(سانت كاترين).. (كييف).. (الإسكندرية).. (كاركاس).. (بانكوك)، أسماء مدن يبدو للوهلة الأولى أنها لا علاقة فيما بينها، لكن كلمة السر التى نكشفها فى هذا المقال المعلوماتى تؤكد أن هذا الخماسى يعيد (الربيع العربى) من جديد فى نسخة ثانية بعد فشل الأولى، الحديث هنا يدور حول مثلث فوضى عالمى مكون من أوكرانياوتايلاند وفنزويلا، تكرر فيها الانتفاضات الشعبية بنفس الوتيرة التى كانت عليها فى بداية الألفنيات، والتى سبقت انتفاضات تونس ومصر واليمن وليبيا وتزامنت مع سقوط بغداد وبعدها انقلاب حماس فى غزة، كل هذه الفوضى تريدها أمريكا أن تتكرر ثانية فى محاولة لتصحيح غلطاتها فى (الربيع الأول) ردا على سقطتها فى 30 يونيو، لتجديد مشروعها (الشرق الأوسط البديل)! (سانت كاترين) التى تحولت بعد الأزمة المفتعلة إلى (سانت آسفين) بين الجيش والشباب المحتقن أساسا منذ (قطيعة الاستفتاء)، أصبحت أيقونة لتحركات شبابية احتجاجية على شاكلة (الإسكندرية) قبل (ثورة يناير)، خاصة بعدما نال المخرج (محمد رمضان) الضحية الأخيرة لقب (خالد سعيد الثانى)!.. فى محاولة مفضوحة لتهيئة كل الأجواء الاحتقانية للخروج فى الشوارع، تزامنا مع احتجاجات عمالية بالمحلة وإضرابات حيوية! ومن المتوقع أن تستمر هذه التصعيدات ضد مصر إرهابيا ودبلوماسيا لدرجة أنها وصلت للتلويح بالأسطول الأمريكى، الذى تعمدت الإدارة الأمريكية تسريب أخبار حول عدم استبعاد تحريكه!
وتزامن التهديد والتصعيد الأمريكى مع حملة إسرائيلية ضد الجيش المصرى فى أعقاب (تفجير طابا) المشبوه، ووصل الأمر حتى التهديد بضرب سيناء أو دخولها للتعامل مع الإرهابيين، وهو تهديد أصبح اعتياديا دون رد مصرى صارم، والخطورة الأكبر فى أن هذه الأجواء متناغمة مع الاحتقانات الداخلية التى تزيدها ضبابية حول مصير قانون الانتخابات الرئاسية، وسرعة اشتعال الثورات الأوكرانية والتايلاندية والفنزويلية بشكل لافت للنظر!
وأركز هنا على هذا المثلث لأنه كان نذير شؤم على المنطقة فى فوضى الربيع الأول، ولمن يتناسى كانت بداية (الفوضى الخلاقة) الأمريكية من (صربيا) حيث تم التخلص من الديكتاتور اليوغوسلافى (سلوبودان ميلوسفيتش) بمساعدة قوات الناتو فى عام 2000، وتحولت حركة (وأتبور) الشهيرة من (صندوق الديمقراطية) الذى يموله الملياردير اليهودى المعروف (جورج سورس)، وبعد نجاح (وأتبور) امتدت الفوضى إلى (جورجيا) عن طريق حركة) «كمارا» (أى كفاية)، وبدأت موجة الثورات الملونة لزيادة حماسة المرتبطين بها، فكانت هذه الثورة الوردية فى 2003، ثم روسيا البيضاء ومنها لفنزويلا فى 2007، والتى أحبطها الزعيم الراحل شافيز وكشف أمام العالم مخططا لإسقاطه باستراتيجية (القبضة الغامضة) التى تعنى أن القوة فى يد الشعب وفق ادعائهم!
وطبعا معروف أن الشباب المصرى غير المدرك لحقيقة الأمر من السهل استغلال انتفاضتهم الثورية ضد الظلم والفساد والتوريث، وجد فى الثورة الأوكرانية البرتقالية ملاذه، وهم الآن يجددون الذكريات الثورية، وهناك تكمن الخطورة خاصة أن الأناركيين والاشتراكيين الثوريين والإبريليين والإرهابيين الإخوان يغذون هذا الإحساس خلال الفترة الأخيرة، لأن الروح (الغاندية) التى تعتمد عليها ما يسمى بالكفاح اللاعنيف تنتشر كالعدوى، وبالذات لأن أجواءها احتفالية مليئة بالنشوة، وتطورت بتبرير (الدموية) والعنف فى المواجهات مع الأمن والتكتلات الرافضة لها بحجة أن هذا نوع من (السلمية الخشنة)!
