من لم يشهد رمضان فى مصر فلم يعرف الشهر الكريم، فما من شعب يحتفى به مثل المصريين، الذين يعلقون الزينات والأنوار، ويقيمون موائد الرحمن، ويقضون لياليه فى السمر والزيارات وتقوية العلاقات الاجتماعية وتناول «الكنافة والقطائف». من القطب الشمالى إلى شرق آسيا، يبقى رمضان هو رمضان، فله أكلاته الخاصة، وموائده العامرة بالحلوى، لكن ليس هناك «كنافة مصرية» ولا خشاف.. وهذا بالطبع يرجع إلى التفاوت فى مظاهر الاحتفال، وأيضًا فى نوعية الصعوبات والعقبات التى يلاقيها الصائمون، ففى شمال أوروبا يتمثل التحدى الأساسى فى امتداد ساعات الصيام إلى أكثر من 20 ساعة، وهو أمر مرهق فى بيئة باردة حيث يحتاج الناس إلى الغذاء لمنح أجسامهم السعرات الحرارية، فى حين أن هؤلاء لا يعانون من العطش بالطبع لأنهم لا يفقدون سوائل الجسم مع العرق. ياسر جاويد، وهو باكستانى ومقيم بالسويد يقول: إن طول ساعات الصيام هو التحدى بالنسبة له فى نواح كثيرة، خاصة أنه طالب هندسة كهربائية وفى نفس الوقت عامل بدوام جزئي، ويجد صعوبة فى الدراسة والقيام بعمله أثناء فترة الصيام الطويلة، وعلى الرغم من التحديات، يؤكد جاويد أن شهر رمضان المبارك يأتى مرة واحدة فى العام وهو السبيل لتعزيز معتقداته الدينية. طول ساعات الصيام دفع مسلمى شمال أوروبا إلى السعى لاستصدار فتوى بأن تُختصر المدة على غرار الدول العربية مثلا، لكن العلماء رفضوا وأكدوا أن الفريضة تتحدد وفق مواقيت البلد الذى يعيش فيه مؤدوها. الرياضيون المسلمون بدورهم، خاصة المشاركين فى دورة الألعاب الأوليمبية المقبلة فإن طول الساعات يمثل تحديا خاصا لهم كونهم يخضعون للتدريب ويجب أن يولوا اهتماما خاصا لنظامهم الغذائى وكان هناك الكثير من النقاش حول ما إذا كان الرياضيون المسلمون يمكن إعفاؤهم من الصيام، ولكن كان هناك تضارب بين علماء الإسلام فى جامعة كامبريدج، حيث إن منهم من يرى أن الرياضيين المسلمين يمكنهم عدم الصيام ماداموا يقومون بإطعام 60 محتاجا، إلا أن آخرين يؤكدون أن هذا لا يجوز. وتم إعطاء أمثلة من الجمعية الأمريكية الوطنية لكرة السلة «NBA» الذين يتحدثون عن تجربتهم مع شهر رمضان ومنهم كريس جاكسون الذى قال إن أعظم المباريات التى لعبها كانت أثناء الصيام خلال شهر رمضان. أطرف التصريحات عن رمضان صدرت عن عمدة لندن صادق خان الذى قال إن أكثر ما سيفتقده هو قهوته الصباحية، إلا أنه أكد أن الشهر الكريم فرصة لبناء الجسور بين المجتمعات. وأكد أنه لا يمثل الإسلام السياسى فهو ليس متحدثا باسم المسلمين، مضيفا أنه لندنى وأن البلد به هويات متعددة، إلا أنه يؤكد أن رمضان فرصة عظيمة لفعل الأشياء الخيرة فى المجتمع وكسر الغموض والشك حول الدين، من خلال استضافة وجبات شهر رمضان فى جميع أنحاء المدينة فى المعابد والكنائس والمساجد. وأضاف خان أن أفضل طريقة للناس لفهم بعضهم البعض هى تبادل الخبرات، والصوم وسيلة جيدة للقيام بذلك، لأنه عندما تأكل مع شخص ما، ودعوة غير المسلمين على وجبة الإفطار معا، فإنه يدل على عدم التعصب، وفى مدينة عالمية مثل لندن، عمرها ألف عام كان هناك تبادل مفتوح للتجارة، والأفكار، والناس، والثقافة، مشيرا إلى أن هذا العام سيكون صعبا على وجه الخصوص، ونظرا للتقويم القمري، حيث يتحرك رمضان مرة أخرى 12 يوما كل