ولأن الإعلام له دور فى صناعة الوعى لدى الجمهور، فإنه فى نفس الوقت أداة فى تحريك الشارع وإثارة المشاعر، وهنا قد يحكم «هوى» القائمين على هذه القنوات فى التأثير على ما يتم تقديمه من مادة إعلامية، بعد أن انتقلت الحيادية والمهنية الى رحمة الله فى كثير من قنوات الإعلام العربى.. اليوم عندما تمسك بالريموت كنترول وتحرك البحث على القنوات الموجودة على الريسيفر الخاص بك ستجد ما لذ وطاب وشذ. منذ عزل الرئيس محمد مرسى ظهر العديد من القنوات غير المصرية، التى تقوم بنقل فعاليات مصرية 100٪ من رابعة العدوية والنهضة - قبل أن يتم فض الاعتصام وصولا إلى نقل المسيرات الليلية التى تخرج فى بعض المناطق المصرية فى شوارع المحروسة، وقد اكتسبت تلك القنوات شهرة واسعةبين قطاعات من المصريين المتعاطفين مع جماعة الإخوان والرئيس المعزول ربما لأنها كانت المتنفس الوحيد لهم بعد غلق العديد من القنوات المحسوبة على تيار الإسلام السياسى.
الأزمة ليست فى وجود تلك القنوات وبالطبع فإن الحل ليس فى غلقها، لأن محاربة الفكر يجب أن تكون بالفكر وليس بالغلق أو القمع أو المصادرة، ولكن فى تلك المادة التى تقدم للمشاهدين خصوصا أن أكثرها يكون معلومات مغلوطة وغير دقيقة تحتاج إلى المراجعة، ويبدو أنه ضمن هوجة الأخبار المتناثرة هنا وهناك أصبحت تلك القنوات تبث بعضًا من أخبارها المغلوطة إلى المصريين الذين يتم حشدهم نفسيا - على الأقل - دون محاولة إعمال العقل فى ما يتم بثه.
وبالعودة الى الوراء سنجد أن الأزمة ليست وليدة اليوم ولكنها مستمرة منذ قيام ثورة ال25 من يناير، ولكنها تلك الفترة قد زادت ربما لسحر كلمات مثل «الشريعة والشرعية» لما لهما من مكانة خاصةلدى قطاعات من المصريين.
كلنا يتذكر قناة «سكوب» الكويتية والتى تبنت حملة للدفاع عن الرئيس الأسبق مبارك فى الوقت الذى كانت مصر تستعد لمحاكمته حينها بالعديد من التهم الموجهة منها قتل المتظاهرين واتهامات بإهدار المال العام والكسب غير المشروع، وقد ظهر المذيع الكويتى سعود الورع وهو يتحدث عن الرئيس الأسبق من خلال برنامجه «مع الناس»، واصفا إياه بالبطل، وواصفًا الشعب المصرى ب«قليل الأصل» وقد وجه كلمة شهيرة حينها قائلا: «يا إخوانا المصريين أنا عايز أقول لكم كلمة، أنا مواطن كويتى يوم ما بلدى احتلت حسيت إن الدنيا كلها سكرت فى وجهى كنت حاسس فى بلدى إن مفيش أمن وأمان، وأنا حاسس بيكم.. مبارك مسجون.. ليه الإهانة بالشكل الوحش ده، الرئيس ينشتم؟! والزوجة تنشتم؟! كان يقدر يهرب ويطلع بكرامة.. حرام عليكم عاوزين الراجل يخرج من الدنيا بكرامته فى آخر أيامه.. الله يخليكم.. الله يخليكم.. والله العظيم حرام عليكم.. 30 سنة تمجيداً و30 يوم إهانة.. الإهانة من الأهل صعبة.. هتقتلوه.. لو مات انتو قتلتوه!
ولم تكتف القناة بذلك فقط، بل إنها اتهمت الثوار أنفسهم بالعمالة لحساب الجهات الأجنبية وبتنفيذ مخطط ماسونى.
