بالتأكيد لم تكن الجولة التى يقوم بها وفد تنظيم الاخوان الِى الولايات حاليا كمثلها من الجولات التى اعتادوها على مدى ال 18 شهرا الماضية، فالجولة التى شملت أكثر من 12 مدينة أمريكية كبرى وعلى مدى يزيد على ثلاثة أسابيع كانت مختلفة من حيث تكثيف الحضور ومضمون الأهداف وحتى الشكل! فقد كان من الواضح أنه جرى تنسيق وتنظيم أوسع هذه المرة ليشمل ضماناً للتواصل مع أطياف أخرى من مختلف التجمعات المصرية والعربية فى الأنحاء الأمريكية فلم يكتفوا هذه المرة بمؤتمرات تعقد فى مراكز أبحاث أو مسيرات فى شوارع نيويورك قصدوا فى نهايتها قناة فوكس أو لقاءات متناثرة فى الكونجرس والخارجية الأمريكية أو المراكز والمنظمات الإسلامية والتى تشهد ومنذ عقود تغلغلا إخوانيا منظما، بل جرى إطلاق ما وصفوه ب«حركة اصطفاف واسعة» لخلق آلية تؤثر على صنع القرار الأمريكى سواء على مستوى الانتخابات المحلية أو الوصول لوسائل الإعلام هناك، وبالفعل انطلقت أول خطوة بإعلان مجلس المنظمات الإسلامية عبر ممثل لإخوان الأردن فى شيكاغو تكوين منظمة الأمريكيين المسلمين المتحدة. هذا التحرك والذى إن كان لقى ترحيبا من قطاع كبير من المسلمين الأمريكيين والذين كانوا يحلمون بدور أكبر فى الحياة السياسية الأمريكية يعوض شعورهم بالغضب تجاه حملات تشويه الإسلام إلا أنه أثار قلقا أكبر نتيجة تصدر فصيل الإخوان للمشهد واستغلالهم لحلم قديم لمسلمى أمريكا لتحقيق أغراضهم! وقبل الخوض فى تفاصيل جولة وفد الإخوان إلي واشنطن ينبغى أن نتوقف أولا عند تفاصيل قد تكون شكلية لكنها مهمة وهى: إن وفد الإخوان الذى يضم كلا من ثروت نافع رئيس مجلس النواب فى المنفى، الدكتورة مها عزام، رئيس المجلس الثورى المصرى (وائتلاف المعارضة الرئيسى)، الدكتور جمال حشمت، نائب فى البرلمان فى المنفى، والدكتور عبدالموجود درديرى الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية فى البرلمان المصرى عام 2012 والقاضى وليد شرابى. هذه هى الألقاب التى استخدموها هنا - أن هذا الوفد حرص على ضم أشخاص بعينهم مختلفين شكلا وموضوعا بغرض إظهار أنهم يمثلون جميع الأطياف المعارضة فى مصر فوجدناهم يحرصون على وجود سيدات غير محجبات وآخرين معروفين بانتماءاتهم الليبرالية واليسارية والعلمانية وكذلك اللادينيين. كان واضحا تعمدهم تقديم انفسهم هذه المرة على أنهم يمثلون الجميع وقد قالها علانية ثروت نافع: إخوان مسلمين أو إخوان مسيحيين، نحن هنا نمثل الجميع. حرصهم على دعوة واصطحاب ممثلى بعض المنظمات الحقوقية الأمريكية - من لبى دعوتهم كانوا ممثلين لمنظمتين يساريتين فقط واصطحبوهم فى أكثر من ولاية! كما قامت مؤسسة بيت الحرية بإصدار بيان يندد بما وصف بانتهاك حقوق الإنسان فى مصر، بينما لم يلاحظ وجودا لممثلى المنظمات الأمريكية المعتادة! إن الجولة خطط لها بعناية وبميزانية مفتوحة لتشمل زيارة جميع المدن الكبرى شرقا وغربا شمالا وجنوبا، فكان تحركهم شرقا من نيويورك ونيوجيرسى إلي واشنطن العاصمة والولايات المجاورة ميرلاند وفرجينيا، ثم شمال ووسط فى ولاية الينوى - ولاية الرئيس الأمريكى - ثم ميتشيجان تليها جنوبا ولاية فلوريدا - عدة مدن - وغربا كانت وقفتهم فى ولاية واشنطن ثم كاليفورنيا فى مدن لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وسان دييجو. إن خطابهم للمصريين عامة فى أنحاء الولاياتالمتحدة و لإخوان أمريكا خاصة، كان مختلفا عما دار فى اجتماعاتهم مع الأمريكيين سواء موظفين رسميين بوزارة الخارجية الأمريكية أو من بالكونجرس أو حتى ببعض ممثلى مراكز الابحات والذين على علاقة