اتصلنا بالكثيرين للتحدث عنه، فتأثير «خيرى بشارة» لم يكُن عِند الجيل القديم أو الوسط أو حتى مع من عمل معه فقط.. بل هو مُمتد حتى لمن لم يعمل معه وللجِيل الأصغر.. شهادات من أجيالٍ مُختلفة تُثبت أننا لسنا فقط نُحب «خيرى بشارة»، بل نعشقه ونعشق أعماله حتى اليوم . رغدة «خيرى بشارة» مُتفرد.. مُغرد خارج السرب.. استطاع فى التسعينيات أن يخرج مما كانت تتجه إليه السينما وقتها، ليظهر أعلى قمة مختلفة. «كابوريا» بالنسبةِ لى - كما يعرف الجميع - نقلة مهمة جداً، وكان السبب فيها أننى قابلت مخرجاً يهتم بالتفاصيل، فالفيلم قد نُفِذّ فى أربعة أسابيع، فكنا نواصل الليل بالنهار وكنا مسرورين بهذا . روحه حلوة.. مختلف.. فنه له طعم ونكهة.. يُفاجئك بمراقبته لك حتى وأنت خارج إطار الفيلم !.. فعندما يجدك قد قمت بتفصيلةٍ ما فى الحياة العادية، يطلبها منك ليُوظفها فى فيلمه !.. وعندما تقوم بعمل مشهد بأداء مُميز، يحاول أن يُؤخر كلمة Stop وكأنه لا يُريد للمشهد أن ينتهى حتى يُخرج كل ما بداخلك !. غنى بالوعى والتجربة، فحينما طرح علىّ التصوير بالديجيتال فى «ليلة فى القمر»، لم أكُن مستوعبة فكرة الديجيتال، كانت التجربة مُتعثرة وصعبة، لكنه أقنعنى بجُملة واحدة: «أدينا بنفِن» .. وافقت، واندهشتُ وقتها أنه لم يكُن سواى وهو و«طارق التلمساني» واثنين آخرين، فقط هذا هو طاقم العمل الذى سينجز فيلماً!. أنا أذهب إلى الجحيم لو طلبها منى «خيرى بشارة»، فهو المخرج الوحيد الذى إذا طلب منى أن أعمل معه فى عملٍ ما سأُوافق فوراً حتى ودون قراءة النص، فأنا تشربت أُسلوبه، وفهمت تفكيره، وأصبحنا على موجة واحدة حتى لو لم نتقابل لسنوات، ولقد تعلمتُ منه الكثير.. «هو فكني»! .. لقد كان لدى الكثير من الأقفال التى استطاع أن يفكها الواحد تلو الآخر ببساطة!.. دافئ.. كريم.. مِعطاء.. يستحق التتويج وليس فقط التكريم، فهو رمز من رموز السينما العربية. لديه خِفة دم كبيرة.. يسعد بنجاح الآخرين.. هادئ، وفى الوقت نفسه مثل الأطفال فى عصبيته.. داخل «خيري» تشبُع وحياة كاملة، لهذا لا يُفاجئنى بأنه لا يلقى بالاً كثيراً بإجراء حوارات أو بجوائز أو غيره، فإرثه الإنسانى عبقرى وباقٍ . أحمد مجدى حينما خرجت من دار العرض بعد مشاهدتى لفيلم «ليلة فى القمر»، كنت أسير وأنا أرقص بشارع «عماد دين» ! .. كنت سعيداً بأنى شاهدتُ فيلماً جميلاً ومُختلفاً، فالفيلم أعطانى أملاً بأنه من الممكن صناعة فيلم أخاذ بإمكانياتٍ بسيطة، وأن مُخرجًا مثل «خيرى بشارة» له باع كبير فى السينما المصرية قد قام بهذه الخطوة كمواجهة لما تفرضهُ الصناعة بشكلها المعروف. بعدما خرجت من دار عرض «سينما كوزموس»، ووصلت لشارع «طلعت حرب»، وجدت أمامى «خيرى بشارة» فجأة وهو يسير على قدميه بخطواتٍ أبطأ منى !.. شعرتُ وقتها بأن الكون يضع الظروف وكل شيء فى مكانه الصحيح.. شعرتُ وقتها بسَكينة داخلى، جعلتنى أُسيطر على