فكرة تستحق التقدير خرجت من رحم السينما المستقلة، تكسر الشروط المقيدة للإبداع التى تفرضها المؤسسات الحكومية وشركات الإنتاج الكبرى، انتشرت السينما المستقلة فى مصر لتتمرد على الفجوة المالية الضخمة فى الإنتاج السينمائى واستبداله بإمكانيات بسيطة ومضمون فنى جريء، وخروج على القوالب، والأنماط السينمائية السائدة، وفتح الباب للتجريب، بغض النظر عن الكلفة المادية، وكانت النتيجة أن السينما المستقلة بدأت تذهب للناس بدلاً من انتظار أن يأتوا إليها. اتخذ شاب ثلاثينى أرضية السينما المستقلة مرشدًا له لينتج لنا مبادرة سيكون لها أثرها الجيد، وهى سينما فى الشوارع والميادين، تتخذ من المقاهى صالات عرض بمقاعد متهالكة وشاشاتها سبيلاً لعرض فكرته، التنقل والترحال لإيصال فكرته، فبينما تتكدس المقاهى الشعبية بمواطنين يتخذونها سبيلاً للهروب من مشاكل الحياة اليومية مندمجين بلعب الطاولة والدومينو، يفاجأ الجميع بحنجرة جرئية وصوت واضح يطلب منهم الإذن فى الدخول ولكن، يكون الفيلم رفيق يده راغبًا فى مشاركة قصته مع الحضور، بعد المشاهدة يبدأ النقاش، فمن وجهة نظر محمد اللقانى صاحب المبادرة، الأفلام المستقلة لن تكون حكرًا على المثقفين بعد الآن وسيشاهدها الشعب كله بجميع طبقاته، ومحافظاته تحت مسمى مبادرة «سينما فى كل مكان». يقول وجيه: بدأنا فى عام 2013 مكونين من 8 أفراد، وحتى تصبح المبادرة حلقة وصل بين صناع الأفلام المستقلة والجمهور فمن ناحية تساهم فى التعريف بأفلام شباب سينما مستقلة، ونشرها لجمهور غير النخب والمهتمين ورواد الساحات الفنية من أجل أن تصبح السينما المستقلة أكثر جماهيرية.. ومن ناحية أخرى توثيق آراء الجمهور فى الأعمال المختلفة التى نعرضها ونقدمها لمنتجى ومخرجى تلك الأفلام. فتعريف الجمهور على الأفلام المستقلة يفتح نوافذ لمخرجيها الذين صنعوا الأفلام دى وحصلوا على جوائز ومثلت مصر والعرب، فالأفلام التى يتم عرضها من جميع الدول العربية بالإضافة إلى بعض الأفلام من دول أوروبية. الأماكن النائية تفتقر لدور العرض السينمائية، وبعيدة كليًا عما يعرف بالسينما المستقلة، لذلك قررت المبادرة أن تبدأ بها، فبعض الأسر لا تملك فى مناطق ريفية أجهزة تليفزيون، ويذهب أفرادها للمقاهى لمشاهدة برامج أو أفلام، وهؤلاء هم الجمهور الذى تستهدفه المبادرة، «الناس العاديين الذين قد لا يكون لديهم أى اهتمام مسبق بالفنون»، ومن هنا أتت فكرة إمكانية استغلال المقاهى لعرض الأفلام المستقلة، خاصة أن غالبية المقاهى توفر لزبائنها الآن شاشات ضخمة لمشاهدة مباريات كرة القدم وبرامج التوك شو. القانى حائز على جائزة أفضل ممثل دور ثان من مهرجان جمعية الفيلم للسينما المصرية 2012 عن فيلم «حاوى»، يقول: بدأ العرض الأول فى أحد المقاهى الشعبية بمحافظة الإسكندرية وعرضت الفكرة على صاحب المقهى وبعد أن وافق بدأت فى تحديد أنواع الكابلات التى سوف أحتاجها لتوصيل جهاز الكمبيوتر الخاص بى، بشاشة المقهى ويتم عرض الفيلم، وتم العرض دون عمل إيفنتات« دعوات» مسبقة على الفيس بوك لأننا نستهدف الجمهور الموجود فى المساحة بشكل فعلي. قدمنا برنامج عروض متكامل استمر 6 شهور مكون من 48 دائرة عرض، 55 فيلمًا قصيرًا مستقلاً، لم يقتصر على المقاهى فقط بل شمل المدارس والحضانات. والمشروع الأخير تحت مظلة سينما فى كل