بين الذين فتحت عيناى فوجدتهم أمامى فى رحلة العمر كان العم الجميل سمير خفاجى الذى تشبه ملامحه الخواجة، شديد الأناقة عاشق للجمال يبحث عن البهجة وعلى استعداد دائم لأن يوفرها لنفسه ولغيره مهما كلفه الأمر وعلى هذا الأساس سنجد سمير خفاجى يتعقب أصحاب المواهب وعلى وجه التحديد صُناع السعادة محترفى إضحاك البشر «أويمجية» النكتة وسوف يدخل هؤلاء دائرة اهتمام سمير خفاجي، فيرتفع بهم ومعهم حتى يصل إلى نقطة تسمى نقطة الانقلاب والتى يعود الخط البيانى للعطاء بعد أن وصل إلى أعلى نقطة ممكنة.. فيعود كما هى طبيعة كل الأشياء ليشهد منحنى الصعود مرة أخرى. وهنا ستجد خفاجى وحده هو الناجى من هذا المصير ذلك، لأن مهمته هى ذاتها مهمة الكشاف فى كرة القدم، فهو يبحث عن المواهب والحريفة ويصنفرهم ويغربلهم ثم يدفع بهم إلى الملعب، ويترك الحكم للجمهور وحده بعد ذلك، وما أعظم اللاعبين الذين اكتشفهم سمير خفاجى خلال سنوات عمره المديد، بل إن الرجل والحق يقال لم يقدم أصحاب مواهب ولكنه قدم أجيالاً فى فن الضحك والفكاهة، وهو فن حصرى خصّ الله سبحانه وتعالى مصر وحدها حتى تكون التربة والحاضنة لهذا النوع من الفنون ولكن سيبقى لسمير خفاجى وحده أنه عندما تصدى للبحث والفحص وتعقب أصحاب هؤلاء المنيرين المبهجين لم يكتف بأن يكون الضحك هو الهدف الأسمى والوحيد، لكن حرص خفاجى، على أن يحمل هؤلاء قضية ويرفعوا مشاعل الضياء، وينيروا الطريق لعالمنا العربى الكبير، فما أعظم أن تبعث برسالة وسط بوكيه من الضحك والسعادة والفرح، وما أتعس رسالتك لو أنها اتخذت من الكآبة والرذالة والأحزان والبكاء وسيلة، بالتأكيد إنها لن تصل إلى مخلوق فى الحياة، باعتبار أن رحلة البشر فى هذه الدنيا محاطة بما يكفيها من نكد وأحزان ومطبات ومصاعب على رأى عمنا أبوالعلاء المعرى، نكد كلها الحياة، فما أعجب إلا من راغب فى ازدياد! لكن مع هؤلاء النابهين النابغين ستنسى الهموم وستلقى عن أكتافك ما تحمله من أثقال، ولعلنا ونحن نعيد الفضل لأصحابه فإنه ينبغى أن أذكر بالخير أستاذنا وزميلنا الفنان الراحل الكبير رمسيس رسام الكاريكاتير الجميل، الذى كان صاحب الفضل فى إطلاق اسم صانع النجوم على سمير خفاجى، وهو بالفعل اسم على مسمي، فهذا الرجل هو الذى خطط ودبر ومول، ونفذ كل العمليات الانتحارية، وهى بالفعل كانت بمثابة انتحار، فكيف بالله عليكم يمكن لعاقل أن يفكر فى اقتحام سوق الفكاهة والسخرية والمسرح فى وجود مسرح الريحانى والكسار وإسماعيل يس، ومن حسن طالعنا أن خفاجى كان بمثابة هذا الرجل الذى فحت فى الأرض حتى بلغ الكنز، فإذا به يستخرج النادر من الأحجار ويقوم بعملية ثقل وتجميل وتزويق ويعرضها فى أجمل منظر وأبهى صورة، فإذا بها تتلألأ وتلمع وتضيئ فى محيطها