تتعرض إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لأزمة جديدة مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية، فبعد أن هدأت الأمور للرئيس الأمريكى عقب عزله عددا كبيرا من كبار المسئولين ومن بينهم مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى FBI خلال الأشهر الماضية، عادت للاشتعال مجدداً على خلفية الكشف عن تدخل روسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح ترامب. هيلارى كلينتون كانت قد أكدت أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية السبعة عشر اتفقت جميعاً على تدخل الكرملين الروسى للتأثير على نتائج الانتخابات لصالح ترامب من خلال الهجمات التجسسية والهجمات الإلكترونية، وهو ما نفاه ترامب، مؤكداً أن هناك ثلاث أو أربع أجهزة فقط شاركت فى إعداد التقرير المصحوب بالأدلة التى تؤكد تدخل موسكو. الأجهزة التى أعدت التقرير وتوصلت إلى الأدلة التى أشار إليها ترامب هى «مكتب التحقيقات الفيدرالي»FBI و«وكالة الاستخبارات المركزية» CIA و«وكالة الأمن القومي» NSA و«مكتب رئيس الاستخبارات الوطنية» ODNI إلا أن مكتب رئيس الاستخبارات الوطنية ODNI يمثل أجهزة الاستخبارات السبعة عشر جميعاً. الحقيقة أن فقط أربعة أجهزة استخبارات شاركت فى إعداد التقرير والبحث عن أدلة وتحرى الحقيقة، وكانت النتيجة التى وصل إليها كل جهاز على حدة هى التأكيد على حقيقة الاتهامات، وعليه أعدت الأجهزة الأربعة تقريراً يبدو أنه صادر عن أربع جهات إلا أنه يشمل الأجهزة جميعها. «دانيال كوتس» مدير الاسخبارات الوطنية أشار إلى أنه لا يوجد أى خلاف بين أجهزة الاستخبارات السبعة عشر على مضمون التقرير مؤكدا أن أربعة أجهزة فقط وقعت على التقرير لأن هذه الأجهزة هى التى تولت جمع المعلومات الاستخباراتية والأدلة وتحليلها، بينما لم تشارك باقى الأجهزة فى إعداد التقرير. عدد من التقارير الاستخباراتية ظهرت خلال الشهر الماضى حول الطرق المختلفة التى تدخلت بها روسيا للتأثير على الناخب الأمريكى ومنها نشر إعلانات على موقع فيس بوك وتويتر، واختراق مجموعة من المؤسسات الأمريكية. كوتس ليس أول مسئول أمريكى يؤكد صحة ما جاء فى التقرير وثقته فى عمل الأجهزة ودقتها، وهو ما يؤكد أنه ليس بالضرورة أن يوقع سبعة عشر جهازاً حتى يكون التقرير صحيحاً، كما أن «مايك بومبيو» مدير وكالة الاستخبارات المركزيةCIA على أن ثقته أن روسيا تدخلت فى الانتخابات الأخيرة لا تقل عن ثقته فيما أسماه المجتمع الاستخباراتى الأمريكى، وهو ما أكده كل من «توماس بوسيرت» مستشار ترامب للأمن الإلكترونى ومواجهة الإرهاب و«جون كيلي» وزير الأمن الداخلى. كما يواجه ترامب أزمة أخرى وصلت إلى الدوائر القريبة منه تتعلق بما يعرف ب«ملف ترامب» Trump Dossier أو «ملف ستيل» Steel Dossier نسبة إلى ضابط الاستخبارات البريطانية السابق «كريستوفر ستيل» الذى كتب وثائق الملف الذى يتهم ترامب وأعضاء حملته الانتخابية بالتعاون والتواصل مع الحكومة الروسية عام 2016 خلال الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكى. يشمل الملف 17 وثيقة سرية كتبها ستيل فى الفترة ما بين 20 يونيو و13 ديسمبر من العام الماضى بتكليف مع شركة الاستخبارات الخاصة Fusion GPS والتى يديرها عدد من الصحفيين السابقين، حيث التقى ستيل مع عدد من المصادر الروسية التى لم يفصح عنها حتى اليوم ولم يكشف عن أسمائها والتى يشير إليها فى الملف على أنها مصادر من داخل الكرملين. ستيل اعترف أنه اضطر لدفع أموال كثيرة لبعض المصادر لكى يوافقوا على