التخصص المضر فقط هو الذى نجيده.. بعد أن ظلت صناعة البارود المحظورة أصلا هى لقمة عيش قرية «النزلة» بالفيوم ويعمل فيها 90٪ من سكانها التى تتوارثها جيلا بعد جيل، وتعرضهم هم وأولادهم لحوادث الموت المحقق لخطورة تلك الصناعة وغياب الوسائل التأمينية، حيث أصبحت تلك القرية الصغيرة المحطة الأولى لصناعة البارود ومشتقاته من صواريخ وشماريخ وبمب وتنتهى فى حارة اليهود التي تخصصت هى الأخرى كمركز رئيسى لتجارتها! الخطر تضاعف بعد محاصرة الحكومة لهذه التجارة بعد أن استغلت جماعة الإخوان الإرهابية هذه المنتجات القاتلة واستخدمتها فى تظاهراتها للترويع والإرهاب! بدأنا جولة صناعة البارود بقرية النزلة التابعة لمركز يوسف الصديق بسفح جبلى بالفيوم.. بيوت القرية بسيطة الحال لا تزيد على الطابقين بسبب الانفجارات التى تنتج من عملية تصنيع البارود رغم الأموال الطائلة التى يكسبها الكثيرون من المهنة، ومعظم سكان القرية ملامحهم يبدو عليها التأثر بالمهنة فالأجسام مشوهة خاصة النساء والأطفال هم الشريحة الأكبر. وتعتبر فترة الأشهر الأربعة قبل شهر رمضان هى الموسم الذى يعمل فيه أهل القرية ليل نهار نظرا لاحتياجات السوق لهذه المنتجات، وإذا قرر أحد زيارة القرية فى تلك الفترة سيجد شوارعها خالية من المارة ومجرد ورش وأدوات بسيطة للتصنيع. وكبار الصناع فى القرية معروفون بالاسم للجميع، حتى رجال الأمن يعلمونهم جيدا وهم «ه. ع» و«ر. م. ع» و«أ. ح». و«ع. ع». و«خ. ع» والأخيران من عناصر الجماعة الإرهابية. ∎ مخازن واشتباكات هناك أشخاص بأعينهم فى القرية لديهم مخازن للبضاعة معروفة وهم «م. ش. ع» الشهير ب «اللمبى» و«م. ر» و«ع. م. ع»، وهو أيضا من جماعة الإخوان المسلمين، و«ع. م» الشهير ب «توبة الدكر»، أما الأشخاص القائمون ببيع المونة والمواد الخام لصغار الصناع فأشهرهم «ر. ى. ر» و«ع. م. خ» و«خ. ع. ع» و«ى. ح. ش» وجميعهم ينتمون للجماعة الإرهابية. وتستخدم منتجات القرية فى النزاعات التى تحدث أحيانا بين العائلات، كما تستخدمها عناصر الجماعة الإرهابية فى الاشتباكات مع الأهالى وقوات الأمن. وقد تم القبض على بعض أفراد الجماعة أثناء التظاهرات وفى حوزتهم هذه المفرقعات النارية، كما وجهت إلى بعضهم تهمة حرق مركز يوسف الصديق بالفيوم، وتم تحريز بعض المواد المصنعة فى محاضر التحقيقات. ويبلغ عدد الإخوان فى هذه القرية حوالى 600 شخص والممول الأساسى لهم «ع. ل» وتم تقسيم القرية إلى أجزاء فى صناعة البارود، فهناك كبار المهنة والصغار، فالكبار هم أصحاب الملايين الذين يحضرون الخامات الأساسية للتصنيع لخروج المنتج النهائى، ويقومون بتشغيل الفقراء وصغار العاملين فى المهنة والدفع مؤجل، أى يتم توزيع الخامات على صغار الصناع والدفع يكون بعد الانتهاء من مرحلة الإنتاج الكامل للبضاعة، وهو ما يسمى بينهم «الشغل الآجل» ويقومون ببيعه وتسويقه، أو يقوم بعض أصحاب المهنة من صغار الصناع بعملية التسويق. ويصل عدد صغار الصناعة إلى الآلاف ويديرون عملية الإنتاج كاملة وهم نفس الأشخاص الذين يموت