الحملة المشبوهة التى تبنتها حينها تلك القناة جعلت العديد من الشباب يطالبون بمقاطعة القناة التى تمجد قاتل الشهداء وإغلاقها وهو مالم يتم ولن يتم على مايبدو!
وما قدمته قناة سكوب بعد خلع مبارك يختلف 180 درجة عما انتهجته قناة «الرأى» السورية فى الوقت الذى قامت فيه الثورة المصرية اثناء يناير 2011- عندما كانت تغطى أحداثا مغايرة للثورة، وكانت تضخم الأحداث بشكل فج ونشر معلومات مغلوطة مثل إطلاق نار بين بدو سيناء وأجهزة الشرطة أو قتل العديد من ضباط الشرطة على أيدى المتظاهرين والتمثيل بجثثهم، وهى كلها أخبار كاذبة للإثارة والتحريض، ومع ذلك لا تلقى أىضوء على ما يحدث فى سوريا من انتهاكات لحقوق الإنسان من خلال سياسة القمع التى ينتهجها نظام بشار الأسد ضد معارضيه حتى كتابة تلك السطور!
وما أشبه اليوم بالبارحة.. قنوات تدعم الشرعية، قنوات ضد الانقلاب العسكرى، قنوات مع الشريعة، الثورة الإسلامية فى مصر، كلها مسميات والهدف واحد.. أكثر من 20 قناة تدعم الرئيس السابق محمد مرسى رغم اختلاف جنسية كل قناة حتى رغم صدور قرار من محكمة القضاء الإدارى منذ أيام والخاص بغلق بث قنوات «الجزيرة مباشر مصر» و«اليرموك» و«القدس» و«أحرار 25» ورغم نشرها لترددات جديدة ورغم إغلاق مكتب قناة القدس فإن البث مازال مستمرا.
قنوات مثل «أحرار 25 والحوار واليرموك والأقصى والقدس والزيتونة والأمة والمغاربية والتركية T R T والعصر وسهيل وشباب اليمن والمستقلة والتونسية TNN والشرعية والمستقلة و4hbab» كل تلك القنوات بالإضافة إلى قناة الجزيرة القطريةوالجزيرة مباشر مصر يمكن ان يطلق عليها «قنوات ضد التيار».
أولى تلك القنوات قناة الشرعية المصرية التى ترفع شعار. دفاعا عن الشرعية ضد الانقلاب العسكرى. وتأييدا للرئيس المنتخب محمد مرسى وهى تنقل المسيرات التى تخرج فى بعض المحافظات المصرية وتقوم تلك القناة ببث أخبار كاذبة عن انشقاقات فى صفوف الجيش المصرى بين الحين والآخر!
أما قناة «الحوار» التى تبث من لندن وترفع شعار صوت العرب فى المهجر ولكنها تلك الأيام رفعت شعارًا آخر هو «مرسى الشرعية» تقدم تغطية حية على مدار اليوم ومعظمها عبارة عن اتصالات على غرار «تامر من غمرة».. ولكنه اليوم أصبح بلال من مدينة نصر!!
قناة اليرموك ترفع شعار «قريبون منكم وهى قناة أردنية ولكنها أيضا تركت الأردن وما به واتجهت صوب أحداث مصر وما يحدث فيها، فكما يكتسب نجوم الفن شهرتهم من هوليوود الشرق الأوسط مصر فإن تلك القنوات تكتسب شهرة واسعة منخلال اهتمامها بالشأن المصرى، حتى وإن نقلت أحداثًا مغايرة للحقيقة.
قناتا الأقصى والقدس ايضا تركت الصراع الفلسطينى بين حركتى حماس وفتح منذ سنوات لتتفرغ إلى الشأن المصرى، ولما لا وهما تابعتان لحركة حماس القريبة من جماعة الإخوان المسلمين فى مصر وإذا عرف السبب بطل العجب!
