صفارات الإنذار تدوي في جميع أنحاء أوكرانيا بالتزامن مع انفجارات عنيفة في كييف    مرتضى منصور يعلن التطوع للدفاع عن طفل بلطيم    بعد فيديو اعتداء طفل المرور على زميله بالمقطم.. قرارات عاجلة للنيابة    برعاية مصرية.. «النواب العموم العرب» تطلق برنامجها التدريبي من مدينة الغردقة    هل يتنازل "مستقبل وطن" عن الأغلبية لصالح "الجبهة الوطنية" في البرلمان المقبل؟.. الخولي يجيب    مسيرات تحلّق قرب القصر الرئاسي في أوكرانيا    استشهاد 5 فلسطينيين فى غارة للاحتلال على دير البلح    «بطلوا تبصولي في القرشين».. عمرو أديب: زميلنا جو روجان بياخد 250 مليون دولار في السنة    تسريب في أحد أنابيب نقل النفط الخام جنوب الزاوية بليبيا.. وجهود متواصلة لإيقافه    الجيش الإيراني يؤكد التزامه بحماية وحدة أراضي البلاد وأمنها    رسميًا بعد قرار المركزي.. الحد الأقصى للسحب اليومي من البنوك وATM وإنستاباي    قطع المياه عن هذه المناطق بالقاهرة لمدة 8 ساعات.. تعرف على التفاصيل    موعد بداية العشر الأوائل من ذي الحجة 1446ه وفضل صيامها (تفاصيل)    إلغوا مكالمات التسويق العقاري.. عمرو أديب لمسؤولي تنظيم الاتصالات:«انتو مش علشان تخدوا قرشين تنكدوا علينا» (فيديو)    ياسمين صبري عن «المشروع X»: مليان تفاصيل و أتمنى يعجب الناس    ياسمين رضا تترك بصمتها في مهرجان كان بإطلالات عالمية.. صور    هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح    "القومي للمرأة" يهنئ وزيرة البيئة لاختيارها أمينة تنفيذية لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    "إكس" تعود للعمل بعد انقطاعات في الخدمة امتدت لساعات    العثور على جثة شاب مقتولاً فى ظروف غامضة بأسوان.. اعرف التفاصيل    سعر الأسمنت والحديد بسوق مواد البناء اليوم الأحد 25 مايو 2025    "دفاع الشيوخ": قانون الانتخابات يرسخ مبادئ الجمهورية الجديدة بتمثيل كافة فئات المجتمع    زيلينسكي: المرحلة الثالثة من تبادل أسرى الحرب ستُنفذ الأحد    المخرج الإيراني جعفر بناهي يحصد السعفة الذهبية.. القائمة الكاملة لجوائز مهرجان كان    قساوسة ويهود في منزل الشيخ محمد رفعت (3)    النائب حسام الخولي: تقسيم الدوائر الانتخابية تستهدف التمثيل العادل للسكان    "العربية للسياحة" تكشف تفاصيل اختيار العلمين الجديدة عاصمة المصايف العربية    استعدي لعيد الأضحي.. أفضل طريقة لتنظيف الكنب و فرش الأثاث بدون كيماويات    «أضرارها تفوق السجائر العادية».. وزارة الصحة تحذر من استخدام «الأيكوس»    سعر الذهب اليوم الأحد 25 مايو محليًا وعالميًا.. عيار 21 الآن بعد الزيادة الأخيرة (تفاصيل)    نائب رئيس الوزراء الأسبق: العدالة لا تعني استخدام «مسطرة واحدة» مع كل حالات الإيجار القديم    «أباظة» يكرم رئيس حزب الجبهة الوطنية في ختام مؤتمر الشرقية| فيديو    ناجي الشهابي: الانتخابات البرلمانية المقبلة عرس انتخابي ديمقراطي    موجة حر شديدة تضرب القاهرة الكبرى.. انفراجة مرتقبة منتصف الأسبوع    «الداخلية» تكشف تفاصيل حادث انفجار المنيا: أنبوبة بوتاجاز السبب    رحلة "سفاح المعمورة".. 