منهم العديد والإصابات تخرج من بيوتهم. ∎ إصابات عديدة ويقول شريف محمد من أهالى القرية: نعانى من الفقر ومن يستحوذ على المهنة هم المعلمون الذين يلعبون بالملايين عن طريق التصنيع، ولا يوجد مصدر رزق آخر لهذه القرية سوى هذه المهنة والقرية معروفة بأنها مسقط رأس الدكتور يوسف والى وزير الزراعة الأسبق، الذى وعد الشباب بحل مشاكلهم ببناء مصنع مكرونة وأقام الأساسات بالفعل ومازالت قائمة بالفعل ثم توقف المشروع، لذلك استمر هؤلاء فى تصنيع الموت بأيديهم، وجميع البيوت الموجودة فى القرية يوجد فيها تشوهات وإصابات، وتعود المهنة إلى عهد اليهود الذين كانوا يعيشون هنا. مؤكدا أن كل بيت من المصنعين فى القرية يدفع إتاوة 50 جنيها شهريا مقابل السكوت على المهنة واستمرار البيوت فى التصنيع دون إلقاء القبض على أصحابها. رحمة عبدالوارث إحدى أطفال القرية لم يتجاوز عمرها السنوات العشر وبها إصابات فى العين واليد والجسد والوجه، تقول: لا أعلم سبب تشوه جسدى بتلك الطريقة إلا أن أهل القرية قالوا إنه أثناء قيام والدى ووالدتى بتصنيع البارود والبمب والصواريخ وأنا صغيرة انفجرت المونة وفجرت البيت وقد توفيت والدتى وأنا أصبحت مشوهة، وأرى بعين واحدة، وعلى الرغم من ذلك مازال والدى يعمل فى المهنة هو وإخوتى، ونحن لا نقول ذلك حتى لا تقوم الحكومة بمهاجمة بيتنا وتقبض على والدى، لذلك نعمل فى الخفاء لأنها مصدر رزقنا الوحيد، وأقوم بالتصنيع مع أسرتى فى كل موسم ولا أخاف الموت، فقد تعودنا على التصنيع، وأنا لا أقوم إلا بمرحلة واحدة وهى لف البارود ومعظم الصغار يقومون بتلك المرحلة لأنها الأسهل والأقل خطورة ونقوم بلف الصاروخ الصغير فى 5 دقائق، والحرص فى العمل أهم توصيات الأكبر منا سنًا. ويقول حسن عبدالسلام أحد شباب القرية: المهنة متوارثة وتدل على فقرنا، فنحن لن نضحى بحياتنا فى مهنة الموت إلا من أجل أن نعيش، القرية ليس بها أى خدمات ونحن كشباب نعمل جميعا فى موسم تصنيع البمب والصواريخ، لكن نواجه ضغوطا أمنية لأن القرية بها بعض الإخوان المسلمين وتوجه إليهم أصابع الاتهام باستخدام المهنة فى تصنيع القنابل اليدوية وغضب علينا المسئولون ويلقون القبض على معظم سكان القرية من وقت لآخر، وكنا نرحب بالإعلاميين، لكن حاليا نرفض دخولهم القرية خوفا من أن يتم إلقاء القبض على بعضنا بشكل عشوائى بسبب ما يقوم به عناصر الإخوان وليس لنا ذنب فى ذلك، ونحن نتبرأ من أعمالهم، وقلت نسبة العمل حاليا نظرا للمنافسة الشرسة التى قامت بها الصين التى صدرت إلينا منتجات وألعابا نارية أفضل وأرخص، ونحن ننتج الألعاب النارية فى موسم معين حتى يتم صرفها والسوق تكون فى حاجة إليها. وأضاف حسين على : نواجه متاعب عديدة بسبب المهنة فنحن بسطاء ولا نخاف من أحد والمهنة توارثناها من أجدادنا وليس لدينا طريق آخر للعمل، وأنا صاحب ورشة والورش تكون فى البيوت أو بافتراش الشوارع والموسم مدته أربعة شهور فقط، وفى تلك الفترة يتعرض عدد كبير منا للإصابات وللموت وأصبح شيئا تقليديا لنا أن نسمع صوت تفجير فى شوارع