كل ليلة يعود فيها محسن - 13 عاما - والذى يشكو من حركته البطيئة قليلا، إلى مسكنه من المدرسة حيث ملجأ الأيتام يقوم بما كان مستحيلا أن يحدث قبل اثنى عشر عاما مضت فى أفغانستان: إنه يتدرب على العزف على كمانة يقول محسن: لقد أصبحت هذه الآلة، ويقصد بها الكمان، أقرب صديق لى «لها صوت حزين».بينما تقول الهيرالدتربيون الأمريكية لقد كانت جميع هذه الأصوات الموسيقية سواء مفرحة أم حزينة ممنوعة من قبل طالبان من عام 1996 إلى عام 2001، عندما فرضت رؤيتها المتطرفة للإسلام على أفغانستان، البلد الذى له تقاليد موسيقية عريقة وثرية. لقد تعرض الموسيقيون للضرب، ودمرت الآلات الموسيقية وحطمت أشرطة الغناء.
ولكن منذ عام 2010، أقدم عالم موسيقى أفغانى تدرب فى استراليا، وبمساعدة عازف كمان من الدارسين فى مدرسة جويليارد وهى مدرسة متخصصة فى فنون الأداء كالغناء، وبدعم من الحكومة على الحفاظ على استمرارية مدرسة الموسيقى الصغيرة فى كابول، حيث وضعوا الآلات الموسيقية فى أيدى أطفال الشوارع واجتهدوا من أجل إفساح المجال للبنات فى بلد رفض فى كثير من الأحيان تعليم البنات، وتكللت جهود الإدارة وهؤلاء الموسيقيين الأفغان الشباب الموهوبين بجولة موسيقية ناجحة فى الولاياتالمتحدة حصدوا منها ثناء منقطع النظير، بعد أن قدموا عرضهم فى قاعة كارنيجى فى نيويورك. إن مجرد وجود هذه المدرسة -المعهد الوطنى للموسيقى فى أفغانستان- هو إنجاز كبير لقد تم إرسال مجموعة من الشباب، تتراوح أعمارهم بين 9 إلى 21 إلى الولاياتالمتحدة وقاموا بجولة استغرقت 13 يوما، وقد وصلوا إلى هناك وقدموا بعضا من الأعمال الموسيقية فى مركز كينيدى فى واشنطن وقاعة كارنيجى، وذلك بالإضافة إلى القيام برحلة للتزلج على الجليد فى ليونكرز وزيارة إلى «ذى لابون كنج» فى برودواى. يقول وليام هارفى، وهو عازف كمان أمريكى والقائد الموسيقى لأوركسترا الشباب فى مدرسة الموسيقى فى أفغانستان «إنها المسئولية الملقاة على عاتق الموسيقى للدفاع عن حق البشر ليكون هناك موسيقيون وكذلك ليعبروا عن أنفسهم من خلال الموسيقى».ويضيف «نحن نحتفل بانتصار عودة الموسيقى». وقدم لطلاب الأفغان و عددهم 48 موسيقيا خلال الجولة أعمالا موسيقية تقليدية والأوركسترا فى النمط الغربى بالاشتراك مع عازفين من شباب أوركسترا ولاية ماريلاند كلاسيك وأوركسترا مدرسة سكارسديل العليا مما ساعد فى جمع التبرعات لصالح الجولة. كما قدم الطلاب الأفغان الموسيقيون أعمالا موسيقية فى وزارة الخارجية، والسفارة الإيطالية والبنك الدولى، وسافروا تحت مراقبة الأمن، ومع ذلك حذرهم مسئولون بالسفارة الأمريكية بألا يحاولوا الفرار. ويقول المنظمون كان للجولة أهمية خاصة لأنهم قادمون من بلد تميز بالعنف والبؤس، ويقول مؤسس المدرسة أحمد سارماست الذى يحمل شهادة الدكتوراة فى الموسيقى وحصل عليها من جامعة موناش باستراليا: «لقد حملنا رسالة السلام والاستقرار إلى المجتمع الدولى لنريهم ما حدث من تغيير إيجابى». ذكر مسئولون فى السفارة إن الجولة الموسيقية فى أمريكا قد تمت رعايتها من قبل سفارة الولاياتالمتحدة التى أنفقت أكثر من 300 ألف دولار، كما أن البنك الدولى الذى وافق على تأمين صالة الحفلات الجديدة فى المدرسة وسكن الطلاب قدم أكثر من 100 ألف دولار للرحلة فيما شمل المساهمون الآخرون مؤسسة كارنيجى والمجلس الثقافى الأسيوى. لقد قدم المسئولون فى كارنيجى هول ومركز كينيدى كامل ثقلهم أيضا لدعم الحفلات الموسيقية،لقد أحضرت كارنيجى أطفال المدارس لأداء أعمال فنية فى قاعة شتيرن، كما ساعدت أيضا فى عمل الدعاية ومن جانبه قدم مركز كينيدى جزءا من التكاليف ووضع الأوركسترا الأفغانية على سلسلة مسرح الألفية فى القاعة الرئيسية