4 سنوات من جرائم قتل موكليه وزوجته حتى المحاكمة    أول رد من «الداخلية» عن اقتحام الشرطة لمنزل بكفر الشيخ ومزاعم تلفيق قضية لأحد أفراد العائلة    زلزالان خلال 10 أيام.. هل دخلت مصر حزام الخطر؟ أستاذ جيولوجيا يجيب (فيديو)    «أحدهما مثل الصحف».. بيسيرو يكشف عن الفارق بين الأهلي والزمالك    ميدو: الزمالك يمر بمرحلة تاريخية.. وسنعيد هيكلة قطاع كرة القدم    "بعد إعلان رحيله".. مودريتش يكشف موقفه من المشاركة في كأس العالم للأندية مع ريال مدريد    بيسيرو: رحيلي عن الزمالك لم يكن لأسباب فنية    بعد غياب 8 مواسم.. موعد أول مباراة لمحمود تريزيجيه مع الأهلي    نسرين طافش بإطلالة صيفية وجوري بكر جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    استقرار مادي وفرص للسفر.. حظ برج القوس اليوم 25 مايو    حلم السداسية مستمر.. باريس سان جيرمان بطل كأس فرنسا    وأنفقوا في سبيل الله.. معانٍ رائعة للآية الكريمة يوضحها أ.د. سلامة داود رئيس جامعة الأزهر    رمضان عبد المعز: التقوى هي سر السعادة.. وبالصبر والتقوى تُلين الحديد    ميلان يختتم موسمه بفوز ثمين على مونزا بثنائية نظيفة في الدوري الإيطالي    «الرمادي»: كنا بحاجة إلى تحقيق الفوز لاكتساب الثقة بعد فترة من التعثر    بسبب مضاعفات ما بعد الولادة.. وفاة أول رجل عربي "حامل"- صور    للحفاظ على كفاءته ومظهره العام.. خطوات بسيطة لتنظيف البوتجاز بأقل تكلفة    محافظ الغربية يتفقد مستشفى طنطا العام الجديد في أول أيام استقبال الطوارئ    وزير الشؤون النيابية بمؤتمر حزب الجبهة الوطنية: نفتح أبوابنا لكل الرؤى    اغتنم فضلها العظيم.. أفضل الأدعية والأعمال في عشر ذي الحجة ويوم عرفة 2025    رئيس «برلمانية التجمع»: وافقنا على قانون الانتخابات لضيق الوقت ولكن نتمسك بالنظام النسبي    وزيرة التنمية المحلية تعلن انتهاء الخطة التدريبية لسقارة للعام المالي الحالي    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام.. كما أراده الله!

ليس فى اللغة العربية مترادفات، العربية شديدة الدقة، وحادة الوصف، مفهوم العقل فى اللغة.. نقيض مفهوم الفكر. كمسلمين، نحن فى حاجة إلى فكر.. كمسلمين، علينا مراجعة أنفسنا، فى الطريق لفكر إسلامى. الفكر إبداع، وفقه.
يقول العرب «عقل البعير».. يعنى ربطه، واحكم ربطه. العقل هو الربط.. وهو إحكام الإغلاق.. أما الفكر فهو العكس. الفقه نقيض الانغلاق.. يقول العرب: فكر الشىء.. يعنى: تركه.. يعنى أطلقه لعنانه.. فلا يضيق عليه، ولا يحكم نطاقه. ولأن الإسلام.. دين فكر.. فهو.. دين حرية.. ودين تجديد.
ماذا يعنى تجديد الدين بينما القرآن واحد ثابت لا يتغير؟ هنا.. معجزة كتاب الله.. نص ثابت.. متغير المحتوى.
