أفلام عاطف الطيب كانت تحمل ثنائية واحدة محددة وهى ثنائية القهر/التمرد.. تحدث عنها ببراعة وقام بتحليلها بعمق الناقد السينمائى حسن حداد فى دراسة نقدية لأفلام عاطف الطيب، هذه الدراسة نعتمد عليها فى هذا الموضوع الذى نرصد من خلاله تفاصيل هذه الثنائية فى جميع الأفلام التى جمعت أحمد زكى بعاطف الطيب وقدرة زكى على تجسيد تفاصيل هذه الثنائية من خلال الشخصيات المختلفة. الثنائية المشار إليها فى أفلام الطيب تبرز قهر السلطة والقانون والمجتمع التى تؤدى إلى التمرد والرفض والثورة من الفرد تجاه السلطة والمجتمع، فقد كان عاطف الطيب حريصاً على أن يقدم أفلاماً تسعى دائماً إلى الصدق الفنى وتتطرق إلى مشاكل الواقع، وتهتم بالمواضيع التى تعبر عن الإنسان البسيط.. الإنسان المحاط بظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية ومعيشية صعبة غير آمنة، واتضحت هذه الثنائية بقوة فى الأفلام التى تعاون فيها زكى مع عاطف الطيب، حيث كان الأداء التمثيلى المبهر لزكى أحد أهم ركائز هذه الثنائية، فأبدع الأخير فى تجسيد الشخصية التى تعرضت لقهر السلطة والمجتمع ثم زاد إبداعه عندما جسد تمرد أو ثورة نفس الشخصية على هذا القهر. تعاون أحمد زكى مع عاطف الطيب فى 5 أفلام من أهم أفلام السينما المصرية على مدار تاريخها وهى «الحب فوق هضبة الهرم» عن رواية نجيب محفوظ الشهيرة، و«البرىء» تأليف وحيد حامد، و«الهروب» تأليف مصطفى محرم و«ضد الحكومة» تأليف بشير الديك و«التخشيبة» تأليف وحيد حامد، ويعد زكى من أكثر الممثلين الذين تعاونوا مع الطيب فى أفلامه ال 21 بعد نور الشريف الذى قام ببطولة 9 أفلام للطيب. وإذا استعرضنا أمثلة من أفلام الطيب وزكى، التى تم تجسيد هذه الثنائية القهر والتمرد - فيها، سنجد مثلاً، فيلم «البرىء» الذى يجسد القهر الذى تمارسه السلطة من خلال استغلالها لجهل المجند العسكرى فى تنفيذ الأوامر، ويعتبر «البرىء» من الأفلام الجريئة القليلة التى تناولت السلطة ونظام الحكم. وأثيرت حوله ضجة رقابية وإعلامية بسبب اعتراض الرقابة والحكومة المصرية على الكثير من مشاهده، وبالتالى تأخر عرضه كثيراً، ويعتبر هذا الفيلم هو أول فيلم مصرى يتم إجازته رقابيا بعد تشكيل لجنة ضمت وقتها وزير الثقافة ووزير الداخلية ووزير الدفاع، وبعد عرض الفيلم فى دور العرض بشهور قليلة وقعت أحداث تمرد جنود الأمن المركزى الشهيرة عام 1986 وكأن الفيلم دق ناقوس الخطر لحدث خطير كهذا. أداء أحمد زكى لشخصية أحمد «سبع الليل» كان هو الفيصل الحقيقى الذى جعلنا نصدق سبع الليل، واستطاع تجسيد لحظات القهر ببراعة شديدة، كما أنه استطاع أيضا تجسيد لحظة التمرد أو الثورة فى مشهد النهاية بالفيلم - وهو المشهد الذى تم منعه من العرض - عندما قرر سبع الليل الانتقام لصديقه ولباقى المعتقلين الأبرياء، فتناول بندقيته الرشاش وهو أعلى برج المراقبة وصوب على كل حراس المعتقل فى غضب وتحد، وبعد أن قضى عليهم، تناول الناى، وبدأ فى العزف عليه، لولا أن رصاصة تنطلق من بندقية برىء آخر ترديه قتيلاً. من أبرز المقالات النقدية التى كتبت عن زكى فى أدائه لشخصية سبع الليل، 3 مقالات تناولت استخدامه لعنقه أثناء التمثيل واشتهر وقتها بالممثل «اللى بيمثل بقفاه». هناك أيضاً فيلم «الحب فوق هضبة الهرم» الذى ناقش مشاكل الشباب المصرى فى الثمانينيات، وبالتحديد شباب الطبقة المتوسطة، الذين يعيشون أزمات هذا العصر.. أزمات مثل السكن والعادات والتقاليد، كما يناقش موضوعاً حساساً جداً يعانى منه الشباب العربى بشكل خاص، ألا وهو موضوع