قد يقبل المصرى بتأخر صرف المقررات التموينية، ويقف بالساعات فى طابور العيش، لكن الجنسية عنده شىء آخر، وذلك ما يفسر الغضب الشعبى على قانون بيع الجنسية المصرية الذى أقره البرلمان مؤخرا. الغضب لم يقف عند حد الشباب أو الحقوقيين، لكن الجميع فى حالة غضب مهندس وفلاح وصنايعى وطبيب، فالقانون مريض بثغرات واضحة فهو يفتح الباب أمام الجاسوسية، ولذلك استدعى المصرى حاسة الأمن القومى التى يستشعر بها التهديدات، خاصة أنه لا ينسى العداء التاريخى مع إسرائيل. صحيح أن القانون شدد على عدم منح الإسرائيلى الجنسية المصرية، لكن الأجندة الصهيونية المعادية لمصر والعرب لا تعمل فقط تحت «جواز سفر إسرائيلي» بل تتجاوز الحدود الجغرافية، فبرنار ليفى على سبيل المثال صهيونى يحمل الجنسية الفرنسية! القانون جاء بعد موافقة لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب برئاسة اللواء كمال عامر، على مشروع قانون الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون رقم 89 لسنة 1960 بشأن دخول وإقامة الأجانب فى مصر والخروج منها، والقانون 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصريّة، وذلك بحضور المستشار عمر مروان وزير شئون مجلس النواب. وكالعادة لم يَسلم القانون من هجوم مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها «الفيس بوك»، الذى دشن شبابه ومتابعوه هاشتاج: «الجنسية المصرية ليست للبيع». ومع موجة الاعتراض المتزايدة على قانون الجنسية، قال اللواء كمال عامر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب: إن القانون يتماشى مع المصالح المصرية وليس به أى عوار يؤثر على الأمن القومى، بل داعم له فى الشق الاقتصادى. وأضاف عامر: إن إيداع وديعة نقدية بالعملة الأجنبية ليس غاية فى حد ذاتها، إنما مجرد تنظيم لإجراءات النظام المستحدث للإقامة بوديعة. مشيراً إلى أن إيداع وديعة نقدية بالعملة الأجنبية فى البنوك المصرية استثمار غير مباشر ويشجع الاستثمار العربى والأجنبى للدخول فى المشروعات الاقتصادية بمصر. ولفت عامر، إلى أن هناك فارقًا بين الإقامة بوديعة والجنسية مقابل الاستثمار، مشيراً إلى أنه بموجب القانون الجديد فإننا سنأخذ بنظام الإقامة بوديعة لأن الحصول على الجنسية مقابل الاستثمار يهدف للحصول على الجنسية بناء على شراء أصول معينة أو دفع مبالغ محددة فى بعض المجالات التى تحددها الدولة وتعمل بها بعض الدول الأخرى مثل قبرص وهونج كونج والأردن ثم أوقفته، فى حين أن الإقامة بوديعة تعنى أن يطلب أحد الأجانب من الدول الشقيقة أو الصديقة الإقامة فى مصر ويهدف إلى الاستثمار، ومن حقه بعد 5 سنوات من الإقامة طلب الحصول على الجنسية. وأكد عامر، أن منح الجنسية حال طلبها من الأجنبى المقيم فى مصر بوديعة لمدة 5 سنوات ليست حتمية إنما جوازية، حيث يتم منح الجنسية لهذا الأجنبى إذا انطبقت عليه شروط الجنسية ووافقت الأجهزة المختلفة على منحه إياها، وسيكون محظورًا منحها لإسرائيلى أو أى دولة تهدد الأمن القومى المصرى. وحول أحقية تملك الأراضى بالمناطق الحدودية، قال «عامر»، إنه وفقا لقانون 14 لسنة 2012، فهو محظور على الأجانب حق التملك فى سيناء ولهم حق الانتفاع فقط، وهذا ما سيعمل به أيضا فيما يخص منح الجنسية، فهم لن يكون لهم أحقية التملك بالمناطق الحدودية.