نزل الإسلام رحمة للعالمين.. على استمرار العالمين زمانا ومكانا.. مهما طال الزمان، ومهما تغيرت الأماكن. التغيير سنة الله فى كونه، وفى خلقه، وفى مجتمعاته، وفى أزمنته.. ولأن التغيير سنة، جعل الله نصوص آياته قادرة على استيعاب متغيرات الزمان والمكان.
كلما تغيرت الظروف، سمحت مرونة النص باستيعاب ما تغير.. كلما تبدلت أحوال المسلمين، وجدوا فى آياته الشريفة معايير جديدة.. للتطبيق.. وكلما استجدت مشكلاتهم، الاجتماعية والشرعية لاقوا فى كتاب الله.. وأحكامه منافذ مستحدثة.. ومزيدا من المساحات لإعادة التأويل.
ولأن التجديد الشرعى مبدأ إسلامى. ولأن فلسفة أحكام الله فيها من المرونة ما فيها، يجوز اعتبار تعديلات المواريث الأخيرة فى تونس، صورة من صور الإسلام كما أراده الله. ممكن اعتبارها واحدة من صور «مرونة» الدين.. ممكن اعتبارها اجتهادا فقهيا، وضع التطور الزمنى فى اعتباره، واستوعب التطور المكانى، فخرج بأحكام جديدة، وفق روح دينية عصرية طلبتها المستجدات.
 مفهوم الفقه الإسلامى
لا يمكن التعامل مع اجتهادات الفقه الدينى، بمنطق مشجعى كرة القدم. لا يعرف الفقه المعادلات الصفرية.. لا يجوز التعاطى مع المسائل الفقهية بمنطق التعصب: إما أهلى أو زمالك. الفقه الإسلامى واسع، براحه يخرجه من دائرة إما أبيض.. وإما أسود.
لو اتفقنا أن الدين فكر.. والفكر تحرر دائم.. ولو سلمنا أن العقل وفق مفهومه اللغوى، يعنى تضييقاً، وتسويراً، وزرع أسلاك شائكة على الجانبين.. تجعل الطريق واحداً.. والنهايات واحدة.. علينا أن نسأل: كيف أنزل الله نصا واحدا، وجعله صالحاً لكل زمان ومكان؟
الإجابة واحدة: لأن مقصود الله فى دينه التغيير، والتنوع.. واستيعاب المستجدات.. لذلك.. لم يجعل الله أحكام آياته الكريمة، قصرا على زمن، ولا وقفا على عهد.. لو كانت الأحكام الربانية فى القرآن الكريم، حكرا على زمان، ومقفولة على مكان، لما لجأ المسلمون الأوائل إلى ابتكار ما يعرف بعلوم القرآن، وعلوم التفسير.. ولا فتحوا الطريق للبحث فى ظروف التنزيل، ولما أصلوا علم الفقه، وطوروه، واعتمدوا عليه، وجعلوه «ترمومتر» حضارية.. يبتكر من الحلول، كلما أرادوا وكلما جَدَّت مشكلات.
الفقه فى اللغة هو «العلم المعتبر بالشىء». يقول العرب: فقه الشىء.. أى بحثه ودققه، وأحسن اختباره. والفقه الإسلامى فكر ليس عقلا، لو اتفقنا مرة ثانية، على أن العقل بمفهومه اللغوى.. ضد الفكر ونقيضه.
الفقه انطلاق وإبداع.. ولأقصى مدى. لو اتفقنا على ذلك، تعال نعود لكتاب الله، وآياته.. لنعرف ما الذى أراده الله لها.
نزلت آيات القرآن الكريم على.. أربعة أشكال: آيات كونية، وآيات تشريعية، وآيات عبادات، وقصص. فى القصص قص الله علينا الأحسن. كانت تذكرة بتاريخ الأولين، وقصص ما قبل نزول الرسالة وتفاصيل من عصور الغابرين.