الثورات الملونة التى انكسرت بعضها فى إيران وفنزويلا، تغيرت مسمياتها للورود من (الياسمين) فى تونس و(اللوتس) فى مصر، وكادت تصل للصين لولا تحرك السلطات السريع لدرجة أنها منعت مواقع التواصل الاجتماعى تماما وحتى الآن، ووفرت للصينيين البديل الصينى للفيس بوك وتويتر، حتى يأمنوا الألاعيب الغربية!
وطبعا لن نضيف جديدا سوى التأكيد على أن (6 إبريل) تربت على يد الحركات الاحتجاجية فى صربيا وجورجيا بالإضافة للتعامل المباشر مع منظمات بيترأكيرمان وسور الصهيونيتين، وتشمل حركات الفوضى (19 فبراير) فى المغرب والمعارضة فى البحرين و(14 آذار) فى لبنان!
الغريب أن استراتيجية (مقاومة غاندى اللا عنيفة) التى استمدوا منها (الانقلاب الناعم) استخدمت ضد الاحتلال البريطانى وليست ضد الدولة، ولنوضح هذا الغموض المريب ولنكشف الدور الأمريكى وراء هذه الفوضى الأولى والفوضى الثانية الظاهرة فى مثلث الفوضى العالمى، والتى تهددنا من جديد، كان من الضرورى أن نعود لتاريخ الثورات الملونة هذه، حيث أنفقت الولاياتالمتحدة ملايين بل مليارات الدولارات على هذه الحركات الاحتجاجية لإسقاط الأنظمة الحاكمة فى هذه الدول، وكان مفاجئا أن تتطور الوسائل التعليمية للكفاح اللا عنيف من الديكتاتورية للديمقراطية على الطريقة الشاربية، من الاكتفاء بتوزيع كتابه الأشهر أو إقامة الدورات التدريبية فى دول نجحت فيها الثورات، إلى اختراع ألعاب فيديو جيم وفلاش يتم تحميلها من الإنترنت أو حتى تلعبها أون لاين، وهى تبين مراحل الكتاب التى تسيطر عليها الدراما المسلية بداية من وصف الثورة المثير بالألوان والورود، واسم اللعبة aforce more powerfull وتشمل تكتيكات الاحتجاج الجماعى واحتلال المبانى وحصار مدينة والتحكم فى الحشود واستقطاب أعداد كبيرة جديدة، وتحولت اللعبة إلى وسيلة تدريبية للأجيال التى تكره القراءة، حيث تحول (مريدو جارين شارب) لموضة قديمة، واللعبة تشمل سيناريوهات سهلة ومعقدة من مواجهة ديكتاتورية ومقاومة احتلال وحتى محاربة الفساد، وطبعا الغناء الجماعى كلمة سر فى استمرار لم الشمل الثورى فى المقاومة غير العنيفة، ومهم فيها الطبول والآلات الموسيقية عموما حتى تسيطر أجواء المرح على المشهد وكأنها (صلاة حب) كما يسمونها، وقد أبدع المصريون فى ذلك خلال ثورة يناير!
ووسط كل هذه التعقيدات كان من الطبيعى أن تتوه حقيقة أن هذا كله الهدف منه هو تحويل الشرق الأوسط الكبير إلى سوق مفتوحة بقواعد أمريكية للمنتجات التى تريدها الولاياتالمتحدة، كما فعلوا مع بولندا أو أوروبا الشرقية على طريقة (الصدمات الكهربائية)!
لكن (كونداليزا رايس) مهندسة هذه (الفوضى اللاخلاقة) اعترفت بنفسها فى إحدى شهاداتها عن الدور الأمريكى فى هذه الانتفاضات الاحتجاجية بأن واشنطن لا تستطيع أن تحرك الشعوب فى اتجاه معين، لكن الديكتاتورية التى كونتها هى نفسها التى يمكنها إزالتها من خلال الفوضى الخلاقة!.. إلا أن (رايس) لم تلتفت إلى أنهم دربوا عملاءهم على الفوضى ولم يعلموهم البناء بعد الهدم، لأنهم يريدون مرحلة الهدم ولا يريدون البناء طبعا!