للحفلات الموسيقية. ويقول جارث روس نائب رئيس مركز كينيدى للمساهمة فى المجتمع المحلى «هذه لحظة بإمكانهم انتزاعها»: «إنهم يفعلون ذلك بهذه الصورة الإيجابية ويصلون إلى الناس، وإلى العالمية: إنها لحظات إلهام خارقة». وإضافة إلى التدريب على نظرية الموسيقى والأدوات الغربية والأفغانية تدرس المدرسة طلابها الذين يبلغ عددهم 141 طالبا مناهج الوزارة التى تتضمن الدراسات الدينية والقرآنية، ومما تجدر الإشارة إليه أن ثلث الطلاب هم من الفتيات اللاتى يكافحن فى كثير من الأحيان للحصول على التعليم الأساسى فى أفغانستان، أما النصف الآخر من الطلاب فهم من دور الأيتام أو ممن كانوا فى السابق أطفال شوارع وكان عدد قليل منهم لديه معرفة موسيقية قبل وصوله إلى المدرسة. ويقول سارماست: إن الطلاب يأتون من جميع الأقاليم تقريبا، ويتكون أعضاؤه من ثلاث جماعات عرقية رئيسية فى البلاد هى البشتون والطاجيك والهزارة. لدينا فسيفساء رائعة من أفغانستان، كما أن جزءا من التزامنا ينطوى على تعزيز التنوع الموسيقى فى أفغانستان. وتشمل الهيئة التدريسية النصف من الغربيين كما أن المدرسة تقدم شيئا آخر فهى مكان آمن. وبالنسبة للعديد من الطلاب فإنها وببساطة أول مرة فى حياتهم التى يبدى فيها الكبار اهتماما إليهم ويشجعون مواهبهم. وفى الواقع قد تكون المدرسة المكان الأسعد فى كابول، ففى منتصف النهار يندفع الأطفال الذين يثرثرون إلى المبنى الأحمر المكون من طابقين، وكل واحد منهم كان يمسك بوعاء من البلاستيك الذى يحتوى على وجبة الغداء فى يد واحدة وزجاجة مياه فى اليد الأخرى، وبعد أن يجلسوا يلتهمون طعامهم إلى آخره ثم يعودون بسرعة إلى الفصل الدراسى مظهرين مستوى من التفاعل نادرا ما يشاهد فى المدارس الأفغانية. وفى الغرفة الضيقة المخصصة للتمارين المكتظة بالأطفال والمدرسين الجالسين على الكراسى التى يفصلها بالكاد شبر واحد كان هارفى يحاول تهدئة الطلاب حتى يتمكنوا من البدء فى التمارين على مقطوعات من الموسيقى الأفغانية والغربية عندما كانوا يحضرون أنفسهم للمشاركة فى حفل صالة كارنيجى.وصرخ بصوت أعلى من الضجيج «نحن نبدأ من الصمت». وبعد أن عاد إليه الهدوء أخذ يردد النوتات للدخول فى أجواء التمارين .وفى غرفة أخرى مخصصة للتمارين أيضا كان هناك فتاتان كانتا تعزفان مقطوعة موسيقية على السيتار وهى آلة موسيقية تشبه العود، وكان فى شدة التركيز. فيما يشرف مدرس فى الغرفة المجاورة على ثلاثة أطفال كانوا يتدربون على آلة الناى الغربية، وفى نهاية الممر حيث الغرف تستقيم هناك فتى رقيق يدعى «أرسون فهيم» فى الرابعة عشرة من العمر يعزف على بيالو سوناتا لموزارت. وكان هناك عازف بيانو آخر. اسمه ميلاد وعمره 18 عاما قدم نفسه أيضا باللغة الإنجليزية بأنه يعتبر نفسه جزءا من باخ. وأعرب الاثنان عن أنهما يشعران بالرهبة من عازف البيانو جلين جولد .يقول ميلاد إن « جولد» كان عبقريا لأنه بإمكانه مشاهدة 12 فيلما فى نفس الوقت، وهذا هو السبب فى أنه يعزف أعمال باخ الموسيقية بشكل جيد. لقد جاءت الطفلة مرجان، وعملت على العزف على آلة الكمان لمدة ثلاث سنوات ويقول هارڤى قائد أوركسترا الشباب إن قصتها تلخص الأمل فى الموسيقى.ويضيف هارفى: «عندما ترى طفلة صغيرة كانت تبيع اللبان فى الشارع لأن والدها تعرض للضرب من قبل طالبان بواسطة سلسلة حديدية بشدة لدرجة أنه لم يتمكن من العمل، وكانت أمها تغسل الملابس لإحضار ما يكفى من المال، فإن ذلك حقا لحظة تاريخية». ويقول: «إن الأمريكيين سئموا حتى من تلك التقارير التى تسخر مما نقوم به والتى تشير إلى كل هذا العنف ولكن مع هذين الحفلين الكبيرين فى نيويوركوواشنطن لقد أظهرنا للناس أننا لا نتخلى عن أفغانستان».