الآيات الكونية هى كلمات الله. وكلمات الله بالمفهوم القرآنى هى أوامره النافذة فى الكون. أكد سبحانه أنه لا مبدل لكماته. كلمات الله هى ناموسه فى الخلق.. نواميس الله فى الخلق تسرى على الجميع.. على المسلم والكافر، والأبيض والأصفر والزنجى. تسرى قوانين الله، سبحانه، فى الدنيا على المؤمن والكافر.. والملحد والمسلم.
فى آياته الكونية، بين الله لنا، عظمة وبديع خلقه وتدبير شئون عباده. قال تعالى «لا مبدل لكلماته»، والمقصود.. أنه مهما كان إيمان العبد.. أو كفره.. ومهما كان جهله أو علمه، فلن يقدر على الخروج من تحت مظلة نواميس الله. فلا هو قادر على تغيير شروق الشمس، ولا هو قادر على تحويل الجبال وإيقاف الزلازل. مهما وصل علم الإنسان.. فلن يدرى بأى أرض يموت.. ولا ماذا يكسب غدا.
أما آيات العبادات، فهى توقيفية. يعنى إيه توقيفية؟ يعنى يتوقف الفكر عندها بالتكليف. لذلك لا تخضع آيات العبادات للاجتهاد. ولا يخضع العمل بآيات العبادات بالفهم. الآيات التوقيفية هى التى تفرض على المسلم طقوسها، إيمانا وتسليما، دون معرفة أسبابها وعلاَّتها.
مثلا، لا يجوز لمسلم مكلف البحث فى السبب وراء كون صلاة الصبح ركعتين، ولا العلة فى أن صلاة المغرب ثلاثة. لا يضير المسلم جهله بعلة التثليث فى صلاة المغرب، ولا ينفعه معرفة السبب من وراء الطواف حول الكعبة المشرفة سبعا. لاحظ أيضا أن آيات العبادات ليس لها أثر على المجتمعات الإسلامية، ولا لها علاقة بتغيير الظروف الاجتماعية، وظروف البشر. فلا أثر سلبا أو إيجابا على المجتمع الإسلامى لو عرف، أو لو جهل، السبب فى غسل اليدين، قبل المسح على الخفين فى الوضوء.
تبقى آيات الأحكام.. وآيات الأحكام مختلفة من حيث الأثر على المجتمعات، ومن حيث إن أحكامها تخضع للتنوع والتجدد الظرفى والمكانى. آيات الأحكام هى النوع الرابع من آيات الذكر الشريف. فإذا كانت آيات العبادات توقيفية، فإن آيات الأحكام وفق مفهومها، والغرض منها لابد أن تكون معللة. يعنى العبرة فيها بالسبب من الحكم، والعلة من ورائه. لذلك آيات الأحكام اجتهادية، يعنى هى أساس الاجتهاد، ومحله.. وهى محل الفقه أيضا.
آيات الأحكام، هى آيات التشريع أو هى منطوق التشريعات فى كتاب الله. من رحمة الله بالمسلمين أن جعل التشريع القرآنى محل اجتهاد المسلمين. معنى الاجتهاد فى التشريع، يعنى إعمال الفكر فى فهمه، طبقا للظروف. فيجوز التعامل مع نصوص كتاب الله، فى الأحكام.. وفقا للمستجدات.. وطبقا للظروف. لو كان، وتغيرت الظروف، واحتاج المجتمع، يجوز إشراك الأنثى فى الميراث، مناصفة، ويجوز تعديل أحكام، صدرت فى زمن ما، لما تغير الزمن، وتغير وضع المرأة.
 مرونة الحكم القرآنى
لماذا آيات الأحكام اجتهادية؟.. لأن الأصل فى تشريعها صلاح المجتمع المسلم. من صفات المجتمعات التطور، والتغير.. لذلك جعل الفقه الإسلامى،التشريع الإسلامى قابلا للتغيير والتطور.
