فى إطار التربص وعمليات تصيد الأخطاء، لم تفوت فصائل المعارضة السودانية قرار الرئيس البشير بمشاركة قوات من بلاده، ضمن التحالف العربى ضد الحوثيين وفلول الرئيس المخلوع على عبدالله صالح فى اليمن، فإذا بأحزاب سياسية ترفض القرار باعتباره يحول الجيش السودانى إلى مرتزقة، فيما تطعن قوى أخرى فيه، كونه صدر بشكل غير دستوري. ورأى حزب الأمة القومى برئاسة الصادق المهدى أن مشاركة الجيش السودانى فى حرب لا يتحقق فيها انتصار لطرف على آخر تعد مغامرة غير محسوبة. وطالب بضرورة أن يساهم الجيش السودانى فى الحفاظ على وحدة البلاد العربية دون اشتراكه فى حرب بين أطراف عربية، وقال: «نرفض إقحام بلادنا عسكريا فى حرب لن تحقق سوى تعميق النزاع الطائفى وسفك دماء الشعوب وتدمير منشآتهم وتشريدهم وإتاحة الفرصة لتمدد أجندات الغلو، ما يستدعى حتما تدخلات أجنبية وندين مشاركة بلادنا عسكريا فى حرب اليمن الطائفية ونرحب بأى دور للإغاثة الإنسانية». وأيد حزب الأمة القومى حق السعودية فى الدفاع عن أمنها القومى وحدودها، وأدان الاستيلاء على السلطة بالقوة فى اليمن، وأكد وقوفه مع شرعية الرئيس عبدربه منصور ومع الخيار الديمقراطى للشعب اليمني. وطالب بضرورة تحييد القوات المسلحة السودانية عن أى صراع خارج حدود الدفاع عن سيادة السودان، وأهاب بالمشرع أن يحدد بالدستور تحركات الجيش السودانى ويقيد مهامه خارج الوطن. حزب المؤتمر الشعبى ذو التوجهات الإخوانية المنشق عن الحزب الحاكم الذى يتزعمه حسن الترابى كان قد تقدم بمبادرة لإيقاف الحرب فى اليمن! وقال على لسان مسئول العلاقات الخارجية بشير آدم رحمة إنهم طرحوا مبادرة إسلامية عالمية قدمها حسن الترابى لإنهاء الصراع فى اليمن، وأن ذلك سيتم بالاتصال بأطراف الصراع المختلفة. السودان كان قد التزم لقيادة عاصفة الحزم بالدعم والمؤازرة والتعاون العسكرى والصحى من خلال علاج المصابين والجرحى للعمليات التى تجرى باليمن، وقد استقبلت الخرطوم وزير الصحة اليمنى بخصوص هذا الشأن وأوفدت 18 طبيبا سودانيا إلى اليمن، كما استقبلت المستشفيات السودانية عشرات الجرحى القادمين من اليمن. رسميا كررت الحكومة تأييدها لعاصفة الحزم وعلى لسان الرئيس البشير الذى قال: «إن مشاركة القوات المسلحة السودانية فى عاصفة الحزم تأتى من منطلق التزام أخلاقى وسياسى وديني، ولا تخرج عن نطاق مشاركة السودان فى القضايا العربية والأفريقية وأن دور بلاده أن تكون سندا للأشقاء». وقال البشير فى وقت سابق إن إرسال السودان قواته إلى اليمن يعبر عن مشاركته للإخوة فى السراء والضراء، موضحا أن «السودان لن يسكت والتهديد يحدق بالمملكة العربية السعودية ورمزيتها للوطن العربي»، وأكد أن السودان يعتبر علاقته مع إيران طبيعية وعادية، وأن مسألة انضمامه لعاصفة الحزم قرار يعبر عن التزامات السودان القومية وتحالفاته الإقليمية. وكان السودان إلى وقت قريب حليفا علنيا لإيران، برز ذلك من خلال تعاونه العسكرى والتكنولوجى والتجارى مع طهران، إضافة إلى فتحه فضاءاته الثقافية أمام نشر الأيديولوجيا المذهبية لملالى «قم» فى ربوع السودان، إلا أن تسارع الأحداث فى اليمن وسيطرة عبدالملك الحوثى على الكثير من المدن بوضع اليد جماهيريا ومحاولاته التشكيك فى شرعية الرئيس عبدربه منصور وتعاونه المكشوف مع الجمهورية الإيرانية، عجل بدخول السعودية بثقلها العسكرى والاقتصادى والإعلامى فى معركة أطلقت عليها «عاصفة