التحدث معه، ويتضمن الملف الكثير من الاتهامات منها قيام موسكو بتمرير معلومات استخباراتية مهمة لحملة ترامب تخص منافسته هيلارى كلينتون، حيث كان الرئيس الروسى فلاديمير بوتن يفضل ترامب كرئيس للولايات المتحدةالأمريكية عن هيلارى كلينتون التى كانت تنتهج سياسة معادية لنظامه. الملف معد بدقة ويضم وثائق وشهادات صحيحة وخطيرة، مما دفع مكتب التحقيقات الفيدرالى FBI إلى اعتبار المعلومات التى قدمها الجاسوس البريطانى السابق قيمة للغاية وبالتالى يستحق منحه مقابلا ماديا لكن المكتب تراجع فيما بعد عن الفكرة. وكان مكتب التحقيقات الفيدرالى استلم الملف فى أواخر العام الماضى فى الوقت الذى كان موظفوه يحققون فى نفس الاتهامات ضد حملة ترامب، وقد كشف ستيل لمحققى مكتب التحقيقات الفيدرالى عن هوية مصادره التى لم يفصح عنها فى الملف. وعلى الرغم من عدم الاعتراف رسمياً بالملف فإنه انتشر إعلامياً بشكل كبير، إلا أن أهمية الملف تكمن فى أنه يعد تأكيداً للنتائج التى توصلت إليها أجهزة الاستخبارات الأمريكية من تدخل روسيا لدعم ترامب ومحاولة هز ثقة الناخبين فى كلينتون من خلال اختراقات إلكترونية وإرسال معلومات ووثائق مهمة لموقع ويكيليكس لنشرها فى توقيتات مهمة لضرب حملة هيلارى كلينتون وتشكيك المجتمع الأمريكى فى العملية الديمقراطية. الملف الذى تم الكشف عنه فى يناير الماضى، إلا أن تفاصيل وحقيقة تمويل البحث والتحريات التى قام بها ستيل لإعداد الملف لم يتم الكشف عنها إلا أخيرا، فقد طالب ترامب الأسبوع الماضى، فى محاولة لرد الصفعة، بالتحقيق فى علاقة هيلارى كلينتون بملف ستيل واتهمها بتمويل إعداد الملف. وادعى ترامب أن الأبحاث والتحريات التى قام بها ستيل على مدار عام لإعداد الملف الذى وصفه بالمزيف تكلفت 12 مليون دولار، وأشار ترامب إلى اتفاق أمريكى - روسى فى عهد الرئيس السابق أوباما لتصدير اليورانيوم لموسكو فى اتهام صريح بتسهيل حصول روسيا على قنبلة نووية، وهو ما فسره البعض بأنه محاولة من ترامب للفت الأنظار بعيدا عن قضيته من خلال تفجير قضية أخرى يضرب بها منافسته وغريمته هيلارى كلينتون. وكشفت معلومات وتقارير صحفية عن تورط هيلارى كلينتون واللجنة الوطنية بالحزب الديمقراطى فى تمويل شركة Fusion GPS الاستخباراتية لإنجاز أبحاث ستيل التى نتج عنها الملف الشهير الذى أصبح ترامب بموجبه متهماً بالتنسيق مع الكرملين أثناء الانتخابات. الأحداث تتلاحق فى الولاياتالمتحدة حول القضية فقد تم استدعاء المحامى الأمريكى بول مانفورت الذى كان رئيساً لحملة ترامب الرئاسية و«ريك جيتز» أحد مساعدى مانفورت ووجهت إليهما اتهامات بالتآمر ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية. وتعد الاتهامات الأولى التى يوجهها «روبرت مويلر» المحقق الخاص الذى تم تكليفه بالتحقيق فى العلاقة بين حملة ترامب والكرملين، وهى الاتهامات الموجهة لرئيس الحملة الانتخابية لترامب والتى إن ثبتت قد تؤدى به إلى السجن عدة سنوات. يواجه رئيس حملة ترامب الانتخابية ومساعده 12 اتهاماً بينها التآمر على الدولة والتآمر بهدف غسيل الأموال، حيث ثبت تورطهما فى تحويل أموال باستخدام حسابات بنكية سرية فى قبرص وسانت فينسنت وسيشيل وجريناداينز. وتصل إجمالى المبالغ التى تم تحويلها إلى ما يزيد على 75 مليون دولار أمريكى عبر حسابات سرية. ووجهت اتهامات لمانفورت بغسيل الأموال بلغت أكثر من 18 مليون دولار. جدير بالذكر هنا أن مانفورت قد استقال من منصبه كرئيس لحملة ترامب فى أغسطس 2016 بعد اتهامه بإقامة علاقة مع حزب موال لروسيا فى أوكرانيا.