فى فترة ما، لم يجز الفقه قراءة القرآن الكريم مقابل أجر أو نظير مال. لكن لما تغيرت الظروف، وفتح المسلمون بلادا لا تتكلم العربية، أباح الفقه قراءة القرآن نظير مال، بغرض تشجيع هجرة القراء، وبهدف نشر آيات الله فى المجتمعات المفتوحة.
كان نوعا من تغير الأحكام وفق تغير الزمان.
وفى القرآن الكريم قال الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى..»، وفقا للآية الكريمة وبحكم نصها، كان مباحا فى وقت ما شهادة الأقارب لبعضهم، والأزواج لبعضهم وعلى بعضهم. لكن مع تغير الأزمان، وتغير العصور، فسدت الذمم وبارت الضمائر.. فلم يجد الفقه إلا أن يوقف حكم الآية، أو يغير فيه.. فأبطل شهادة الفروع، والأصول.. وأبطل شهادة الزوجين أحدهما للآخر أو.. عليه. كان مجرد حلف اليمين، إشارة إلى صدق المؤمن.. شاهدا على أبيه أو أمه أو أخيه. تغير الزمن، وقال المثل: «قالوا للحرامى احلف.....».
تدخل الفقه، لصالح المجتمع.. تلافى آثارا لم تضعها الآية الشريفة فى الحسبان.. وكان فى استمرار حكم الآية الشريفة فساد إنسانى. بطلان شهادة الأقارب، على بعض أو لبعض كانت صورة أخرى من تغير الحكم الشرعى، مع تغير الزمن.
إذن.. لم يصدر الحكم الشرعى القرآنى، فى آيات التشريع.. على إطلاقه. بالعكس، صدر الحكم القرآنى، معللا ومسببا، محاطا بظروف تستلزمه.. وضوابط تتماشى معه. لو تبدلت تلك الظروف، وتغيرت تلك الضوابط المؤدية للحكم.. يجوز للمسلمين، فى زمانهم، تغير الحكم.. أو توقيفه، أو إعادة النظر فى تطبيقه.
هى روح الإسلام. الروح التى فهمها المسلمون الأوائل، فأقروا القاعدة.. الشرعية المتعارف عليها للآن: «جواز تغير الأحكام بتغير الأزمان». هى قاعدة فقهية معروفة، ليست مستحدثة. قاعدة شرعية ابتكرها الخلفاء الراشدون أنفسهم.. قبل عصور أبو حنيفة وابن حنبل.. وقبل عهود الشافعية والمالكية وأهل الظاهر. وقبل عهد غضب فيه الأزهر من تجديد التوانسة.. واجتهادهم.
القاعدة بجواز تغيير الأحكام مع تغير الأزمان، دليل فقهى آخر على أن الحكم الشرعى فى النص القرآنى ثابت، حتى يظهر ما يقتضى، أو يستلزم تغييره.
هذا بالضبط ما فعله عمر بن الخطاب-رضى الله عنه- فى خلافته.. فهم عمر النص القرآنى، وأحكام النص القرآنى كما أراده الله. فهم أن الدين تجديد، وأن التشريع، فى الأحكام، شديد المرونة. لذلك أوقف عمر- رضى الله عنه- العمل بنص آية المؤلفة قلوبهم.. وأمر فمنع عنهم سهما أقره القرآن ومازال يتلى ضمن آياته لليوم.
اعتبر حكم عمر فى إلغاء سهم المؤلفة، أشبه بتعديلات التوانسة فى مسألة ميراث الأنثى. فطن عمر ابن الخطاب- رضى الله عنه- أن الحكم القرآنى فيه من الليونة، ما يجعل توقيفه واردا.. وتبديله ممكنا، إذا كان فى توقيفه مصلحة المسلمين.. وإذا كان فى تبديله صلاح المجتمع الإسلامى.