مكان، باسم «سيما مصر» ذهبنا إلى ثلاث مدن فى الصعيد من أسيوط والبر الغربى فى الأقصر وقرى فى أسوان وبعض المناطق المهمشة فى الإسكندرية، بتنفيذ 20 دائرة عرض و40 مخرجًا ومخرجة من كل الدول العربية، تمت تغطية العروض من الإسكندريةلأسوان. عن كيفية اختيار المكان والمحافظة قبل نزولها وتقديم العرض يقول وجيه: يتم اختيار المحافظة بناء على احتياجها الثقافى، ولإيصال فكرة السينما المستقلة والمشاهدة الجماعية للسينما، فحتى غلق دور العرض فى بعض المحافظات كان يمكن استبداله بالتليفزيون، ولكن لن يحقق هدف المشاهدة الجماعية، يتم أيضًا اختيار الفيلم سواء كان يعبر عن قضايا بعينها أم لا، فالهدف إيصال الفن بجميع أشكاله. تتنوع «سينما فى كل مكان» فى الأفلام المعروضة بحسب الجمهور المستهدف ومدى مناسبة الفيلم لهذا الجمهور، فالأطفال يشاهدون غالباً أفلام التحريك، والأفلام التى تعرض للصم والبكم يراعى فيها ألا تكون الحبكة الدرامية مبنية على الصوت. المبادرة تراعى معايير، فالعمل المعروض فنى من الدرجة الأولى، ولسنا طرفًا فى أى شيء فقط إيصال الفنون، كما أنه لا يعرض أى فيلم قبل موافقة مكتوبة من صاحب العمل، وشركة الإنتاج إذا استدعى الأمر، احتراماً لحقوق الملكية الفكرية. لافتًا، أنه لا صدام مع الرقابة فجميع الأفلام التى تم عرضها حصلت على جوائز داخل مصر وفى المنطقة العربية، فنحن نلعب الدور الفنى بعيدًا عن الصدام وفى حدود المتاح. ولدينا أفلام متناولة لبعض القضايا بشكل فنى وليس شكلاً تنموياً، فالعرض فنى بغض النظر عن مناقشة القضايا، فإذا كان الفيلم غير مصرى يتم عرضه إذا كان بصناعة فنية جيدة ومضمون جيد، فقد تم عرض الكثير من الأفلام المصرية والعربية، وفيلمين باللغة الفرنسية. ولأن تفاعل الجمهور يلعب دورًا أساسيًا فى نجاح أى فكرة وأداء المؤسسين بما يحقق استمراريتها، يوضح وجيه: كلما ذهبنا إلى مكان أكثر احتياجًا للثقافة كل ما كان الجمهور متعطشًا للفن والثقافة واستقباله يعد رائعًا فالشعب يحتاج ثقافة وفنًا. فالعروض المقدمة فى مناطق نائية لابد أن تكون مجانية تمامًا مثلما تفعل سينما فى كل مكان، كما أن المبادرة حصلت على دعم بسيط من بعض المؤسسات العربية، ترتبط بالتنقل وحركة المبادرة وأجهزة من المركز الثقافى البريطاني. ابتكرت المبادرة صالات عروض مختلفة فبعد المقاهى توجهت إلى المدارس، فقد قمنا بالعروض فى المدارس بجميع المراحل العمرية من ابتدائية إلى ثانوى، بالاتفاق مع إدارة المدرسة ويتم العرض فى أحد الفصول بوضع شاشة العرض وترك الخيال للطلاب مع المشاهدة، وننتظر لحظة طرح الأسئلة، فنحن لا ننتظر أن يكون لدينا سينما، جعلنا من المقاهى سينمات ومن شاشاتها، شاشة عرض للسينما، وكراسيها محل صالات العرض فأبسط الأشياء تفى بالغرض. وحضور المرأة كعامل أساسى لنجاح العروض يقول وجيه، ولأنه لا توجد سيدات تجلس على المقاهى الشعبية فى الصعيد والريف، لجأنا إلى مراكز الشباب والمؤسسات والجمعيات وقدمنا بها عروضًا لكى يحتل جمهور المرأة مكانه وأيضًا فى بعض مقاهى اسكندرية، حيث يسمح للمرأة بالجلوس على المقهى الشعبى. ينهى مؤسس «سينما فى كل مكان» بأنه شعر بأن الهدف قد تحقق حينما يصطدم بردود الأفعال التى وصفها بالهائلة، فدائماً ما يكون هناك جدل حول الفيلم بعد نهايته بين من أعجبهم، ومن لم يعجبهم.