عروس بكر، لم يمسسها بشر، ولا يزيد عمرها على 14 عاماً، للزواج المؤقت، أو بتعبير أصدق ل«المتعة» لمدة شهر، والسعر ثلاثين ألف جنيه. ولا يشترط ولى أمرها فى الزوج أية مواصفات، العمر والجنسية والحالة الاجتماعية غير مهمة، فالمطلوب أن يسدد المعلوم «كاش» ومن ثم هنيئاً له بها، وليفعل بها ما يشاء، وإذا أراد تمديد الفترة فالأمر يخضع للتفاوض، وربما يحصل على خصم خاص. إنها «سوق نخاسة»، لبيع اللحم الأبيض «الطري» كيفما يروق لمن يملكون، سوق فيها سماسرة وتجار وبضائع ومشترون.. مسرحها مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، حيث أجرى هذا التحقيق. «نفر بلبيس.. نفر بلبيس».. يهتف المنادى فى موقف «عبود» فى شبرا بالقاهرة، نتوجه إليه، يرمقنا بعينين متفحصتين أو وقحتين: «عايزين إيه من بلبيس.. شكلكم مش من هناك». ويمضى الحوار عفوياً، على طريقة «الدردشة» غير المرتبة، ومنه يستشف الكثير، ويماط النقاب عن الحقائق الصادمة، فالسائقون يعرفون جميعاً بأن الذين يقصدون المدينة إما سكانها ممن يعملون بالقاهرة، ويترددون عليها للزيارة، أو القوادون ممن يذهبون للتعاقد على زيجة متعة مؤقتة، فى سوق «نخاسة» تمتلئ بفرص الربح الحرام.. فالأمر إذن ليس سرياً، ورائحة الجريمة تزكم الأنوف، وما من رادع من قانون، أو وازع من دين أو أخلاق للتصدى لها. السائق الذى استقللنا سيارته إلى المدينة يسأل بدوره عن سبب الزيارة، نبرته فيها الكثير من الغمز واللمز، الرجل الخمسينى يعلم بدوره الكثير وهو ثرثار ممتاز وفى مثل هذه الحالات، فإن مثله يعد «كنزاً استراتيجياً» لأى صحفي. يقول السائق واسمه «عم محمد»: إن تزويج الفتيات دون الخامسة عشرة بالأثرياء العرب على وجه الخصوص يعد «سبوبة» للكثيرين، ويعترف بأنه واحد منهم متسائلاً: «الناس بتاكل عيش من المصلحة دي، هى جت عليا أنا، بس أنا مش باضرب حد على إيده». ويضيف: «مع الخبرة أصبحت عيناى قادرتين على اكتشاف الباحثين عن زوجة، وهناك زبائن لا يمكن تفويتهم، وهم الخليجيون الذين يأتون إلى الموقف وهم متخبطون لا يعرفون شيئاً، وبعضهم يرتدى الملابس الخليجية، ويسددون أجرة السيارة بالكامل، وخلال الطريق يعرضون مبالغ مادية مجزية على السائق نظير تعريفهم على زوجة مواصفاتها الحلاوة والبكارة وأهلها غير طماعين». ويقول: «لا يمر يوم إلا ويستقبل الموقف أكثر من زبون، ممن يقصدون مدينة بلبيس أو القرى المتناثرة حولها، وبالنسبة لى لا أجد فى الأمر حرجاً، فأنا مجرد وسيط وبما أن الأب موافق، فليس فى الأمر ما يحرجنى أو يجعل بطحة على رأسي، العيب على الأب اللى بيبيع بناته مش أنا». ويمضى قائلاً: «الآباء يفرحون بهكذا زيجات، بل يقيمون لها الاحتفالات، فالفتاة فى القرى الفقيرة كالدجاجة التى تبيض ذهباً»، مضيفاً: بعض الآباء يتواصلون معى باستمرار ويؤكدون لى أن عمولتى ستكون مجزية فى حال جئت لهم بصيد ثمين، ومؤخراً أوصلت ثلاث فتيات وأباهن إلى شقة بالمهندسين، بعد تزويجهن لثلاثة أثرياء عرب، والغريب أن عمر الكبرى لم يزد على سبع عشرة عاماً، والصغرى فى نحو الثالثة عشرة، والأغرب أن الأب كان فى قمة السعادة. وما أن وصلنا حتى صعد الأب بمفرده إلى شقة ما، ثم عاد أدراجه سريعاً، وعلى وجهه ترتسم علامات الغضب، فأخذ يسب ويلعن قبل أن يطلب منى إعادته إلى بلبيس، وفى الطريق روى لى أنه رفض الصفقة لأن الأثرياء عرضوا ثلاثين ألفا لكل فتاة لمدة شهر، وكان مما قاله: ألف جنيه فى