القاعدة فى الفقه الإسلامى أنه: «حيثما توجد المصلحة.. ثمة شرع الله». معناها، أن مصلحة المسلمين أساس التشريع. ولو تعارضت المصلحة، مع نص قرآنى، فإن المصلحة، قد تكون مقدمة على النص، والمعنى أن المسلمين مطالبون فى تلك الحالة بإعادة تأويل النص.
هذا ما فعله سيدنا عمر، قال الله فى كتابه العزيز: «إنما الصدقات للفقراء والمساكين.. » إلى آخر الآية الشريفة. وفى الآية الكريمة سهم أو نصيب من بيت مال المسلمين «للمؤلفة قلوبهم»، بدأت الآية الشريفة «بإنما».. يعنى أمر واضح قاطع. المعنى أن نص الآية الشريفة فى منح «المؤلفة قلوبهم» أموالا من بيت مال المسلمين كان قطعى الثبوت قطعى الدلالة.
نص واضح نص واضح.. لا تأويل فيه ولا اختلاف. لكن عمر- رضى الله عنه- فهم أن الحكم له سبب، وأن منح المسلمين أموالا للمؤلفة قلوبهم فى حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- له علة وله سبب.
العلة، ضعف الدولة الإسلامية وقت نزول الآية. دولة وليدة معاركها كثير، وجبهات حروبها أكثر.. لذلك أنزل الله كلامه أمرا للنبي- صلى الله عليه وسلم- بمنح بعض القبائل العربية المجاورة صدقات لتحييدهم.. وتأليف قلبوهم، حتى يتفرغ للأعداء الأكبر والأقوى.
لما مات النبى، وتولى أبو بكر، ثم تولى عمر، كانت الدولة الإسلامية.. اشتد عودها، وقويت شوكتها. سقطت وقتها، فى رأى عمر، العلة من منح أموال لتحييد قبائل «المؤلفة قلوبهم».
رأى عمر أن الزمن تخطى ذلك الحكم الشرعى، وأن النص القرآنى الذى نزل، تغيرت ظروفه، وبات ممكناً الاستغناء عنه. رأى عمر- رضى الله عنه- أيضا.. أن المسلمين أولى بأموالهم، وأنهم أقوى على صد أى اعتداء، ورد أى تجاوز من آية قبيلة.. عرف أن الوقت قد جاء، لسحق المؤلفة قلوبهم لو شنوا هجوما، وأن الدولة الإسلامية قادرة على تأديب المؤلفة قلوبهم.. لا أعطاؤهم مالا.
آية «سهم المؤلفة» من آيات الأحكام. وما فعله عمر بن الخطاب، بتوقيف حكمها، نابع من فهمه-رضى الله عنه- لطبيعة تلك الآيات، ودليل على خضوع أحكامها.. للأسباب والعلل.
 إضافة لحدود الله
تغيير عمر بن الخطاب للأحكام القرآنية بالحذف، والتوقيف.. قابله إمكانية تغيرها بالإضافة أيضا، فينُسب إلى على بن أبى طالب- رضى الله عنه- إقراره حدا لشارب الخمر، مع أنه لا حد لشارب الخمر فى القرآن.
جعل على ابن أى طالب لشارب الخمر ثمانين جلدة.. استخرج علي-رضى الله عنه- تلك العقوبة لشارب الخمر، قياسا على حد قاذف المحصنات الوارد فى كتاب الله. قال الله فى كتابه العزيز: «والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون».
اعتبر على، أن.. شارب الخمر، إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى قد.. يقذف المحصنات الغافلات، فيخوض فى سيرتهن، ويتقول على النساء ما ليس فيهن، لذلك أقر- رضى الله عنه- عقوبة شرعية للخمر قياسا على حد قذف المحصنات. هى عقوبة استلزمتها ظروف الزمن، وأحوال المجتمع المسلم وقتها.
