حالة من التخبط يعانى منها جهاز المخابرات التركية، بعد انزلاقه فى مشكلات إثر إصرار الرئيس التركى رجب طيب أردوغان على دس أنفه فى شئون دول الربيع العربى، سعياً إلى أوهام الإمبراطورية، واستعادة وبعث خرافات السلطان العثمانى. تعتبر القضية التى نجحت أجهزة الأمن المصرية فى فك خيوطها يناير الماضى، والتى تمثلت فى ضبط خلية تنتمى لتنظيم الإخوان، الزلزال الذى هز المخابرات التركية، وأسفر عن بعثرة كل أوراقه. أجهزة الأمن ضبطت مع المتهم الأول ويدعى «أحمد عبداللطيف أحمد، وهو من سكان منطقة سيدى جابر بالإسكندرية أوراقاً تضم معلومات حول التنسيق الاستراتيجى مع المخابرات التركية، وتشير إلى أن الخلية على اتصال برئيس المخابرات التركية «هاكان فيدان». وجاء فى الأوراق أيضاً أن التنسيق مع المخابرات التركية يستهدف استعادة دولة الخلافة، كما اعترف متهمان آخران أمام النيابة بصحة ما فى الأوراق. ورغم أن أنقرة لم تعلق على القضية رسمياً، والتزمت الصمت إزاءها، فإن استقالة «هاكان» تعتبر من توابع الزلزال. وتعد استقالة «هاكان» الذى تولى منصبه منذ بداية عام 2005 ضربة موجعة لأردوغان، فالرئيس التركى طالما وصف رجل المخابرات بأنه «صندوق أسود» يضم كل أسراره، ما يعنى أن خروجه من المنصب سيمثل خسارة صعبة التعويض على الرئيس الذى مازال يحلم بأوهام «السلطانية». وبعد الاستقالة أعلن «هاكان» أنه يعتزم الترشح فى الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها فى يونيو المقبل، الأمر الذى يؤكد أن أردوغان يحاول إعادة توظيف الرجل الذى طالما أخلص له. وبالتوازى مع استقالة «هاكان»، أعلن جهاز المخابرات التركية عن إعفاء مدير مخابرات اسطنبول من منصبه، من دون ابداء أسباب، وهو الأمر الذى يكشف عن تصدعات عميقة داخل الجهاز. ويعتبر منصب مدير مخابرات اسطنبول أهم المناصب فى الجهاز، ذلك أن تعداد سكان المدينة يزيد على 15 مليوناً، وهى مسرح لعمل أهم أجهزة المخابرات العالمية. وفى يوم الأربعاء 11 فبراير الجارى أى بعد استقالة فيدان بيوم واحد تم تعيين إسماعيل حقى موسى رئيساً للمخابرات التركية بالوكالة، وهو معروف بأنه مهندس التواصل مع تنظيم «داعش» ومن مواليد عام 1960،وتخرج فى جامعة «نانس الفرنسية» عام 1987،وتخصص فى القانون والاقتصاد والإدارة، ثم حصل على الماجيستير من نفس الجامعة عام 1988،والدكتوراه عام 2001 فى مجال القانون من نفس الجامعة أيضاً. وكان موضوع رسالة الدكتوراه الخاصة بحقى يناقش الحقوق الاجتماعية والعملية الدستورية للاتحاد الأوروبى، وهو ما يمكن أن يفيد تركيا فى محاولتها الحالية الانضمام للاتحاد وسط رفض المجتمع الدولى الذى عزلها بسبب مواقف أرودغان المتطرفة. وتولى موسى مهمة تنظم عملية إنقاذ الرهائن الأتراك الذين احتجزهم تنظيم «داعش» الإرهابى العام الماضى، من القنصلية التركية بالموصل، حيث نجح بعد أشهر من التفاوض فى استعادتهم. وجاء ظهور هاكان فيدان أو بالأحرى ظهور منصب رئيس الاستخبارات التركية مع بداية «الصحوة» فى السياسة الخارجية التركية، فى عهد رئيس الوزراء أردوغان، فبعد أن حققت أنقرة نجاحاً ملحوظا فى مجال الاقتصاد وتبنى سياسة الانفتاح، كانت الغاية الأولى الوصول إلى عضوية الاتحاد الأوروبى، الأمر الذى تمانع بعض كبرى الدول الأوروبية حدوثه، لكن الطريق إلى الوحدة الأوروبية طال وظهرت معطيات جديدة فى