فيما أعلن محمود الشريف وكيل مجلس النواب أن «مسألة منح الجنسية للأجانب مقابل ودائع دولارية لن يكون بالبساطة التى يتخيلها البعض، مشيرًا إلى أن القانون سيتضمن ضوابط كثيرة تحكم الأمر، ولن يكون الباب مفتوحا على مصراعيه لمنح الجنسية للأجانب، فمنح الجنسية سيكون للمستثمرين الذين يتمتعون بحسن السمعة ولا توجد أى ملاحظات عليهم خاصة من جانب الأمن وأن هذا الإجراء سيساهم فى جذب مزيد من الاستثمارات. والخوف من مسألة الحق فى ممارسة الحقوق السياسية ليس فى محله، لأن قانون مباشرة الحقوق السياسية يتضمن أن يكون المرشح من أب وأم مصريين، وهو ما لن يتوافر فى الحاصلين الجدد على الجنسية، إضافة إلى أنه لن يكون من حقهم تملك الأراضى فى المناطق الحدودية بنسبة 100 %». من جانبه أكد اللواء يحيى كدوانى وكيل لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، أن جميع الشروط الحالية لمنح الجنسية المصرية سيتم تطبيقها على المستفيدين من مادة منح الجنسية للمستثمرين مقابل التنازل عن قيمة الوديعة فى البنوك وأن جميع الاحتياطات والاشتراطات الأمنية سيتم اتباعها قبل الموافقة على منح الجنسية. مضيفا أن التعديل اشترط للحصول على إقامة 5 سنوات وضع وديعة مالية بالبنك يحدد قيمتها وعملتها وزير الداخلية وسيكون متوسطها 500 ألف دولار أو ما يراه الوزير وفق كل حالة، وأن منح الجنسية يكون بعد انتهاء مدة الإقامة والتنازل عن قيمة الوديعة لتؤول إلى موازنة الدولة. وتابع كدوانى إن ذلك النظام متبع فى العديد من دول العالم بينها أمريكا وانجلترا وألمانيا، وإنه لا يشترط أن يحصل كل من يتنازل عن وديعته على الجنسية، فقد ترى الجهات الأمنية ومجلس الوزراء عدم منحه الجنسية بناء على معلومات أو مراقبة أفعال وتصرفات طالب الجنسية خلال مدة الإقامة. وقال إن الحصيلة المتوقعة من أول تطبيق، لذلك القانون قد تصل إلى 10 مليارات دولار تقريبا وإن أعداد الأجانب من مختلف الجنسيات المقيمين فى مصر يتراوح بين 4 و5 ملايين، وجميعهم يستفيد من جميع خدمات الحكومة ودعم السلع والطرق والكهرباء والبنزين، ومن الطبيعى أن تستفيد منهم الدولة، خاصة أن أغلبهم يسعى للحصول على الجنسية المصرية. فى المقابل أعلن عدد من أعضاء مجلس النواب رفضهم للقانون، فقال النائب محمد بدراوى رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الحركة الوطنية، إن قانون منح الجنسية المصرية للأجانب مقابل وديعة أمر خطير ويجعل هناك إمكانية للتجنس مقابل المال، وقد يتسبب فى خلخلة على مستوى الأمن القومى المصرى. وأضاف بدراوى إن القانون سيجعل الباب مفتوحًا أمام كل من لديه نقود تكفى قيمة الوديعة للحصول على الجنسية المصرية، متابعا: «أرفض هذا الاقتراح فإنه سيغير شكل البلد وقد يحقق مكاسب قليلة حاليًا، لكن سيمثل خطورة فى المستقبل». وتابع رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الحركة الوطنية، إنه لا مانع من فرض وديعة مقابل الإقامة على الأجانب، ولكن منح الجنسية أمر غير وارد خاصة ونحن الآن نشتكى من الإرهاب