رغم وجود فارق كبير بين اليهودية كديانة سماوية و«الصهيونية» كحركة سياسية عنصرية استيطانية، فإن بعض الصهاينة يستغلون الحديث عن الأولى لخلق نوع من التعاطف يخدمون به أهدافهم ومصالحهم. فبينما برر مدحت العدل، مؤلف مسلسل «حارة اليهود» فى مداخلات تليفزيونية بأنه يهدف لتسليط الضوء على حياة اليهود فى مصر فى ظل عدم وجود التحيز الدينى من المسلمين، وأن العمل جاء للرد على اتهام الإسلام بالعنصرية والإرهاب، استغلت كل من إسرائيل وإيران قصة المسلسل لتحقيق أهداف سياسية فى تلك الفترة الحرجة التى تشهدها مصر، فالأولى أشادت بالمسلسل باعتباره يعطى صورة إيجابية عن اليهود بخلاف الأعمال الفنية المصرية التى قدمت فى وقت سابق، والثانية اعتبرته تطبيعاً مع إسرائيل.. وفى النهاية فإن صناع العمل يرون رؤية ثالثة بعيدة كلية عن هاتين الهدفين ليتركوا الحكم للجمهور مع انتهاء عرض الحلقات. لكن منذ إطلاق برومو مسلسل «حارة اليهود» قبيل أيام من حلول شهر رمضان بدأت حالة من الجدل والانتقادات بل والاتهامات بتلميع صورة اليهود والمطالبة بعودة اليهود لمصر. ردود الأفعال الإسرائيلية ضاعفت من موجة الانتقادات والهجوم على المسلسل ففى أعقاب عرض الحلقة الأولى من المسلسل علقت السفارة الإسرائيلية عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» مشيدة بالعمل حيث قالت: لقد شاهدنا فى سفارة إسرائيل أولى حلقات المسلسل المصرى «حارة اليهود»، ولاحظنا لأول مرة أنه يمثل اليهود بطبيعتهم الحقيقية الإنسانية، ونبارك على هذا. لكن خرجت ردود الأفعال على هذه التصريحات بمردود سلبى على الجمهور المصرى الذى رفض هذه الإشادة، معتبراً العمل متحيزاً لليهود، مما زاد من موجة الانتقادات الموجهة ضده، لاسيما أن الأحداث تتعلق بقصة حب تجمع بين ضابط جيش مصرى «على» «إياد نصار»، وفتاة يهودية «ليلى» «منة شلبى». لم تكتف السفارة الإسرائيلية بإشعال الجدل فى مصر عند هذا الحد، عرضت شاشة قناة «421» الإسرائيلية عبر برنامج «المناظرة اليومية» حلقة خاصة عن المسلسل قال مقدم البرنامج: إن الدراما المصرية التى كانت تنتج للترفيه عن ملايين المسلمين فى شهر رمضان، كانت فى كثير من الأحيان منصة لتوجيه النقد لإسرائيل ومعاداة السامية، لكن الدراما المصرية تشهد هذا العام تحولاً يظهر اليهود على أنهم الأشخاص الطيبون، ليكون عنوان الحلقة «حارة اليهود تنقل إسرائيل من الهجوم للدفاع»، أى من الرد على الانتقادات التى توجهها الأعمال الدرامية المعادية للصهيونية وإسرائيل إلى الدفاع عن المسلسل باعتباره يحمل صورة إيجايبة عن اليهود. القناة الإسرائيلية فى الوقت نفسه حرصت على استضافة مراسلها المصرى الجنسية ليكون أحد أقطاب المناظرة، وكأنها تبعث رسالة بموافقة بعض المصريين على التطبيع مع إسرائيل والظهور على شاشتها والعمل معها، كحالة هشام فريد، مراسل القناة والذى يحمل الجنسية المصرية. فيما علق يتسحاق ليفانون، سفير إسرائيل السابق فى مصر أن الحديث عن الوحدة الوطنية بين المصريين سواء المسلمين أو اليهود أمر غير حقيقى منذ الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وحتى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، مشيراً إلى كراهية المصريين لليهود. وعن أحداث المسلسل قال «ليفانون»: قصة المسلسل واقعية حدثت فى مصر تجمع بين ضابط مصرى مسلم ويهودية وهذا أمر طبيعى، فالرئيس جمال عبدالناصر، كان يحب فتاة يهودية تدعى «ريتا»، ولكن ليس معنى هذا أن هناك تغييراً فى العلاقات بين المصريين واليهود فى الوقت الراهن. أشاد البرنامج بالمسلسل بأنه استطاع أن يخلق تعاطفاً مع الشخصية اليهودية للمرة الأولى فى تاريخ الدراما المصرية بتقديمه قصة مقتل شقيق «ليلى» على يد جماعة الإخوان المسلمين، ليعطى بذلك العمل صورة مغايرة لليهود بأنهم كانوا أبرياء ومسالمين على خلاف الصور النمطية السابقة. من ناحية أخرى، حاول مقدم البرنامج فراس حامد، تصدير صورة غير حقيقة لمعاداة الإخوان المسلمين لليهود، معتبراً أن رحيل الإخوان فتح المجال أمام المبدعين كى يحسنوا من صورة اليهود فى مصر، علماً بأن الدستور المصرى الذى تم صياغته فى عهد الإخوان نصت المادة الثالثة فيه على: مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود، المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية. وفى المقابل استغل الإعلام الإيرانى المسلسل لانتقاد علاقة مصر بإسرائيل والتى سعى النظام الإيرانى لتغييرها فى السنوات الأخيرة من خلال تحريضه على إلغاء اتفاقية «كامب ديفيد»، فاتخذ من «حارة اليهود» ذريعة لاتهام النظام المصرى بالتطبيع مع إسرائيل وتحسين صورة اليهود فى مصر، علماً بأن إيران تعد واحدة من أكبر الدول الإسلامية الحاضنة لليهود على أرضها. ونشرت وكالة أنباء «فارس» الإيرانية تقريراً حول الأعمال الدرامية المصرية التى تعرض فى شهر رمضان الكريم، متهمة مسلسل «حارة اليهود» بأنه عمل يعلى من شأن اليهود، فى المقابل فإنه يحمل لهجة عدائية حيال الإسلاميين، فيما وصفت العديد من المواقع الإيرانية المسلسل بأنه «كارثى»، حيث قال موقع «مشرق نيوز» الإلكترونى الإيرانى إن المسلسل معاد للإسلام ويشوه صورة الجماعات الإسلامية فى مصر وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين. وأصر موقع «مشرق نيوز» على وصف ما حدث فى 03 يونيو بالانقلاب العسكرى ضد «مرسى»، مدعياً أن الدراما المصرية شنت حملة شرسة ضد الإخوان فى أعقاب الإطاحة بالأخير، واصفة ماحدث بأنها حرب ضد «الإسلام»، متهماً مصر بالسعى لكسب ود إسرائيل. فى السياق نفسه دخلت قطر فى المعادلة حيث منعت شبكة التليفزيون العربى الجديد، عرض المسلسل، وفقاً لما نشرته العديد من المواقع الإلكترونية. فى النهاية فإن كلاً من إسرائيل وإيران يطوعان المسلسل لخدمة أهدافهما السياسية والتى تبعد كلية عن رؤية القائمين عليه.∎