تزامنا مع مرور 50 عاما على تأسيس أسقفية الخدمات العامة والاجتماعية واستعداد الكنيسة للاحتفال بها بشكل عالمى، كان لابد من إقناع الأنبا يوأنس للحديث معى فى هذه الظروف التى تمر بها مصر، خاصة أنه لم يدل بحديث خاص منذ رحيل البابا شنودة، حيث يتميز الأنبا يوأنس بشعبية كبيرة بين الأساقفة والأقباط، خاصة بين الفقراء والمحتاجين لأنه يقوم بزيارتهم كثيرا ويساعدهم، فضلا عن موهبته فى إلقاء الألحان والترانيم والتسابيح الكنسية لدرجة أن آلاف الأقباط يتوافدون وراءه حيثما يكون من أجل ما يطلق بين الأقباط ب«تسبحة كيهك».. دائما ما يناديه الناس ب «أسقف الفقراء ورجل التسبيح».
قال خلال حواره مع «روزاليوسف» أنه تم تأسيس الأسقفية فى 30 / 6 / 1962 ومن اسمها الخدمات الاجتماعية والمسكونية، فهدف تأسيس الأسقفية هو خدمة الفقراء وتنمية المجتمعات الفقيرة، لدينا جناحان هما جناح التنمية وجناح الإحسان، أما مجالات وأقسام الأسقفية فهى قسم التنمية الشاملة المتكاملة للقرى الفقيرة وبرنامج «أغابى» لخدمة الفقراء على مستوى الجمهورية وخدمة أسرة فيرينا للعشوائيات والمناطق الفقيرة بالقاهرة الكبرى وخدمة خاصة للنجوع بالوجهين القبلى والبحرى وبرنامج الصحة الإنجابية ومكافحة ختان الإناث وبرنامج الحياة الأفضل لخدمة المدمنين وبرنامج خاص لخدمة متحدى الإعاقة وأقسام العلاقات المسكونية والمراكز الخدمية والمراكز الإنتاجية، قمنا بتنمية 75 قرية فقيرة، بالإضافة إلى برنامج خاص بالتعليم فى 500 قرية وقمنا بمحو أمية 2000 مواطن مصرى لدرجة أن هذا البرنامج حصل على الجائزة الثانية فى اليوم العالمى لمحو الأمية لمدة 3 سنوات حيث كانت الجائزة الأولى لهيئة تعليم الكبار، والجيش حصل على الجائزة الثالثة والأزهر حصل على الجائزة الرابعة.
وكشف الأنبا يوأنس عن شىء لم يتوقعه أحد قائلا: إذا كان الأقباط أكثر من 15 مليونا، فإن أكثر من 30٪ من الأقباط يعيشون تحت خط الفقر.. «أنا شوفت الكلام ده بعينى مش إحصائيات وتقارير توصلنى وخلاص كدة» أنا قمت بزيارة النجوع الفقيرة وبالتأكيد هناك فرق بين النجع والقرية.. النجع يضم مئات قليلة من الناس وبه فقر كبير.. مشيرا إلى أنه أكثر من 400 موظف.
وحينما سألته عن مساعدة المقبلين عن الزواج قال: نعم.. نساعد المقبلين على الزواج الذين يحتاجون فقط للمساعدة.. «ضاحكا» مش كل اللى هيتجوز هنساعده ولكن على حسب ظروف كل حالة.. بلغت مساعدة زواج الفتيات المقبلات على الزواج من الفقراء فقط خلال العام الحالى أكثر من 2 مليون جنيه لعدد 1842 فتاة.
وعن العشوائيات كشف أسقف الفقراء عن أن الكنيسة لديها برنامج خاص لتنمية العشوائيات والمناطق الفقيرة بالقاهرة الكبرى، وهو باسم فيرينا، وهى قديسة مصرية كانت مهتمة بالفقراء، حيث نهتم برفع مستوى الوعى الصحى والظروف المعيشية والوضع الاقتصادى لأكثر من 25 منطقة عشوائية.
قلت: إنك تتوافد كثيرا على قرى ومدن الصعيد.. فما هى الأسباب وراء الدعم المباشر والملحوظ للإخوان من قبل «الصعايدة»؟ فرد بقوله: دعم بعض القرى والمدن فى محافظات مصر قبلى وبحرى لهذا التيار متغير حسب ظروف كل محافظة، لكن الجهل والفقر سبب رئيسى ممكن تلعب وتسيطر عليهما بسهولة، ولكن الأمر الآن أعتقد أنه اختلف والأمور انكشفت بالنسبة لهذا التيار بالنسبة لبعض البسطاء، أما الإرهاب فسينتهى لأن كل الناس ضده، حاربنا الإرهاب فى أيام التسعينيات وانتهى.. الأجهزة الأمنية والجيش والأجهزة الاستخباراتية عندهم معلومات كثيرة والموضوع يحتاج لوقت قليل، وأنا كنت متفائل جدا لأن المصريين طيبين ويستاهلوا كل خير مصر بلاد مبروك يا مايكل.
