استجابة لأهالي «حي الزهور».. تحويل مقلب قمامة إلى مسطح أخضر في بورسعيد    الأسهم الأوروبية تنخفض للجلسة الثانية بعد سلسلة مكاسب    مصر والتشيك تبحثان تعزيز التعاون بمجالات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي    استمرار تراجع العملة النيجيرية رغم تدخل البنك المركزي    القسام تعلن تدمير 100 آلية إسرائيلية في غزة خلال 10 أيام    أوكرانيا تسعى جاهدة لوقف التوغل الروسي فى عمق جبهة خاركيف الجديدة    رحيل تشافي.. برشلونة يسابق الزمن لحسم صفقة مدربه الجديد    بث مباشر مباراة الأهلي والزمالك في نهائي دوري كرة اليد (لحظة بلحظة)    الأرصاد تحذر من طقس غدًا: شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 39 درجة    إصابة طالبة سقطت من شرفة منزلها في سوهاج    الحماية المدنية تخمد حريق هائل داخل مخزن مراتب بالبدرشين    محمد عادل إمام يهنئ والده في عيد ميلاده بصورة نادرة من الطفولة    بعد غلق دام عامين.. الحياة تعود من جديد لمتحف كفافيس في الإسكندرية (صور)    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    حسام موافي يوضح أعراض الإصابة بانسداد الشريان التاجي    الكشف على 917 مواطنا في قافلة طبية مجانية بقنا    "بسبب سلوكيات تتعارض مع قيم يوفنتوس".. إقالة أليجري من منصبه    توخيل يؤكد تمسكه بالرحيل عن بايرن ميونخ    "بموافقة السعودية والإمارات".. فيفا قد يتخذ قرارا بتعليق عضوية إسرائيل    وسط فرحة كبيرة من المصلين.. حضور رسمي وشعبي واسع في افتتاح المساجد اليوم    4 وحدات للمحطة متوقع تنفيذها في 12 عاما.. انتهاء تركيب المستوى الأول لوعاء الاحتواء الداخلي لمفاعل الوحدة الأولى لمحطة الضبعة النووية    مقتل شرطيّين جنوب ماليزيا خلال هجوم يشتبه بأن منفّذه على صلة بإسلاميين    السكة الحديد: إيقاف بعض القطارات أيام الجمعة والعطلات الرسمية لضعف تشغيلها    بريطانيا تتهم روسيا بتزويد كوريا الشمالية بالنفط مقابل السلاح    سوليفان يزور السعودية وإسرائيل بعد تعثر مفاوضات الهدنة في غزة    زعيم السعادة 60 سنة فن    البيت الأبيض: الولايات المتحدة لا تريد أن ترى احتلالا إسرائيليا في قطاع غزة    عمر الشناوي حفيد النجم الكبير كمال الشناوي في «واحد من الناس».. الأحد المقبل    عمرو يوسف يحتفل بتحقيق «شقو» 70 مليون جنيه    إزاحة الستار عن 3 مشروعات باقتصادية قناة السويس باستثمارات 30.5 مليون دولار    علماء الأزهر والأوقاف: أعلى الإسلام من شأن النفع العام    بالصور.. رئيس مدينة المنيا يفتتح مسجدين جديدين    تاتيانا بوكان: سعيدة بالتجديد.. وسنقاتل في الموسم المقبل للتتويج بكل البطولات    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    الأنشطة غير المصرفية تقدم تمويلات ب 121 مليار جنيه خلال فبراير الماضي    أحمد السقا: أنا هموت قدام الكاميرا.. وابني هيدخل القوات الجوية بسبب «السرب»    الوضع الكارثى بكليات الحقوق    بعجينة هشة.. طريقة تحضير كرواسون الشوكولاتة    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مخيم البريج ورفح بقطاع غزة    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    جوري بكر تعلن انفصالها بعد عام من الزواج: استحملت اللي مفيش جبل يستحمله    «جمارك القاهرة» تحبط محاولة تهريب 4 آلاف قرص مخدر    «المستشفيات التعليمية» تكرم المتميزين من فرق التمريض.. صور    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    كيف يمكنك حفظ اللحوم بشكل صحي مع اقتراب عيد الأضحى 2024؟    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    حركة فتح: نخشى أن يكون الميناء الأمريكي العائم منفذ لتهجير الفلسطينيين قسريا    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصعايدة حبايب فى بيت المشير

بصعوبة بالغة، اقتنصت مقعداً بنادى «إخميم» الرياضى فى سوهاج، حيث كان الاستاد يعج بالحضور الذين جاءوا لمتابعة إنهاء خصومة ثأرية بين عائلة أولاد الديب وعائلة فراج بنجع سليمان حمد، بعد أن قدم متهم بالقتل يدعى محمود السيد الكفن إلى عائلة القتيل بحضور محافظ ومدير الأمن والقيادات الشعبية والأمنية والتنفيذية بالمحافظة وعمد ومشايخ القرى.