ولو أصبح لدينا أجانب حصلوا على الجنسية سيكون لهم حق التملك وممارسة الحقوق السياسية والترشح. مضيفا: «بعد فترة نلاقى حاكمنا تركى أو ألباني». وقال النائب محمد أبوحامد وكيل لجنة التضامن الاجتماعى بمجلس النواب، إن تقرير لجنة الدفاع والأمن القومى بالبرلمان لم يصل إلى أيدى النواب حتى الآن للاطلاع على الضوابط الموضوعة فى هذا الشأن. وأضاف أبوحامد إن هناك دولاً معادية لمصر مثل قطروتركيا ننتظر الاطلاع على ما ورد بشأنهما لحماية الأمن القومى المصرى وكيفية التعامل معهما.ومثل هذه الإجراءات محكومة بضوابط المعاملة بالمثل، بمعنى أنه يجب أن تحصل مصر على نفس الحق الذى ستمنحه لبعض الدول. وعلق الدكتور إبراهيم السلامونى المحامى بالنقض وخبير القانون الدولي، على القانون الجديد بقوله: أنا ضد بيع الجنسية المصرية من أجل المال وإن كنا نريد مالاً فهناك حل، فمع تزايد عدد اللاجئين فى مصر بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة الماضية ويقدر بحوالى 5 ملايين لاجئ ما بين مسجل وغير مسجل سواء من السوريين أو الليبيين الهاربين من تردى الأوضاع فى بلادهم أو النازحين من عمليات الإتجار بالبشر فى القارة السمراء، ولا يتم عزلهم فى معسكرات أو مراكز إيواء كدول أخرى فى المنطقة كالأردن وتركيا التى طلبت من الاتحاد الأوروبى مقابلاً لذلك، وقد تعهد الاتحاد الأوروبى بمنح تركيا مبلغ ستة مليارات يورو لدعمها فى احتياجات اللاجئين فى الإقامة والإعاشة والتعلم، وقد تم ذلك فى 4 أبريل 2015 بموجب اتفاقية اللاجئين. أما مصر فتستضيف أكثر من نصف مليون لاجئ سورى يتمتعون بحقوق المواطنين فى المسكن والتعليم ناهيك عن أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين منهم مسجلون كلاجئين وبعضهم يعيش كأى مواطن مصرى وهؤلاء هم من المواطنين السوريين الذين كان لديهم القدرة على السفر إلى مصر والإقامة بها فى بداية الأزمة السورية، وهؤلاء لديهم استثمارات فى البلد من أول يوم فلو قام كل فرد منهم بدفع ما قيمته 1000دولار أو 2000 دولار مقابل إقامته سنويا سيدفع ويكون سعيدًا بذلك، وبمنتهى السهولة نستطيع أن نجمع مبلغًا يوازى قرض صندوق النقد وبدون أعباء وندخل فى خزانة الدولة من 5 إلى 10 مليارات دولار سنويا.وبعيدا عن اللاجئين لدينا ما لا يقل عن 8 ملايين مصرى فى الخارج لو تم السماح بإعفاء جمركى عن سيارة واحدة مدى الحياة مقابل عمل وديعة بقيمة 5000 دولار لمدة خمس سنين دون أرباح أراهن فى خلال ستة أشهر سيتم جمع ما لا يقل عن خمسة مليارات دولار وبدون فوائد، لذا نرى أن بيع الجنسية المصرية للأجانب مقابل وديعة سيكون كارثة فعليا والمستفيدون منه فئة معينة عينها على مصر وبذلك سنبيع مفتاح البلد بدراهم معدودات». أما اللواء مجدى البسيونى مساعد وزير الداخلية الأسبق والخبير الأمنى فانتقد قانون الجنسية بقوله: «هذا القانون سيفتح لنا مجالا للإخلال بالأمن القومى المصرى وللجاسوسية، ولا بد أن نؤكد أن الجنسية المصرية يجب ألا تباع لأنها غالية جدا، فالمال من السهل أن يدفعه أى إرهابى أو جاسوس فيدفع ويدخل البلاد». وتساءل البسيونى: هل ستقوم الحكومة أو الداخلية بالتحرى عن طالب الجنسية؟