المقاهى وتجمعات الناس فى وسائل المواصلات والأماكن المفتوحة أو حتى فى أماكن العمل تحولت إلى حلقات نقاشية هادئة أحيانا وحادة وصاخبة فى كثير من الأحيان حول تطورات الأوضاع التى تضرب مصر فى أعقاب فض الاعتصامات الإرهابية بالقوة بعد رفض كل المبادرات.الكثير من الناس يرون أنه لا يوجد أى مكاسب سوف تعود على البلد من وراء هذا الفعل..بل بالعكس تماما سوف يكون هناك دائرة من العنف وانتشار القتل وإراقة الدماء بشكل واسع وأكبر من ذى قبل . استند هؤلاء على ردة الفعل العنيفة التى أعقبت عملية فض الاعتصام من جانب قوات الأمن حيث صدرت التعليمات لكوادر وأعضاء الجماعة بتنفيذ مخططهم لحرق مصر، وبالفعل قام أعضاء هذه الجماعة المحظورة بضرب العديد من الأهداف فى مختلف المحافظات من أقسام الشرطة ومجامع المحاكم والكنائس وقطع الطرق واحتلال العديد منمبانى الدولة وأعمال تحطيم للمحلات التجارية وإشعال النيران فى العديد من المحليات وإشاعة حالة من الذعر والتخريب، المئات من القتلى وآلاف الجرحى من جانب أعضاء الجماعة ومن جانب قوات الأمن وأيضا من المواطنين والمارة وكل ذلك عدا الخسائر الفادحة فى الممتلكات الخاصة.
أما عن المؤيدين لفض هذه الاعتصامات فكان منطقهم فى هذا هو أن هذه الاعتصامات قد خرجت تماما عن إطار السلمية حيث إنهم يمتلكون السلاح ويخرجون فى مسيرات ما بين الحين والآخر ويهددون الأمن والسلم ويعطلون المصالح العامة والخاصة وأن الأوضاع بهذا الشكل أصبحت خارج سيطرة الدولة وأنهم تحولوا إلى نقط ضغط على الحكومة وعلى المجتمع على حد سواء.
وهى أمور لم ولن تكون موضع اتفاق لأنه وحتى فى حالة رضوخ الحكومة والجيش لأحد هذه المطالب كان سيؤدى ذلك إلى خروج الملايين من المصريين فى موجات مدمرة تؤدى فى النهاية إلى انزلاقالدولة إلى دوامة من العنف والحرب الأهلية بين فرقاء الوطن، وهم فى ذلك أى ( المؤيدين ) يتحدثون عن أمور واقعية فعلا لا يمكن بأى حال من الأحوال التغاضى عنها أو رفضها.
أما على جانب الحكومة فقد رأت أن هذه الاعتصامات قد أصبحت صداعا مزمنا فى رأس الوطن وبدأت تأخذ شكل الورم السرطانى الذى ينتشر فى جسد الوطن بشكل لم يعد مسموحا به.
ورأت أن فض هذه الاعتصامات أصبحت ضرورة لاشك فيه فقد تحولت هذه الاعتصامات إلى أمر واقع وكارت سياسى يضغط به كل من هب ودب من القوى الخارجية وبذلك أصبحت شريكا فى أى محدثات بين الدولة المصرية الممثلة فى الحكومة والقوى الخارجية بمختلف اتجاهاتها، ولكن الثابت فى النهاية أن فض هذه الاعتصامات قد أكسب الدولة مكاسب سياسية لا تعد ولا تحصى.
فبغض النظر عن كل هذه الخسائر التى وقعت والتى سوف تقع والتى أيضا نتجت عن بعض سوء التقدير من جانب الحكومة فكانواجبا عليها أن تقوم بتأمين الدولة ومنشآتها من قبل القوات المسلحة قبل البدء فى فض هذه الاعتصامات والتى كانت ستؤدى إلى تقليص هذه الخسائر بشكل كبير فأى إنسان يفكر كان سيعلم أنه بعد فض هذه الاعتصمات وخروج هذه الأعداد منها والمحملين بهذا الغضب كان من المؤكد أنهم سوف يحطمون ويشعلون ويخربون كل ما سيواجههم فى طريقهم، فكان لزاما على القوات المسلحة بصفة أساسية أن تؤمن أولا عمق الدولة من الداخل لمواجهة هذه المحاولات البائسة من جانب أعضاء الإخوان.