يعلق عبدالسلام محروس، رئيس لجنة فض المنازعات بقبيلة بنى واصل ومحكم فى المجلس العربى العرفى عن تفاصيل الواقعة قائلاً: إن الأزمة نشبت فى نجع سليمان التابع لجزير محروس بسوهاج، بين عائلة أولاد الديب المجنى عليهم فى مقتل حامد عبدالعزيز، وعائلة فراج بنفس النجع، اتهم فيها محمود السيد وحكم عليه بالسجن 5 سنوات ثم خرج بعد 3 سنوات لحسن السير والسلوك، وتوصلنا لحل أن يقدم الجانى الكفن إلى أهل القتيل.
المشكلة بدأت بشجار بين أطفال أثناء فرح «عرس» لأولاد فراج، تطورت لمعركة بين الكبار أدت لمقتل حامد وحبس محمود الذى قدم الكفن هو وشقيقه، وعلى إثر ذلك تم تهجير عائلة القاتل من المنطقة التى كانت تجمعها بعائلة القتيل، إلا أن الاتفاق نص على أن تعود العائلة إلى بيوتهم فى اليوم الثانى للصلح بدون دفع دية، ما عدا القاتل وأخاه اللذين باعا بيتهما وانتقلا إلى العيش فى مكان آخر بعيداً عن منطقة الحادث.
وفى قرية درنكة جنوب غرب أسيوط، شهد الأسبوع الماضى عقد جلسة صلح بين عائلتى كريم ورحيم، شهدها معظم أهالى القرية، شاهدوا قيام أحد أبناء رحيم بتقديم الكفن لعائلة كريم منهياً بذلك خصومة ثأرية بعد تدخل لجنة المصالحات العربية التى ضمت كبار القرية ومشايخ البلد.
هذه الواقعة، يحكى تفاصيلها الرائد محمد عليان رئيس نقطة درنكة، الذى تحدث ل«روزاليوسف» قائلاً: إن أجهزة الأمن بالقرية والمحافظة دعمت وساعدت على عقد الصلح بين العائلتين منذ البداية وحتى جلسة الصلح الختامية التى تمت بحضور معظم أبناء القرية تحت حماية أمنية مشددة تمثلت فى مجموعات قتالية وخبراء الكشف عن المفرقعات والمطافى، وأضاف الرائد عليان أن هذا الصلح سيمهد لعقد صلح بين العائلات الأخرى فى قرى درنكة والزاوية وريفا.
ويخبرنا محمد عبداللاه المحامى، أن المتخاصمين اعتادوا فى السنوت الأخيرة على عقد جلسات صلح عرفية بعيداً عن قاعات المحاكم المكتظة بالقضايا، ويتم ذلك بمعرفة أجهزة الأمن، غالبيتها يتم بمقر المركز الثقافى الإسلامى المجاور لمجمع المحاكم بأسيوط، وتتكون لجنة الصلح من قانونى ومختص فى المشكلة التى يتم البت فيها، إضافة إلى رئيس اللجنة الذى يصدر القرار بعد مشاورة الأعضاء ثم يوثقه فى المحكمة التى عادة ما تأخذ بالحكم.
