قرار صادم لقوى المعارضة السودانية وللمنظمات الحقوقية الناشطة فى مجال حقوق الإنسان، فجميعهم كانوا ينتظرون وضع السودان تحت البند الرابع (المراقبة)، حيث قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فى جلسته الأسبوع الماضى، تمديد ولاية الخبير المستقل المعنى بحالة حقوق الإنسان فى السودان لعام آخر، تحت البند العاشر! المتعلق بالمساعدة التقنية وبناء القدرات لتحسين حالة حقوق الإنسان فى الوقت الذى يشهد فيه السودان انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والحريات، وتتضمن ولاية الخبير المستقل التقييم، والتحقُق، وكتابة التقارير بهدف تقديم توصيات بشأن المساعدة التقنية، وسُمى الدكتور إدوارد توماس، خبيراً مستقلاً جديداً خلفا للخبير السابق مشهود بدرين إلا أن حكومة السودان رفضت قرار تعيينه مقرراً وفقاً لحقها فى الاعتراض على شخص الخبير. ورغم أن المجلس أعرب فى قراره، عن بالغ قلقه إزاء الاستخدام المفرط للقوة، بما فى ذلك إطلاق النار المميت على المتظاهرين فى سبتمبر عامى 2012م و 2013 م ، ودعا حكومة السودان إلى إجراء تحقيق علنى ومستقل وإحالة نتائجه إلى القضاء ضمن النظام القانونى بالبلاد لضمان العدالة والمساءلة المتعلقة بهذه الحوادث، إلا أنه اكتفى بدعوة حكومة السودان لمواصلة تعاونها الكامل مع الخبير المستقل الجديد، والسماح له بالوصول إلى زيارة جميع مناطق البلاد، والالتقاء مع جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة، ومخاطبة حكومة السودان للتقييم والتحقق من الانتهاكات، والإبلاغ عن حالة حقوق الإنسان. المجموعات المعارضة والمنظمات الحقوقية كانت قد طالبت بإدراج السودان ضمن البند الرابع فى إطار سعيها للتصدى، وكشف انتهاكات الحكومة السودانية التى تقع يوميا على المواطن السودانى. ووصف الأمين العام للجبهة الوطنية للمعارضة، الدكتور حسين نابرى، القرار بالظالم، وغير العادل واعتبره انتكاسة فى دور ومهمة المنظمة الدولية، وقال ل«روزاليوسف»: (القرار يعتبر إشارة خطيرة لنظام الظلم والفساد والاستبداد فى الخرطوم ليفعل ما يشاء بشعب السودان، فهو حر طليق بعد أن فلت من الرقابة والمحاسبة والعقاب). وأضاف نابرى: سلطة السفاح البشير الآن تلقت هذا القرار بتنفيذ موجة واسعة من الاعتقالات والانتهاكات بكل أنواعها، ضاربة عُرض الحائط بكل المبادئ والقيم المتعارف عليها إنسانيا ودينيا وخلقيا. وكان حزب الأمة بزعامة الصادق المهدى، أرسل مذكرة لرئيس مجلس حقوق الإنسان يطالبه فيها بإعادة السودان إلى البند الرابع أى تحت الرقابة اللصيقة، وعزز حزب الأمة موقفه لسبب أن التشريعات والمؤسسات والسياسات التى ارتكبت تجاوزات حقوق الإنسان لا تزال فى مكانها، دون تغييرات جذرية فى مؤسسات وسياسات القمع، فإن السودانيين سيظلون يعانون من انتهاكات حقوق الإنسان». وانتقدت المذكرة استمرار انتهاكات حقوق الإنسان فى السودان، وتجاهل الحكومة لتوصيات الخبير المستقل فى تقريره إلى المجلس فى سبتمبر 2013م. وشددت مذكرة حزب الأمة على أن السودانيين يعانون من القمع الدامى للاحتجاجات المدنية، التى خلفت العديد من القتلى والجرحى، فى كل من الخرطوم، نيالا، ودمدنى، وزالنجى، وذلك من دون تحقيق موضوعى لكشف الحقائق ومعاقبة الجناة، حيث هناك استمرار فى إفلات الجناة من العقاب باستخدام الحصانة القانونية. تحالف قوى الإجماع الوطنى الطرف الآخر من المعارضة المدنية علق متأخراً على مناقشة أوضاع حقوق الإنسان فى السودان بجنيف، وقال على لسان صديق يوسف: «إن قرار مجلس حقوق الإنسان بجنيف يمثل (شركاً) للحكومة، وأن القرار جيد جداً وإيجابى، وإذا أرادت الحكومة أن تقلل منه عليها أن تلتزم به)، مؤكداً أن الحكومة تريد أن تقل من قيمة القرار وردد: (هذا لا يهمنا، والمهم ما ورد فى القرار)، وتوقع فى ذات الوقت أن تماطل الحكومة عند التنفيذ. وكان المجلس قد أدان الانتهاكات والتجاوزات لحقوق