم وقت طويل، حتى يحضر رجائى موسى من جهة ما من المكان، يُرحّب بك فى ودّ قبل أن يُعرّفك بنفسه، ويدعوك إلى الجلوس فى ركن، هو مكتب بسيط. سيمضى رجائى فى الحديث دون أن ينتظر أسئلتك. «هن» مساحة للأدب النسوى، دار للنشر فى حقيقة الأمر. سيحكى الحكاية، التى يبدو أنها لم تجذبك وحدك، المكان فى وقت قصير وسريع جدا، كان غريبا وجاذبا بما يكفى، والأهم فريدا من نوعه، بالصورة التى سارعت من انتشار صيته وأخباره فى الوسط الثقافى فى مصر. ومع ذلك تظل انطباعاتك الأولى لمّا ترى المكان تُزاحم ذاكرتك وتحتفظ بنفس الغموض، مهما كان ما عرفته أو سمعته عن المكان. عبارة فى رواية «أن تقرأ لوليتا فى طهران» لآذار نفيسى كانت سبباً فى تحويل «هن» من ضمير وصل إلى دار نشر متخصصة فى الكتابة النسوية. هكذا يحكى رجائى موسى، مؤسس الدار والمتخصص فى الأساس فى الأنثروبولوجيا. جذبت انتباهه تلك العبارة التى تأتى على ذكر دار نشر نسوية فرنسية فى السبعينيات. يقول ساخراً «أنا كنت عاوز أفتح مطعم»، لكن هذا الوصف فى رواية نفيسى عن دار نشر نسوية أثار فضوله، فبرقت الفكرة فى ذهنه. «هناك كتابات نسوية كثيرة لم تُترجم بعد، إلى جانب وفرة الكتابة النسوية فى مصر»، بهذا الحافز ظلّت الفكرة تراوغه عاما كاملا، إلى أن اكتمل الحلم، ووجد المكان، وبدأت الدار نشاطها الفعلى فى أغسطس الماضى. يصف موسى رحلة البحث عن المكان. كانت من الصعوبات التى واجهها عند تأسيس الدار. بدأ بالقراءة عن العمارة النسوية. كان على وعى باستبعاد البنايات ذات الواجهات الخرسانية العقيمة، فكون الدار مختصة بالأدب النسوى يلزمها مكان يحمل ذلك الحس النسائي, كان شرطا ضروريا أن يكون مكانا حميميا ومريحا، يحمل من روح جلسات النساء، وطابع الأنثى، ولمساتها فى البيت. نافذة ستينية، مُحاطة بالأشجار، تتخلّلها أشّعة الشمس فتضفى جمالاً خاصا، وصور لأعلام الكتابة النسوية تعلو أرفف الكتب معلنة سيطرتها على المكان. كما تُظهر ذلك التنوع والمزج بين ثقافات عديدة فترى «سيمون دى بوفوار» إحدى أعلام الكتابة النسوية فى الغرب إلى جانب «نوال السعداوي» المدافعة عن حقوق المرأة فى مصر وكذلك «فاطمة المرنيسي» الكاتبة الجزائرية المتخصصة فى الشأن النسوي. فى خطواتها الأولى القصيرة، نشرت «هن» لكاتبات نساء، ولكتابات نسوية. منها ديوان «السيدة كليمونتين» لأمل خليف والذى يعتبره موسى من أهم الكتابات النسوية. إلى جانب عدد من العناوين الأخرى التى يراها تمسّ الأدب النسوى مثل ديوان «المخطوط» لسماح البوسيفى، ورواية «فنانة الجسد» ترجمة محمد عيد إبراهيم، ديوان «جودو يأكل أصابعه» لعنفوان إبراهيم، «حكايات الماركيز دو ساد» ترجمة سامية شرف الدين, ديوان «الدم الهارب من البرتقال» لديمة حسون، وديوان «طريق لا تشبه الترومبيت» لعبدالرحمن تمام. أما عن المشاريع القادمة فيتحدث موسى، وهو كاتب أيضا، متحمساً عن كتاب ستقوم الدار بإنتاجه متخصص فى الطبخ يحمل اسم «حدوتة أكل» يحكى عن الدمج بين المطبخ المصرى واليونانى واليهودى، ويرى أن الكتاب يستعرض الجانب الإنسانى أكثر من الاستهلاكى كما يربط بين نمط العيش والثقافة والسلطة.