وفى درنكة، توجد لجنة يطلق عليها «فض المنازعات»، تبت فى جميع المشاكل التى تقع بين أبناء القرية بطريقة ودية خاصة فى المشاكل المتعلقة بالأراضى التى تعتبر سبباً فى معظم المشاكل، وأيضاً الجنح مثل الضرب وخيانة الأمانة والنصب.
∎ خطوات تسبق الصلح
وأسأل ممثل قبيلة بنى واصل بالمجلس الأعلى لشورى القبائل العربية، عبدالسلام محروس يتحدث عن الخطوات التى عادة ما تسبق جلسات الصلح فى الخصومات الثارية، فيقول: إن جلسة المصالحة تهدف إلى حقن الدماء وتهدئة الخواطر بين العائلات، وتبدأ مراسم الصلح بسماع كل طرف على حدة، وأحياناً تستمر جلسات الاستماع لأكثر من 20 جلسة.
أثناء هذه الجلسات، يحكى كل طرف حجته أمام جميع الحضور بعد أن يقسم على يمين الله، ويقوم أمين سر المجلس بكتابة شهادة كل طرف بالكامل، وبعد نهاية الجلسات يوقع كل طرف على شهادته، بعدها يجتمع المجلس العرفى فى غرفة مغلقة ويراجع شهادة الأطراف المتنازعة بشكل منفصل، ويحصى أخطاء كل طرف ويضع تحتها خطاً، بعدها يتم تحديد سبب الضرب الذى أدى إلى القتل أو الإصابة، وقد يحكم على أحد الأطراف مثلا بمائة ألف جنيه، وهذه الغرامة تزيد أو تقل حسب تقدير أعضاء المجلس، وإذا حكم على الطرف الثانى بمائة وخمسين ألف جنيه تجرى عملية مقاصة، وفى هذه الحالة يحق للطرف الأول مبلغ 50 ألف جنيه، من حقه أن يحصل عليها نقداً أو يكرم المجلس أو أحد الحضور بمبلغ معين.
∎ وماذا يحدث إذا خالف أحد الأطراف ما تم الاتفاق عليه؟
يقول الحاج عبدالسلام محروس: نحن نعمل شروطًا جزائية يتكفل بها كبار العائلة من الطرفين ويوقع كل طرف على شيكات على بياض، وأحياناً يكون الشرط الجزائى مليون جنيه، وهذا الاتفاق يكتسب قوة القانون ويتم توثيقه فى ديوان المركز.
∎ العرف فى التشريع المصرى
من ناحية ثانية، يكشف الدكتور محمد عبدالرسول، دكتوراه القانون العام ومستشار ومحاضر بالتحكيم الدولى، أن المجالس العرفية تكتسب قوة القانون، مضيفاً أنه إذا كان التشريع «القانون المكتوب»، هو أحد المصادر الأساسية فى القانون المصرى، فإن العرف يمثل المرتبة الثانية فى التشريع لما له من أهمية فى الحفاظ على السلم الاجتماعى والمصلحة العامة، بل إن القانون الدولى استفاد من المجالس العرفية فى تسوية المنازعات بين الدول عن طريق التوفيق والوساطة.
لذلك فإن الدولة - والكلام ما زال للدكتور عبدالرسول - تدعم هذا التوجه وتشجعه لما له من دور فى التوفيق بين المتخاصمين للوصول إلى إنهاء المنازعات القائمة بين الأطراف للحفاظ على النظام العام وبالأخص الشق الاجتماعى.
ويرد د. محمد عبدالرسول إن الشخصيات المشاركة فى لجان الصلح العرفية تبذل الكثير من الوقت والجهد فى إنهاء الخصومات، وهو ما يتطلب مكافآت تشجيعية لأعضاء المجالس وكذلك مكافآت تمييزية للأطراف التى تقدم التنازلات من أجل الصلح.