الشرق الأوسط أغرت أردوغان ذا الميول العثمانية بالتفكير فى إحياء مجد الباب العالى. هذه السياسة تتطلب أسطولاً مخابراتيا، يتركز عمله بالأساس، على المحور الخارجى، ومن هنا تمت إعادة بناء الاستخبارات التركية بقيادة رئيس جديد مقرب من الحكومة وتقسيمها إلى جهازين أحدهما للداخل والآخر للخارج على غرار مكتب التحقيقات الفيدرالى ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية. ولتحقيق هذا الهدف، تم تعيين هاكان على رأس الاستخبارات التركية فى مايو 2010،وكان ترأس فى السابق الوكالة التركية للتعاون والتنمية، كما شغل منصب وكيل الشئون الخارجية لدى رئيس الوزراء التركى، ومثل تركيا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو من المقربين لوزير الخارجية التركى «أحمد داود أوغلو». قبل ظهور فيدان على الساحة كرئيس لجهاز المخابرات التركية، تداول الأتراك اسمه خلال فترة الاضطراب التى شهدها جهاز المخابرات التركية حيث تم على إثرها تداول الأتراك إعفاء «مدير مخابرات إسطنبول» من منصبه الذى يعتبر من أهم المناصب داخل الجهاز فهو المسئول عن الأمن ومتابعة عناصر المخابرات الأجنبية فى هذه المدينة التى يزيد تعداد سكانها على 15 مليون نسمة وتستقبل ملايين السياح والأجانب يومياً على مدار السنة، وتعبر من أهم المسارح التى ينشط فيها عناصر أجهزة المخابرات العالمية. حدث هذا بعد استدعاء قاضى التحقيق فى قضية التنظيم السرى لحزب العمال الكردستانى المحظور «بى كى كى» لرئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان، للتحقيق معه كمشتبه به فى القضية مع أربعة من قيادات جهاز المخابرات، بعد اتهامه بتقديم الدعم للحزب الكردستانى المحظور أو غض بصره عن معلومات مسبقة عن عمليات مسلحة وهجمات نفذها الحزب ضد رجال الأمن فى تركيا، وتم تجاوز هذه الأزمة سريعاً، حيث سعت حكومة أردوغان إلى بعث قانون يعطى الحصانة لرجال المخابرات من الإدلاء بأقوالهم أمام المحاكم الجنائية، وواجه القانون الذى تم إقراره خلال 48 ساعة فقط انتقاداً شديداً من المعارضة على اعتبار أنه يضع رجال المخابرات فوق القانون لتنفيذ أجندة خاصة لرئيس الوزراء وحكومته، من هنا بدأ الظهور العلنى لهاكان فيدان، وأصبح اسمه متداولاً فى الصحافة التركية، خلافاً لرجال الاستخبارات السابقين الذين غالباً ما كانت أسماؤهم مخفية، وكان أردوغان قد فاجأ الكثيرين عندما عين ذراعه اليمنى رئيساً لجهاز المخابرات مخالفاً للأعراف التى تقضى بتعيين رجل من داخل الجهاز فى هذا المنصب الحساس. وتعيين المستشار السابق للسياسة الخارجية ليس الانقلاب الوحيد فى جهاز المخابرات التركية، بل إن الانقلاب الأكبر أن هاكان رغم أنه كان ضابط صف سابق عين بصفته مسئولا مدنياً، وليس مسئولاً من الجيش فى خطوة زادت من الفجوة بين رجال الجيش الذين كانو يحكمون قبضتهم على أهم معاقل الدولة التركية ورئيس الحكومة الإسلامى عثمانى الهوى، ومن خلال خلفيته الأكاديمية والعسكرية استطاع فيدان إدخال تعديلات كبيرة فى تكوين جهاز المخابرات وأقنع أردوغان بتجميع جميع أجهزة المخابرات فى الخارجية والأمن والجيش تحت جهاز المخابرات العامة، ما أزعج الأمن والجيش، وجاء بعده إسماعيل حقى موسى وهو مدنى أيضاً ليسير على نفس النهج بل أكثر منه وكلاهما فى النهاية يخدم المصالح التركية مع «داعش» وضد كل الدول العربية.∎