عام ولكن الآن الصيام يكون فى ذروة أيام الصيف الطويلة. خان يقول إن غياب الكافيين وخاصة وسط الكثير من الاجتماعات يؤثر على المزاج، قام بتقليل تناول القهوة فى الفترة التى تسبق رمضان، وعن الطعام، مشيرا إلى أن أسطورة كبيرة تشاع فى رمضان وهى أن تفقد الوزن فى شهر رمضان وهو ليس صحيحا. من المشاكل الرهيبة هذا العام فى المملكة المتحدة هو طول فترة الصيام حتى عن مكةالمكرمة بحوالى 6 ساعات وفى بعض دول أوروبا فإن فترة الإفطار تصل إلى ساعتين فقط. بريطانيا بدأت فى بعض الممارسات للتعاطف مع المسلمين فى هذا الشهر وأصبح أرباب العمل أكثر تفهما للاحتياجات الدينية للموظفين، وهذا يشمل وضع ترتيبات عمل مرنة وبعض الشركات البريطانية تسمح المسلمين بأخذ استراحة قصيرة كل 40 إلى 50 دقيقة، والمشى بالخارج لرفع مستويات الأكسجين، وأيضا هناك خطط مستقبلية لزيادة فرص أخذ إجازة من العمل خلال شهر رمضان. تم تخصيص مواقع على الإنترنت للنظام الصحى فى رمضان لمسلمى أوروبا بالكثير من النصائح للبقاء فى صحة جيدة خلال شهر رمضان، جامعة إكسفورد أيضا أوضحت أنه رغم التأكيد على الجانب الروحى فى رمضان، إلا أنه فرصة رائعة للحصول على الفوائد البدنية. كما وضعت الخارجية قواعد مراعاة للمسلمين ومنها عدم الأكل علنا أمامهم أو الشرب ومضغ العلكة أو التدخين أثناء النهار، وأوضحت أنه يجب إظهار الاحترام لأولئك الذين يصومون فى رمضان وعدم الإساءة إليهم ولا إلى قيمهم الإسلامية، وحذر تقرير الخارجية البريطانية أيضا من أنه فى بعض البلدان تعتبر الموسيقى الصاخبة والرقص خلال شهر رمضان مسيئا للمسلمين وبعض المطاعم تعمدت الإغلاق أو العمل لساعات معدلة. من أكثر الدول عدائية تجاه المسلمين فى رمضان، الصين رغم وجود 120 مليون مسلم ورغم وجود 10 قوميات تدين بالإسلام فإلى جانب قومية الأويجور المسلمة هناك تسع قوميات أخرى ومنها القازاق والذين يتمركزون فى منطقة شينج يانج ويبلغ عددهم مليوناً وربع المليون نسمة، والأوزبك والطاجيك وعددهم 33 ألف نسمة، والتتار بقومية لا تتجاوز 6 آلاف نسمة متمثلين فى من اجتازوا حدود تتارستان الحالية والقبائل التركية فى السابق وكذلك العرب والفرس القدماء الوافدين مع الفتح الإسلامى فى الصين بتعداد قدره 8.6 مليون نسمة وهم منتشرون فى شينج يانج ومقاطعات خبى وخنان وشاندونج وإقليم منغوليا ذى الحكم الذاتي، وقومية سالار فى محافظة شيونهوا ذاتية الحكم ويبلغ عددهم 90 ألف نسمة. ولكن أكثر منطقة بالصين يقطنها مسلمون هى شينج يانج وهى موطن لحوالى 51 % من السكان المسلمين فى الصين، إلا أن الصيام محظور فيها وتم توجيه الحكومة إلى إبقاء المطاعم مفتوحة، وقد بدأ شهر رمضان على نغمة حزينة فى منطقة شينج يانج ذات الغالبية المسلمة التى يقطنها نحو 10 ملايين من الأويجور مع فرض حظر على الصيام وغيرها من القيود التى كتبتها الصين فى حملة تشمل موظفى الخدمة المدنية والطلاب والأطفال. الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين فرض حظرًا على موظفى الحكومة والقصر من الصيام فى شينج يانج على مر السنين، فضلا عن المشاركة فى النشاطات الدينية، وذلك تناقض لتقرير لرويترز قبل بضعة أيام أشار إلى أن المسئولين الصينيين نفوا أى حظر على الصيام فى شينج يانج خلال شهر رمضان.