الأمر لا يحتاج منك مجهودًا جبارًا لفهم طبيعة وأبعاد وأدوات المعركة.. البحث عن حجم الصراع واستيعاب حقيقة الحرب الدائرة جيدًا يقف عند حدود أطراف أناملك.. فقط اكتب فى محرك البحث الشهير «جوجل» عبارة «مركز المعلومات ينفي».. ستظهر أمامك عشرات الصفحات ومئات النتائج.. (مركز المعلومات المقصود هنا هو مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، وبغض النظر عن كونه لا يملك أى نصيب من اسمه فلا نرى منه معلومات ولا نعرف ما القرارات التاريخية والمصيرية التى كان داعمًا فى اتخاذها ولا كيف فعل ذلك. لكن لا بأس.. دعنا نكمل فكرتنا الرئيسية التى نتحدث عنها) الآن ظهرت أمامك صفحات عديدة.. جميع العناوين تبدأ ب«مركز المعلومات ينفي» وبقية العنوان هى المعلومة الخاطئة التى ينفيها (فصل 2 مليون موظف من الجهاز الحكومى للدولة - حذف كل من يزيد مرتبه على 1500 جنيه من بطاقات التموين - تغيير شكل العملة - طرح لحوم حمير بالمجمعات الاستهلاكية - التهام الفئران لملفات ضريبية بمليار جنيه - ظهور أسماك قرش الماكو على شواطئ العين السخنة - الحكومة ترفع سعر رغيف الخبز المدعم.. هذه عينة حقيقية من النتائج التى ستظهر أمامك ولن أغلق القوس لأن النتائج بالفعل ليست نهائية.. ولن تكون. لا أطلب منك قراءة التفاصيل أو حتى القيام بعملية تحليل المضمون، أو الربط بين تواريخ الأخبار المنشورة أمامك والسياق الزمنى الذى ظهرت فيه وبين الظرف السياسى والوضع المجتمعى الذى تمر به الدولة وقتها.. لن أرهق ذهنك فى كل هذه التفاصيل.. فقط تصفح النتائج واستمتع بقراءة العناوين بهدوء.. لتصل يقينًا - إن كنت من أولى الألباب - إلى ثلاثة مستخلصات خطيرة ونهائية.. أولاً: مصر تواجه حربًا شرسة على كل الجبهات والمسارات والقطاعات من خلال الشائعات.. ثانيًاً: ماكينة صناعة الكذب والشائعات لا تتوقف وتعمل بشكل دقيق وممنهج وهو ما يفسر ما أولته الدول الكبرى ذات المصالح الاستراتيجية فى العالم للشائعات كأداة حرب فأقامت لتدريسها معاهد متخصصة غالباً ما ترتبط بالأنشطة المخابراتية والاستخبارية.. ثالثًا: الحكومة تتعامل مع الشائعات بشكل اجتهادى وليس بمنهج علمى ومؤسسى يعى خطورة المسألة ويؤدى فى النهاية لتحصين وعى المجتمع وعدم زعزعة استقراراه النفسى من خلال السلاح السرى الأخطر فى المعركة.. الشائعات. مرصد للشائعات الدكتور أحمد عبدالسلام الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة يؤكد أنه فى عصر صناعة المعلومات، برزت الشائعات كأهم المخاطر التى تواجه العديد من الدول، وأصبح لمروجى الشائعات سوق لا تقل فى خطورتها وشراستها عن سوق مروجى المخدرات، ودون الانخراط فى تعريفات أكاديمية نظرية للشائعات، يمكن القول ببساطة إن الشائعات ما هى إلا عدوى أصابت المعلومات، لتجعلها معلومات مشوهة وغير دقيقة ومبالغ فيها سواء ارتبطت هذه المعلومات بشخص أو موضوع أو دولة أو قضية ما، ويتم تمريرها من شخص لآخر عبر مجموعة من المروجين بقصد فى أغلب الحالات وبغير قصد فى أحيان أخرى، ومن المعروف أن الشائعات تنتقل بسرعة كلما ارتبطت بأشخاص أو وقائع مهمة، وكلما زاد الغموض وقلت المعلومات انتشرت الشائعات انتشارا كبيراً، وفى مصر ومع كل خطوة ناجحة لتثبيت أركان الدولة تخرج علينا العديد من الشائعات التى تحاول التقليل من أى جهد، بل ولبث حالة من التشاؤم والإحباط بين قطاعات الجماهير المختلفة، فى هذه المرحلة تصبح الشائعات أخطر ما يكون، خاصة إذا مست قضايا اقتصادية معيشية ترتبط بالمواطن. وقد سمعنا وشاهدنا العديد من هذه الشائعات