العربى كله، ويا سبحان الله، فقد منح المولى عز وجل لهذا الرجل «موهبة» من نوع نادر. فهو إذا ألقى بصره نحو أحدهم فإنه فى استطاعته أن ينفذ إلى داخله وأن يبلغ جوهره ويحدد طبيعة معدنه ويرسم له طريقة من أين يبدأ وإلى أين ينتهى، ونظرة خفاجى إلى جميع الذين عملوا إلى جانبه لم تخطئ مرة واحدة على الإطلاق، فقد كانت تنبوءات سمير خفاجى للآخرين بمثابة حكم محكمة واجب النفاذ. ولم يكن سمير خفاجى يبحث عن نجوم الفن العاشقين لمهنة الفنون والجنون، لكنه فلح أيضا فى أن يخرج لنا كوادر ساهمت فى نجاح العملية الفنية، ولكن عن طريق الإدارة، وقد تتبع خفاجى خطوات بعض الذين صادفوه فى رحلة الفنون وأدرك أن البعض سيصبح له شأن عظيم فى الإدارة المسرحية، وعلى هذا الأساس خرجت من مدرسة خفاجى مواهب عظيمة الأثر فى هذا المجال، منهم الأساتذة: محمد حافظ ووجدى الشناوى وشكرى عبدالوهاب وآخرى سوف نفرد لهم صفحات فى مذكرات صانع النجوم، الرجل الذى عشق الفن وتأثر بنجوم عصره وهو طفل صغير تربى داخله التذوق الفنى فى مرحلة مبكرة من حياته بفضل الأسرة أولا ثم المدرسة بعد ذلك وأخيرا لأن الزمن الذى نشأ فيه سمير خفاجى هو أحد الأزمنة الأجمل فى تاريخ مصر بأكمله، إنه الزمن الذى شهد بزوغ كوكب الشرق وموسيقار الأجيال وأعظم من تصدى لنشر البهجة فى النفوس نجيب الريحاني، إنه زمن الفن من أجل الحياة وإسعاد البشر وهى الرسالة التى حاول خفاجى أن يحمل مشاعلها من الجيل السابق عليه، وبالتأكيد الحكم على سمير خفاجى قد يكون ولن يكون على ذلك لأنه نجح فى أن يواصل مهمة استحالت على غيره، فهذا الرجل صعد بعدة أجيال كوميدية أحدثت ثورة حقيقية, فى عالم الكوميديا, منذ بدأ أولا باسكتشات «ساعة لقلبك» وحتى انتهى بفرقة «الفنانين المتحدين» التى احتضنت أعظم جيل كوميدى عرفته هذه الأمة، جيل عادل إمام وسعيد صالح, جيل جاء من وسط الحى الشعبى المصرى وليس من وسط العشوائيات, جيل عاش المعاناة وتحمل صعاب الحياة ودرس طبيعة الشعب المصرى وخبرها, فكان خير ممثل له فى دنيا الضوء. وإذا كان البقاء دائما هو لمن يقف تحت بقعة الضوء فإننا اليوم سوف نسلط الضوء على الرجل الذى عشق الأضواء ولكن من بعيد لبعيد، فهو يكتفى فقط بتوفير المناخ الملائم لها، وأسباب النجاح جميعا, ثم يتحول بعد ذلك ويتجه إلى صفوف المشاهدين فيجلس وسطهم ويتابع ويضحك وينتقد وفوق ذلك يستفيد من الثغرات فلا يعود إليها مرة أخري. هذا هو صانع النجوم خلال حقبة زمنية طالت فى عمر الزمن لتصل إلى ما يقرب النصف قرن, أمتعنا خلالها سمير خفاجى, وأسعدنا، فقد كان صاحب الأكبر من إنتاج مصر الفنى على خشبة المسرح، فاستولى وحده على أكثر من نصف إنتاجها وتفوق على أقرانه جميعا وأولهم مسرح القطاع العام!!