ونسأل الدكتور السيد عوض أستاذ ورئيس قسم الاجتماع بكلية الآداب فى جامعة جنوب الوادى عن إجراءات الوفاق بين عائلتى الجناة والضحايا تتم من خلال مبادرة أولى القوة فى المجتمع المحلى من العائلات داخل القرية أو خارجها، ومن المحافظ، ومدير الأمن وأعضاء مجلسى الشعب والشورى، ورئيس المجلس المحلى الشعبى وإدارة الوعظ والإرشاد بهيئة الأوقاف، والقيادات الأمنية بالمحافظة، حيث كان يتم التشاور فيما بينهم للتوسط بين طرفى النزاع وتهدئة النفوس.
∎ وماذا عن الأحكام والقرارات الصادرة عن مجلس الصلح؟
- يتم التوصل إلى الأحكام والقرارات التى يصدرها مجلس الصلح من خلال الاستماع إلى طرفى النزاع، ومحاولة أعضاء مجلس الصلح التوفيق بينهما لضمان عدم إراقة المزيد من الدماء، وعندما يقرر المجلس شيئاً مكتوباً أو اتفاقاً شفوياً فإن هذا السلوك يرمز إلى الاعتراف علناً بالخطأ الذى حدث، وإلى رسم صورة للمستقبل لا تحمل فى طياتها عدوانا على مكانة أحد، وينعكس ذلك فى الشروط الجزائية التى تتضمنها النصوص المكتوبة لمجلس الصلح.
∎ ثأر عمره 14 عاماً
أعد د. السيد عوض دراسة مرجعية بعنوان «الجرائم والمصالحات الثأرية» سجل خلالها المصالحة الثأرية فى قرية بنى علام، التى شهدت صراعاً طويلاً استمر 14 عاماً بين عائلة عبدالحليم من ناحية وعائلة العادل وضيوفها من أبناء عمومتها كعائلة أبوزيد وعائلة العوارف أو ممن يرتبط معها برباط المصاهرة كعائلة الحياقات - تمت المصالحة الثأرية يوم الثلاثاء الموافق 17/5/2005م ولقد فقدت خلالها عائلة العادل وضيوفها ثلاثة وعشرين فرداً وأصيب فرد واحد، ولتحقيق عملية التساوى فى الثأر بين الطرفين تم الاتفاق على تطبيق نظام القودة والدية على سبعة عشر فرداً من عائلة عبدالحليم إلى عائلة العادل وضيوفها، واعتمدت وثيقة الصلح فى 25 إبريل 2004م، من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، وتحدث د. عوض عن الأحكام التى صدرت عن مجلس الصلح فى قرية بيت علام كما يلى:
حكم القودة: يعد نظام التخلى عن الشخص مرتكب الاعتداء من أقدم النظم التى اهتدى إليها العقل البشرى منذ أقدم العصور لتجنب دائرة الثأر الجهنمية، حيث كان يتم من خلال هذا النظام تسليم الجانى إلى قبيلة المجنى عليه لكى تقتله أو تسترقه تعويضاً لها عن الضرر الذى أصابها، ويطلق على هذا النظام فى صعيد مصر نظام القودة، وهو له عدة معان منها اقتياد القاتل وأهله من بلد القتيل مدة لا تقل عن دهر أى مائة عام ومنها أيضاً كما تم تطبيقه بالفعل فى صلح بيت علام اقتياد القاتل لأهل القتيل ليفعلوا به ما يشاءون، وتبدو طقوس القودة كما شاهدها الباحث كما يلى:
يمشى القاتل مسافة 500 متر إلى 1000 متر فى شارع رئيسى فى القرية ويمشى بجواره رجل دين وعضوان من مجلسى الشعب والشورى وخلفه مأمور الشرطة، ويستمر المشى فى شوارع القرية، والقاتل حليق الرأس مادا كفنه «قطعة من القماش الأبيض»، فوق يديه الممدودتين للأمام، وعلى الجانبين الضيوف من العائلات الأخرى فى القرية والقرى المجاورة حتى يصل إلى ولى الدم وهو غالبا ما يكون شقيق القاتل أو والده أو عمه.. إلخ، وهنا تقف عائلة الضحايا بجميع رجالها ويتقدم القاتل إلى كبيرهم مقدما كفنه ويقسم بأنه قد عفا عنه، وتبدأ بعد ذلك مراسم التوجيب وتقبل العزاء فى الضحايا.