الجنس، وجميعها مسببات للقهر الاجتماعى، الذى يعرقل جميع الطموحات المستقبلية للشباب واستطاعت تعبيرات وجه زكى ونظراته وانفعاله فى بعض المشاهد خلال تجسيده لشخصية «على» أن يبرز هذا القهر المجتمعى، ثم تكتمل الثنائية فى نهاية الفيلم بقرار اتخذه على ورجاء التى جسدت شخصيتها آثار الحكيم بالتمرد على الظروف والتقاليد التى حاصرتهما من كل جانب ومنعتهما من الاختلاء بأنفسهما، ليمارسا الجنس فوق هضبة الهرم وأمام الجميع، لينتهى بهما المطاف إلى السجن. أما فيلم «الهروب» فهو النموذج الأمثل لنقد الكثير من الممارسات الخاطئة التى يعيشها الواقع المصرى من عنف وتطرف وإرهاب وغيرها، وحاول الطيب التأكيد على أن بعض هذه الممارسات قد ساهم الإعلام وبعض أجهزة الدولة فى تكريسها وانتشارها. ففى فيلم «الهروب» نحن أمام نمطين اجتماعيين.. الأول منتصر «أحمد زكى» الذى أجبرته الظروف المحيطة به على ارتكاب أكثر من جريمة، محاولاً الهروب من هذه الظروف الصعبة، والثانى هو ضابط المباحث سالم «عبدالعزيز مخيون»، وهو النقيض لشخصية منتصر والمكلف بالقبض عليه، مع إنه صديق طفولته وصباه وشبابه. هذا الضابط الذى وجد نفسه أيضاً طرفاً فى لعبة قذرة فوق مستوى إرادته ومعرفته، هذان النمطان لم يكونا على دراية كافية بقوانين اللعبة كما أسلفنا لذا كان مصيرهما الهلاك فى نهاية الفيلم. وتجسيد زكى لشخصية منتصر الذى خرج من السجن متمردا على واقعه ومقررا الانتقام من كل من خدعوه، كان رائعا لأقصى درجة، واستطاع أن يُحبِك تفاصيل شخصية الصعيدى الذى يتملكه الثأر ممن خدعوه وألقوا به فى السجن. أما فيلم «ضد الحكومة» الذى جسد خلاله زكى شخصية مصطفى خلف محام فى مقتبل العمر، باع مبادئه واستباح لنفسه دخول عالم الإجرام، وذلك من خلال دفاعه عن تجار المخدرات والمجرمين، والانخراط فى قضايا التعويضات المشبوهة، وأثناء تتبعه لقضية حادث تصادم أتوبيس مدرسة مع قطار، والذى راح ضحيته ما يقارب عشرين طالباً وطالبة، يفاجأ بأن من بين الطلبة ابنه الذى أنكرته عليه مطلقته، بعد أن اتهم فى قضية رشوة أثناء عمله كوكيل نيابة ودخل السجن، فما كان من المحامى الأب إلا أن يرفع قضية ضد الحكومة وقضية ضد وزارة التربية والتعليم وقضايا ضد جهات متفرقة فى الدولة، وهنا يجد مصطفى نفسه واقفاً فى مواجهة قوى متشابكة، تتكتل جميعها للقضاء عليه، وبالتالى يواجه الكثير من المتاعب، ويتعرض مصطفى للتهديد والاعتقال والتعذيب، وفى النهاية تنتصر المحكمة للمحامى وتحكم له بمثول الوزيرين أمام المحكمة بعد مشهد طويل أعلن فيه المحامى تمرده على نفسه وعلى المجتمع الفاسد مرددا جملته الشهيرة والتى كانت جزءا من مرافعته أمام المحكمة «كلنا فاسدون». أداء أحمد زكى فى هذا الفيلم كعادته رائعا واستطاع أن يحمل الفيلم على عاتقه، وخصوصا أداءه المبدع فى مشهد المرافعة الأخير، حيث تمكن بمصداقيته فى الأداء إظهار التحول الذى حدث فى شخصية مصطفى خلف من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ومن محام فاسد إلى محام استيقظ ضميره وقرر محاربة الفساد بشكل مقنع وغير مفتعل على الإطلاق. وأخيرا فيلم «التخشيبة» هو إدانة واضحة للقوانين والإجراءات الحكومية الروتينية، والتى تتسبب فى كثير من الأحيان فى فقد الإنسان لآدميته، وهو ما يمكن أن نسميه قهر السلطة والقانون، فى المقابل يبرز الجزء الآخر من الثنائية «الرفض والتمرد» فى نهايات فيلم التخشيبة عندما قررت الطبيبة التى جسدتها نبيلة عبيد وجسد زكى دور محاميها أن تنتقم من المجرم بنفسها، باعتباره النتيجة الحتمية للقهر.∎