بين صدق المشاعر والأداء الغنائى البسيط من تلقائيته، والسير على نهج الاختلاف فى اختيار المزيكا المقدمة، مع الاتكال على كلمات مستوحاة من تجارب خاصة جدا، تنوعت ما بين اجتماعية وعاطفية. انطلقت فيروز كراوية، اسمًا رنانا، صعدت فى سلم النجومية فى مجال المزيكا المستقلة بخطوات ثابتة، رغم بعدها التام عن الموسيقى بشكل عام، وانغماسها فى دراسة الطب، دكتورة بإحساسها بما قدمته من روائع غنائية، تمثل كل «تراك» منها حالة تتناسب بشكل أو بآخر مع كل «مود» تمر به، «كراوية» تعد رمزًا من رموز «التمرد» على المعتاد، سواء فى تحررها من قيود «مجالها الطبيعى» فى الدراسة، أو إصرارها على اتخاذ درب «المزيكا» مسارًا أساسيًا فى الحياة، بعدما كان «فرعًا» لمجرى نيل حياتها، هروبًا من سجن المجتمع وتقاليده. محطات مرت فيها فيروز، مثلت كل مرحلة فيها محطة فارقة، حاولت تلخيص رحلتها الفنية من البداية وحتى الوصول لما يقارب النجومية، بحصيلة غنائية ضمت ألبومين ومينى ألبوم وعشرات الأغانى، واسم مثل «أيقونة» خاصة بها فى الساحة، البداية كانت فى سن الطفولة بدراستها فى إحدى مدارس الراهبات وانغماسها فى اللغة الفرنسية و«الدندنة» من وقت لآخر، حتى لمحتها مديرة مدرستها، لتكن بمثابة «الراعى» لصوتها منذ الصغر، وأخذت بتبنيها فى عروض حية وحفلات وحتى «تهريبها» من فصول العلوم والرياضيات لإحياء حفلة ما، أو أخذ «ورشة» مزيكا. تقول فيروز: «والدى كان قلقان من ده، وقالها إزاى أنت مديرة مدرسة وبتخلى طالبة تزوغ عشان تغنى، فردت عليها رد عمرى مهنساه، اللى عندها ده كنز، ولازم تهتم بيه». ولعل المفاجأة اكتملت بعلمها مؤخرًا أن مديرتها تلك كانت هى الملهمة أيضًا للنجمة سيمون. لتكون «الأخت مارى طوماس»، أول إلهام حقيقى فى حياة كراوية، مما دفعها بعد ذلك للانغماس فى المزيكا وعمل دراسات حرة فى معهد الموسيقى العربية فى مرحلة الثانوية، والتى مثلت ثانى محطاتها، بتعمقها فى جو الموسيقى الشرقية والموشحات والمقامات وروائع الزمن الجميل، لتمثل لها مرحلة انتقالية من حيث السماع، تقول: «دخلت عالم تانى بالشرقى، كأنى كنت فى أوروبا ورجعت بلدى»، وزادت فى داخلها تدريجيًا «عشق» الغناء والإلهام من روح الأورينتال، حتى دخلت للمرحلة الأصعب فى حياتها، باستسلامها لمجريات المجتمع وأزمة «المجموع» و«المستقبل»، ودخلت كلية الطب، وبرغم صعوبة الدراسة وتكدس المواد والمذاكرة وغيرها، لكنها وجدت مهربها الخاص من «الروتين» عبر «شغف» المزيكا. لتخرج كل طاقتها فى الغوص فى تراث الموسيقى، والاستماع لكل أعمال جيل السبعينيات والثمانينيات وصولاً للنقلة الأكبر للمزيكا المستقلة حاليًا، بداية من نهاية جيل حليم وأم كلثوم، وبدايات فكرة الفرق الجماعية، مثل الأصدقاء والفور إم والمصريين، مرورًا ببدايات فتحى سلامة ويحيى خليل وانطلاقة الكينج منير، وزمن الأبنودى وأحمد منيب وحتى نقلة على الحجار ومدحت صالح وإيمان البحر درويش والهضبة، وإبداعات العرب من فيروز وزياد رحبانى وصباح. تقول: «جمعت كل أعمالهم وسمعتها وراجعتها بشكل منهجى، وعندى مكتبة بتاعتى فيها كل حاجاتهم وشرايط الكاسيت وتسجيلات، ومكنتش بعرف أذاكر غير بسماع المزيكا»، هذا بجانب غوصها فى جو المزيكا الغربى، من البوب والجاز والروك وغيرها، وانبهارها باعتماد الغرب على فكرة «الإحساس» والأداء المبنى على صدق المشاعر أكثر من فكرة الشكل والحرفة، تقول: «إحنا عندنا الأهم الطلة والحرفة، لكن برة بيصدقوا نفسهم وهما بيغنوا، فبيقدموا حالة تتسمع وتتعاش». حتى حانت اللحظة للمحطة الأكثر «تأثيرًا» فى مشوارها الفنى، بتقديمها أغنية الفيلم السينمائى الجريء «أسرار البنات»، الذى أحدث ضجة بمحتواه الخادش لحياء المجتمع المنغلق، وحفرت كلمات الأغنية فى الأذهان، «قبل الأوان تتبدل الورود ع الشجر، تشعر البراءة بالخطر»، وعند دخولها الاستوديو لتسجيلها قررت حينها فيروز التمرد ع الواقع وأخذ الغناء دربًا، تقول: «حصلى