الحزم»، دعت إلى حشد الدول العربية لقتال الحوثيين بوصفهم متمردين على الدولة اليمنية. سارع البشير لفك العزلة العربية على نظامه بالدخول فى محور التحالف العربى فى اليمن، فى محاولة لتعويض ما خسر من تأييده للعراق إبان احتلاله الكويت فى بداية تسعينيات القرن الماضي. يقول الإعلامى والمحلل السياسى علاء الدين محمود ل«روزاليوسف» إن البشير لم يكن مستعدا للتخلى عن حليفه الإيرانى الذى قدم له الكثير، وفى جوانب مختلفة، خاصة الأسلحة وتكنولوجيا التسليح، وبعضا من المساعدات الفنية والاستثمارات الزراعية والمالية، ولكن تسببت الأزمة الاقتصادية التى ضربت البلاد عقب ذهاب الجنوب وفقدان السودان لموارده النفطية واتساع دائرة الاحتياجات لمقابلة حروب الأطراف السودانية فى دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان فى استجابة البشير السريعة لنداء السعودية لانضمامه إلى عاصفة الحزم ودخول المحور الخليجى طمعا فى ذهب المعز وخوفا من فقدان تحويلات المغتربين السودانيين، فأرسل قوات من الجيش السودانى إلى اليمن والتى ينتظر أن يصل عددها إلى 6 آلاف جندي. وأضاف: إن مشاركة الجيش السودانى فى حروب خارج أراضيه وإن كانت قديمة وبدوافع سياسية إلا أن بعضها كان ضروريا وبدافع المساعدة فى حماية حدود وسيادة جيرانه لأن ذلك من صميم أمنه القومى ويؤثر عليه مباشرة. وشارك الجيش السودانى تاريخيا فى عمليات قتالية إقليمية ودولية بوحدات فى وادى النيل إبان فترة محمد على فى حروب 1581 و6581 فى منطقة القرم داعما لتركيا، ثم فى المكسيك عام 2681 من خلال الأورطة السودانية الشهيرة حين طلبت فرنسا وإنجلترا وإسبانيا من خديوى مصر إرسال فرقة من السودانيين لحماية رعاياها ضد العصابات المكسيكية، ثم اشترك الجيش السودانى بكتيبتين مع قائد الثورة المصرية أحمد عرابى عام 2881. واستعرض علاء الدين ملمحا من مشاركة الجنود السودانيين فى مساعدة الأشقاء والأصدقاء قائلا: قاتل الجيش فى الحرب العالمية الثانية ضد الإيطاليين فى إريتريا وإثيوبيا وطاردهم إلى بلدة «كرن» فى إريتريا، وفى ليبيا ضد تقدم القوات الألمانية وفى العلمين لوقف زحف القائد الألمانى روميل. واستمر الجيش السودانى فى المشاركات القتالية التى لم يكن يرجى منها تدفق أموال أو مساعدات بما يجعله فى وضع أقرب بالميليشيات، وقد سبق أن شارك أيضا فى قوات حفظ السلام فى الكونغو عام 0691 وفى تشاد عام 9791، وفى ناميبيا فى 9891، وفى لبنان مع بعثة قوات الردع العربية لحفظ السلام طبقا لقرارات جامعة الدول العربية، وفى عملية عودة الحكومة استعادت فى جمهورية جزر القمر، حيث قامت القوات المسلحة السودانية جزيرة «إنجوان» وسلمتها لحكومة جزر القمر عام 8002، ولكن الجيش السودانى لم يكن يبيع بندقيته بالمقابل. وانتقد «علاء محمود» نظام البشير قائلا: كان على الحكومة أن تسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار للسودان والسودانيين بإيقاف الحروب الداخلية العبثية قبل أن تدفع بقواتها إلى الخارج، وأن تتحول القوات المسلحة إلى مؤسسة قومية كما طالب بذلك الكثير من القادة السياسيين وبعض قادة الحركات المسلحة فى اتفاقيات معلومة وقعت مع النظام، أما أن يتصرف البشير بإصدار الأوامر بتحرك قوات الجيش السودانى للقتال فى غير الدفاع عن أراضى السودان، وفى ظل غياب برلمان منتخب وحقيقى يوافق على ذلك فهذه من مهازل الإسلام السياسى فى السودان.