الجامعات المصرية كانت تمارس مهمتها دون الحاجة لاستحداث الضبطية القضائية فيها لموظفى الأمن ضد الطلاب المخالفين، ولكن بعد الأحداث السياسية الأخيرة التى شهدتها البلاد كان لا بد من إيجاد صيغة تضمن أمن الجامعات وسلامة الطلاب وكان الاقتراح بإقرار حق الضبطية القضائية لأفراد حرس الجامعات؛ لضبط الحالة الأمنية فيها، وذلك قبل أن تنفيه الحكومة إلا أن النقاش لايزال محتدما حول دوافع اللجوء إليها من وقت لآخر. ولعل صمت وزارة التعليم العالى (المنوط بها الإشراف على التعليم الجامعى) وكذلك الحكومة، لمدة أسبوعين على الأنباء التى ترددت حول صدور القرار، هو الذى جعل الطلاب لا يستجيبون سريعا لنفى الحكومة. إلا أن «الضبطية القضائية» فى الواقع ليست حقاً مطلقاً يمنحه المشرع، بل إنها عندما تعطى لموظف ما فإنه يتم تحديدها فى نطاق اختصاصه.
استغلال أنصار جماعة الإخوان المحظورة لبدء العام الدراسى لتحويل الجامعة لساحة اعتراك سياسى وتحويل أروقتها إلى أماكن للمسيرات والتظاهرات تسبب فى وقوع اشتباكات بين الطلاب.
كانت مسيرة للطلاب من أنصار المعزول محمد مرسى بالحرم الجامعى تردد هتافات منها «يسقط يسقط حكم العسكر» و«الانقلاب هو الإرهاب»، بينما يرفع المشاركون بها أيديهم بإشارة «رابعة»، فيما قابلهم طلاب الجامعة بعلامة النصر، مرددين هتافات «يسقط يسقط حكم المرشد»، و«الإخوان هما الإرهاب»، الأمر الذى أثار حفيظة طلاب الإخوان، ودفعهم للاعتداء على الطلاب، وتدخل أفراد الأمن الإدارى بالجامعة لوقف الاشتباكات ومنع تطورها، وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن مصرع أحد الطلاب وقد تدخلت قوات الأمن والمدرعات العسكرية لوقف هذه الاشتباكات.
كما تظاهر المئات من حركة «طلاب ضد الانقلاب» المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين بجامعة عين شمس، أمام البوابة الرئيسية للجامعة تنديدا بالضبطية القضائية وللمطالبة بالإفراج عن الطلاب المعتقلين، وردد الطلاب أثناء وقفتهم «كلنا رابعة.. الجامعة حرة.. الداخلية بره» و«يا داخلية الملاعين هاتوا إخواننا المعتقلين»، كما رفعوا لافتات مكتوبا عليها «طلاب ضد الانقلاب»، ولافتات أخرى عليها إشارة رابعة، وقد شهد محيط جامعة عين شمس حالة تأهب من قوات الجيش والشرطة المتمركزة أمام البوابة الرئيسية تحسبا لوقوع أى اشتباكات، وعاد الطلاب بمسيرتهم فى اتجاه مسجد النور بالعباسية بمجرد علمهم بتأهب قوات الجيش للتحرك أمام البوابة الرئيسية للجامعة وكانت الصواعق والشوم والسنج هى أسلحة الطلاب فى هذه الأحداث، وقد امتدت الاشتباكات إلى مجموعة أخرى من الجامعات منها جامعة المنصورة والمنيا وغيرها من الجامعات التى شهدت فعاليات مؤسفة داخل الحرم الجامعى.
د. حسن نافعة - رئيس قسم العلوم السياسية جامعة القاهرة - أكد أن الجدل الدائر فى مصر حول قرار منح الجهة المسئولة عن أمن الجامعة سلطة «الضبطية القضائية» يعكس حجم الفوضى التى تكتنف عملية صنع القرار فى مصر، وعلى مختلف المستويات، وقد تجلت هذه الحقيقة بوضوح تام فى مؤتمر نظمته جامعة القاهرة، منذ أيام، وتعرض فيه الدكتور حسام عيسى، وزير التعليم العالى، لهجوم حاد دفعه للانسحاب من المؤتمر، ومغادرة القاعة، وسط ذهول الكثيرين، وهو ما يدل على أن الخلل الذى كان قد أصاب عملية صنع القرار، إبان حكم مبارك، وفشل مرسى فى إصلاحه ما زال قائما حتى الآن، على الرغم من اندلاع ثورة ثانية أتت بحكومة يفترض أن تكون أكثر تعبيرا عن مصالح الجماهير، وأنه ربما يستمر معنا لفترة طويلة قادمة.
دكتور حسام كامل - رئيس جامعة القاهرة سابقا - قال: إن ما يحدث الآن داخل الجامعات المصرية وما نراه على شاشات التليفزيون هو انعكاس لحالة الفوضى الموجودة فى الشارع المصرى مشيرا إلى أنه دائما من المتوقع مع بدء الدراسة بالجامعات أن تحدث مشاكل من هذا النوع وبعض الاشتباكات وسرعان ما تنتهى هذه المشكلات بعد انتظام الدراسة والمحاضرات بالجامعة وبالتالى تهدأ الأوضاع وتستمر الدراسة فى هدوء، ولكن فى هذا العام بسبب مشكلة الضبطية القضائية التى رفضها الطلاب واعتبروها محاولة لتكميم أفواههم وعودة للدولة البوليسية إلى الجامعة، ولكن هذا غير صحيح فموضوع الضبطية القضائية فهم بشكل خاطئ حيث إنه لم يكن القصد منها سوى ضبط الطلاب البلطجية الذين يحملون أسلحة داخل الجامعة أو مخدرات.
وطالب دكتور حسام بإلغاء الضبطية القضائية التى تسببت فى إثارة هذه الأزمة بين الطلاب داخل الجامعة وتعود الجامعة لما كانت عليه فى السابق ويتم القبض على الطالب المخالف سواء المتهم بالبلطجة أو حيازة أسلحة أو حيازة مخدرات ويتم عمل محضر له بالواقعة المتهم فيها.
وعبر رئيس جامعة القاهرة السابق عن تفاؤله بأن الهدوء سيعود مرة أخرى إلى الجامعات لأنه فى النهاية سيعمل الطالب على الاهتمام والتركيز على مستقبله.
دكتور على شمس الدين رئيس جامعة بنها أكد أن ما حدث فى الجامعات هو يمثل حالة عدم الانضباط وعدم احترام القانون وعدم تطبيقه، ولكن عدم تطبيق القانون وعدم معاقبة أى مخالف هو ما أثر على الجامعات بصورة سلبية، خاصة أن الشباب لديهم حماس شديد ورغبة فى التغير السريع للأوضاع التى يعيشونها وهذا ما يزيد من تعقيد الأزمة.
وأضاف أن الظواهر الجديدة من حمل الطلاب لأسلحة ومخدرات داخل الجامعة يمثل انعكاسا لحالة الفوضى التى نشهدها خارج أسوار الجامعة، مشيرا إلى أن الضبطية القضائية شىء لا وجود له وهو مجرد اقتراح ضمن حزمة اقتراحات خرجت عن مناقشات استمرت لشهور فى المجلس الأعلى للجامعات.