تربنة أول مرة أدخل أسجل، وحسيت بانبساط وقلت إيه اللى بعمله فى نفسى ده، إنى بدرس حاجة غير اللى بحبها»، وقال لها المخرج مجدى أحمد على مخرج الفيلم حينها جملة علقت فى ذهنها حتى الآن، «هتضيعى سنين دراسة ع الفاضى، فخديها من قاصرها وغنى وسيبك منها»، وهو ما تحقق بالفعل حاليًا لفيروز، والتى دخلت فور تخرجها فى كلية الطب فى مجال آخر غير المزيكا، وهو عالم «المسرح» والإخراج عبر ورشة خالد جلال ومركز الإبداع، والتى قضت خلالها أكثر من سنة ونصف فى تعلم أسرار الخشبة، منها للتمثيل وحتى الغناء، وصولاً لتجربتها الكتابة والتأليف، وتقديمها عدة أعمال أشهرها فيلم «صباح الفل» للنجمة هند صبرى، وساعدها التعمق فى عالم المسرح للتعمق فى أسس الغناء والإطلالة، حتى جاءت لحظة «الاختيار» بعد تعيينها كطبيبة، فى أحد المستشفيات وتخصص الطب النفسى، بين الاستمرار فى الطب أو التحرر والطيران تجاه حلمها و«شغفها» الحقيقى. تحررت كراوية، وقررت احتراف «سكة» الغناء، فى فترة بدايات انتشار «الأندرجراوند» منذ قرابة عقد من السنوات، مع بداية وسط البلد ومسار إجبارى ودنيا مسعود وساقية الصاوى، وجسدت حلم طفولتها فى أول ألبوماتها «برة منى»، بعد عمل دام ثلاثة أعوام من التحضير، والذى أحدث زلزالاً من ردود الفعل الجماهيرية الإيجابية، لمحتواه غير المألوف، وثقله الموسيقى، واعتلى منصة أعلى المبيعات فى فيرجن، ونال استحسان عدد من النجوم تقول: «اتفاجئت وقتها بمكالمات تقدير من الكينج منير وسامو زين وصحفيين وناس كتير بيشكرونى ويشجعونى»، خطف الألبوم مسامع الجمهور بروائع «عاشق قليل البخت»، و«منجم حب»، و«يكون فى معلومك» و«برة منى». ظهر الألبوم فى فترة اندلاع فتيل الثورة، وقلق الدواعى الأمنية وجمعات الغضب، مما أدى تدريجيًا لقلة الظهور اللايف لفيروز فى الحفلات الجماهيرية، على مدار قرابة سنتين من بعده، لكنها كانت تعوض ذلك الاختفاء بالظهور كل فترة عبر أغنية «سنجل»، مثل «قلة المزاج»، و«طرف أصابيعه» و«مزاج سيادته»، أو مشروع غنائى مختلف مثل ألبوم «إسكيمو»، والتى خاضت خلاله تجربة المزيكا الإلكترونية، وصولاً لمينى ألبوم «حاجة غريبة» والذى ضم 6 أغانٍ فردية على فترات، مثل «فنجان شوكولاتة» و«سطرين ووردة»، و«ريحة حنين»، وعقب أكثر من ثلاث سنوات من أول ألبوم عادت فيروز للساحة بثانى ألبوماتها الرسمية «قلبك زحام»، وتميزت فيه بالتسجيل الحى للمزيكا، فى تجربة غير اعتيادية فى المجال، مع تمويله عبر شركتها الخاصة، ومن أشهر تراكاته «حسدو الغجر»، و«فريسكا» و«لام الهوى قلبى»، وتنطلق فيروز كراوية فى الوقت الحالى فى رحلة أجدد مشاريعها الموسيقية «مزاجنج»، التى تقدم خلاله «وجبة» سماعية ومرئية متكاملة، من حيث المزيكا والصوت وشكل الحفلات. لا تهوى فيروز فكرة «تصنيف» المزيكا التى تقدمها فى «جينر» أو نوعية معينة، فهى تلعب على فكرة «المشروع الموسيقى» أكثر منه مجرد «مزيكا لأغنية أو ألبوم»، تقول: «بقدم حالة مزيكا متكاملة، فيها تيارات موسيقية مختلفة، فيه شوية تأثر بجينرز وستايلات معينة، لكن فى النهاية بقدم حالة تتسمع وكل تراك ليه حالته»، إن لم تجرب بعد الدخول فى «قوقعة» حالتها، فما عليك إلا الانطلاق فى رحلة تراكاتها، بداية من جو «عاشق قليل البخت، فى إيده ورد وفى جسمه رعشة برد، وفى قلبه قلب وحيد، وحلم طاير بعيد»، مرورًا بحالة تراك «حاجة غريبة، رايحة لحالة غريبة، قلبى مزقطط عجيبة، مالكم ياعالم ومالى»، وحتى غرابة «قلة المزاج»، ومعانى «قلبك زحام»، ختامًا بالمتعة المتفشية فى جو «حسدوا الغجر على ضل الشجر ياعين، الليل يبات وحيد وللقمر وليفين، قلبى اللى طار لبعيد، شق القمر نصين». «ياللى قلبك زحام عاشق مين ولا مين، مش هيعيشلك غرام، وأنت صاحب بالين، بتعشق كل شهر وتنزل كل بحر وتملا عيونى قهر يكفينى سنين» «جربت تحس إنك جواك متكتف وبأن مشاعرك فيك بتوه، جربت تحس إنك مش عايز حد تشوفه بأنك وحدك قادر تبنى دنيا كبيرة وتحط حدود»