كان العم حسن فؤاد أول من زار هذا المكان الذى استخدمه السعدنى «صلاح» و«الفرفور» و«محمد حمزة» للنوم فقط أو للهروب من الديانة فى بعض الأوقات وقد نظر عم حسن على المكان فوجد عدة مسامير فى الحائط عليها بنطلونات وقمصان وعلى الأرض أكوام من الجرائد لزوم التدفئة فى فصل الشتاء، فالفرفور على وجه التحديد تعود من قديم الزمان على أن يفصل الجورنال على هيئة قميص بلا أكمام ليتقى شر البرد ولم أكن أعلم هذا الأمر حتى احتضنته ذات شتاء وأنا أسلم عليه فأحسست بخروشة تصدر منه وقلت له إيه ده يا قريبى.. فقال جورنال «ال...» يا قريبى. وسألته بدهشة: ولابسه ليه يا قريبي؟ فقال بيدفى علشان فيه المقالات قوية بتاعة عمك «فلان» وكان فلان هذا يكتب مقالات طويلة وعريضة تقاس بالشبر أو بالمتر ولا يقرأها أحد، وقد وجد بها الفرفور فائدة أخيرا، المهم أن العم حسن أراد أن يجلس وكان معه عمنا الكبير سعد كامل الرجل الذى حقق للثقافة الجماهيرية ما لم يحققه مخلوق آخر.. وينظر العم حسن فيجد كنبة ب3 رجول ويحذر العم سعد من الجلوس وهو يتجه نحو كومة الجرائد ويصنع منها رجلا رابعة ليستوى الحال فى انتظار أن يصحو العم صلاح ومعه الفرفور وعندما حصل المراد وأصبح الجميع وجها لوجه ضحك عم حسن وقال إن جاه جاهان صنع أشهر مقبرة فى الهند ومات فيها هو ومحبوبته.. وأتم عمل أشهر مقبرة يعيش فيها 3 بنى آدمين، ويضحك الفرفور وهو يقول ما هو عشان إللى ح ييجى يجيب الزيارة معاه «علينا» ويا بخت من زار بشوية قرص وبلح أبريمي، ويضحك العم حسن وهو يعد فرفور بتوفير هذه الأشياء فى الزيارة القادمة لضريح الأحياء «تاج محل» والذى لم يكن للفنانة مها صبرى ولكن للفنانة شريفة فاضل . ولم يكن هذا الثلاثى الجميل وحده هو الذى لجأ إلى تاج محل ليجعل منها مثوى له، فقد زارها وأقام فيها الفنان إبراهيم عبدالرازق والجميل سعيد صالح والظريف بغير حدود الفنان وحيد عزت، والشيء الغريب أن الفنان الكبير نور الشريف وجد فى الشقة وفى الصحبة ضالته المنشودة عندما تعرض لصدمة عاطفية وحاول نسيان ما جرى مع هذه الصحبة، ووقع أمام سيدة قال عنها المخرج الكبير حسين كمال إنها صاروخ بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وأحب نور الشريف الصاروخ الصاعد فى عالم الاستعراض فى هذه الفترة التى سبق واعترف أنه لم يعد يلتزم بمواعيده فى الكواليس وأن المنتجين والمخرجين ابتعدوا عنه تماما.. حتى هجر تاج محل والصاروخ معا وعاد إلى سيرته الأولي، ولكن الرواد الأوائل الذين أسسوا قبر الأحياء «تاج محل» «ظلوا على العهد باقين خصوصا وأن الموضة هذه الأيام كانت على طريقة الأولاد بتوع فرقة الخنافس فى إنجلترا حيث الشعر الطويل والسوالف فقط هى التى كانت تفرق بين البنت والولد ولأن السعدنى صلاح والفرفور «كانوا شبابا فى هذه الأيام فقد عملوا زى