بينما لم تكن فرنسا تعافت من الهجمات الإرهابية، التى وقعت فى باريس الخريف الماضى، حين لقى نحو 130 شخصا حتفهم، فقدت يوم الجمعة أكثر من 80 ضحية فى حادث دهس متعمد بشاحنة فى شارع ديزانجليه، الأكبر فى مدينة نيس، وكان يقودها تونسى ربط البعض بينه وبين الجماعات الإرهابية، ومنهم الرئيس فرانسوا هولاند، الذى خرج ليعلن تمديد حالة الطوارئ، ويتوعد بتكثيف التدخل عسكريا فى سوريا والعراق، للقضاء على تنظيم «داعش»، الذى سبق وهاجم باريس قبل 6 أشهر، وهدد باستهدافها مرة أخرى قبل شهر. وفى الوقت نفسه، كانت هناك حالة من الذعر فى باريس، بعد أن شوهدت أعمدة الدخان الأسود الكثيف تتصاعد من برج إيفل، فى نفس وقت تنفيذ هجوم نيس، الذى شهد عليه مواطن مصرى يعمل محاسبا هناك، وشوهدت فيه امرأة عربية تبكى وتنادى على ابنتها، قبل أن تعلن الشرطة أنها عثرت على أوراق ثبوتية باسم مواطن من أصل تونسى، يبلغ من العمر 31 عاما، داخل الشاحنة التى كان بها أسلحة ومتفجرات زنتها 25 طنا. وأكد كريستيان أستروسى، رئيس الحكومة المحلية، لوسائل الإعلام، إنه لم يكن هناك شخص واحد بالشاحنة، بل عدة أشخاص مسلحين، يتولون عملية إطلاق الرصاص، قبل أن يدهسهم السائق. وبعد الهجوم، دخل المارة فى مكان الحادث، فى نوبات بكاء وصراخ، استحضارا لمشاهد هجوم باريس الذى لم يزل محفورا فى أذهانهم، كما أن المقاهى والمطاعم فى محيطهم، أغلقت أبوابها بالطريقة التى ربما كانت تدربت على استخدامها، لو كان تنظيم «داعش» الإرهابى صدق فى تهديده بأنه سيستهدف بعملياته بطولة كأس الأمم الأوروبية، التى استضافت فرنسا منافساتها على مدار الأسابيع الماضية، وانتهت بسلام ربما جعل أجهزة الأمن ترخى قبضتها عن المشتبهين بالإرهاب، فسمحت لمثل هذا الهجوم بأن يحدث. وحتى طبع المجلة، تخطى العدد الإجمالى للضحايا 80 قتيلا و150 مصابا، نتيجة هجوم الشاحنة على حشد من الفرنسيين وسياح إنجليز وأمريكان وإيطاليين وجزائريين وتونسيين وفلسطينيين، إضافة إلى آسيويين، فى أثناء عرض للألعاب النارية، بمناسبة احتفالات العيد الوطنى، أو «يوم الباستيل» كما يطلقون عليه فى شارع برمومناد ديزانجليه، حيث دهس السائق كل من قابله، بعدما صعد إلى الرصيف بسرعة جنونية، لمسافة 30 مترا تقريبا. وبحسب مجلة «تايم» الأمريكية، فإن السائق كان قد أطلق الرصاص على المحتشدين قبيل دهسهم بالشاحنة، وقامت الشرطة الفرنسية بقتله فى أثناء المطاردة، التى زار الرئيس الفرنسى مكانها، قبل أن يجتمع مع رئيس الوزراء مانويل فالس، ووزير الداخلية برنار كازنوف، فى مركز إدارة الأزمات بوزارة الأخير. وعقب اجتماع الأزمة، فى الساعات الأولى من صباح الجمعة، خرج هولاند فى خطاب تليفزيونى، ليقول إن «ما من أحد ينكر الطبيعة الإرهابية لهذا الهجوم، والذى يعيد مرة أخرى الشكل الأكثر تطرفا من أعمال العنف»، معلنا تمديد حالة الطوارئ ل3 أشهر أخرى. ووصف الرئيس الفرنسى الهجوم ب«الدموى»، وقال إنه عمل إرهابى يستدعى تمديد الطوارئ، على الرغم من أنه كان أكد قبل 10 ساعات فقط على الحادث، إنه وبمناسبة العيد الوطنى، لن يتم تمديد الطوارئ إلى ما بعد 26 يوليو الجارى، مرجعا الفضل فى ذلك إلى قانون تم إقراره فى مايو لتعزيز الترسانة الأمنية لفرنسا. ودعا هولاند