وعلى أية حال فإن نظام القودة يرضى أهل القتيل ويحفظ مكانتهم وكرامتهم بين ذويهم من ناحية كما يحمى القاتل وأهله وينجيهم من موت محقق، كما يعد نظام القودة بمثابة تأكيد لأولياء الدم على مكانتهم فى العلن، وإذ يمارس من عليهم تهمة القتل هذه الطقوس، فإن ذلك تعبير عن ضعفهم الكامل على رءوس الأشهاد، فإن هذه الطقوس تعبر عن تمثيلات للقوة والضعف يتحول فيها الجناة «على المستوى المجازى» إلى ضعفاء، ويتحول فيها أولياء الدم «على المستوى المجازى أيضا» إلى أصحاب سلطة يفعلون ما يشاءون، وكل ذلك لكى تتأكد من جدية نظم المكانة والقوة والمودة والمحبة.
حكم الدية: يعد نظام استبدال الاعتداء بالتصالح هو أحد النظم التى اهتدى إليها العقل البشرى منذ أقدم العصور لتجنب دائرة الثأر الجهنمية، ولقد كان هذا النظام - كما وضحنا فى الفصل الأول - مبشرا بنظام الدية الذى كان فى أول الأمر نظاما اختياريا وهذا يعنى أن احتمال الحرب ظل قائما مادام لم يحدث اتفاق بين القبيلتين، إلا أنه ومع زيادة نفوذ وهيمنة سلطة القبيلة وتماسك عشائرها اتجهت سلطات القبيلة إلى جعل نظام الدية يأخذ طابعا إلزاميا، حيث يلتزم جميع أفراد القبيلة فى مساعدة المجنى عليه وعشيرته فى الحصول على الدية.
ويقصد بالدية المبالغ النقدية ذهبا أو عملة والتى يقدمها القاتل أو الجارح إلى المجنى عليه أو ورثته وهى تعويض عن الخطأ الذى ارتكبه القاتل ضد صاحب الدم، والدية جزاء يدور بين العقوبة والضمان فهى كالغرامة فى الفقه القانونى، إذا قضى بها على الجانى، أصبح الحكم جائزا لقوة الشىء المحكوم به، وجاز تحصيلها من تركته فيتأثر بها الورثة، والدية لا تسقط التعزير، حيث إن التعزير عقوبة يحدها السلطان وتوقع على مرتكب جريمة القتل العمد فى حالة سقوط القصاص بهدف ردع القاتل والإصلاح من شأنه.
∎ أشهر جلسات الصلح
شهد منزل وحيد عامر ابن شقيق المشير عبدالحكيم عامر بمركز سمالوط فى محافظة المنيا، جلسات صلح متعاقبة استغرقت 7 أشهر فى قضية مقتل شاب أثناء مشاجرة بينه وبين أبناء عمومته كادت أن تؤدى إلى صدام مسلح بين أبناء عائلة واحدة هى «أبوالمجد».
هذه الجلسة لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبقها على مدار السنوات الماضية العديد من جلسات الصلح التى نجحت فى وأد الفتنة وحقن الدماء بعيدا عن قاعات المحاكم المكتظة بالقضايا أو أقسام الشرطة التى لا يفضل كثير من أهل الصعيد اللجوء إليها.
