بشكل مفاجئ دعا قداسة البابا تواضروس الثانى المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية لاجتماع طارئ صباح يوم الأربعاء الماضى واستمر الاجتماع حوالى 4 ساعات وسط أجواء عاصفة لم يشهدها المجمع من قبل لمناقشة قانون بناء الكنائس (سابق التجهيز) دفع به البابا بين أيدى أساقفة المجمع للموافقة عليه. ولكن خاب ظن البابا فى رجاله، فالقانون قوبل بعاصفة من الهجوم والاعتراضات التى انطلقت فى مواجهة البابا الذى واجه اعتراضات الأساقفة بأن هذا القانون هو أفضل ما أمكن التوصل إليه مع الدولة، وهو الصيغة التى سوف يتم تمريرها إلى مجلس النواب للموافقة عليها وأن موافقة المجمع من قبيل حفظ ماء الوجه للبابا ورجاله. وبحسب مصادر داخل المجمع المقدس انقسم المجمع إلى ثلاثة أقسام خلال المناقشات، فالأغلبية طالبت برفض القانون والبعض الآخر رأى لا مانع من تمرير القانون والذى يمكن تعديله فيما بعد وقلة من آباء المجمع المقدس اقترحوا المماطلة مع الدولة للعودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى.. هذا الانقسام أدى إلى تراشق بين الأساقفة بعضهم البعض فالموافقون على القانون اتهموا المعارضين بإضعاف الكنيسة والبابا والمعترضون ردوا عليهم بأن القانون انبطاح للحكومة يضيع حقوق الأقباط، إلا أن الجميع اتفقوا على الهجوم على الأنبا بولا وطالبوا البابا بتنحيه عن الملف السياسى وهو ما رفضه البابا. ويكمل المصدر أن قانون البابا ما هو إلا حلقة من حلقات خداع جديدة للأقباط التى بدأها الأنبا بولا فالقانون الذى أعده بولا كان يقع فى ثمانى مواد بينما قانون البابا يحتوى على عشر مواد لم تأت بجديد ولكنها حاولت ترضية الرأى العام بأن نصت المادة الأولى من القانون على أن الكنيسة مبنى متعدد الطوابق تعلوه قباب يوضع عليها صليب، حيث كان بناء الكنائس بدون صلبان أكبر المشكلات التى أثارت الشارع القبطى، بينما ظلت كل شروط بناء الكنيسة كما هى ولكن مع إعادة صياغة لمشروع الأنبا بولا، كما أعطت المادة الرابعة من القانون الحق للكنيسة باللجوء إلى القضاء فى حالة ما إذا تم تقديم طلب لبناء كنيسة مستوفيًا لكل الشروط والمستندات إذا لم يتم الرد على الكنيسة من الجهة الإدارية سواء بالقبول أو بالرفض خلال أربعة أشهر من تقديم الطلب تلك المادة التى كانت مثار خلاف بين أساقفة المجمع، فالبعض رأى تعديل المادة بحيث يكون عدم رد الجهة الإدارية بمثابة موافقة ضمنية وهو ما رفضه البابا. وطلب البابا صراحة من الأساقفة تقديم بعض التنازلات من أجل تمرير القانون، وهو ما تم رفضه واتفق الجميع على ألا يتفقوا وهنا اقترح البابا أن يتم إرسال ملاحظات على قانون بناء الكنائس إلى مجلس الوزراء وليس صيغة جديدة للقانون وهنا حاول البابا اتخاذ موقف عنترى بأن طلب من المجمع تفويضه بالإجماع لتمثيل الكنيسة فى مخاطبة رئيس الجمهورية فى التدخل من أجل إقرار قانون لبناء الكنائس ترتضيه الكنيسة وهو ما وافق عليه المجمع بالأغلبية وليس بالإجماع وقد استنكر المصدر الكنسى طلب البابا بالقول (البابا هو رأس الكنيسة وهو أعلى رتبة كهنوتية فيها وهو المفوض قانوناً بتمثيل الكنيسة أمام الغير فالتفويض لا معنى له وأرى أن البابا كان يستفتى على شعبيته داخل المجمع وأظن أن النتائج لم تكن مرضية له). حالة الهرج والمرج والخلاف والاختلاف داخل جلسة المجمع كانت ظاهرة للجميع على الرغم من إصرار البابا غير المبرر على عدم تسرب تفاصيل هذا الاجتماع للإعلام فقام باستخدام سلطاته الكنسية فى مواجهة المجمع لضمان عدم تسرب تفاصيل الاجتماع وقام بفرض حرمان عام على كل أساقفة ومطارنة المجمع بالقول (لا حل ولا بركة لأى حد أنه يخرج كلمة من اللى اتقالت فى الاجتماع للإعلام) وهنا يقع أى أسقف أو مطران يدلى بأى حوارات أو تصريحات كنسية إلى الإعلام تحت حرمان البابا الكنسى، وهو ما أكده لنا العديد من الأساقفة عند الاستفسار عن تفاصيل اجتماع المجمع المقدس بالقول (البابا ضارب حرمانية) وعقب اجتماع المجمع المقدس ذهب البابا إلى مقره البابوى بكنيسة العذراء