إذن.. الفقه الإسلامى متحرك.. والمعنى أن تشريع الله لعباده، ليس جامدا ولا صلبا. وظيفة الفقه الأساسية، هى الدوران مع التشريع، لاستبيان ظروفه، واستخراج أحكام ملائمة لظروف المجتمعات من نصوص التشريع. لذلك يوصف القرآن، بأنه نص ثابت.. متغير المحتوى.
غير المحتوى القرآنى، رغم ثبات النص هو الذى يجعل أحكام الله ليست جامدة.. ووظيفة الفقه، استلانة الأحكام، لو بدأ فيها من الجمود، أو ظهر فيها من الصلابة ما تحرم المجتمعات الإسلامية منفعة التوسعة والرحابة فى الدين.
لو لم يتطور الفقه وعلومه، لما تطور التشريع الإسلامى ولما اتسع نطاقه. مثلا فى الآية الكريمة «أحل الله البيع وحرم الربا.. ..» جاء الفقه الإسلامى، ليبين أن ليس كل البيوع حلالا.. ولا كل الربا حراما. استقر الفقه الإسلامى على أن «البيع» لم يأت فى الآية الكريمة على إطلاقه.. أو أنه ليس كل البيع حلالا.. على اختلاف أنواعه. ففقد.. حرم الفقه بعض أنواع البيوع (كالمحاقلة والمزانبة والنسيئة)، لأن فيها ظلما للبائع وقد يكون فيها ظلم للمشترى.
ثم إن ليس كل الربا حراما. فالله سبحانه، نفسه، يمارس الربا مع عباده.. قال سبحانه: «يمحق الله الربا ويربى الصدقات». لو كان الربا حراماً على إطلاقه، لما استعمل الله الربا مع عباده رحمة بهم.. ومكافأة لهم على صدقاتهم.
علة الله فى تحريم الربا على عباده مع عباده، هو منتوج الربا من أثقال دين المدين، فينتهى الأمر باسترقاقه بدينه الذى لم يدفعه.. لذلك، ربا العبد للعبد شر، وربا الله لعبده فى الصدقات رحمة.
 زمن المرأة المعيلة
إذا كانت أحكام النص متغيرة، حسب الظروف وطبقا للمستجدات، فما الأزمة فى تعديلات التوانسة فى مسألة ميراث الأنثى؟ والسؤال الأهم: هل تغيرت الظروف، وجدت مستجدات تؤدى للتغير فى الأحكام؟
الإجابة تالية، لكن قبلها تعال نتكلم فى فلسفة أحكام المواريث فى كتاب الله. سمى الفقه الإسلامى علم المواريث، بعلم الفرائض. ليس صحيحا، أن للذكر ضعفاً ما للأنثى، كقاعدة عامة فى علوم المواريث.
بالعكس.. مسائل كثيرة من مسائل المواريث، يتحصل فيها الذكر نفس ما تتحصل عليه الأنثى من التركة. خذ مثالا: فى حالة الإخوة غير الأشقاء، يتحصل الإخوة غير الصلبيين، على مال من تركة المتوفى، ويوزع على الذكر والأنثى بالتساوى.
فى التساوى فى الأنصبة، نماذج مختلفة.. وعديدة.. فى أحوال كثيرة، تحصل النساء بالفرض.. أكثر مما يتحصل عليه الذكور تعصيبا. فى حالات أخرى، تتحصل بنت المتوفى الذكر بالفرض، أكثر مما قد يتحصل عليه أخو المتوفى الشقيق تعصيبا.
حالات الميراث متغيرة، ومختلفة.. وأحكام الميراث هى الأخرى معللة. إذا كانت الأحكام معللة، فالعلة تدور مع الحكم وجودا وعدما.. يعنى لو بطل الحكم بطلت العلة. ويعنى، لو انتفى السبب.. صح توقيف الحكم أو تعديله.