جيدة معهم من قبل. جرى تقسيم عرض الملفات بين أعضاء الوفد بالتركيز على المشاكل التى تعانى منها مصر حاليا والاستفادة واستغلال أحداث بعينها كدليل يسند ادعاءاتهم بما فى ذلك أحداث المطرية والمواجهات فى سيناء ومقتل شيماء ومسيحيين، كما لم يوفروا استغلال معاناة المصريين الاقتصادية إضافة لتبرئة مبارك ونظامه. إنهم وفى أكثر من مكان لوحوا وبشكل مباشر هذه المرة على استمرار المواجهات فى الشارع المصرى سوى تطوعا بالقول أو بالزج بأسئلة خلال مؤتمراتهم على السنة منتسبيهم تتحدث عن ظهور ما يسمى بالميليشيات المسلحة أو الجماعات المسلحة فى أوساط الشعب المصرى لاسيما ممن لم يحصلوا على حقوقهم بالقانون، فتحدث هشام شرابى مؤكدا فى المؤتمرالصحفى الذى عقد بنادى الصحافة الوطنى بواشنطن صراحة عن الصراع الذى تغير شكله من صراع سياسى صراع من نوع آخر، لكن كان مفهوما أنه يلوح بحرب استنزاف والمزيد من العنف لاسيما بعد أن أسهب مستخدما واقعة وجريمة اغتصاب شابة من قبل رجال شرطة فى سيارة الشرطة بأنه لا يستطيع أن يطالب زوج المغتصبة أو ابنا قتل أباه أو أبا فقد ابنه و لم يستطع أخذ حقه بالقانون أن يستمر فى سلمية ثورية، وقال جمال حشمت بوضوح أن البديل سيكون فوضى لا يمكن لأحد أن يسيطر عليها والمخاوف ستصبح حقيقة وكل من يشارك فيها سيدفع الثمن، على أن حشمت ذهب لأبعد من ذلك فى لقاء آخر مع المصريين فطالب هؤلاء الذين كانوا ضد الإخوان وغيروا موقفهم و«تابوا» بالجهر بهذه التوبة حتى تقبل منهم! لكنه أيضا أكد على استمرار الصراع فى انحاء مصر وبالتالى فالتضحية والضحايا مستمرون وعلى المصريين الاستعداد لتقبل ذلك. وعودة للقاء وفد الاخوان بالخارجية الأمريكية واللغط المثار فى مصر على الأقل بشأن هذا اللقاء تحديدا والذى تم مساء الثلاثاء وعلى عكس المشاع من حدوث استقبال ونقاش وصفه حشمت نفسه بأنه إيجابى، فالحقيقة تبدو مختلفة، فحين حاولت استطلاع الأمر لدى الجانب الأمريكى فقد قيل لى تحديدا إن من استقبلهم كانوا موظفين عاديين بالوزارة ومن المعنيين بمكتب حقوق الإنسان وأنه لم يجر استقبالهم من قبل مسئولين كبارا وأن هذا الأمر اعتيادى وروتينى ويندرج على موظفى البيت الأبيض مثلهم مثل أى فصيل أيا كان حجمه يطلب لقاء بالخارجية الأمريكية وذلك فى ضوء استمرار السياسة الأمريكية فى التعاطى والاستماع للجميع! وحين سألت هل يقابل مسؤلو الخارجية أى أشخاص يطلبون ذلك؟ كان الرد بالطبع لا لكن الإخوان مازالوا يمثلون فصيلا موجودا بالمجتمع المصرى!! هذا الرد كان بمثابة تأكيد لقناعة أخرى مازالت موجودة على الساحة السياسية فى واشنطن تفضل الاستمرار فى التواصل مع الإخوان حتى مع إجراء انتخابات برلمانية فى مصر والتى تمثل آخر محطة لخارطة الطريق المصرية لأنه بوسع الولاياتالمتحدة الاستفادة بهم حتى خارج مصر! وبمناسبة المصالح الأمريكية فى المنطقة فهذا يعيدنا إلي ماجاء على لسان جمال حشمت مرة أخرى خلال جولة الإخوان حين تحدث عن طموحهم الذى يهدف إلي ما وصفه بتحرير مصر من نظام الحكم الحالى ثم تحرير باقى العالم العربى، وبالطبع لم يخل كلام وفد الإخوان المعلن من انتقاد دول خليجية بعينها، بينما وكما وصلنى من أحد حضور جانب من حوارهم مع بعض موظفى الكونجرس من طرح أفكار تتحدث عن مصالحة مع السعودية لاسيما بعد تولى ملك جديد! لكن مافهمته أن الجانب الأمريكى كان متمسكا بضرورة إشراك الإخوان فى أى عملية انتخابية مقبلة فى مصر! ∎ النقاط التى ركز عليها وفد الإخوان مع الأمريكيين وبغض النظر عن بعض التناقضات التى لاحظناها بمراجعة خطاب الإخوان لأوساط