كما كان لازما على قوات الأمن رصد قيادات هذه الجماعة ومنعهم من الهرب بأى شكل لأن هذه الجماعات تفقد الكثير من قدرتها على التنظيم بالقبض على رءوسها وقياداتها، وهذا بالطبع يعود إلى أننا ومنذ عهد المخلوع نفتقد القدرة على إدارة الأزمات فهو إرث يعيش معنا على مدار عقود طويلة خضنا خلالها العديد من الكوارث والأزمات وللأسف فشلنا فىمواجهات بأقل الخسائر على مر كل تلك العقود السابقة، والفشل لم يكن فقط على المستوى التنفيذى أو الميدانى ولكن كان جزءا من الفشل على المستوى السياسى أيضا، حيث تقدم محمد البرادعى نائب رئيس الجمهورية للشئون الخارجية من منصبه اعتراضا على فض هذه الاعتصامات بالقوة، وسبب استقالته بأنه كانت هناك حلول دبلوماسية للخروج من الأزمة بشكل سلمى وهنا السؤال لماذا لم نسمع عن هذه الحلول طوال فترة وجودك فى منصبك؟ ولماذا لم يقدم البرادعى مبادرة ويتبناها من خلال منصبه للحل السلمى لفض هذه الاعتصامات؟ والإجابات كثيرة على (ألسنة الناس فى الشارع ) منها أنه أى (البرادعى) دائما ما يفضل الهروب عن المواجهة ويبرر ذلك بموقفه من انتخابات الرئاسة السابقة وغزل مؤيديه فى الشارع، ومنها أنه أيضا يهتم بالخارج أكثر من اهتمامه ببلده ويريد أن يظهر أمام الغرب أنه هو المدافع عن حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية دائما وأبدا، وهناك من اتهمه بالخيانة وأنه يريد حرق الوطن لصالح الغرب وأنه والإخوان وجهان لعملة واحدة وعملاء لهدف واحد وهو تفكيك الدولة المصرية لصالح المخطط الصهيوأمريكى فى المنطقة.
فمن أهم هذه المكاسب أنه لم يعد لجماعة الإخوان المسلمين على الأرض ما يتفاوضون من أجله فالحديث دائما وأبدا كان عن فض الاعتصامات مقابل بعض التنازلات، أما الآن فلا يوجد ما يساومون عليه لفضه وأيضا لم يعد لأى قوى سياسية سبب للتدخل فى الشأن الداخلى المصرى أو أخذ دور الوساطة لأجله.
وثانيا أن فض هذا الاعتصام قد حكم القواعد الشعبية للإخوان فأغلب الأعداد التى كانت متواجدة فى الاعتصامات كانت إما لمواطنين عاديين ولكنهم مؤيدون لهم وإما للغلابة الذين كانوا يتخذون من هذه الاعتصامات مصدرا للرزق حيث كانت توفر لهم المأوى والمأكل والأموال أيضا وبفضها فقد الإخوان الاتصال بكل هذه الجماهير وبالتالى أصبحوا بمفردهم فى مواجهة الدولة مع بعض السلفيين والجماعات الجهادية والتكفيرية.
أما المكسب الثالث فهو يأتى من جانب الإخوان أنفسهم حيث ستتجه هذه الجماعة مرة أخرى إلى العمل السرى والنزول مرة أخرى إلى تحت الأرض فسنجد فى الفترة القادمة أعمالا إرهابية وتخريبية ضد منشآت الدولة ومواطنيها مما سيؤدى إلى إضعاف شكل الجماعة أمام الشعب المصرى وأمام المجتمع الدولى وستوفر هذه الأفعال الغطاء الشرعى للدولة بالضرب بيد من حديد على الجماعة كما حدث فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، ولكن هذه المرة سيكون موقف الجماعة غاية فى السوء والانهيار.
ومن المكاسب السياسية أيضا أنه بوجود هذه الاعتصامات لم يكن من الممكن عمل أية انتخابات أو أى استفتاءات للمضى قدما فى خارطة الطريق التى تبنتها الدولة ورعتها قواتها المسلحة وبالتالى فكان لابد أولا من التخلص من هذه الاعتصامات حتىيتسنى العمل على تقصير مدة الفترة الانتقالية فى مصر.