استرداد صناعة السينما من قبضة المؤسسات والشركات الخاصة التى تستهدف الربح المادى فقط واقتصار السوق السينمائية على أفلام تؤكد على الانحدار الفكرى والثقافى للمشاهد، هو الأمر الذى دفع مجموعة من شباب صناع السينما المستقلة والمهتمين بها لتأسيس حركة «تمرد السينمائية» مستلهمين فكرتها من الحركة الثورية لإطلاق سينما تحترم عقل المشاهد.. سينما متحررة وناضجة وجريئة. المفاجأة أن الحركة واجهت أول مطب صعب موجود، مجموعة من الشباب المنضمين والمنتمين لشباب الإخوان فى تلك الحركة، ولديهم بعض الأفكار المتطرفة التى حاربت الفن عموما فى عهد الإخوان المسلمين، مؤكدين أن الفن لا يمكن أن يكون عبارة عن مشاهد عرى وقبلات ساخنة، وفى تطور سريع انشقت هذه المجموعة عن الحركة وأعلنوا رفضهم التام لبعض المبادئ التى انطلقت بها.
«روزاليوسف» توجهت لمعرفة تفاصيل أكثر عن أسباب انشقاق هذه المجموعة، وقال «أحمد على» مخرج وثائقى ومنشق عن الحركة : الفن دائما مرتبط بالأحداث السياسية والاجتماعية التى تحدث فى مصر، ولكن السينما المصرية فى سنواتها الماضية- قبل وبعد ثورة 25 يناير- تحاول استغفال الشعب المصرى، فلم نر قبل الثورة فيلما واحدا ينتقد الحكومة أو معاناة التيارات الإسلامية وإظهارها فى صورة فيروس سيصيب المجتمع بالانحلال بل ظلت السينما تحاول تمجيد الحكومة والنظام، وتداخل مع هذه النظرية الضيقة احتلال شركة «السبكى» للإنتاج السينمائى دور العرض رغم ما تقدمه من مستوى منحدر بتمرير من الرقابة على المصنفات الفنية التى لم توقف سيناريو واحدا لها بل كله كان يمر دون إعطاء أى ملاحظات أو حذف لبعض المشاهد، والتى كانت تحتوى على ألفاظ خارجة نستمع لها فى الشارع دون وجود معايير لضبطها أو الحد منها، بل ساهمت فى تقديم نماذج سلبية، وبالتالى أصبح لدينا «محمد رمضان» الذى نقتدى به إلى جانب تسهيل مرور أغانى المهرجانات الشعبية التى تحتوى على إيحاءات جنسية صريحة مثل أغنية «العلبة الذهبية» و«هاتى بوسة يا بت».
وعن انشقاقه من حركة «تمرد» السينمائية أضاف : المبادئ التى تم الاتفاق عليها قد تغيرت وأصبح هناك طابع آخر يتحدثون عنه وهو الحرية فى وجود مشاهد عرى وجنس إذا كانت تخدم السياق الدرامى، هذا بالإضافة إلى تصدير أفلام تتحدث عن «زنى المحارم» و«الشذوذ» و«الركلام».
فمن وجهة نظرى - الكلام لأحمد على - هذه أفلام تناقش قضايا توجد بالمجتمع ولكن طريقة التعبير عنها ستكون أرقى مما قدم من قبل، فهناك ما هو أهم من كل ذلك، فهناك قضايا أخرى من الممكن مناقشتها، وبالأخص قضية التيار الإسلامى، وهذه هى القضية الشائكة التى لا يفهمها البعض، من الممكن أن نقول إن جماعة الإخوان المسلمين قد أخطأت فى إدارة شئون البلاد.
أخيرا فإن أحمد على المنتمى لحركة الإخوان المسلمين على حد تأكيده لنا يقول :علينا أن ندرك أن هذه الجماعة تعرضت لظلم وضغط كبير على مدار 80 عاما فكانت أشبه بالقنابل الموقوتة التى خرجت إلى النور ينتابها بعض التخبط ولكن لم تكن بقدر ما هى كما وصفها الإعلام المضلل بأنها جماعة كاذبة وقاتلة ؟!!
أما «محمد عزت» مصور ومنشق عن الحركة فاتفق مع أحمد على وقال: إن انسحابه من الحركة لرفض الأفلام الوثائقية التى قام بتصويرها أثناء فض اعتصامات النهضة ورابعة العدوية الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين، وأشار إلى أن البعض يرى أن هذه الأفلام لا يمكن أن تعرض خاصة بعد انتهاء مرحلة الحكم الإسلامى.
وأضاف: الحركة من المفترض أنها تهدف إلى سينما نظيفة فى كل شىء، فبجانب التخلى عن المشاهد الإباحية علينا أيضا عدم تمجيد طرف على حساب الآخر، أى علينا انتقاد كل شىء، فالحرية هى تقبل الرأى والرأى الآخر، ولكن هذا ما تخلت عنه الحركة - على حسب قوله ويصف البيان الذى أطلقته الحركة بأنه كان هزلياً وغير موضوعى.