فى عز هذه الأجواء المعقدة كان طبيعيا أن تتحول صناعة الثورات إلى مهنة احترافية يتربح من ورائها صناع الثورات ملايين الدولارات، ومن هؤلاء (أ.ص) مؤسس حركة (6 إبريل) الذى كان قد عاتب (كونداليزا) لأن الأمريكان لم يقفوا معهم حتى يقوموا بثورتهم فى 2005 أو 2006، وردت كونداليزا عليه خلال مشاركتهما فى مؤتمر لمركز جورج بوش عن العبر من ثورات الربيع العربى، وهى فى كامل الانتشاء أنه بعد إسقاط (صدام) عملنا على هيكلة الشعب العراقى بحجة مساعدته على الديمقراطية، وكأنها هذه الشعوب مجرد ركام يحتاج لإعادة هيكلة!!
وأكملت (كونداليزا) بأننا حاولنا مساعدة الشعب المصرى، بكل الوسائل التى يحتاجها ليتحدث عن حريته، وتحدثت مع خبراء فى هذا المجال ومنهم (لورن كرينر) وتوصلنا إلى منح 50٪ من المساعدات الأمريكية لمصر لتعزيز الديمقراطية هناك من خلال المجتمع المدنى، وكانت بمثابة صفعة للحكومة المصرية، مشيرة إلى أنه كان محرجا جدا أن الرئيس الأمريكى وقتها (جورج بوش) لم يستطع أن يجبر مبارك على المجىء للولايات المتحدة منذ 2004، وكان هذا بسبب علاقتنا بصناعة الثورة فى مصر، ولقد استخدمنا كل ما يمكننا من أدوات حتى أننا أخذنا اتفاقية التجارة الحرة من على طولة المفاوضات ردا على حملة الحكومة على القوى الديمقراطية لإضعافهم، لكن هناك جانبا سلبيا لاستخدام النفوذ، والذى من الممكن أن يمكن القوى الخاطئة، إلا أننا وضعنا حجر الأساس لأشخاص كحركة (6 إبريل) لتحقيق أهدافنا!
وليس هذا الاعتراف الأمريكى الوحيد بدورهم فى انتفاضات الربيع الذى يسمونه بالعربى، خاصة أن هذه الاعترافات تأتى فى إطار من التباهى، حيث قال (جيمس جلاسمان) الباحث فى مركز (أمريكان إنتربرايز) ووكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشئون الدبلوماسية العامة أن قرارات تونس ومصر واليمن تمت تحت سمع وبصر الإدارة الأمريكية، وأضاف (جلاسمان) مدير مركز بوش أن هذا تم من خلال أيديولوجية تسمى (الجراس رووتس) أو (205) باستخدام وسائل التواصل والتكنولوجيا لإثارة الاحتجاجات الشعبية!
هذه الدبلوماسية جربت على العصابات المسلحة فى كولومبيا، ونظمت ثورات بلا عنف فى مولدافيا وإيران، ولكن الحكومة سحلت المعارضة وحظرت مواقع التواصل، وأضاف أن الأمريكان لا يخجلون من الاعتراف بما أسماه (القيم القوية) ويشجعونها فى كل أنحاء العالم بدون تصريحات رسمية أو دخول للمحادثات!
المفاجأة هذه المرة هى يقظة المخابرات الروسية وحليفاتها فى العالم لهذه الألاعيب الأمريكية رغم تصعيدها فى حظيرتها (أوكرانيا)، وفى حظيرة الصين (تايلاند)، لكن هذه اليقظة واضحة فى الموقف الروسى الداعم بقوة لبشار ولمصر أيضا، لكن يجب أن ندرك أن الخطر ليس قادما من المتسللين من غزة فقط هذه المرة استعدادا لاضطرابات جديدة أكبر فى مصر، بل من اليمن وليبيا والسودان وإسرائيل، وداخليا من البؤر الإرهابية الإخوانية والقاعدية.. لذا يجب أن نحذر جدا لأن نجاحهم هذه المرة يعنى اللا دولة والتقسيم مثل (اليمن) لنصل فيما بعد إلى سوريا وبعدها الصومال، فهل تريدون لمصركم أن تهون؟!