علامة واضحة هذا العام فى دراما رمضان التليفزيونية ألا وهى غياب إنتاج الدراما الدينية فى ظل هذا الإنتاج الوفير من الدراما الاجتماعية، ومرجع ذلك لأسباب عديدة منها أن أهل مصر والوطن العربى قد ملوا أحاديث الإسلام السياسى، ومنها أن الدراما الاجتماعية هى محاولة لاستعادة الإنسان، شوق وحنين لأحاديث الشأن الخاص والمجتمعى بعيداً عن الشأن السياسى الذى احتل كل تفاصيل الأيام فى مصر، وهى حنين لهدوء يتجاهل القضايا الكبرى ويسأل أسئلة المجتمع الهامشية والعادية والدراما التليفزيونية المصرية كان محور عملها هو الدراما الاجتماعية وهى تستعيد ملمحها الجوهرى القديم. أما السبب المهم المرتبط بطبيعة المهنة وتفاصيل العمل الإبداعى فى مصر فهو يعود لهذا التحفز لأية أعمال دينية لمراقبتها، وهو شأن قديم يعود لسنوات بعيدة مضت، منها أزمة مسرحية الحسين ثائراً لعبد الرحمن الشرقاوى، والتى عانى فيها كرم مطاوع المخرج الكبير المنع والمصادرة قبل ليلة الافتتاح، حيث رفض الأزهر الشريف آنذاك عرضها تفعيلاً لمبدأ منع تجسيد الشخصيات الدينية البارزة فى الدراما.
وظل هذا الحال لسنوات طويلة إلى أن كسر مسلسل عمر بن الخطاب القاعدة، ورفض الأزهر عرضه فى مصر، فشاهده المصريون معروضاً على الفضائيات العربية، ثم المحاولات الإيرانية المهم إنتاجياً مثل مسلسل يوسف الصديق الذى قدمه محترفون دراميون بمستوى مهنى وإبداعى متميز. إن المنع هنا، فتح الباب خارج مصر لريادة جديدة فارقة فى إنتاج الدراما الدينية، ولأن الأمر خطر على رأس المال الدرامى فقد آثر رأس المال السلامة وذهب بعيداً عن انتظار الرقابة على المصنفات الفنية وانتظار موافقة الأزهر على العرض معاً، وهو تداخل فى الاختصاص والتباس يقف خلفه قانون يحتاج لتغيير وتعديل وإعادة نظر فى ضوء الدستور الجديد الذى يكفل حرية الإبداع.
وهذا التداخل فى الاختصاص طرح نفسه مؤخراً فى مسألة عرض فيلم نوح فى مصر، وهو اشتباك د. جابر عصفور الأول مع الواقع حيث يدعم عرض الفيلم ويترك الأمر للاختصاصيين من أهل الفن، ولجهة واحدة يجب أن تكون هى المسئولة عن التصريح بالعرض العام من عدمه وهى الرقابة على المصنفات الفنية، التى تحتاج لمناقشة وتعديل للقانون القديم الحاكم لها أيضاً من أجل مساحات جديدة من حرية التفكير والإبداع، وقد كان رد الأزهر أن ما يقوله وزير الثقافة رأى خاص أما القرار القانونى فهو شأن للأزهر الشريف.
ولذلك فالأمر يحتاج لمعالجة قانونية مؤسسية جذرية خاصة أن تجديد الخطاب الدينى فى مصر لن يتم إلا بحوار وتعاون مؤسسى بين الثقافة والأزهر الشريف عبر خطة وتصور تطبيقى يتجاوز حوار النخب فى المؤتمرات والمقالات الصحفية إلى تصورات تطبيقية مبتكرة تدعم علاقة حقيقية بين المثقف والفقيه لإتاحة الفرصة للعمل المشترك مع الإعلام والأوقاف والشباب كمؤسسات حكومية، والمجتمع المدنى وعلى رأسه الدراما التليفزيونية الدينية ذات التأثير الكبير، فيجب ألا نجعل المنتج التليفزيونى فى حالة خوف من الاقتراب من هذا النوع الدرامى، وهو الخوف الذى ينسحب بالتأكيد على إنتاج الفنون الجماهيرية الأخرى كالسينما والمسرح للأسباب ذاتها. أما على صعيد صناعة السياسة الداخلية فى مصر الحاضر والمستقبل أتأمل بحزن وقلق محاولة استعادة المواجهة بين المثقف والشيخ، إن التفكير الحر عليه ألا يستعيد هذا الصدام الذى استمر لعقود طويلة فى مصر لصالح غياب الديمقراطية، فعليهما معاً أهل الثقافة والدين العمل لصالح الثقافة الوطنية والحركة على أرضية من المشتركات المعرفية التى تتيح تجديداً حقيقيا للخطاب الدينى بعيداً عن الشطط والاسترابة والصدام، لأنه لا مبرر لجفوة أو توتر بين أهل الإبداع وأهل الدين خاصة فى ظل وجود المفكر المستنير جابر عصفور والشيخ الجليل الفاضل أحمد الطيب لإنجاز تلك المهمة معاً، فتجديد الخطاب الدينى ضرورة لتجديد همة الأمة ووحدتها ودخولها المطمئن للمستقبل.