الجدير بالذكر أن الحركة قد أطلقت فيديو لبيانها الأول على موقع «اليوتيوب» والذى تم طرحه بشكل كوميدى ظهر فيه مجموعة من السينمائيين المستقلين قائلين، «نحن جماعة من كوكب كريبتون أتينا إلى كوكبكم لتدنى مستوى السينما.. ونرفع شعار السينما النظيفة.. يعنى من الآخر هنضفكوا هنضفكوا، لقد نزلنا إلى هذا الكوكب لنتخلص من السينما التجارية وننشر السينما النظيفة.. وهى تعنى أن نستخدم مسحوق مواعين مع بعض مواد المطهرات تطلع سينما نظيفة بدون أى رواسب.. أما عن موضوع القبلات والأحضان فده إحنا معندناش فيه مشكلة إحنا ممكن نبوس ونحضن عادى بس بوس نضيف وحضن نضيف.. أى نعم للبوس النضيف» ويعود عزت ليصف البيان بأنه كرتونى سخيف لم يتحدث عن مبادئ وخطوات صناعة سينما نظيفة ومن وجهة نظرى أرى أن السينما تحتاج إلى كوادر حقيقية تقوم على تنظيفها بالكلام، بدءا من وزارة الثقافة وشركات الإنتاج وأيضا المخرجين والمؤلفين والممثلين، فمن المفترض أن تكون فكرة تشويه التيار الإسلامى ووصفه فى صورة إرهابى ومنحرف أخلاقيا.
أعضاء الحركة الرسميين من جانبهم كشفوا لنا عن أهداف الحركة وهنا قالت «نيفين شلبى» مخرجة وثائقية والمتحدث الإعلامى لحركة تمرد السينمائية : نحن جماعة سينمائية، لاتنتمى لأى جماعة سياسية وهدفنا تصحيح مسار السينما المصرية، بعدما وصلت إليه من اضمحلال فكرى وذلك من خلال مخاطبة الجهات المسئولة من وزارة الثقافة وشركات الإنتاج بفتح الطريق أمام شباب السينمائيين وقد وصل أعداد المشاركين بالحملة إلى 2500 عضو.
وأضافت: إن هؤلاء الشباب وهى واحدة منهم يصنعون أفلامهم بالجهود الذاتية منذ سنوات ويشاركون بها فى الكثير من المهرجانات الدولية، ويحصلون على جوائز كبرى عن هذه الأفلام، التى قدمها بعض أعضاء الحملة للموزعين لعرضها فى القاعات الخاصة بهم بلا مقابل، ولكن للأسف وضعت فى الأدراج دون النظر لها.
تصف نيفين مستوى السينما المصرية فى الفترة الأخيرة بأنها استسلمت فى الفترة الأخيرة للسينما التجارية التى تهدف إلى تصدير وجبات سريعة الهضم لم تترك بصمة فى تاريخ السينما المصرية،لذلك فمن أهداف ومطالب الحركة هو تدخل الحكومة للإشراف على هذه الصناعة، وإعطاء فرص لظهور فكر ودماء جديدة.
وبسؤالها عن المنشقين عن الحركة أكدت أنها لا تعلم عنهم شيئا، وأضافت إن الحركة تهدف إلى فكر إبداعى وثقافى وليس مجرد مواجهة سياسية بين مؤيد ومعارض للفريق «عبدالفتاح السيسى» والرئيس المعزول «محمد مرسى» فقد أخرجت فيلما وثائقيا بعنوان «الأيام الأخيرة للإخوان المسلمين» قبل ثورة 30 يونيو وأنها أرادت أن تخرج فيلما ينتقد الحكومة أو وزيرا بعينه، فمصر لابد أن تتغير بعد أحداث ثورتى 25 يناير و30 يونيو من أعظم الثورات التى قام بها الشعب المصرى.
الممثلة الشابة «رندا البحيرى» المنسق الفنى للحركة والتى شاركت فى عدد من الأعمال السينمائية فى الفترة الأخيرة مثل «بوسى كات والبرنسيسة» قالت: إن انضمامها للحركة لاقتناعها بفكر الحركة حول مجموعة من الأفلام الوثائقية والروائية القصيرة والطويلة التى تحتاج إلى «الدراسة والتصاريح والتمويل والدعاية والعرض» وأطالب بأن تلتف حولها الدولة وتخصص لها دور عرض لعرضها دون احتكار كامل لأفلام قد سئمنا منها ولا تغير شيئا فى المجتمع وأن الحديث عن أن هذه الأفلام تخفف عن الشعب المصرى نتيجة الأحداث السياسية الملتهبة التى يعيشون فيها ولكن هذا كلام مغلوط والحكم سيكون للجمهور.