أما عن حرق الكنائس من قبل جماعات متطرفة ومسلحة عقب ثورة يونيو وفض الاعتصامات فوجه لى سؤالا وقال خلينى أسألك إزاى المسيحيين قبلوا هذا الكلام وهذه التصرفات القبيحة؟.. قبطى يعيش فى فرنسا قال لى: الكنائس اتحرقت واحنا مبسوطين، فضحكت وقلت له: المبانى اتحرقت هتترمم تانى وتبقى أحسن من الأول، اجعلنى أصارحك أن الأقباط دفعوا ضريبة غالية وقاسية من أجل مصر وقدموها بفرح وشكر.. الأقباط استحملوا من أجل مستقبل مشرق. مشيرا إلى أن الكنيسة كانت متوقعة ولكن ليس بهده البشاعة.
قلت له ولكن كان هناك تجاهل متعمد من قبل الغرب ووسائل الإعلام الأمريكية خاصة، وبما أنك عضو فى مجلس الكنائس العالمى كان لابد من دور فى هذا؟ فرد: بالفعل كان هناك دور حيث اتصل بى سكرتير مجلس الكنائس العالمى «أولاف» وهو صديق للكنيسة المصرية وكان يسمع ويشاهد ما تذيعه cnn ولكن نقلت له الحقيقة غلط وتعالوا شوفوا الكنائس اتحرقت ونهبت، وبعدها أصدر المجلس بيانا وتصريحا بدعم ثورة يونيو.
وحينما سألته عن مدى قبول الكنيسة القبطية المعونات الخارجية من عدمه فقال: نعم ولكن من هيئات مسيحية مهتمة بالفقراء فقط ولا نتلقى أى أموال من أى حكومات أو هيئات حكومية غربية على الإطلاق، نحن لسنا جمعية بحيث نتلقى معونات حقوقية أو ما شابه، فكما قلت لك وأؤكده أن ما يصلنا من أموال عبارة عن تبرعات وعشور من المؤمنين الأقباط وبعض الهيئات المسيحية المهتمة بعمل الفقراء فقط وهى محددة وتمول عمل الفقراء والعمل التنموى فقط، فلا علاقة لها بحقوق الإنسان أو بمبانى جديدة أو حتى كنيسة اتحرقت ونريد ترميمها.
سألته هل الحكومة الأمريكية لا تساعدكم فى شىء؟ «ضحك» لم نتلق من الهيئات الحكومية الأمريكية دولارًا واحدًا، وأحكيلك موقف أنا فاكر جابولى ميعاد مع نائب المعونة الأمريكية فى واشنطن وقالوا لى ميعاد حضرتك نص ساعة فقط قدمتله ورقة عن العمل التنموى للفقراء المسيحيين والمسلمين فى مصر، وبعد ما سمعنى، قال أنه عمل رائع لك ولكن أنا متأسف لا أستطيع مساعدتك لأننا لا نقدم خدمات للكنائس ولا المساجد.
وعن الدعوات التى طالب بها الإخوان والسلفيون بمراقبة أموال الكنيسة أكد أن أموال الكنيسة كلها من عشور المؤمنين والتبرعات.. هذه الأموال تأتى عن طريق البنوك، وبالتالى الأجهزة الرقابية تعلم تماما عن هذه الأموال ومصدرها.. من الآخر كده الدولة عارفة كل مليم داخل وخارج الكنيسة وإزاى وإمتى، الكنيسة لا تخفى شيئا.
ليس من المعقول أن نتحدث مع الأنبا يوأنس ولا تأتى سيرة الراحل البابا شنودة الثالث الذى احتضنه كسكرتير شخصى له وقلت له: إلى أى مدى تفتقد هذا الرجل؟ «متأثرا وعيناه تفكران فى الدموع» وأجاب: نعم يا مايكل أفتقده كثيرا لأن شخصة البابا شنودة منطبعة فى كيانى.. وأعتقد أنك تفتقده كثيرا أنت كشخص لأنك كنت قريبًا منه، والمصريون جميعا يفتقدون هذه الكاريزما العملاقة، أنا كشخص لا يكفينى سنوات لأتكلم عن قداسة البابا شنودة.. أنا عشت مع البابا فى المقر البابوى 21 عاما.. كان عمرى فى هذا التوقيت 31 سنة، تعلمت منه الكثير والكثير.. تعلمت منه الحب والعمق فى كل شىء.. عمق التحليل.. عمق العلاقات، عمق الحياة مع الله.. عمق الكتابة والكلام، فضلا عن عمق الوطنية، تعلمت منه المصداقية الشديدة، فكان يقول الكلمة ولن يتراجع عنها.. تعلمت منه الرحمة، فحنو سيدنا لا مثيل لها كان يقول لوحدى على انفراد خليك حنين وخليك مع الفقراء وخلى إيديك فرطة خليك سخى مع الناس، أنا فاكر المواقف والأماكن اللى كنا نتكلم فيها مع بعض.. كل ما تدى للفقراء ربنا هيبعتلنا أكثر.. وأشياء وأحاديث أخرى لا حصر لها.
فى آخر حديثى معه قال حول الدستور المنتظر إنه باختصار شديد أتمنى الحق لكل أحد.. كل واحد يحس إنه بياخد حقه وأيضا عليه واجبات.. أنا لى حق وعلىَّ واجب.. يكفينى أن دستور بلدى يعطينى حقى ويطلب منى واجبى نحو البلاد، مش عايزين أكثر من كده، لجنة الخمسين تضم مصريين يعبرون عن أطياف الشعب وليس تيارات بعينها، الأنبا بولا ممثل للشعب المصرى كله وليس الكنيسة فى لجنة الخمسين.