لسنا أحرص على الدين من عمر بن الخطاب، ولا نحن أفهم للإسلام من على ابن أبى طالب. بالعكس.. نحن أحوج منهما-رضى الله عنه- فى حفظ مجتمعات، تبدل فيها فهم الدين، وتكلس فيها النظر إلى شرع الله، باعتباره عسرا لا يسر.. وباعتبار الشرع جامدا، قاسيا، لا لين رحب واسع.
وضع المرأة فى مجتمعاتنا، لم يعد كوضع النساء فى زمن القبيلة فى شبه الجزيرة العربية، وقت نزول آيات الميراث. لم يعد مال القبيلة عاصما للقبيلة ولا سندا لها ولرجالها كما كان. لم يعد مال الأثرياء من رجال القبيلة، ملكا للقبيلة.. أو العشيرة كلها وقت الحاجة.
لم يعد الرجال قوامون على النساء فى الإنفاق، ولم يعد للقضاء أن يحكم، بأن تدفع العاقلة من أبناء القبيلة، دية قتل خطأ.. أو عقوبة قاطع طريق.
العاقلة من أهل العربى، فى الجزيرة العربية، وقت الرسالة المحمدية، هم أقارب الجانى الذين لا تربطهم به.. قرابة من ناحية أنثى. فى زمن الرسالة، وما بعدها، كان أموال رجال القبيلة، ملكا للقبيلة بالواجب.. فى الديات.. وملكا على المشاع فى العقوبات. لو سرق واحد من أبناء القبيلة، كان رجالها كلهم ملزومين عرفا برد ثمن ما سرق، وتحمل رعونة من سرق.
العدالة أقرت قاعدة «الغرم بالغنم». فإذا كان العرف يلزم تحمل كل رجال القبيلة أخطاء بعض رجال القبيلة، وإذا كان الرجال فى الغرم متضامنين.. فالعدل أن يكون للرجال، ضعف ما يكون للنساء من مال.. لأن واقع مال الرجل، فى تلك الحالة غير واقع مال المرأة، هذا واحد من أسباب إنصاف الرجل للمرأة فى بعد حالات المواريث.
من جانب آخر، أنه فى عصر الرسالة المحمدية، كان مال المرأة.. يؤول بالعادة لزوجها، من قبيلة أخرى بالمصاهرة، أو يؤول إلى عشيرة أخرى بالتزاوج.. نزلت آيات المواريث، على أغلبها، على نسق حاول حفظ مال العشيرة.. داخل العشيرة، وحفظ موارد القبيلة داخل القبيلة.
وقتما نزلت الرسالة المحمدية، كان العصر أبويا خالصا. يتضامن فيه الرجال، ولا مكان للنساء. كان عصرا يعترف بالنوع، ولا يعتد بغيره. ولأنه حيثما توجد المصلحة فثمة شرع الله، نزلت آيات الله، معللة، بحفظ مصالح المجتمع القبلى.. بناء على أعرافه، وصيانة لتركيبة اجتماعية.. معينة.
لكن فى عصرنا، ووقتنا الحالى، لم يعد هناك قبيلة، ولا قواعد قبيلة.. فى عصرنا.. بات للمرأة ذمة مالية خاصة. فى زماننا.. 33 % من النساء معيلات.. ألا يجوز التعامل مع روح النص، بالبحث فى علله وصولا لأحكام جديدة ..تستوعب المستجدات، وتمنح المرأة مالا..كانت فى زمن ما لا تحوزه، لأنها لم تكن تعوزه؟
فى تونس، فهموا.. وسارعوا بالحلول.. بينما مازلنا نحن.. نسأل عن حكم دخول.. الحمام بالقدم اليمنى.. مازلنا نستفتى الرأى الشرعى فى جواز تهنئة الكتابى بالعيد من عدمه.
فى بلداننا، ثاروا، لأن الإسلام ضاع فى تونس.. مع أن التوانسة، لم يضيعوا الإسلام.. بالعكس.. هم المسلمون.. كما أراد الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.