القرية، والمنتجات المستخدمة فى عملية التصنيع عبارة عن مونة وهى مواد من الجير نقوم بخلطها داخل أحواض كبيرة لفترة زمنية لا تتعدى الثلاث ساعات ونقوم بعملية التجفيف للمادة بعد التقطيع إلى أجزاء ثم عملية اللف فى ورق خاص بالصواريخ والبمب ونقوم بتصنيع كمية كبيرة جدا تتعدى ال 200 طن من البارود خلال ال 4 أشهر، ويعمل كل أهل القرية فى التصنيع وبعد مرحلة التصنيع تخرج الكمية بالكامل إلى حارة اليهود المنبع الرئيسى لمنتجاتنا اليدوية. ∎ حارة اليهود فى حارة اليهود ينتشر عدد من البائعين حاليا لا يتجاوزون العشرين بائعا، ومعظمهم من الشباب أعمارهم أقل من 30 عاما، وهم شبكة موزعة ومتصلة ببعضهم البعض يتواجدون فى الشارع الرئيسى من الموسكى حتى بداية حارة اليهود التى تعتبر أصل المهنة والجميع يعلم ذلك إلا أن المسافات بينهم لا تتجاوز ال 50 مترا وهم يراقبون تحركات الجميع بحذر وعنوانهم البلطجة، وكانت كلماتهم قليلة واتهاماتهم إلى الحكومة مباشرة بأنها تساعدهم فى تواجد تلك المواد لبيعها وهم أنفسهم من يقومون بإلقاء القبض عليهم وجمعهم من جديد. وتبدو تهديدات الباعة فى تصرفاتهم وليس صعبا عليهم القيام بأى مشاجرة فى أى وقت مع الزائر إذا لم يعجبهم الأمر لأنهم لا يتعاملون إلا مع المشاغبين الذين يحرصون على شراء تلك المنتجات التي تبدأ أسعارها من جنيه للصاروخ اليدوى المصرى إلى 50 جنيها للصاروخ الصينى، وأكد بعضهم أن التجارة كانت أسهل وأيسر بكثير فى عهد مرسى، عكس الوقت الحالى لما يواجهونه من عناء مع رجال الأمن الذين يقومون بحملات أمنية متكررة عليهم. ويقول عيد السويسى أحد كبار الباعة فى حارة اليهود: إن الباعة الكبار لصناعة البارود من قرية النزلة فى الفيوم ومنطقة منشية ناصر فى القاهرة ويبيعون منتجاتهم هنا فى حارة اليهود ويصل عدد البائعين إلى 20 بائعا صغيرا فى الشارع، والآن احتكر المستورد السوق وطغى على الصناعة المصرية ولا يوجد أى ورش لتصنيع الصواريخ فى حارة اليهود فهى مركز رئيسى للبيع فقط، ومن أشهر المنتجات اليدوية المصنعة فى البيوت الصاروخ الصغير والبازوكا والتورتاية والبمب، ولخطورة الصناعة زاد عدد حالات الموتى من القائمين بتلك الأعمال واستخدام البلطجية للمنتجات فى المظاهرات وبعد أعمال العنف أخذ الأمن يحكم سيطرته عليهم للحد من أعدادهم، وقبل الثورة لم تكن هناك أى متابعات عليهم ومعظم المنتجات المستوردة تحضر إلينا من الصين، ونتمنى أن تتلاشى تلك التجارة فى حارة اليهود وأن يكون هناك بديل عنها للشباب، والأمر أصبح يتم التكتم عليه حاليا لخوف البائعين على أنفسهم ولا يفتحون فروشاتهم الصغيرة التى تكون على شكل صندوق صغير من الخشب يعرض عليه جميع المنتجات. وأضاف بائع - رفض الإفصاح عن اسمه: نحن نتداول المهنة منذ سنوات طويلة، وكانت الأمور جيدة خاصة فى عهد مرسى لأنه لم تكن هناك رقابة، وكانت المنتجات تستخدم فى التظاهرات وكان يوجد أكثر من 50 بائعا هنا فى حارة اليهود، وكنا نعمل منذ الصباح الباكر حتى الساعة 12 مساء مع إغلاق حارة اليهود.∎