انفعالاتى، فحافظتُ على سرعة خطواتى حتى وصلت إليهِ .. قلت ل «خيرى بشارة»: «أنا لسه خارج من فيلمك وعجبنى».. بتواضعه المعتاد ولطفه المعهود أبدى سعادته.. لا أتذكر الحديث الذى دار بيننا وقتها، فكنا نتحدث ونحنُ نسير معاً كأننا صديقين، حتى وصلنا إلى مُفترق الطرق، فودعنا بعضنا البعض.. لكن لا يُمكن أن أنسى سحر هذا المشهد بداخلى، منذ مشاهدتى للفيلم بمفردى فى قاعة السينما!. أحلم بأن أعمل مع «خيرى بشارة»، لكن يجب أن يكون هذا فى إطار شخصية جديدة، عصرية، وتُعبر عنى. أنوشكا للأسف لم أعمل معه، لكن إذا سألتنى أى من أفلامه قد أثرت فى وسأُشاهدها باستمرار سأقول لك «الطوق والإسورة» و«يوم مر ويوم حلو»، فالأول غيَّر من شكل «شريهان» تماماًً، والثانى غيَّر فى شكل كل من عمل فيه. قد تبدو اختياراتى مفاجئة، فبحُكم كونى مُطربة قد يقول أحدهم أنى قد أميل لفيلم مثل «آيس كريم فى جليم» أو «حرب الفراولة».. لكنى أنظر إلى أعماله من منظورى الذى يخصنى، فكلما تعمقت أكثر فى المهنة أبتعد عن السطحية فى المشاهده أو الحكم على الأعمال حتى وإن كانت كوميدية، وفى فيلميه اللذين أشرت إليهما أشعر بأنه يُخاطب عقلى أكثر، وعلى الصعيد الإنسانى أحترمه جداً خاصةً أننا تقابلنا أكثر من مرة. وفاء عامر علاقتى به بدأت منذ فيلم «آيس كريم فى جليم»، الذى شاهدته بعد امتحان لى فى الإسكندرية وفى شهر ديسمبر، وكأن اُغنية الفيلم تعبر عنى «آيس كريم فى ديسمبر .. آيس كريم فى جليم»! . كان «عمرو دياب» وما زال حديثنا وقتها، وكنت أتساءل قبل مشاهدتى الفيلم: إشمعنى «عمرو دياب»؟.. لكن بعد المشاهدة عرفت الإجابة . حين يتحدث إلينا، نجده يحب الموسيقى والغناء والطرب، فهو دائماً متابع بنهم سواء الجديد أو القديم أو حتى الغربى. لن أتحدث عن أعماله، فأعماله تتحدث عن نفسها، لكنى أُلاحظ أنه يحتضن الإبداع والمبدعين دائماً، فإذا وجد «حدوتة إبداعية» احتضنها، وأنا مدينة له بالكثير فى مسلسل «ملح الأرض» وحالياً فى مسلسل «الطوفان» لأنه احترم إبداعى. أحمد وفيق علاقتى به بدأت منذ مُشاهدتى لفيلميه «كابوريا» و»آيس كريم فى جليم»، فكانت أفلامه بداية تكويننا كشباب فى تلك الفترة، حيث هنالك لغة فنية فى التعامل مع موضوعات تبدو جامدة، ف «كابوريا» عن ذلك الشخص الضائع، لكنه يقدمه بشكل آخر وليس بشكل معين أو معتاد وتقليدى. هو مختلف تماماً عن «محمد خان»، حتى فى مفرداته، ولقد عملت معه فى مسلسل «ريش نعام»، وهو قيمة فنية متكاملة، وأتذكر أنه طلب منى أن نتقابل فى الزمالك للحديث عن المسلسل، وذهبت فى الموعد وانتظرته، حتى وجدته، تأخر عن موعده ساعة ونصف كاملة، وفجأة وجدته أمامى، وحينما سألته عن سبب تأخره، قال لى أنه أتى لى سيراً على الأقدام من «وسط البلد» حتى الزمالك لأنه يحب التأمل!. وحينما عملت معه، أحببت أفلامه أكثر، فهو رغم كونه قيمة فنية كبيرة لكنه بنفس الوقت أبسط ما يكون.