الإنسان والقانون الدولى الإنسانى فى ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، بما فى ذلك العنف الجنسى والعنف القائم على النوع، واستهداف المدنيين وعمال الإغاثة الإنسانية، وحث جميع الأطراف على اللجوء إلى السلام. ووصف الاتحاد الأوروبى القرار بأنه خطوة فى الاتجاه الصحيح، وأنه اتبع نهجاً أكثر توازنا، قالت الولاياتالمتحدةالأمريكية: إن سجل حقوق الإنسان فى السودان ظل على الدوام مسألة فى غاية الأهمية، وحثت حكومة السودان على مواصلة العمل مع الاتحاد الأفريقى للوصول لحل سياسى للأزمة السودانية. وعبرت الولاياتالمتحدة فى خطابها أمام المجلس عن بالغ قلقها بشأن القصف الجوى فى ولاية النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور وانتهاكات حقوق الإنسان التى ترتكبها قوات الأمن، بما فى ذلك عمليات القتل خارج نطاق القضاء، والاغتصاب، وحرق الممتلكات المدنية، بجانب القيود المفروضة على إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان المحتاجين فى مناطق الصراعات. ودعت أمريكا السودان إلى زيادة تعاونه مع المقرر الجديد، بما فى ذلك منحه حق الوصول الكامل، خاصة المناطق التى وقعت فيها انتهاكات للقانون الدولى لحقوق الإنسان والقانون الإنسانى الدولى. وأشارت الولاياتالمتحدةالأمريكية، إذا لم تتحسن أوضاع حقوق الإنسان فى السودان فعلى مجلس حقوق الإنسان اتخاذ الإجراءات المناسبة. ويرى مراقبون أن تفويض المقرر الجديد، مزج بين ولايتى (المراقبة) و(المساعدة التقنية) وربط بين تقديم المساعدات، وبين كتابة التقارير التى تعنى ضمنياً «المراقبة» التى تطالب بها أحزاب المعارضة. وفى تقريره الرئيسى لمجلس حقوق الإنسان طالب مسعود بدرين، الخبير المستقل المعنى بحالة حقوق الإنسان فى السودان، الحكومة السودانية بتعديل قانون الأمن الوطنى ليتماشى مع التزامات السودان الدولية، ورفع القيود المفروضة على منظمات المجتمع المدنى وأنشطتها. وحول الوضع فى المناطق التى تشهد حروباً قال التقرير: «ظل الوضع الأمنى فى المناطق المتضررة من النزاع فى البلاد غير مستقر، وأن استمرار الصراعات المسلحة الجارية فى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق لها تأثير سلبى على حالة حقوق الإنسان». وأشار تقرير «بدرين» إلى أوضاع الصحافة والحريات الصحفية فى السودان وقال: إن الرقابة على الصحف مازالت مستمرة فى السودان. وأعرب متحدثون، وبعض ممثلى الدول، عن قلقهم البالغ إزاء حالة حقوق الإنسان فى السودان، وعمليات القصف الجوى، وأدانوا عمليات قتل المدنيين، وتخريب فى القرى وتدمير الممتلكات، والعنف الجنسى، والعنف القائم على نوع الجنس التى ترتكبها قوات الحكومة، وأبدى المتحدثون قلقهم من استهداف المتظاهرين السياسيين والصحفيين والطلاب ومنظمات المجتمع المدنى. من جهته أبدى الاتحاد الأوروبى بالغ القلق إزاء حالة حقوق الإنسان فى السودان، بما فى ذلك الهجمة على وسائل الإعلام والمجتمع المدنى. وأدان الاتحاد الأوروبى أيضا انتهاكات القانون الدولى الإنسانى فى جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، بما فى ذلك التفجيرات العشوائية وتجنيد الأطفال فى القوات المسلحة. المجموعة العربية بمجلس حقوق الإنسان، كان موقفها أقرب إلى حكومة السودان، إذ رأت أن الحكومة تتعاون مع الخبير المستقل، وأعربت عن تقديرها للجهود الدولية والإقليمية لدعم الحوار فى السودان، بما فى ذلك الاتحاد الأفريقى. ورحبت إثيوبيا التى تحدثت، باسم المجموعة الأفريقية بتعاون السودان مع الخبير المستقل ومبادرة لحوار سياسى وطنى، يهدف إلى تحقيق السلام. وطالبت بدعم السودان من أجل التغلب على التحديات فى البلاد، من خلال المساعدة التقنية وبناء القدرات. وتشهد حالة حقوق الإنسان فى السودان انتهاكات متواصلة لجهاز أمن البشير أبرزها الاعتقالات، ومنع التجمعات والأنشطة السياسية، وتقييد حرية النشر والتعبير.