أما قناة TRT التركية فمنذ أن أشار أردوغان بعلامة رابعة العدوية وأصبحت تلك القناة المتحدث الرسمى باسم رابعة العدوية فى العالم وهى أول قناة تركية ناطقة باللغة العربية ورغم اهتمامها بالشأن التركى بالأساس فإنها تقوم من خلال برنامجها «كلام مباشر» بمناقشة الشان المصرى الداخلى.
وتأتى قناة المغاربية التى تكتب فى صدر موقعها الإلكترونى قناة «المغاربية» تقدم خدمتها الإعلامية للجمهور المغاربى تسعى لأن تكون فضاءً لتواصل الشعوب المغاربية، يطّلعون من خلاله على واقعهم دون تعتيم أو تزييف ويطلّون منه على العالم وتجارب شعوبه، كما تفتح المجال أمام جمهورها للمساهمة فى نصرة القيم الإنسانية وتعزيزها، وعلى رأسها قيم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان، ومع ذلك فإنها تركت الجمهور المغربى لتهتم بالشأن المصرى من خلال البث المباشر واستقبال الاتصالات التليفونية من مختلف بلدان العالم للحديث عن الشأن المصرى الذى لا يخلو بالطبع من شتائم على الهواء مباشرة من قبل بعض المتصلين!
أما قناة الأمة المملوكة للشيخ أبوإسلام.. فرغم أنها أنشئت حسب ماصرح أبوإسلام به قائلا «قناة الأمة الفضائية أول قناة فضائية متخصصة لإرشاد المسلمين الجدد والمرتدين قانونياً واجتماعياً ونفسياً وعقدياً».. القناة بريطانية يصدرها مركز التنوير الإسلامى بالقاهرة بالتعاون مع شركة تنوير المحدودة للقنوات الفضائية والإعلام - لندن. إلا أن السب والقذف فيها على أشده على شاكلة ما يقدمه الداعية وجدى غنيم وما أدراك ما وجدى غنيم!
هذاقليل من كثير مما يقدم على شاشات تلك القنوات ويتابعه الكثير من المصريين فى منازلهم ويصدقون ما ينقل لهم حتى ولو كان مخالفًا للمنطق والعقل ويجب محاربة الفكر بالفكر عن طريق تقديم مادة إعلامية تحترم عقول المشاهدين لا تنافق السلطة ولا تسب فى معارضيها والأهم من ذلك أن تنقل الحقيقة كاملة!
الدكتور محمود علم الدين الخبير الإعلامى يعلق على ظاهرة القنوات المؤيدة لمرسى : أن ما يقدم على شاشاتها هو نوع من الحرب النفسية ودعاية سوداء موجهة لتشويه ثورة 30 يونيو.. وأعتقد - والكلام لعلم الدين - أن الحل يكمن فى الشفافية والمواجهة وتوفير الحقائق للمواطن والرد على تلك الأكاذيب التى تقدمها تلك القنوات منعا لأن يتجه إلى تلك القنوات التى تقلب الحقائق.
وأضاف علم الدين هذه القنوات يقف وراءها التنظيم الدولى للإخوان وتذيع معلومات مغلوطة حتى تنقل الحرب الإعلامية من القنوات المصرية التىتم غلقها إلى قنوات أخرى عربية من الممكن أن تؤثر على الرأى العام للخارج المصرى وبالتالى لابد من محاصرتها عن طريق تقديم الحقيقة للرأى العام .
علم الدين أخيرا دافع عن أداء التليفزيون المصرى وقال : السلطات المصرية تبذل قصارى جهدها فى تقديم تفاصيل ما يحدث فى سيناء ونقل ما يحدث لحظة بلحظة ولكن يجب أن يعى الجميع أن إعلام الحرب غير إعلام السلم ونحن فى حرب على الإرهاب الداخلى والخارجى .
وأن الغلق ليس حلاً لأن من يصمم على التضييق والخداع سيخرج له منابر أخرى.