اليوم ظلم كبير، البنات أبكار، ومعى أوراق طبية تثبت ذلك، وهذا السعر مجحف جدا، والحياة أصبحت غالية! نظرية العنب والجميز ويواصل عم محمد كلامه قائلا: فى نهاية حديث الأب أكد لى أنه مستعد لتزويجهن معا فى حال كان المقابل خمسة وأربعين ألف جنيه للواحدة، مشيرا إلى أنه يعلم بأن هناك فتيات سعرهن أقل، لكنهن لسن فى جمال وحسن بناته، فأجسامهن ملفوفة وبياضهن صاف وعيونهن خضراء، وكل فولة ولها كيال، ولو عايز عنب بناتى ادفع، أما لو مش قادر تدفع فالجميز ببلاش على الشجر. ويكشف عن أنه نقل مؤخرا أربعة خليجيين إلى المدينة وكانوا فوق الستين ويبتغون الزواج على سنة الله ورسوله، كما يقول. ويضيف: إن الزيجات تتم فى السفارات الخليجية وهناك مسنون خليجيون يتزوجون من بلبيس مرة كل شهر، وهم يتواصلون مع سماسرة بعينهم ومنهم أمين شرطة مشهور فى المدينة. الصفقة المجزية لدى الوصول إلى بلبيس لا تتعجب من العيون التى ستفحصك بدأب، فسماسرة المتعة الحرام ينتشرون فى الموقف، وإذا وجدوا زائرا خليجيا سرعان ما يتكالبون عليه، هذا يسعى لأن يقنعه بأن «بضاعته أحلي» وذلك يقول له إن بحوزته صورا لأجمل فتيات بالمدينة، وكلما كان «العميل» طاعنا فى السن، كان الهجوم عليه أشد، والسعى لإبرام الصفقة معه أكثر ضراوة وإلحاحا، ذلك أن المسنين يجزلون العطاء، ولا يدققون كثيرا فى مواصفات الجمال، فالمهم أن تكون الفتاة بكرا وصغيرة فى السن. أبرز ما ترصده العين أثناء ملاحظة الشارع بالمدينة، إن قطاعا كبيرا من الأهالى يرتدون الملابس الخليجية، فالعباءات السوداء تنتشر بشكل منفر والجلاليب البيضاء تكاد تكون زيا موحدا للرجال. كريمة محمود من سكان القرية، كانت تبتاع أشياء من السوق ولها وجه طيب، تسرد جانبا مما تسميه «المهازل» التى تحدث بالمدينة قائلة: «البيت الذى يضم فتاة جميلة بين جدرانه بيت سعيد، وأهله يعلمون أن موعدهم مع الثراء قريب، فالسماسرة يعرضون عليهم كل يوم صفقة، وهم يترددون عليهم باستمرار، وهذا الأمر شائع جدا إلى درجة أنه لم يعد يلفت انتباه أحد». وتقول: «هناك العشرات من السماسرة رجالا ونساء، والمدينة تودع يوميا فتاة فى طريقها إلى غرفة نوم ثرى عربي، يتلذذ بها، ويأكلها لحما لمدة نحو شهر، ثم يطلقها أو يرميها عظما، ولا أحد يتصدى للظاهرة المقيتة، والمؤسف أن أولياء أمور كثيرين لا يجدون فى بيع شرفهم غضاضة، بل الأكثر من ذلك أن أطباء دخلوا اللعبة فأصبحوا يجرون جراحات ترقيع أغشية البكارة لأن الزبائن يرغبون فى البكر ويسددون مبالغ أكبر للحصول عليهن، ويتم الأمر عدة مرات، حتى تتحول الفتاة إلى مسخ أو هيكل عظمى بلا نخاع». أما سماح جلال فتقول: السماسرة فى تلك الصفقات المدنسة معروفون اسما وشكلا، ومنهم سيدة تدعى «مدام أميمة» تجرى المفاوضات مع راغبى الزواج والآباء، وتبرم الصفقات مقابل خمسين ألف جنيه، وتحصل هى على نحو عشرة آلاف منها، ويخصص نحو عشرة آلاف لتجهيز الفتاة، فيما يحصد الأب ثلاثين ألفا. سلعة بائرة وتتزوج الفتاة فى عمرة الثالثة عشرة عادة، ويتكرر الأمر سبع أو ثمانى مرات بحد أقصي، وقبل أن تبلغ العشرين تصبح سلعة بائرة، لا يرغب فيها أحد، سواء أهل المدينة أو المترددين عليها، وهكذا تتحول إلى استثمار مؤقت، أو مشروع استثمارى لآباء لا توجد فى قلوبهم ذرة رحمة أو رجولة أو نخوة أو إنسانية.. وبالطبع ولا ذرة من عاطفة الأبوة. وتبلغ مدة الزواج فى الطبيعى شهرا قابلا للتمديد باتفاق الطرفين، ولا