وخلال هذا التحقيق، تجولنا بين بعض القرى والنجوع فى الصعيد لمحاولة التعرف على طبيعة عمل «قعدات العرب»، والأصول التى تحكم تلك الجلسات، ومدى تجاوب المتخاصمين معها، ومدى تعاون أجهزة الدولة المعنية معها.
نشير بداية إلى أن أهمية هذه المجالس ازدادت بعد ارتفاع وتيرة جرائم القتل فى السنوات التى تلت ثورة 25 يناير فى ظل الانتشار الهائل للأسلحة بمختلف أنواعها وضعف قبضة الداخلية، وهو ما جعل هذه الجرائم تنتشر بشكل علنى ودموى.
فى مقابل ذلك، انخفض عدد الجلسات العرفية بسبب عدم تأمينها بشكل كافٍ، مما كان يؤدى أحيانا إلى نشوب مشاجرات واشتباكات أثناء التحكيم قد يسقط فيها قتلى لتزيد الخصومة.
وإلى محافظة قنا التى شهدت خلال العام الجارى عقد العديد من قعدات العرب، نجحت فى فض حوالى 30 خصومة ثأرية، بينما شهدت المحافظة العام الحالى إنهاء 5 خصومات ثأرية أكثرها دموية الخصومة بين قبيلتى العرب والهوارة، التى راح ضحيتها عدد كبير من المصابين والقتلى.
ومازلنا فى محافظة قنا، حيث نشبت خصومة بين عائلتى الهيجاجات والمراعى بجزيرة «كلاحين أبنود»، وشهدت جلسة الصلح مشادات من جانب البعض لمحاولة تعطيل الصلح، لكن الجهود الشعبية استطاعت إنهاء الخصومة، وعقد جلسة الصلح وتقديم «القودة»، كما تم عقد صلح فى قرية «الحجيرات» التى شهدت أنهارا من الدم والنار.
ومن قنا إلى أسوان، حيث تكاتفت الجهود الشعبية لمنع انتشار الفتنة التى اندلعت ومنع امتدادها خارج حدود المحافظة، نظرا لوجود طرفى الخصومة بعدة محافظات فى الصعيد.. حيث زار وفد من قيادات ورموز قبيلة الأشراف بقنا، أسوان ونجحوا فى إنهاء الخلافات بين قبيلتى الهلايل والدابودية، ضم الوفد 43 شخصية من قيادات ورموز قبيلة أشراف قنا، وزاروا ساحة الأشراف بأسوان، ثم التقوا محافظ أسوان، أعقبه لقاء طرفى الخصومة لإقناعهم بوقف تبادل الاشتباكات لحين الفصل فى الأمر، وشكل شيخ الأزهر أحمد الطيب لجنة صلح لإتمام مساعى الصلح بين أبناء قبيلتى دابود النوبية وبنى هلال، وشدد الطيب خلال لقائه بممثلى القبيلتين على أن عمل اللجنة سيكون تقصى الحقائق من كل الاتجاهات والإعداد لإتمام الصلح طبقا لأعراف الشريعة.
وفى المنيا أنهت لجان المصالحات التابعة لمديرية الأمن 3 خصومات ثأرية.. منها جلسة صلح بين عائلتين بمغاغة بعد خلافات 18 عاما، سلمت خلالها العائلتان 10 قطع سلاح غير مرخصة، وتم عقد جلسة صلح عرفية فى مشاجرة فى عام 1996 بناحية بنى خلف بين عائلتى عوض والريدى.
وإلى بنى سويف حيث نجحت لجنة صلح مكونة من محكمين عرفيين فى إنهاء خصومة ثأرية بين عائلة «البراغتة» بقرية الميمون التابعة لمركز الواسطى، وعائلة السلاطنة بقرية تناليا، التابعة لمركز القوصية بأسيوط، بعد جلسة صلح عرفية داخل النادى الرياضى بقرية الميمون، حضرها حوالى 4 آلاف من الطرفين وحمتها قوات الشرطة بحراسة مشددة، وشهدت تلك الجلسة تقديم أهل القاتل من «السلاطنة» الكفن إلى «البراغتة» التى أعلنت أمام الآلاف أنها تقبلت الكفن حقنا للدماء، وأن تركها للجانى ابتغاء لمرضاة الله وتم ذبح عجل ابتهاجا بحقن الدماء.
