أزمة المسرح المصرى هى أكثر الموضوعات التى أثارت الجدل فى ردهات وكواليس مهرجان المسرح الكويتى الرابع عشر الذى انتهت فعالياته خلال الأسبوع الماضى والذى أخذ هو و«أيام الشارقة» أبواب المهرجانات المسرحية لعام 2013 وراءهما. معظم الآراء التى شارك فيها مسرحيون من مختلف أنحاء الوطن العربى - ممن يرون أن الأزمة المسرحية المصرية ليست أزمة المصريين وحدهم وإنما هى أزمة تهم المسرحيين العرب جميعا - أكدوا أن المسرح المصرى لم يترك صغيرًا ولا كبيرًا فى الوطن العربى إلا وأثر فيه تأثيرا ملحوظا، منذ نشأته وحتى اليوم، لدرجة أنهم يعتبرونه هو الجسد الحقيقى للمسرح العربى، فإذا اشتكى وجعا تداعت له باقى الأعضاء بالسهر والحمى. الوجع المسرحى المصرى - كما دار فى النقاش - لم تكشف عنه ثورة يناير فقط، بل هو قديم، والمسكنات لم تكن إلا مجرد محاولات فاشلة للشفاء من تلك الأوجاع فوصل المرض إلى حالته المستعصية الآنية. المسرح المصرى الذى عاش عصورا ذهبية منذ الأربعينيات والخمسينيات، كانت تشهد فرقه منافسات حقيقية من أجل المتفرج ومن أجل رسالة المسرح التنويرية التى جاءت للارتقاء بذوق المصريين والعرب جميعا. وإذا نظرنا للموسم المسرحى المنصرم نجد أن أفضل ماقدم هو «المحروس والمحروسة» للمخرج «شادى سرور» والذى ربط من خلالها بين ماكان يحدث فى الدولة العباسية وتحديدا على يد آخر خلفائها «المستعصم بالله»، والذى انهارت دولته على يد التتار، وبين ماحدث - من وجهة نظر المؤلف والمخرج - على يد د.«محمد مرسى» وحكم الإخوان، وإذا كان «مرسى» هو نجم المسرح المصرى فى عام 2013 فإن «صدام» و«مبارك» و«القذافى» كانوا نجوم المسرح الكويتى فى نفس العام. ففى معزوفة إبداعية رائعة تبحث عن خلاص الإنسانية المستباحة من صراعاتها المتناحرة ومن عذاباتها التى تعيق أوطانها ومن ديكتاتورية حكامها راحت تغرد عروض مهرجان المسرح الوطنى الكويتى فى دورته الرابعة عشرة. العروض كان يغلب عليها الطابع السياسى الإنسانى وهو مايحسب لدولة الكويت ومجلسها الوطنى للثقافة والفنون والآداب فى رفع سقف الحرية الإبداعية طالما هى بعيدة عن الممنوعات المجتمعية الأساسية كالمساس بالأديان أو المساس بالأخلاقيات العامة وخدش حياء المجتمع.
فى معظم مسرحيات المهرجان كانت البكائية هى الغالبة.. ولم لا والوطن العربى كله يئن من جراح الظلم والقهر والاستبداد، ورائحة الدم باتت تملأ الأمكنة.
اللافت أن معظم السينوغرافيا والديكورات فى العروض المسرحية كانت موحشة وموحية بسيطرة الحكم الظالم على الشعوب العربية ويد البطش الديكتاتورية التى تحيطه من كل جانب وتعكر عليه صفو عيشه وتملأ حياته رعبا كلما غدا أو راح!! هنا تحضرنى مقولة لحكيم صينى عندما سألوه عن عمره فقال: إذا قيس عمرى بالشقاء فأنا أطول الناس عمرا وإذا قيس بالسعادة فأنا لم أولد بعد.. هكذا حال شعوبنا العربية - كما تقول معظم العروض المسرحية.. هى لم تولد بعد!! فى مسرحية «عنق الزجاجة» شاهدنا كيف جسد الممثل الكويتى القدير «جمال الردهان» شخصيات «صدام حسين» و«حسنى مبارك» و«معمر القذافى» وأدانهم جميعا بأنهم السبب فيما وصلت إليه حال الشعوب العربية الآن من ذل وهوان وفقر ومرض وتخلف، كان من المفترض أن يضيف «الردهان» شخصية «بشار الأسد» إلا أن التناول المسرحى كان المقصود منه سقوط الأنظمة ونظام «بشار» لم يسقط بعد فتم استبعاده. أيضا فى مسرحية «تهوم» كان الحاكم هو محور الأحداث من خلال الخليفة الذى أراد أن يستعبد شعبه ويسير حياتهم وكأنهم قطع شطرنج يحركهم كيفما شاء، العرض أثار جدلا كبيرا بعد أن اتهمه الفنان القطرى الكبير «غانم السليطى» بأن المقصود من تلك الشخصية هو «معاوية بن أبى سفيان» ووصف التناول بأنه سخرية عفنة، فى الوقت الذى برأ فيه «أحمد الشطى» - مؤلف العمل - نفسه وقال أنه لم يكن يقصد أبدا «معاوية»، وإنما كان يقصد كل حاكم ظالم هدم المعبد عليه وعلى شعبه وأحرق وطنه.
مسرحية «عتيج الصوف» الارتجالية وصلت برمزيتها لأن يكون النص فيها هو الدستور والممثلون هم الشعب والمخرج هو الحاكم.
الشيطان وما يوسوس به فى آذان الناس من أفعال الشر كانت سمة أيضا غالبة فى بعض الأعمال المسرحية المشاركة فى المهرجان، ففى مسرحية «بروباجندا» كان الشيطان هو البطل فى وسوسته للإعلاميين الفاسدين. كذلك المثقفون، فأشار إليهم العمل بأنهم سبب خراب ودمار الأمة، وفى «معزوفة الذاكرة» الشيطان ظل يوسوس للابن للتخلص من جذوره وأصوله ونسف أمجاد وتاريخ والده، والتلذذ بحياة الضياع بلا مستقبل.
فى مسرحية «امرأة لا تريد أن تموت» كانت المرأة هى الحاضر الغائب، حيث قامت المسرحية بدور المحامى للدفاع عن حقوقها فى ظل رغبة المجتمع لتغييبها عنه. الأعمال المسرحية كلها خلال ليالى المهرجان أكدت على أنه ليس هناك دور صغير ودور كبير، وإنما هناك ممثل صغير وممثل كبير.∎