يمتد الأمر أكثر من ثلاثة أشهر، فالعريس فى الغالب يرغب فى التجديد ويسعى إلى «تجريب أكثر من سلعة». ويقول أبوحسين، الذى يعمل سائقا: إن أمين شرطة اسمه سيد يعد أشهر سمسار زيجات متعة بالمدينة، فالرجل يبدأ عمله «الموازي» بعد نوبة العمل الرسمى بزيارات بيوت بعض أولياء الأمور، للبحث عن الفتيات المناسبات، وهو ناعم الحديث ويعرف كيف يقنع الآباء بإبرام الصفقات! وله علاقات واسعة بخليجيين يقيمون فى مصر، ممن يعقدون زيجات بالفتيات ولا يميلون إلى تفريغ شهواتهم مع بنات الليل إما خوفا من الأمراض المنقولة جنسيا أو بذريعة أن هذه الزيجات حلال. ويضيف: من المعروف أن نسبة لا بأس بها من سكان المنطقة الشرقية بالسعودية ينتمون إلى المذهب الشيعي، وكذلك هناك نسبة ما فى الكويت والإمارات، وهؤلاء لا يحرمون زواج المتعة، ويمثلون غالبية من يتزوجون زيجات مؤقتة، وهم يوثقون عقود الزواج فى سفارات بلدانهم التى لا تتورع عن إبرام تلك العقود بالمخالفة للقانون المصرى الذى يحظر زواج الفتيات دون الثامنة عشرة. ويقول عبدالحميد وهو محام بقرية السرايا بمركزب بلبيس: «إن زواج الصغيرات فى القرى التابعة لمدينة بلبيس، من المسنين الخليجيين كثيرا ما يتم يمقتضى عقد عرفى بمعرفة مكتب محاماة، كون العقد العرفى لا يلزم بشرط السن، وتحصل أسرة الفتاة على مبلغ أكبر كلما كانت الفتاة أصغر سنا، ولأن الأزواج يرغبون فى الفتيات الأبكار فإن عمليات إعادة غشاء البكارة أصبحت من الأمور الشائعة على نطاق واسع بالمدينة. ولا تتجاوز معظم العرائس المطلوبة فى هذه السوق سن الخامسة عشرة، وتتم إحالتهن إلى التقاعد أو يصبحن بتعبير آخر خارج نطاق الخدمة، حالما يبلغن العشرين، ويتحولن بعدئذ إلى السمسرة أو ما يسمينه «مهنة الخاطبة» فى هذه التجارة ذات الأطراف المتشابكة. أبناء الآثام ويضيف: إن بعض الزيجات تثمر أطفالا، والمؤسف أن آباءهم يرفضون نسبتهم إليهم، وكثيرا ما نرى فتيات يحملن على أذرعهن رضعا لا ذنب لهم، إلا أنهم جاءوا إلى الدنيا القاسية نتيجة صفقات كل أطرافها مدنسون وغارقون فى الآثام، مشيرا إلى أن فتيات كثيرات يسجلن أبناءهن بأسماء آبائهن ما يؤدى إلى اختلاط الأنساب. ويقول: إن فتيات تعرضن لأسوأ حالات التعذيب الجسدى جراء زواجهن من مسنين تجاوزوا الثمانين ممن يعانون أمراض الضعف الجنسي، أو لديهم رغبات شاذة، وتكون الفتيات دون الخامسة عشرة فى سن الطفولة، لا يفقهن شيئا عن المعاشرة الزوجية، وبعضهن سافرن إلى بلد الزوج، وعملن خادمات هناك واضطررن إلى العودة إلى مصر بواسطة السفارة، ليخضعن إلى جلسات علاج نفسى لإزالة ما علق بهن من ألم نفسى جراء تجاربهن الأليمة. بورصة أسعار السماسرة يحصل السمسار على ما يتراوح بين 10 إلى 15 ألف جنيه مقابل الزيجة الواحدة، فى حين يحصل الأب على ما بين 20 إلى 30 ألفا. ويبدأ تزويج الفتيات أو بالأحرى حرقهن فى محرقة «متعة الخليجيين» ما أن يبلغن، ويستمر الاتجار بلحمهن الطرى حتى سن العشرين، قبل أن يرمى بهن إلى خارج السوق، وكأنهن نفايات غير قابلة لإعادة التدوير، ورغم بشاعة المصطلح «إعادة التدوير» فإنه ليس أبشع من الواقع. وتتراوح مدة زواج الفتيات من شهر إلى شهرين ثم تعود إلى منزل ذويها للاسترخاء فترة ليتم عرضها مرة أخرى فى السوق أمام السماسرة. ونظرا لكون الفتيات غريرات لا يعرفن حقوقهن وغير متعلمات، فإنهن لا يبدين اعتراضا على ما يتعرضن له من ممارسات غاشمة ضد الإنسانية.