الخنافس فأطلقوا للشعر العنان فسرح فى كل مكان». وذات يوم أشار السعدنى إلى الفرفور بالذهاب إلى بيت «ستي» أم محمود لكى تذبح لهم دكر بط على عادتها كلما زارها عمى صلاح وكان هو أصغر الأبناء وآخر العنقود فكانت تحبه بشكل جنونى ولكن بمجرد أن دخل الفرفور ومعه العم صلاح إلى الحارة بهذه الهيئة اتلم كل عيال الحارة فى حارتنا والحوارى المجاورة لحارة العيال «سمكة» وقاموا بزف صلاح والفرفور بكلمات لا يسمح بها قانون النشر ولكنها مسموعة ومعروفة تدخل بيوتنا أثناء إذاعة مباريات الكورة. وهكذا نظرا الفرفور إلى السعدنى وقال مالناش عيش ولاح نيجى هنا تانى ياسعدنى وبالفعل فى هذا اليوم انقطع الدعم عن السعدنى والفرفور وقد يسأل أحدهم ألم يكن هناك عمل لهذا الثنائى فى مقتبل العمر؟. أجيب حضراتكم نعم كان السعدنى أذهل المتفرجين فى بر مصر بعملين من أعظم ما قدم التليفزيون المصرى، الأول لإحسان عبدالقدوس هو «لا تطفئ الشمس» والثانى ثلاثية الصاوى الرائعة النصيب والضحية والرحيل وفيها قدم شخصية أبوالمكارم.. وفى الأولى قدم دور ممدوح الذى مات قبل أن تنتهى الحلقات وتحديدا فى وسطها وانهالت على مبنى ماسبيرو الخطابات من المشاهدين تطالب بعودة ممدوح إلى المسلسل بأى شكل وبالطبع كان هذا أمرا مستحيلا.. وكان الفرفور يكتب فى «الكواكب» والإذاعة والتليفزيون و«صباح الخير» أيام مجدها الذى كان، وعلى الرغم من أن الفرفور قلمة الساخر اللاذع مرحب به فى كل مكان إلا أن صباح الخير بالتحديد كانت هى منى أحلامه ومستقرها، وقد كتب أيام رئاسة تحرير الأستاذ لويس عدة موضوعات فمنحه الأستاذ لويس شيكا بمبلغ 40 جنيها رفض الصراف صرف المبلغ وهو يسخر من العم فؤاد ويقول: ده التابعى بنفسه ما خدش مبلغ زى ده وعم فؤاد يهدئ من ثورة الرجل ويطيب خاطره ويتحمله حتى يتسلم الشيك، ولكن الرجل اتصل برئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير وعمل فضيحة وفى النهاية تسلم الفرفور الشيك فخرج إلى الشارع وجلس فى قهوة ريش مع كبار الكتاب والمثقفين وأخرج الشيك يتباهى به فقد أصبح غنيا ألمعيا يشار إليه بالشيكات على طريقة ذلك المشهد العبقرى لياقوت أفندي.. ادفعوا لياقوت أفندى مبلغا وقدره.. وكان فرفور يجد فى كل مكان يذهب إليه المناسبة لكى يخرج الشيك ويستعرض المبلغ أمام الأصدقاء والزملاء.. المهم أن السعدنى الكبير انقلبت الأحوال فوق رأسه فى يوم 13 مايو من العام 1971 ووضعوا اسمه فى مراكز القوى ضمت السادة على صبرى وشعراوى جمعة ومحمد فوزى ومحمد فائق واتهموا جميعا بقلب نظام الحكم وفى التحقيق سأل النائب العام السعدني: إيه أقوالك فيما هو منسوب إليك؟ فقال له يا أفندم أنا كل أسلحتى فى الحياة لسانى وقلمى وكيفى هو علبة السجاير.. هل دى أدوات تقلب أى نظام!! ويكتم الرجل ضحكته ثم يقول بس فيه تسجيلات تؤكد أنك ضليع فى القضية؟ قال السعدنى مع مين؟ أجاب الرجل مع وزير الداخلية شعراوى جمعة ووزير الإعلام محمد فايق... وهنا قال السعدنى للنائب العام يا افندم.. أنا مرة كنت لا مع الحكومة.. ولا ضد الحكومة ودخلت السجن ومرة كنت ضد الحكومة ودخلت السجن قلت أبقى مع الحكومة برضه دخلت السجن.. يا أفندم قولى أنت أروح فين؟! وهنا ضحك الرجل وطلب للسعدنى كوباية شاى وهمس له قائلا: بينى وبينك أنا مش شايف فيه أى قضية.. ولكن لأن السادات كان أحد عظام الدهاة الذين حكموا بلادنا فقد لجأ إلى المدعى الاشتراكى الذى تولى الأمر وأصدر أحكامًا فى منتهى القسوة.. ونال السعدنى خمسة أعوام خففها الرئيس السادات إلى سنتين فقط لا غير وتدخل اثنان من الزعماء العرب لكى يفرج السادات عن السعدني، الأول هو الرئيس جعفر النميرى عندما زاره العم عبدالرحمن الخميسى وطلب وساطته والثانى هو العقيد معمر القذافى الذى عشق السعدنى وكتاباته ومسلسلاته الإذاعية واعترف له أنه «أى السعدنى محمود» كان من الناس القلائل الذين أسعدوه فى كتاباتهم وذلك عندما شاهد القذافى الأستاذ أحمد بهاء والسعدنى والوفد الصحفى المرافق للزعيم جمال عبدالناصر فى عام 69 للتهنئة بالثورة الليبية.. وبالطبع كان للعم الغالى العزيز محمد حسنين هيكل دور خطير فى القضاء على رجال جمال عبدالناصر مع أنه بدا وحتى يومنا هذا وفيا لشخص جمال عبدالناصر.. ما علينا هذا الحديث وغيره فيما يخص العم هيكل سوف نخصص له «حلقات» نحكى فيها عما جرى من لقاءات مع قادة بارزين التقى بهم من خلال السعدنى ومع قادة فى الخارج يعلم العم هيكل جيدا وأعلم ما حدث بينه وبينهم وقد (أسهم) فى معرفتى بهذه الأمور أوراق تركها السعدنى الكبير رحمه الله وأصبحت فى أيد أمينة وعليها شهود ولله الحمد.. المهم أن ما جرى للسعدنى قد يستحقه وقد لا يستحقه ولكن الشهادة لله فإن ما تم تسجيله من مكالمات هاتفية كان صعبًا وغير محتمل وقد حمدنا الله أن السادات اكتفى بسجن السعدنى عامين فقط لا غير، ذلك لأن ما جاء فى الأشرطة لا يمكن أيضا نشره ولا كتابته ولا حتى الكلام فيه خلو الطابق مستور.. ولكن ما ذنب العم صلاح والعم فرفور؟ فما حدث أن المباحث -قواها الله- قامت باستدعاء العم صلاح وحققوا معه وحاولوا معرفة أشياء لم يكن صلاح على علم ولا دراية بها وحول صلاح التحقيق إلى هزار وفعلوا نفس الشيء مع الفرفور وقالوا له أنت عضو فى التنظيم السرى فى الجيزة إللى يرأسه السعدني.. وقال الفرفور أنا يابيه عضو فى نقابة الصحفيين.. وبعنف أعاد المحقق السؤال على الفرفور.. وبدوره سأل الفرفور... أنا مش فاهم أى حاجة يا سعادة البيه.. وهنا قال المحقق أنت قريب محمود السعدنى إللى متهم بقلب نظام حكم الرئيس السادات؟ وهنا رفع الفرفور يده وقال عليا الطلاق ما أعرفه.. وبعدين السعدنى من المنوفية.. وأنا من البلاقسة يا بيه وضحك المحقق وهو يقول منين فقال الفرفور بحماس: من البلاقسة يعنى ما نعرفش بعض خالص سعادتك، وأمر الرجل الفرفور بالانصراف.. ولكن هل جاء تعميم بمنع صلاح من التمثيل والفرفور من الكتابة؟ هنا أفادنا السعدنى الكبير محمود أيامها فقال: إحنا فى بلادنا الميمونة آه لو السلطان رضى عنك حتلاقى الوزرا يتمنوا رضاك والبيه المأمور يضرب لك سلام وسعادة المحافظ يحول طلباتك لأوامر ويمكن قبل ما تطلب تلاقيه سفلت الشارع بتاعكم وشارع جيرانكم والشوارع إللى جنبها وآه لو السلطان انقلب عليك فسيكون مصيرك أسود من قرون الخروب وإذا اتهموك بقلب نظام السلطان فى بلادنا فسوف يجرجرن جوز خالتك من قفاه إلى السجون والأقسام والمعتقلات مش كفاية إنه متجوز خالتك.. لأ لازم يطلعوا عين أمه، وهكذا كتب على صلاح والفرفور أن يتجمد نشاطهما لعامين كاملين أو يزيد وهى الفترة التى سجن فيها الولد الشقي، وإذا كان السعدنى قد تم سجنه، والوالدة أصبح الذهاب إلى بيتها محفوفا بالمخاطر بتاعة العيال الصغيرين الذين تجدهم فى حوارينا وكأن أرض هذه الحوارى بتنبت عيال ما تعرفش إزاى وهكذا أصبحت «تاج محل» هى الملجأ والملاذ الوحيد والآمن الذى قرر السعدنى صلاح والفرفور الجميل أن يشاركا محمد حمزة شاعرنا الكبير الإقامة فيه! وذات يوم جاء العم عبدالرحمن الخميسى ليطمئن على السعدنى صلاح بناء على توصية جاءت من خلف أسوار السجن من السعدنى الكبير، وعندما دخل الخميسى الشقة.. نظر حوله فلم يجد مكانا يجلس فيه.. وقال للفرفور: امشى هات كرسى ياوله لعمك الخميسي... إيه الكنيف إللى أنتو عايشين فيه ده يا ابني؟.. ثم نظر إلى صلاح وقال أنا جاى أطمن عليك عشان محمود قلقان فى المعتقل بس لو قعدت أكثر من كده ح أتعدى منكم وأنا فنان يا ابنى ولا وقتى ولا صحتى ملكي.... أنا ملك الجماهير يا ابنى سلامو عليكو. وهنا قام الفرفور بمنحه ورقة عليها رقم تليفون البيت وقال: ابقى اسأل علينا يا عم الخميسى وتعالى زورنا مرة يا فنان يا عظيم وهات معاك مأكولات.. وأمسك الخميسى بالورقة ثم أمضى اليوم بأكمله يلف على القهاوى والكافيتريات فى وسط البلد يلتقى بالأصدقاء وأهل الفن والصحافة وقام بالتشنيع على صلاح وفرفور وحمزة وقال العيال دول ح يجيبوا أمراض للبلد.. دول مأجرين تليفون وسط البلد وكان الخميسى لا يعترف بأن هذا المكان يصلح للناس وأن ما يستحق الإشارة إليه فقط هو التليفون والذى لم يعره الخميسى أى اهتمام فألقى بالورقه التى منحها له الفرفور!! وكان الخميسى هو الأمل على الأقل فى سد الحاجة للغذاء، فالخميسى يقدس فى الحياة ثلاثة أشياء أهمها اللحمة وقد كانت مقدسة أيضا بالنسبة للسعدنى والفرفور فى هذا العمر الذى كانت المعدة فيه كما وابور الزلط مستعدة كى تسفلت أى شيء يدخل إليها. الله يرحم أيام الزمن الجميل. وللحديث بقية