بالزيتون عقد اجتماعه الأسبوعى، وعلى الرغم من أن الجميع كان ينتظر أن يعلن البابا عن أى تفاصيل تجاه موقف المجمع المقدس من قانون بناء الكنائس، إلا أن البابا تجاهل الجميع وألقى عظة عن الموسيقى ليضفى على الأجواء غموضاً أكثر من غموضها خاصة انه حتى انعقاد اجتماع البابا الأسبوعى فى الزيتون لم تصدر الكنيسة أى بيانات بخصوص اجتماع المجمع المقدس. وبعد مرور أكثر من ست ساعات على انعقاد اجتماع المجمع المقدس أصدرت الكنيسة بيانا على صفحة المتحدث الرسمى للكنيسة فى الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق، ويقول لنا مصدر إعلامى داخل الكاتدرائية: إن سبب تأخر البيان هو رفض الأنبا رفائيل إصدار البيان من خلال سكرتارية المجمع المقدس بالصيغة التى خرج بها والتوقيع عليه كسكرتير للمجمع المقدس وأنه اقترح بيانًا يكشف عن تفاصيل اجتماع المجمع وأهم ملاحظات الكنيسة على قانون بناء الكنائس وهو ما رفضه البابا وأن المفاوضات بين البابا ورفائيل استمرت حتى ساعة متأخرة من الليل فى ظل ضغط شعبى على الكنيسة من الأقباط على مواقع التواصل الاجتماعى تطالب الكنيسة بإصدار بيان يوضح الحقائق فجاء بيان منتصف الليل ليكشف عن الصراع الدائر داخل المجمع ويصدر عن المتحدث الإعلامى للكنيسة وليس عن سكرتير المجمع المقدس المنوط بإصدار البيانات الصحفية الناطقة باسم المجمع وكشف البيان عن حالة الرفض داخل المجمع لقبول تعديلات الحكومة التى سبق واعترضت عليها الكنيسة وأن الاجتماع كان بصدد التوافق على تلك التعديلات وبسبب ذلك ثارت العديد من التساؤلات والاستفسارات من أعضاء المجمع حيث تم (طرح مواد القانون العشر للمناقشة بين الحضور والتعديلات التى تمت مؤخرا وإجابة التساؤلات والاستفسارات) ويفجر البيان قنبلة من العيار الثقيل فالقانون الذى طرح للنقاش تم الاتفاق مسبقاً عليه مع الحكومة وممثلى الكنائس وما اجتماع المجمع إلا تحصيل حاصل فبعد (التشاور والتوافق مع ممثلى الكنائس المسيحية يعلن المجمع المقدس وبنية خالصة التوصل إلى صيغة توافقية مع ممثلى الحكومة تمهيدا للعرض على مجلس الوزراء وتقديمه لمجلس النواب) كما أن البيان لم يحدد مناطق تلك «الصيغة التوافقية» فهل مثلا سيكون الصليب أعلى الكنائس بثلاثة أضلاع بدلاً من أربعة؟ لم يفت الكنيسة فى بيانها التوازن بين ما ادعت أنها توافقت عليه مع ممثلى الكنائس والحكومة وبين طموح شعبها فى تيسير عملية بناء الكنائس ولأن الكنيسة تدرك أن ما توافقت عليه به الكثير من العوار والمعوقات فقد حاولت إمساك العصا من المنتصف حيث (إن أى قانون هو بمثابة نصوص جامدة فإنها تحتاج إلى فكر منفتح فى التطبيق العملى وليس الحرفى وبصورة واعية فى المجتمع من أجل سلامته ووحدته وصيانة علاقات المودة بين جميع المصريين) فإذا ما ظهر فشل القانون فى تيسير بناء الكنائس ولام الأقباط كنيستهم على أنها شاركت فى صدور هذا القانون ادعت الكنيسة أمام شعبها أن العيب ليس فى القانون ولكن فى تطبيقه وهو نفس المعنى الذى أنهت الكنيسة به بيانها (أن السنوات الأولى لتطبيق القانون سوف تكشف مدى فاعليته وصلاحيته واحترامه للآخر آملين ألا تظهر مشكلات على أرض الواقع). وحتى الآن لا يعرف أحد حقيقة القانون الذى دفع به الأنبا بولا للحكومة والذى ادعت الكنيسة أن الحكومة أجرت تعديلات مرفوضة عليه، ولم يتم الكشف عن تلك التعديلات الجائرة كما أن الكنيسة لم تفصح عن قانونها الجديد أو الملاحظات التى أرسلت لمجلس الوزراء، فكل هذه الفاعليات تتم فى سرية شديدة بين الحكومة والكنيسة فلماذا تحجب الكنيسة عن الرأى العام صياغتها القانونية بينما تدفع فى العلن بمشكلات تدعيها مع الدولة، فإما أن تظل كل تعاملات الكنيسة والدولة سرية ومحظورة وإما يتم الكشف فى شفافية عن كل تلك الحقائق، والأمر العجيب هنا أنه عندما أعلنت الكنيسة عن تعديلات الحكومة الجائرة خرج علينا الكثير من الإعلاميين برفض وشجب واستنكار تلك التعديلات ونتحدى أن يذكر لنا أى منهم هذه التعديلات وكأن ما تصرح به الكنيسة هو تنزيل إلهى لا يأتيه الباطل.