حين تحاروه تحتار من أين تبدأ.. فالرجل قضى 25 عاما، فى خدمة قضية الأحواز، التى احتلها النظام الإيرانى، وحاول القضاء على هوية شعبها، واستولى على ثرواتها، تحت سمع وبصر العالم.. وحين يتكلم فلا مفر من الصمت، حتى ينتهى من سرد قصة الكفاح الأحوازية المنسية، التى جاب العالم، ليروى تاريخها، ومأساة سقوطها فى أيدى النظم الإيرانية المتعاقبة.. من هنا، حاورت «روز اليوسف» المعارض الإيرانى، صلاح أبو شريف الأحوازى، مؤسس وأمين عام الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية، الذى صدرت ضده 3 أحكام بالإعدام، وحكم رابع بالسجن لمدة 20 عاما، بعد أن أدانته المحاكم الإيرانية بتهم مختلفة. جاء أبو شريف فى زيارة خاطفة للقاهرة، من أجل ثلاثة أهداف رئيسية، للتعريف بقضية بلاده على أوسع نطاق، وتسليم مذكرات لرئاسة الجمهورية، وجامعة الدول العربية، والخارجية المصرية، ومشيخة الأزهر. يقول: اكتشفت السلطات الأمنية الفارسية عمل الجبهة السرى الذى توسع بكل الأحواز خلال فترة قياسية، وعرفت ذلك بعد أن أخبرنى مسئول الأمن بالتنظيم بأن أحد كوادرنا تم اعتقاله أثناء توزيع منشورات، واعترف تحت التعذيب الشديد وهو الرفيق كاظم الساعدى. وبعد ذلك أسر عدد من قيادات الجبهة بينهم أنا، وكنت أيامها طالبا فى الجامعة عام 1993وحكم علىَّ بالسجن 20 عاما، ولم يحكم علينا بالإعدام بسبب عدم رفعنا للسلاح أو علاقاتنا بأى جهة عربية أو دولية. التهم التى وجهت لنا كانت محاربة الله ورسوله والإخلال بالأمن القومى الإيرانى، وقطع الطرق، باشرنا نشاطنا السياسى من داخل سجن كارون سيئ السمعة، وأعدنا تشكيل صفوفنا بسرية، حتى تم الإفراج عنا بفترات مختلفة آخرهم أنا عام 1997 مع الإقامة الجبرية والحبس المؤجل لعشرين عاما إذا ما ثبت عودتى لأى نشاط سياسى.. كان عمرى وقتها 23 عاما. ∎ أنت مؤسس وأمين عام الجبهة الديمقراطية، كيف بدأت، وماذا عن التمويل؟ - عندما بدأت العمل السياسى، كانت الجبهة العربية لتحرير الأحواز هى التيار السياسى الأبرز، وكانت ذات اتجاه بعثى، ولاحقا أعلنت إنشاء جيش التحرير الأحوازى، وكان ذات صلة بالاستخبارات العراقية، وشنت عمليات عسكرية ضد القوات الإيرانية خلال حرب الخليج بين العراقوإيران. وكان هناك أيضا الحراك اليسارى الأحوازى الذى يضم الشعوب غير الفارسية. أما بالنسبة لى، فإننى أؤمن بالقومية العربية، وأعلم أن الفرس يحقدون على العرب ويمارسون التطهير العرقى ضدنا. فبدأت العمل التنظيمى فى تكوين الجبهة مع نهاية الحرب العراقيةالإيرانية. كان توجهنا القيام بكل أشكال الكفاح بما فيه المسلح، فى إطار القانون الدولى، الذى يعطى للشعوب المحتلة حق الدفاع عن النفس، لكن فى البداية لم نقم بعمليات عسكرية انتظارا للوقت المناسب. ففى تلك الفترة كانت الدولة الفارسية خارجة من أتون الحرب العراقية، هاشمى رفسجانى كان على رأس السلطة السياسية. وفى عام ,1991 أسست الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية، وأنا فى المرحلة الجامعية، وكان عمرى وقتها 21 عاما، وبدأت العمل التنظيمى فى قرية ابوحمظية التابعة لمدينة الخفاجية على نهر الكرخة والتى تبعد عن الأحواز العاصمة 50 ك م، بحكم انتمائى لتلك المنطقة. وبالنسبة للتمويل، كنا وما زلنا نعتمد على الإمكانيات الذاتية فى النشاط، وفى الفترة الأولى كان الممول الأول رفيق يدعى كاظم، عائلته كانت تعمل بالكويت فكان يزودنا بالمال اللازم لطباعة البيانات. ∎ ماذا عن رحلة هروبك من داخل إيران مرورا بتركيا حتى وصلت إلى كندا؟ - هربت عام 1998 وبدأت من مدينة أرومية بجبال كردستان الشرقية، وهى قريبة من الحدود التركية، واستغرقت رحلة الهروب 1000 كيلو متر من منطقة الأحواز. ومن هناك عبرت إلى الأراضى التركية، عن طريق الاستعانة بمهربين محترفين. وقبض على جندى عربى من منطقة الإسكندرونة، وجرى الاعتقال فى مدينة وان التركية، وأدخلت أحد السجون هناك، وهناك غيرت اسمى وأنكرت هويتى الإيرانية وقلت إننى من البصرةبالعراق، حتى إذا قررت تركيا ترحيلى يكون إلى العراق. وكانت المفاجأة، أن نفس الجندى العربى الذى قبض على أصبح المترجم بينى وبين المحققين الأتراك، ثم ساعدنى فى التواصل مع أخى الذى كان مقيما فى سوريا، وأيضا عائلة زوجتى التى كانت مقيمة فى بريطانيا. ∎ كيف بدأت نشاطك السياسى بعد انتقالك إلى كندا؟ - بعد استقرارى فى كندا، بدأت مشوارى السياسى من خارج الحدود أمينا عاما للجبهة حتى عام ,2002 عندما أقيم المؤتمر الثانى للجبهة والذى ألغى الأمانة العامة وأعلن عن تشكيل لجنة قيادة وأصبحت ناطقا رسميا للجبهة ومسئولا عن التشكيلات الميدانية، وأعلنت تشكيل لجنة قيادة حتى إقامة المؤتمر الرابع عام,2007 والذى قرر إعادة منصب الأمين العامة للجبهة وانتخابى أمينا عاما، واستمر ذلك حتى المؤتمر السادس عام 2013 وانتخب الأخ على قاطع أمينا عاما للجبهة ثم استقال فى سبتمبر 2014 وعقدت الجبهة مؤتمرا استثنائيا فى نوفمبر 2014 وانتخبت أمينا عاما للجبهة لفترة 4 أعوام قادمة وفق النظام الداخلى للجبهة. وبهذه المناسبة، أذكر فى أول ندوة أقمتها فى 20 إبريل سنة 2000 بعنوان «يوم الأحواز» بدعوة من الاتحاد العربى الكندى فى يوم النكبة عام ,1925 لم تكن لدينا أية إمكانيات، لدرجة أننى لم أعثر على شخص يقدمنى فى الندوة، فاضطررت إلى الاستعانة بأحد الرفاق الفلسطينيين ليقدم الندوة.وحاليا أكمل دراستى فى القانون بالجامعة الهولندية الحرة، وأقوم حاليا بإعداد رسالة الماجستير فى القانون الدولى، عن حق تقرير المصير. كما كان خروجى إلى كندا، فاتحة للجوء عدد كبير من أبناء الأحواز إلى كندا، كنا نود أن نكون قريبين من بلادنا ونقيم فى دول عربية، لم نلجأ للخارج برغبتنا، لكن أحدا من الدول العربية لم يتقدم لنصرة قضية الأحواز وإيواء مطارديهم. ∎ ما قصة أحكام الإعدام التى صدرت بحقك، وتأثير ذلك على تحركاتك، خصوصا أنك دائم السفر؟ - أحكام الإعدام صدرت متتالية خلال الفترة التى شهدت اندلاع انتفاضة الأحواز عام 2005م، ونزول عشرات الآلاف بتحريض وتشجيع من الجبهة الديمقراطية، وشاركنا بقوة وفعالية فى أحداث الانتفاضة بكل الوسائل، بما فيها العمل المسلح وإن كنا لا نعلن عن ذلك. لكن المحاكم الإيرانية لم تجد أى دليل يديننى بالتخابر مع العراق أو مع أى دولة أجنبية أخرى، لأن توجهنا منذ البداية ألا يكون قرارنا السياسى بيد أحد، متأثرا بالفكر العربى القومى الاشتراكى، واقتديت فى تأسيس الجبهة بالثورة الفلسطينية وحركات التحرر الإفريقية وهى الاعتماد على الجماهير وليس الاستقواء بالخارج. وبعد صدور أحكام الإعدام بدأت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية فى بث صورنا كمطلوبين للدولة، ودأب التليفزيون الفارسى باللغة الإنجليزية على نشر صورنا، وتم إبلاغ الشرطة الدولية «الإنتربول»، لوضعنا على قوائم الانتظار والترقب بالمطارات. كما تم إبلاغ عوائلنا فى الداخل الإيرانى بذلك. لكن الحقيقة أن المنظمات الدولية تعلم أننا أصحاب قضية عادلة ونطالب بالحرية والاستقلال، لذلك لا يتعرض إلينا أحد فى المطارات الدولية، فيما عدى دولة الإمارات التى اعتقلت بعض القيادات الأحوازية وما زالت رهن الحجز هناك. ∎ تزامنت الانتفاضة الإيرانية مع اندلاع حرب الخليج الأولى بين العراقوإيران، إلى أى مدى أثر ذلك على قضية الأحواز؟ - الحرب العراقيةالإيرانية، كانت بمثابة سلاح ذو حدين بالنسبة للقضية الأحوازية، فقد شهدت تلك الفترة إعدامات بالجملة للمناضلين الأحواز، كما شهدت نزوح المستوطنين الفرس وإقامتهم الدائمة بمناطق الأحواز، وبعد ذلك أنشأت الحوزات والمراقد لقتلى الفرس فى الحرب وأصبحت مزارات لآلاف الفرس إلى مناطق الأحواز. وفى المقابل، كانت تلك الحرب زاد الوعى بين السكان الأحواز بقوميتهم العربية، وأصبح للمناضلين والمنظمات المطالبة بالاستقلال مكانة كبيرة بين المجتمع الأحوازى، كما بدأ العاالم يدرك أن هناك شعوبا داخل إيران ترزخ تحت الاحتلال. ∎ أين تقع الجبهة الديمقراطية بين غيرها من التنظيمات الأحوازية؟ - الجبهة لها 20 ممثلية حول العالم، أما القيادات الميدانية فلديها استقلالية فى اتخاذ القرارات بالداخل. وعلى رأسها كتائب شهداء الأحواز..منذ البداية رفعنا شعار الخصوصية والقضية الفلسطينية علمتنى التفكير بشكل مستقل وعدم الاعتماد على الخارج، أو الاعتماد على أى جهات عربية، خاصة أن معظم السفارات العربية رفضت التواصل معنا..واضطرتنا الظروف إلى الخروج من العالم العربى إلى العالم، وأصبح لدينا الآن خيارات واسعة. ∎ مستقبل الاحتلال الإيرانى للأحواز ∎ مضى أكثر من 90 عاما على الاحتلال الإيرانى للأحواز، فكيف ترى مستقبل هذه القضية؟ - إننى أرى أن الانتصار قريب، وأنا أشبه الدولة الإيرانية بأنها مثل الصخرة المفرغة الملتصقة ببعضها، لكن أى خلخلة لهذه الصخرة سوف تؤدى إلى انفراط عقدها، فالدولة الإيرانية كرتونية فى الداخل لكنها قوية فى الخارج، فلسنا الشعب الوحيد الذى يطالب بحق تقرير المصير والاستقلال داخل ما يسمى إيران، فهناك أيضا الأتراك، وهناك الأكراد، وهناك البلوش، وكل هؤلاء يشكلون 70٪ من مجموع سكان إيران، ولا يتعدى عدد الفرس 30٪، وحتى هؤلاء يوجد منهم المعارضون لنظام الحكم الحالى. وإننى أؤمن بالقيادة الجماعية للجبهة واحترام العمل المؤسساتى المبنى على أساس المركزية والديمقراطية التنظيمية، وقد ساهمت الجبهة فى نشر الوعى الوطنى والقومى والإنسانى فى الساحة الوطنية الأحوازية إضافة إلى مواجهاتها اليومية مع العدو الفارسى بكل الساحات الوطنية.∎ خاتمي : إيران تحيا بخوزستان دخل الجيش الإيرانى مدينة المحمرة بتاريخ 1925 لإسقاط آخر حكام الكعبيين وهو خزعل جابر الكعبى وكان السبب الأقوى غناها بالموارد الطبيعية من النفط والغاز والأراضى الزراعية، حيث يصب فيها أحد أكبر أنهار المنطقة «كارون». فمنطقة الأحواز هى المنتج الرئيسى للسكر والذرة فى إيران، وتساهم الموارد المتواجدة فى «الأحواز» بحوالى نصف الناتج القومى الصافى لإيران وأكثر من 80٪ من قيمة صادراتها، كما أن الأحواز من أغنى المناطق على وجه الأرض بالثروات الطبيعية ويعيش فيها أفقر شعب، وهناك مقولة تدل على تمسك الفرس بالأحواز وهى للرئيس الإيرانى السابق محمد خاتمى يقول فيها «إيران يا خوزستان زنده است» ومعناها «إيران تحيا بخوزستان».