المواطنين الاحتياطيين فى الجيش الفرنسى، إلى المشاركة فى تعزيز فرض حالة الطوارئ المطبقة منذ هجوم باريس فى نوفمبر الماضى، كما أعلن أن فرنسا ستعزز تدخلها فى سورية والعراق إثر الاعتداء. وإذا ثبت أن الحادث له صلة بتنظيم «داعش» الإرهابى، أو مجموعات «الذئاب المنفردة» المنبثقة منه، فإنه سيكون الهجوم الإرهابى الثالث فى فرنسا خلال 18 شهرا فقط. وفيما بعد إعلان الحادث، لم تبادر أى جماعة إلى تبنى تنفيذه، لكنّ موالين لتنظيم «داعش» أعربوا على وسائل التواصل الاجتماعى، عن سعادتهم بمقتل هذا العدد، فعلى «انستجرام» كتبوا «وصل العدد إلى 200 قتيل وجريح صليبى كافر نجس فرنسى، فى فرنسا بمدينة نيس، الله أكبر الله أكبر الله أكبر». وبحسب شبكة «سى إن إن» الأمريكية، شرعت النيابة العامة لمكافحة الإرهاب فى التحقيق، واستمعت إلى أقوال الشاهد ريان هوبز، الذى حكى أن السائق واجه الناس فى الشارع كلهم ودهسهم، قبل أن يكمل الشاهد تونى مولينا بأن ما بين 70 و100 سيارة طوارئ وصلت إلى المكان، بالتزامن مع طائرتى هليكوبتر، هبطتا وغطى مسعفوها الجثث بالأقمشة الزرقاء، ووضعوا عليها علامة، حتى تقوم سيارات الإسعاف بواجبها. ونقلت صحيفة «لو فيجارو» الفرنسية، عن سيباستيان همبرت، مسئول الشرطة، أنه حتى لحظة تصريحاته، لم يتم تحديد الشخص أو المجموعة وراء الهجوم. وفى نفس وقت تنفيذ هجوم نيس، شوهدت أعمدة الدخان الأسود الكثيف تتصاعد من برج إيفل، سببت حالة من الذعر فى باريس. وذكرت شبكة «إن بى سى نيوز» الإخبارية الأمريكية أن شابا مصريا يقضى إجازة فى مدينة نيس الفرنسية، شاهد سائق شاحنة الموت وجها لوجه. وروى نادر الشافعى، محاسب مصرى، تفاصيل اللحظات المرعبة لمراسلة الشبكة، ليندا هيرفيوكس، وقال إنه شاهد مرتكب الجريمة وجها لوجه، وإنه شاهده يسحب سلاحا، لكن الشرطة الفرنسية أطلقت النار عليه. وكشفت قناة «بى إف إم» الإخبارية الفرنسية، أن مفوضا بشرطة الحدود الفرنسية، ضمن ضحايا الهجوم على ممشى الإنجليز بمدينة نيس، بينما انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعى، لسيدة عربية قيل إنها خليجية على الأرجح، تصرخ فى موقع حادث الدهس، قائلة «وين بنتي؟»، وهى تسير وسط الجثث بحجابها. من ناحية أخرى، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومى نيد برايس أنه تم إطلاع الرئيس الأمريكى باراك أوباما على الوضع فى نيس وفريقه للأمن القومى للمشاركة فى التحقيق وتطورات الأمر وأن البيت الأبيض يواصل جهوده لدعم فرنسا. وأصدر أوباما، بيانا يدين الهجوم، وقال: «نحن نقف متضامنين مع فرنسا، التى تعد أقدم حليف لنا، حتى تتعافى من الهجوم، بينما أعلن المرشح الجمهورى لانتخابات الرئاسة الأمريكية، دونالد ترامب، إرجاء إعلان اسم مرشحه لمنصب نائب الرئيس، والذى كان مقررا له الجمعة فى نيويورك، بعد علمه بالهجوم. على خلفية هذه الأحداث أصدرت القاهرة بيانا يدين بشدة العملية الإرهابية وطالب دول العالم بالتكاتف لمحاربة الإرهاب باعتباره الخطر الكبير الذى يهدد جميع دول العالم. المعروف أن مدينة «نيس» تبعد عن باريس 1000 كيلو متر ويستغرق وقت السفر بالطائرة من باريس إلى «نيس»w ساعة ونصف، وهى مدينة سياحية معروفة بشواطئها الساحرة وتشبه مدينة الإسكندرية.