المصريين فى الولاياتالمتحدة عن تلك التى ناقشوها وطلبوها من الأمريكيين حكومة وكونجرس ومؤسسات صنع قرار فإنهم ركزوا على تقديم ستة ملفات أساسية لوحظ أنهم ناقشوا بعضها وبلهجة مختلفة قليلا مع تجمعات المصريين أهمها: ملف حقوقى حيث حملوا معهم تقارير ومايقولون إنه أدلة على انتهاك الحريات فى مصر وعلى رأسها اعتقال وقتل المعارضين وهنا نرصد مطالبتهم للرئيس أوباما بالتدخل لحماية أمريكى معتقل هو محمد سلطان المضرب عن الطعام، وعن عمليات مطاردة الملحدين والمثليين جنسيا فى مصر وانتهاك حقوق المرأة المصرية وحالات اغتصاب المعتقلات بالسجون ومطاردة اليساريين والليبراليين، والإسلاميين والأطفال والمسيحيين وأن على أمريكا قيادة ضغط دولى لإطلاق سراح المسجونين. وأبلغوا الأمريكيين بأن الاستقرار لن يتم فقط فى مصر وإنما فى جميع الأنحاء العربية سوى عبر الديمقراطيه وأن الديكتاتورية لن تحقق لا سلاماً ولا استقراراً، وأن الأغلبية فى مصر الآن من المؤمنين بالديمقراطيه يعتقدون أن الإسلاميين كانوا الأكثر إيمانا بالديمقراطيه عندما تولوا السلطة وقبل الإطاحة بهم!!! وأنه على الإدارة الأمريكية أن تعبر بصراحة أمام الرأى العام العالمى وعلنا عن رفضها للجرائم ضد الإنسانية فى مصر. وأن فى ذلك إجابة لسؤال الأمريكيين عن كيفية معالجة تصاعد كراهية السياسة الأمريكية فى مصر. ملف اقتصادى به معلومات عن تدهور الوضع الاقتصادى والصناعة وتوسع الفساد فى كل إدارات الحكومة وزيادة مديونية الدولة والاعتماد على المنح الخارجية، وانتهاكات لحقوق العمال فى مصر وسوء الإدارة وغضب الشارع المصرى من عودة رجال مبارك ليسيطروا على الاقتصاد لصالحهم. ملف قضائى يحتوى معلومات عن أعداد المعتقلين السياسيين وما وصفوه بتغلغل الفساد فى القضاء غير المستقل والإفراج عن مبارك ورموز نظامه. فى الوقت الذى استمر اعتقال مرسى، وكيف أن ذلك سيؤدى إلي اندلاع حالة من الفوضى والمواجهات والتى بدأت بالفعل بوادرها فى مناطق مختلفة - حددوها بالاسم - وأنه الوهم ذاته لو تصوروا أن الموضوع سيستغرق فترة وتمر، بل ستكون ثورة مستمرة! ملف «شرعنة الإخوان ووفدهم إلي واشنطن» هذا الملف جمع فيه الإخوان بيانات ومواقف مكتوبة من دول بعينها ومنظمات دولية مثل البرلمان الدولى والاتحاد الأوروبى وغيرها تتماشى وسياق طرحهم بأنهم منتخبون بانتخابات دستورية ومن ثم فمازالوا يمثلون الشعب المصرى. ∎ مبادرة مشروطة المفارقة هنا كان فى طرح الإخوان لمبادرة أو بمعنى أصح رؤيتهم لإصلاح الأمور بمصر وحيث علنا تمسكوا بعودة محمد مرسى وإكماله لمدته الرئاسية بينما تفعل مراحل مابين انتقالية لمدة أربع سنوات وثانيها سبع سنوات كمرحلة تنافسية لإعادة بناء وهيكلة لمصر، تسود خلالها ماوصفوه بسيادة الشعب على المؤسسات الحكومية والأمنية والعسكرية. أيضا كان من الملاحظ مطالبة وفد الإخوان فى جميع لقاءاته بوقف المساعدات العسكرية لمصر وبالتالى وقف تزويد مصر بالسلاح أو المعدات، وأن الجيش لابد أن يعود للثكنات وأن يكون وزير الدفاع مدنيا وأن أقصى منصب لعسكرى فى مصر هو رئاسة الأركان. على إى حال فإن المتابعة المبدئية لهذه الجولة المبطنة للإخوان فى الولاياتالمتحدة والمستمرة حتى الأسبوع القادم تشى بما لا يحتمل الشك فى قدرتهم على استغلال الظروف وتوظيفها لصالح مشروعهم الواسع وللأسف فإن تلك المتابعة أيضا تواجهنا بأن ماحدث لا يعفى الحكومة فى مصر من المسئولية، مانراه هنا له علاقة ب«التخاذل فى محاربة الفساد وعدم الجدية فى تحقيق خطوات ملموسة فى عدالة اجتماعية وهو ما أعطى الشيطان الفرصة ليعظ».∎