وغير بعيد عن خط الصعيد، ننتقل إلى مركز طامية بالفيوم، حيث أنهت «قعدة عرب» نزاعا داميا بين قبيلتى الأشراف والضعفا، وأتمت الصلح بين القبيلتين بعد مقتل شخصين.
ويرجع محمد عبداللاه المحامى سبب لجوء العائلات والمتخاصمين للاحتكام للقوانين العرفية إلى أن القاضى يكون أمامه فى «الرول» الواحد أكثر من 150 قضية، وبعض القضايا تمكث سنوات طويلة فى المحاكم ولا تعالج جذور المشكلة ومكلفة ماديا، ويضيف أن حكم القاضى يعتمد دائما على المذكرات والتحريات والشهود، وغالبا ما يكون الحكم غير مرضٍ لجميع الأطراف.
∎ خيانة جلسات الصلح
ورغم أن الجلسات العرفية أو القضاء العرفى أو «قعدة العرب»، كما يسميها البعض فى الصعيد، حقنت دماء كثيرة وردت الحقوق لأصحابها، واقتصت من بعض القتلة، لكن فى بعض الحالات تعود أطراف الثأر للنزاع بعد حكم الجلسة العرفية، وهو ما يتم إثباته فى محاضر الشرطة.
حدث ذلك فى مركز ملوى بالمنيا، بعد أن تجددت خصومة ثأرية بين عائلتى «الشعاشعة» و«العوايزة»، كان قد مضى عليها 16 عاما، ورغم أن القاتل قضى بالسجن 7 سنوات وتم عقد جلسة صلح، فإن أهالى القتيل أخذوا بالثأر منه وهو فى السبعين من عمره، فبعد مقتل شخصين من العائلة الأولى قتل 3 للعائلة الثانية، لترتفع حصيلة الدم بينهما إلى 5 خلال أسبوع واحد!
ولا تصدر جلسات الصلح العرفية أحكامها بين يوم وليلة، فهى المرحلة الأخيرة بعد رحلة شاقة يقطعها المحكمون وأجهزة الأمن وكبار العائلات مع المتخاصمين، ويتم الاتفاق فيما بينهم على الأحكام العرفية والجزاءات ومقدار الدية «الفدية» قبل الإعلان عنها فى سرادق الصلح، وفى بعض الحالات يكون تقديم الكفن الشرط الأساسى لأهالى القتيل، وعادة ما يقام الصلح فى منزل شيخ القرية أو العمدة بشرط ألا يكون طرفا فى الخصومة.
الطريف أن الجلسات العرفية لا تقتصر على قضايا القتل والثأر، وإنما تتدخل أحيانا فى حل مشاكل وخلافات صغيرة، تبدأ من الشتائم والتلاسن أو النزاع على حدود أراضٍ.
ولذلك نجد أن هناك جلسات عرفية تحل فقط بشرب كوب شاى ولا تحتاج لتوثيق، وهناك جلسات أخرى تحتاج تدخل الشرطة، وتبدأ المشاكل من الشتائم والتعدى على الأرض والسرقة وتقسيم الميراث إلى جرائم القتل.
غير أن المجالس العرفية لا تحضرها نساء، وعندما تكون المرأة طرفا فى خصومة يعقد مجلس خاص لا يحضره إلا الأقارب المقربون من العائلة نفسها وشيخها فقط.
وهناك ضمانات لتنفيذ الأحكام يتم توثيقها فى صورة شروط جزاء وإيصالات أمانة يحتفظ بها رئيس جلسة الصلح، كما يحتفظ بمحضر الصلح ومحضر الجلسة، وللمحكمين التصرف وأخذ القرارات حال العودة للنزاع.∎


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.