المغرضة على سبيل المثال شائعة الاستغناء عن 2 مليون موظف من موظفى الدولة، وشائعة إلغاء بطاقات التموين رغم أن المعلومة كانت تحديثها وتنقيتها من غير مستحقى الدعم، وغيرها من الشائعات المغرضة. ويتابع الأستاذ بقسم العلاقات العامة بإعلام القاهرة: مع بروز منصات التواصل الاجتماعى سهلت هذه الوسائل عملية النقل السريع للشائعات ومشاركتها (تشير الإحصاءات إلى أن عدد مستخدمى هذه الوسائل فى مصر عام 2017 بلغ 35 مليون منهم 24 مليون يتفاعلون من خلال الموبايل، و28 مليون تتراوح أعمارهم بين 18: 34 عامًا)، وقد أسهمت هذه الوسائل بدور كبير فى نقل الشائعات والترويج لها، وذلك بسب طبيعتها الآنية، والتفاعلية، وبناها الهيكلية التى تختلف عن وسال الإعلام التقليدية التى يسمح نظامها بالمحاسبة لمن تورط فى نقل أى شائعة، وتظل المعلومات وتوافرها كماً وكيفاً هى حائط الصد الأول لمواجهة أى شائعة، خاصة تلك التى يتم الترويج لها عبر منصات ووسائل التواصل الاجتماعى، ولذلك على الدولة عدم الاستهانة بهذا الأمر بل والبدء فى تدشين مرصد للشائعات للتعرف عليها أولاً بأول وتفنيدها والرد عليها بسرعة، خاصة مع وجود كيانات قائمة بالفعل كالهيئة العامة للاستعلامات والتى قامت بالانخراط فى هذه التجربة عبر مرصد يجمع الشائعات ويحللها ويرد عليها بسرعة، إلا أنه سرعان ما اختفت التجربة كحال أى تجربة فى مصر تبدأ ولكن لا تستمر، كما يجب الإسراع فى إقرار قانون تداول المعلومات كقانون يضمن الشفافية والمصداقية ويدعم أواصر الثقة بين مؤسسات الدولة وباقى الجماهير النوعية التى تتعامل معها. انهيار دول بالأكاذيب قال العميد خالد عكاشة، عضو المجلس الوطنى لمكافحة الإرهاب والتطرف، ل «روزاليوسف» إنه لا يجب أن نستهين بالتعامل مع الشائعات، فدول بأكملها مثل العراق وليبيا لعبت الأكاذيب والشائعات دورًا رئيسياً فى تدميرها، كما أنه لا يخفى على أحد وجود حسابات وهمية على فيس بوك وتويتر تستخدم فى نشر الشائعات وتسريب معلومات خاطئة ويلفت عكاشة إلى أنها إحدى أبرز أدوات الجيل الرابع من الحروب، مؤكدًا أن وجود المعلومات الحقيقية والصحيحة لدى الرأى العام هو الزخيرة الحقيقية والكتلة الأساسية فى مواجهة التشويش والتزييف والتأثير السلبى فى هذا النوع من الحروب، حيث إن الهدف النهائى هو ضرب الروح المعنوية للجمهور وهذا هو أول وأهم مفاتيح الهزيمة. وأن العدو يستخدم فى سبيل ذلك أدوات ناعمة هدفها شق وحدة المجتمع وتمزيقه. الجيل الرابع من الحروب تعتمد على تسخير إرادات الغير لتنفيذ مخططات العدو، بحيث تتم إدارة المعركة عن بُعد. فلا تستهدف حروب هذا الجيل تحطيم القدرات العسكرية وإنما إفشال الدول من الداخل عن طريق نشر الفتن والقلاقل وزعزعة الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى وإثارة الاقتتال الداخلى. وتقنيات الجيل الرابع من الحروب تستهدف النظام الذهنى للمجتمع عن طريق خلق أنظمة ذهنية داخلية متناحرة على جميع المستويات، ومن مظاهر هذا الجيل استخدام المعرفة المتطورة والتكنولوجيا الحديثة، فى شن هجمات إلكترونية أو تقليدية تعطل المؤسسات الحكومية والبنى التحتية، واستخدام برامج وشبكات المعلومات ومواقع التواصل للحشد وتوجيه الجهود وإدارة الجموع، وبث الشائعات والأخبار المغلوطة. ويستخدم التزييف الإعلامى وسيل المواد الدعائية التى تشجع على فقد الثقة بالحكم وتوارى الشعور بالأمن على جميع المستويات، وبث نتائج كاذبة، عن انتصارات وهمية للإرهابيين على الأرض لبث المزيد من الارتباك وفقد ثقة المواطنين بالقيادة.